الحزب الحاكم في البرازيل: المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    جوائز الكاف: المغرب حاضر بقوة في الترشيحات لفئات السيدات        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    السلطات المحلية تداهم أوكار "الشيشا" في أكادير    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض        حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرقابة على دستورية القوانين في المغرب. الرقابة الدستورية والرقابة القضائية
نشر في كود يوم 26 - 12 - 2011

إن الرقابة على دستورية القوانين تتخذ شكلين: رقابة سياسية ( قبلية ) ورقابة قضائية ( بعدية)، ويقصد بها عملية التحقق من مدى تطابق القوانين للدستور، لذلك يصطلح عليها بالرقابة الدستورية، عن طريق معاينة مطابقة القوانين للدستور، قبل إصدارها ، أو بعد أن تصبح نافذة، وبذلك تتخذ مسألة مراقبة دستورية القوانين طريقتين: الرقابة الوقائية وتمتد أيضا إلى النظام الداخلي لمجلسي النواب والمستشارين الذي لا يخضع لمسطرة الاصدار1 وهي رقابة وجوب بإحالة من طرف رئيس كل مجلس 2، عكس القانون العادي الذي لا يخضع للرقابة الدستورية إلا بناء على طعن يمارسه ذوي الصفة وهي ما تعرف بالرقابة السياسية، و الرقابة القضائية التي تكون في شكل مراقبة عن طريق دعوى أصلية أي رقابة الإلغاء، أو المراقبة بواسطة الدفع أي رقابة الإمتناع. في الحالة التي تقام بشأنها دعوى لدى الهيئة القضائية المختصة للنظر في الطعن المتعلق بعدم دستورية القانون، إنما يراد من تلك الدعوى إصدار حكم يقضي بدستورية القانون أو عدم دستوريته. فإذا صرح القضاء بعدم دستورية القانون فإنه يعلن إبطاله و إلغاءه. و هذا الطريق من الطعن يعتبره الفقه الدستوري برقابة الإلغاء. أما الرقابة عن طريق الدفع أو رقابة الإمتناع فتكون عندما يقرر القاضي إستبعاد العمل بقانون معين، و لا يعمل بمقتضياته بناء على دفع يثار من أحد أطراف الخصومة، و القانون الذي استبعد يوصف بأنه غير مطابق للدستور أو كونه غير دستوري.
إن ما يميز الرقابة عن طريق الدفع أو رقابة الإمتناع كونها تمارس من طرف المحاكم العادية، و لا يحتاج الأمر التوجه إلى محكمة متخصصة قد تحدث لهذه الغاية. لكن الدستور المغربي ذهب عكس ذلك، و أسندها إلى المحكمة الدستورية بمقتضى الدستور الجديد، علما أن الرقابة الدستورية تعتبر أهم وسيلة لضمان حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من أي تجاوز للسلطة، لكنها تبقى وظيفة رقابية يباشرها ذوي الصفة في تقديم الطعن بعدم الدستورية وهم :
1) الملك 2) رئيس الحكومة 3) رئيس مجلس النواب 4) رئيس مجلس المستشارين 5) خمس أعضاء مجلس النواب 6) أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين .
1- مصطفى قلوش ، رقابة دستورية القوانين على ضوء مقتضيات الفصل 26 من الدستور المغربي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 38-39، 2001، ص 43-44 .
2-راجع الفقرة الثانية من المادة 21 من القانون التنظيمي للمجلس الدستوري
إن فلسفة الدستور هي التي تحدد شكل الرقابة ( سياسية أو قضائية ) و الجهات المخول لها بممارستها مباشرة عن طريق إقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة، أو قد يكون بطريق غير مباشر، بواسطة ممارسة رقابة الإمتناع أو الرقابة بواسطة الدفع أمام المحاكم العادية، مع تحديد الجهات المخول لها بمباشرة مسطرة الرقابة على دستورية القوانين . لكن الرقابة الدستورية قد تنشأ أيضا بمناسبة التنازع الايجابي بين الحكومة والبرلمان فيما يتصل بانعقاد الاختصاص في المجال التشريعي إستنادا الى مجال القانون ( الفصل 46 من دستور 1996) ومجال التنظيم ( الفصل 47 من دستور 1996 ) .
إنه من المعلوم أن الدستور يسمو على سائر السلطات العامة في الدولة ، ولا يجوز خرق أو إنتهاك أحكامه3، فالسلطة التنفيذية ملزمة التقيد به، و السلطة التشريعية بدورها مطلوب منها إحترام مقتضيات الدستور عن طريق إعمال مبدأ تدرج القواعد القانونية بألا تصدر تشريعات تخالف روح الأحكام الدستورية النافذة، و إلا اعتبرت تلك النصوص غير مشروعة يترتب عن ذلك الحكم بعدم دستوريتها لمخالفتها سلطة التأسيس ( أي الدستور ) كوظيفة يتولاها القضاء الدستوري 4.
وهذا النمط من الرقابة أخذ به دستور فرنسا لسنة 1958 لحماية الشرعية الدستورية، وسايرته في ذلك الدساتير المغربية.
إن العمل بالرقابة السياسية ( رقابة وقائية ) على القوانين، وعلى النظام الداخلي لمجلس النواب ومجلس المستشارين كسلطة تشريعية ، الغاية من ذلك إصدار نصوص لا تخالف الدستور، وهي رقابة إجبارية تمارسها المحكمة الدستورية التي لها الحق في ذلك بمقتضى دستوري5.
لكن في المقابل توجد رقابة اختيارية قد تباشرها الجهة التي تملكها، وقد لا تتولاها لاعتبارات معينة، كما هو حال المراسيم بمثابة قوانين التي تخرج من رقابة المحكمة الدستورية 6، وهذا ما يعزز فرضية إصدار قوانين مخالفة للدستور لم تكن محل رقابة سياسية


3 Abdeltif MENOUNI, Instituions politiques et droit Constitutionnel, Tome I, Editions Toubkal, Casablanca, 1991, pp.99-103.
4- الفصول من 129 إلى 134 من الدستور المغربي الجديد تقابلها الفصول من 78 إلى 81 من دستور 1996 .

5- ينص الفصل 132 ( فقرة 3) من الدستور الجديد " يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب،
أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا
القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور".

6- المادة 9 من القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية المؤرخ في 10 سبتمبر 1993، قضت بأن الطعن في
المقررات التنظيمية ، والفردية الصادرة عن الوزير الأول هو من اختصاص محكمة النقض ( المجلس الأعلى سابقا ) .

سابقة، وقد لا يتم تدارك الأمر إلا عن طريق الأخذ والعمل بمبدأ الرقابة القضائية كرقابة بعدية أو لاحقة لإصدار القوانين، لأنه قد يصدر قانون يتضمن مقتضيات مخالفة للدستور ( القانون العادي ) في حال عدم الطعن فيه من طرف ذوي الصفة، وفي هذا الإطار نكون أمام رقابة اختيارية عكس الرقابة الوجوبية التي تستلزم تدخل القضاء الدستوري ( المحكمة الدستورية ) ومجالها القوانين التنظيمية وعمليات الاستفتاء، والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين.
إن أمر التحقق من مطابقة القانون للدستور يسند إلى هيئة تتخذ شكل رقابة سياسية أو قضائية، وهذا ما يجعل من الرقابة الدستورية على القوانين أن تكون إما: رقابة سياسية ( المبحث الأول ) أو رقابة قضائية ( المبحث الثاني ) .
I- المبحث الأول : في الرقابة السياسية على دستورية القوانين: ( le Contrôle préventif)
تسمى بالرقابة السياسية 7 لكونها رقابة قبلية تتولاها هيئة دستورية تتكون من أعضاء ينتدبون عن طريق مسطرة التعيين يفترض فيها الاستقلالية عن جميع السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية لكونها تمارس اختصاصات قضائية قبل إصدار القانون ليكون نافذا. و يصفها الفقه الدستوري بالرقابة الوقائية، وظيفتها التحقق من مطابقة التشريع للدستور. فهي بذلك رقابة قبلية أو سابقة على إصدار القانون، بحيث لا يكون القانون نافذا إلا بعد إعمال مبدأ الرقابة من طرف الهيئة المسند إليها ممارسة الإختصاص المذكور عادة ما تتولاه هيئة كالغرفة الدستورية أو المجلس الدستوري أو المحكمة الدستورية، و ذلك تبعا للأنظمة الدستورية لكل بلد. ففرنسا تعتبر الوطن الأم لنشأة هذا النوع من الرقابة 8، يضطلع بها المجلس الدستوري (Le Conseil constitutionnel )، وفقا لما قرره دستور 1958 في المادة 56. وفي المغرب اضطلعت بتلك الوظيفة في البداية الغرفة الدستورية9 ( دستور 1962)، ثم المجلس الدستوري ( دستور 1992 والتأكيد عليه في دستور 1996) ليتقرر في دستور 2011 تسمية الهيئة بالمحكمة الدستورية، وهذا الشكل من الرقابة عادة ما يفحص دستورية القوانين، والنظر في الطعون الانتخابية التي تهم الانتخابات التشريعية الخاصة بمجلس النواب ومجلس المستشارين ،وهي إما رقابة اختيارية أو رقابة وجوبيه تسمى بالرقابة الأصلية، لكن قد يحث أن تمارس الهيئة المكلفة بالرقابة الدستورية على القوانين رقابة عرضية قد تعاينها بمناسبة النظر في طعن معروض عليها .
- Abdeltif MENOUNI, op.cit, p.99.7
8- Louis Favoreu , Les Cours Constitutionnelles, 2e édition , Editions PUF , Paris,1992,p.90.
9- عبد الهادي بوطالب، المرجع في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، الجزء الأول ، دار الكتاب الدار البيضاء 1979، ص 298
إن القيام بالرقابة الدستورية على القوانين اختصاص مطلق مسند إلى المحكمة الدستورية 10 بمقتضى الدستور، لا يشاركها فيه القضاء بأي شكل من الأشكال سواء تعلق الأمر بممارسة رقابة الإلغاء أو رقابة الامتناع. فالدستور المغربي لم يقرر للإفراد حق الدفع بعدم دستورية القوانين أمام القضاء الدستوري مباشرة، وبالمقابل أجاز إثارة الدفع بعدم دستورية قانون معين بمناسبة النظر في قضية معروضة على المحاكم11 ( مدنية، جنائية، إدارية أو تجارية ) . إن القاضي الدستوري ملزم بتحقيق العدالة الدستورية عن طريق إعمال مبدأ مراقبة مدى مطابقة القوانين للدستور، علما أن المراسيم لا تخضع للرقابة الدستورية للمحكمة الدستورية، بل أقر القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية صراحة بأن النظر في مشروعية المراسيم هو من اختصاص محكمة النقض 12 ،وبذلك فالدستور المغربي لم يدرج رقابة دستورية المراسيم من ضمن صلاحيات المحكمة الدستورية ، وهي بذلك تندرج ضمن مسطرة رقابة المشروعية كاختصاص مسند إلى القضاء الإداري وليس الى القضاء الدستوري.
الفرع الأول: القوانين العادية والقوانين التنظيمية كمجال للرقابة و الدستورية:
لقد أشار الدستور المغربي إلى أن القانون يصدر عن البرلمان بالتصويت (طبقا للفقرة الأولى من الفصل 45 من دستور1996 ) يقابله الفصل 70 من دستور 2011 كوظيفة تشريعية، علما أن العملية التشريعية بمقتضى الدستور، يتقاسمها كل من البرلمان والحكومة.
إن مجال القانون العادي تم تحديده بموجب الفصل 46 ومواد أخرى من دستور 1996 ، يقابله الفصل 71 من دستور 2011 ،في حين أن مجال القوانين التنظيمية يتميز بأنه اختصاص يمارس بناء على مقتضى دستوري صريح ، بحيث لا يجوز للبرلمان سن قانون تنظيمي إلا أمام صراحة المشرع الدستوري، كما أنها تخضع للرقابة الوجوبية القبلية المباشرة للمحكمة الدستورية لكونها من المقتضيات المكملة للمحكمة للدستورية.
أولا: القوانين العادية كمجال للرقابة الدستورية : المجال التشريعي
إن الرقابة الدستورية على القوانين العادية مناطها التحقق من مدى مطابقة القانون مع الدستور، تمارسها المحكمة الدستورية بصفة قبلية والتي تهم الجانب

10- راجع الفصلين 132 و 133 من الدستور الجديد .
11- راجع الفصل 133 من الدستور .
12- راجع المادة 9 من القانون رقم 90 -41 المحدث للمحاكم الإدارية .

الشكلي 13 كما الجانب الموضوعي للقانون، وهي رقابة غير وجوبية أي كونها اختيارية.
فطبقا للفصل 46 من دستور الفصل 71 من دستور 2011 :
فمجال القانون يشمل : الحقوق الفردية والجماعية ، تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها، المسطرة المدنية والمسطرية الجنائية وإحداث المحاكم ، النظام الأساسي للقضاة، النظام الأساسي للوظيفة العمومية، الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين، النظام الانتخابي لمجالس الجماعات المحلية، نظام الالتزامات المدنية والتجارية ، إحداث المؤسسات العمومية، تأميم المنشآت ونقلها من القطاع العام إلي القطاع الخاص، التصويت على قوانين الإطار .
تنضاف إلى المجال التشريعي المذكور، بمقتضى الفصل 46 من 1996 ( الفصل 71 من دستور 2011 ) اختصاصات أخرى موزعة على أبواب الدستور تتمثل في : حدود ممارسة الحريات العامة ( الفصل 9 )، الإجراءات الجنائية ( الفصل 10 ) ، ضمان حق الملكية والمبادرة الخاصة ( الفصل 15) ، إحداث التكاليف وتوزيعها ( الفصل 17 )، المعاهدات التي تلزم مالية الدولة ( الفصل 31 )، قانون الإذن ( الفصل 49) ، إصدار قانون المالية ومخططات التنمية ( الفصل 50 )، اختصاص المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات وقواعد تنظيمها وطريقة سيرها ( الفصل 99 ) .

يستخلص إذن بأن مجال البرلمان في سن القوانين محدود بمقتضى الدستور على سبيل الحصر مع إسناد ما دون ذلك للسلطة التنظيمية 14 ( القوانين التنظيمية ) كما هو ظاهر من الفصل 72 من دستور 2011 الذي نص « يختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون ».
ثانيا : القوانين التنظيمية ( Lois organiques ) كمجال للرقابة الدستورية : المجال التنظيمي
إن سن القوانين التنظيمية يتم إستنادا الى نص دستوري لكونها توصف بالقوانين المكملة للدستور ، وهي تخضع وجوبا للرقابة الدستورية . هذه القوانين التنظيمية ، لا تختلف عن القوانين العادية ، إلا من حيث الشكل كمعيار يميزها ، كونها تخضع الى قيود إجرائية غير تلك المعمول بها في مجال إصدار القوانين العادية ، وتتمتع بحماية أكبر من القوانين العادية تتخذ

13 يتعلق الأمر بالإجراءات الشكلية كقواعد الاختصاص، والمراحل التي يتطلبها القانون للتصويت عليه.
14 محمد اشركي، المجال التنظيمي المستقل : شيء من الحقيقة وشيء من الوهم ، المحلية المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد22 ،1998 ، ص.17.
شكل حماية قبلية ، وحماية بعدية 15 . بالنسبة للحماية القبلية تكون حين تدفع الحكومة بعدم قبول كل اقتراح أو تعديل لا يندرج ضمن صلاحيات السلطة التشريعية ، يتولى المجلس الدستوري ( المحكمة الدستورية ) الفصل في الخلاف داخل أجل 8 أيام بطلب من احد مجلسي البرلمان أو من الحكومة ، لأنه لا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية ، إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور ( الفصل 85) .
وتجدر الإشارة في هذا الإطار فإنه بالإضافة للقوانين التنظيمية توجد أيضا المراسم التنظيمية ، فإذا كان المرسوم يستند الى قانون معين يكيف بأنه مرسوم تطبيقي وإذا كان يستند الى الدستور فهو يعتبر مرسوم تنظيمي مستقل.
وتأسيسا على ما سبق ، فإن الفصل 48 من دستور 1996 أجاز للحكومة بأن تغير بمرسوم النصوص التشريعية من حيث الشكل بعد موافقة المجلس الدستوري إذا كانت تدخل ضمن مجال السلطة التنظيمية ويتعلق الأمر بالنصوص التي صدرت في شكل قانون، أو ظهير أو مرسوم ملكي أو ظهير بمثابة قانون أو مرسوم ملكي بمثابة قانون 16 . وبناءا على ذلك يمكن اللجوء الى مسطرة تغيير القوانين ( التشريع ) بمقتضى مرسوم ، بعد موافقة المحكمة الدستورية ، إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصها ( الفصل 73 من دستور 2011 ) . ان مواد الدستور التي تهم المجال التنظيمي أي القوانين التنظيمية ، عادة ما تكون محصورة ، كما هو حال الدستور المغربي والتي تهم بصفة أساسية تنظيم السلطات العامة وسير المؤسسات الدستورية 17 كما يلاحظ من فصول دستور 2011 : 5 و 7 و10 و14 و 15و 29و44 و49 و 62 و63 و112 و 116و 131و 133و146 و153، ويستخلص بأن فصول الدستورية التي تتعلق بالقوانين التنظيمية بلغت 16 فصلا مقابل 9 في دستور 1996 ( 14 و21 و37 و38 و42 و50 و80 و92 و95 ) وبذلك يبدو أن مجال السلطة التنظيمية قد توسع في الدستور الجديد، مقارنة مع دستور 1996، لكنهما معا لم يعرفا القوانين العادية أو القوانين التنظيمية، علما أن القوانين التنظيمية هي تلك القوانين التي يعترف لها الدستور بهذه الصفة 18 وتخضع لإجراءات خاصة أهمها الرقابة الوجوبية أو الإجبارية للقضاء الدستوري .

15 محمد أشركي، المجال التنظيمي المستقل: شيء من الحقيقة وشيء من الوهم ، مرجع سابق ، ص 26 .
16 محمد أشركي ، المرجع السابق ، ص 24 .
17 مولاي هشام إدريسي، القانون والتنظيم في الدستور المغربي: دراسة تحليلية في المفهوم والاختصاص، المجلة المغربية للإدارة
المحلية والتنمية عدد مزدوج 72 73 ، 2007 ، ص 30 31 .
18 مصطفى قلوش، الإطار القانوني والفقهي للقوانين التنظيمية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد47، 2002،
ص.1112.

الفرع الثاني: إختصاصات المحكمة الدستورية في مجال الرقابة الدستورية :
تقرر إحداث المحكمة الدستورية في المغرب بمقتضى دستور 2011 ( الفصل 129 وتختص بممارسة الرقابة على دستورية القوانين، إذا تضمنت الفقرتين 1 و2 من الفصل 132 من الدستور « تمارس المحكمة الدستورية الاختصاصات المسندة إليها بفصول الدستور ، وبأحكام القوانين التنظيمية، وتبت بالإضافة الى ذلك في صحة انتخاب أعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء . تحال الى المحكمة الدستورية القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها، والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور» كما أضاف الدستور الجديد اختصاص لم يكن مألوفا في الدساتير السابقة او في القوانين العادية، ويتعلق الأمر بالاختصاص المتعلق بالنظر في كل دفع يتعلق بعدم دستورية قانون ( الفصل 133 ) هذا النوع من الرقابة يعرف بالرقابة عن طريق الدفع أو رقابة إمتناع .
إنه بمقتضى التعديلات الدستورية تم التأكيد من جديد بأن المحكمة الدستورية تحتكر مجال الرقابة على دستورية القوانين سواء تعلق الأمر بالرقابة الوقائية ( الرقابة السياسية) التي تتوخى بأن يصدر القانون يشكل مطابق للدستور أو تعلق الأمر بالرقابة عن طريق الدفع ( رقابة امتناع ). وعلى هذا الأساس يستخلص بأن الدستور المغربي أخذ بالرقابة السياسية والرقابة عن طريق عن طريق الدفع مع احتكار مجال الاختصاص للمحكمة الدستورية لمعنى عدم جواز البث في دستورية القوانين من طرف المحاكم ( مدنية، جنائية، إدارية، أو تجارية). فالرقابة الدستورية على القوانين هي الآلية التي تضمن للدستور سموه تطبيقا لمبدأ التدرج في قوة القواعد القانونية ، بحيث يتعين وجوبا أن تكون القاعدة الأدنى تطابق القاعدة الأعلى درجة وإلا اعتبر باطلة 19 وهو المبدأ المدني الذي اخذ به دستور 2011 في فصله 6 ، مؤكدا " تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيها، ووجوب نشرها ، مبادىء ملزمة ".
إن الرقابة الدستورية يراد منها إقران توازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، في إطار العمل بمبدأ دولة القانون الذي يستلزم القبول بسلطة الدستور دون تعسف من أي سلطة كانت ، وأعمال الرقابة الدستورية تشمل القوانين التنظيمية والعادية، والقانون الداخلي لمجلس النواب ومجلس المستشارين، نشير الى أن قرارات المحكمة الدستورية غير قابلة للطعن، فهي ملزمة لجميع السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية20 علما أن الرقابة الدستورية على القوانين نوعان إما إجبارية أو اختيارية .

19 محمد عرب صاصيلا، الموجز في القانون الدستوري، الطبعة 1 مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ، 1981، ص 132.
20 راجع الفقرة 2 من الفصل 134 من الدستور المغربي : والمادتين 62 و63 من الدستور الفرنسي لعام 1958، والفقرتين 6 و7 من الفصل 81 من دستور 1996 .

أولا: الرقابة الإجبارية: Le Contrôle obligatoire

إن أسلوب الرقابة الدستورية على القوانين يستهدف صدور قوانين مطابقة للدستور، لذلك فهو يتحدد كأسلوب وقائي يحول دون إصدار قوانين تخالف الدستور21 ، و الذي قد يكون إجباريا أو إختياريا، عندما تكون الرقابة إختيارية فالقوانين قد تصدر دون إخضاعها لرقابة المحكمة الدستورية ( المجلس الدستوري)، و تكون إجبارية أو وجوبية حينما يستحيل إصدار القانون إلا بعد تدخل المحكمة الدستورية و مجالها القوانين التنظيمية تطبيقا للفصل 85 ( الفقرة 3) من دستور 2011، الذي نص صراحة بأنه « لا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية، إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور»، و هو ذات الموقف الذي عمل به المشرع الدستوري في فرنسا، بمقتضى دستور 1958 ( الفقرة الأولى من المادة 61)، فالرقابة الوجوبية مناطها التحقق من مطابقة أعمال السلطة التشريعية للدستور، فالقانون لا يمكنه أن يصدر دون موافقة المحكمة الدستورية كهيئة رقابية، كما أن الملك هو من يصدر الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه، و بعد إصدار الأمر بتنفيذ القانون ينشر بالجريدة الرسمية، خلال أجل أقصاه شهر إبتداءا من تاريخ ظهير إصداره22.
إذا كانت الرقابة الوجوبية مجالها الواسع هو القوانين التنظيمية، فإن الدستور أضاف إليها النظام الداخلي لمجلس النواب ومجلس المستشارين الذي لا يمكن العمل بمقتضياته إلا بعد معاينة مطابقه للدستور، من طرف المحكمة الدستورية، وهو إجراء وجوبي، هذا النوع من الرقابة الإجبارية ينصب على القانون شكلا و موضوعا، للتأكد من ناحية الشكل بان القانون موضوع الرقابة استوفى سائر الإجراءات الشكلية المقررة بمقتضى الدستور 23، و كونه من مشمولات القوانين التنظيمية الواردة حصريا في الوثيقة صلب الدستورية، ومن ناحية الموضوع فإن الرقابة تستهدف فحص القانون مادة مادة للتأكد من مطابقته للدستور من عدمه، علما أن المادة 92 ( فقرة 2 ) من النظام الداخلي لمجلس المستشارين تنص بأنه « لا يمكن إصدار القوانين التنظيمية إلا بعد تصريح المجلس الدستوري بمطابقتها للدستور » .


21 علي الباز، الرقابة على دستورية القوانين في مصر، دراسة مقارنة، دار الجامعات المصرية، الإسكندرية، 1982، ص، 42.
22 راجع الفصل 50 من دستور 2011.
23 راجع الفصل 58 من دستور 1996 و الفصل 69 من دستور 2011، الذي نص بأنه « يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي و يقره بالتصويت، إلا أنه لا يجوز العمل به إلا بعد ان تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته لأحكام هذا الدستور».
إن الفقه الدستوري، يعتبر القوانين التنظيمية بأنها تحتل مركزا وسطيا بين الدستور و القانون العادي، فهي جزء مكمل للكتلة الدستورية، لكن أدنى من القواعد الدستورية، و أعلى من القوانين العادية. هذا المركز الدستوري هو من يصبغ عليها صفة لزوم الرقابة الدستورية عليها لتكون نافذة، تمارسها المحكمة الدستورية، و على العكس من ذلك فالرقابة الاختيارية ( Facultatif ) مفادها أنها جوازية، فقد يصدر القانون دون أن يخضع للرقابة الدستورية. وعليه يستخلص من مقتضيات الدستور المغربي أن الرقابة على دستورية القوانين سواء كانت وجوبية أو إختيارية بناء على إحالة تكيف بأنها رقابة أصلية تمارسها المحكمة الدستورية تتولى بموجبها فحص مطابقة القانون للدستور. توجد حالة رقابة خاصة تكيف بأنها رقابة عرضية قد تمارسها المحكمة الدستورية دون أن يكون مطلوبا منها النظر في دستورية القوانين24، إن كلا من الرقابة الوجوبية و الرقابة الموازية هي رقابة سياسية وقائية سابقة على إصدار القوانين.
ثانيا: الرقابة الجوازية Le Contrôle Facultatif

إن الرقابة الإختيارية أو الجوازية مفادها إمكانية إصدار القوانين دون عرضها على المحكمة الدستورية، الأمر الذي قد تتضمن مقتضيات مخالفة للدستور بسبب عدم فحصها ضمن عملية الرقابة السابقة على إصدارها.
في فرنسا تمارس الرقابة الإختيارية على القوانين بإحالة صريحة على المجلس الدستوري من طرف رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس الشيوخ أو 60 عضوا من الجمعية الوطنية أو مجلس الشيوخ25 إن كان ذلك ضروري و في المغرب تمارس المحكمة الدستورية إختصاص الرقابة الجوازية التي تستهدف القوانين العادية حينما تحال عليها من طرف ذوي الصفة وهم: الملك، أو رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أوخمس أعضاء مجلس النواب أو 40 عضوا من أعضاء مجلس المستشارين و تبث المحكمة الدستورية في الحالة المعروضة عليها داخل أجل شهر من تاريخ الإحالة. غير أن هذا الأجل يخفض في حالة الإستعجال إلى ثمانية أيام، بطلب من الحكومة 26.


24-مصطفى قلوش، رقابة دستورية القوانين على ضوء مقتضيات الفصل 26 من الدستور المغربي، مرجع سابق، ص.55.
25-راجع المادة 61 من دستور فرنسا لعام 1958 كما تم تعديلها في1974.
26- راجع الفقرتين 3 و 4 من الفصل 132 من دستور 2011.

وجدير بالذكر أن رقابة دستورية القوانين في المغرب تستهدف القوانين التنظيمية و القوانين العادية بناء على إحالته أو طعن ، أي تلك القوانين التي يصادق عليها البرلمان بما فيها القانون التنظيمي، الخاص بمجلس النواب و مجلس المستشارين، و تستثنى منها القوانين التي يضعها الملك، أو تلك التي تصدر بمرسوم تشريعي.

ويستخلص من طبيعة الرقابة على دستورية القوانين بالمغرب بأنها رقابة سياسية وقائية سابقة لإصدار القانون، فعندما تكون الرقابة إختيارية قد يصدر قانون مخالف للدستور، و هو ما يعني أن المحكمة الدستورية لا يمكنها في هذه الحالة أن تفحص دستورية القانون المذكور لكونها لا تمارس الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين بإستثناء ما تضمنه الفصل 133 من دستور 2011، الذي أقر مبدأ الطعن في دستورية القوانين عن طريق الدفع قد يمارسه الأفراد والمنظمات النقابية والحقوقية و الأحزاب السياسية، يثار بمناسبة النظر في قضية معروضة على المحاكم يطلب منها عدم تطبيق القانون على النزاع لمساسه بالحقوق و الحريات التي يضمنها الدستور ويخالفها القانون فيها.

و تمثل إحالة القوانين على المحكمة الدستورية من طرف الملك قبل إصدار الأمر بتنفيذها، لتبت في مطابقتها للدستور إحدى الصلاحيات المسندة إليه بمقتضى الفصل 132 من دستور 2011، الذي يقابله الفصل 81 ( الفقرة 3) من دستور 1996، و الإحالة التي يتولاها الملك هو طعن في دستورية قانون معين قد يمارسه و قد لا يمارسه، وهذا النوع من الطعن يندرج ضمن الرقابة الإختيارية للملك على القوانين. لكن قد يحصل أن لا يمارس الملك الطعن في قانون ما، و بعد أن يحال عليه في إطار ما يعرف بمسطرة الإصدار التي يتولاها الملك ليكون القانون نافذا، يتبين له أن القانون غير دستوري أو كون بعض من مقتضياته تتعارض مع الدستور، في هذه الحالة أجاز الدستور للملك أن يطلب من كلا مجلسي البرلمان لا أن يقرأ قراءة جديدة كل مشروع أو مقترح قانون. تطلب القراءة الجديدة بخطاب، و لا يمكن أن ترفض هذه القراءة الجديدة ( الفصل 95 من دستور 2011 يقابله الفصل 69 من دستور 1996)، علما أن البرلمان لا يحق له رفض طلب القراءة الجديدة للقانون ومن صلاحيات الملك أيضا حل البرلمان الذي قد يستهدف مجلس النواب أو مجلس المستشارين أو هما معا ( الفصل 96 من الدستور ) ويتخذ القرار بمقتضى ظهير بعد أن يوجه الملك خطابا الى الأمة.


المبحث الثاني : الرقابة القضائية على دستورية القوانين:
يقصد بالرقابة القضائية تلك التي تمارس من طرف هيئة قضائية مشكلة من قضاة متمرسين يتصفون بالإستقلالية و النزاهة في القيام بوظيفتهم القضائية، فهم أكثر مصداقية لتولي مهام فحص دستورية القوانين ومعاينة مدى تطابقها لمقتضيات الدستور من عدمها. هذا النوع من الرقابة القضائية يسمح للأفراد ضمان حق حرية التقاضي، على العكس منه في الرقابة السياسية، لكونها مسطرة مقيدة وهي بحق رقابة غير فعالة. لكن الرقابة القضائية يعتبرها الفقه الدستوري رقابة حقيقية بإمتياز، لكونها تسمح للأفراد المطالبة إما بإسقاط نص قانوني، أو بإبعاده. فالرقابة القضائية تمارسها السلطة القضائية حين التنصيص على ذلك صراحة في الدستور، و التي تكون في شكل رقابة قضائية عن طريق دعوى أصلية تطعن في عدم دستورية نص قانوني و يسمى هذا النوع من الرقابة أيضا برقابة الإلغاء . فالقاضي بإمكانه إبطال القانون غير الدستوري (الفرع الاول)، أو الرقابة القضائية عن طريق الدفع أو رقابة الإمتناع و التي بموجبها يقرر القاضي عدم إعمال نص محل تطبيق في القضية المعروضة عليه(الفرع الثاني).
الفرع الأول: الرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدعوى الأصلية أو رقابة الإلغاء: ( le Contrôle par voie d'action)

يعرف بأنه الطعن الذي يتقدم به إبتداء رافعه الذي تضرر من قانون معين، بوصفه صاحب المصلحة يطالب بموجبها إلغاء القانون المخالف للدستور، فهو بهذه المناسبة يبادر على عكس ما هو عليه الأمر في الرقابة عن طريق الدفع فالمتضرر من القانون يكون في وضعية دفاعية، يطالب القضاء الامتناع عن تطبيق القانون المطعون فيه على النزاع وليس المطالبة بإلغاءه فهذا الشق من الطعن يقدم بواسطة دعوى أصلية أمام المحكمة المختصة .
ويقدم هذا الطعن مباشرة إلى المحكمة المختصة من طرف المتضرر يستهدف منه إلغاء القانون المطعون فيه لكونه صدر مخالفا للدستور، فالمحكمة إذا ما ارتأى لها أن القانون المطعون فيه لا يخالف الدستور تقضي برفض الطعن، وفي حال ما إذا تحقق لها مخالفته للدستور فإنها تصرح بإلغائه 27.
إن الطعن في قانون معين بمباشرة دعوى رقابة الإلغاء، إنما يمارس حيادا عن أي دعوى رائجة، فهذا النوع من الطعون هو ما يعرف بالرقابة القضائية عن طريق الدعوى ، عكس ما هو عليه الوضع عند إعمال مبدأ الرقابة عن طريق الدفع .
ومن المعلوم أن ممارسة رقابة الإلغاء من طرف الأفراد يجب أن يتم التنصيص صراحة على إسناد هذا الإختصاص في صلب الوثيقة الدستورية إلى القضاء 28، عادة ما تتولاه محكمة
27- عبد الهادي بوطالب، المرجع في القانوني الدستوري والمؤسسات السياسية، مرجع سابق ص 290
28- امحمد مالكي، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، 2001، ص . 75
قضائية عليا أو محكمة دستورية مختصة تنحصر وظيفتها في ممارسة الرقابة على دستورية القوانين أو النظر في طعون معينة خصها بها الدستور، ففي مصر أوكل المشرع الدستوري الفصل في دستورية القوانين إلى المحكمة الدستورية العليا ( دستور 1971) .
إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدعوى الأصلية لجديرة بالملاحظة خاصة أن البرلمان قد يصدر قانونا مخالفا للدستور أو على الأقل قد يتضمن مقتضيات مخالفة للدستور، و هذا الأمر قد يتحقق بالنسبة للقوانين العادية التي يصدرها البرلمان دون أن تكون موضوع طعن من طرف الجهات المخول لها ذلك بمقتضى الدستور29( الملك أو رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين ). فالرقابة الإختيارية أي غير الوجوبية، قد يترتب عنها إصدار قوانين وهي مخالفة للدستور بالنظر إلى كونها لم تكن محل رقابة سياسية وقائية سابقة لإصداره من طرف المحكمة الدستورية ( المجلس الدستوري) و بالتالي يتولد عن هذا الوضع تعارض القانون الأدنى مع القانون الأعلى، علما أن المحاكم ملزمة باحترام مقتضيات الدستور عن طريق الإمتناع عن تطبيق القوانين المخالفة له، وهذا النوع من الرقابة هو رقابة إمتناع أو رقابة عن طريق الدفع.
أولا: مجال الرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدعوى الأصلية:
إن الدستور المغربي نظم موضوع الرقابة على دستورية القوانين فأسندها إلى هيئة بعينها، هي المحكمة الدستورية، التي تنفرد بإحتكار مجال الرقابة الدستورية لا تتقاسمه مع أي جهة قضائية أو غير قضائية، فهو اختصاص مطلق.
إن الدعوى الأصلية تستهدف إلغاء و إبطال القانون غير الدستوري فهي وسيلة هجومية يمارسها الطاعن حيادا عن أي نزاع عندما يقرر الدستور للمحاكم ممارسة إختصاص رقابة الإلغاء، و على العكس من ذلك فإنه يستعذر عليها مباشرة الرقابة اللاحقة. خاصة إذا علمنا بان الدستور المغربي لا يجيز للأفراد والمنظمات و الأحزاب الطعن بعدم دستورية القوانين عن طريق الدعوى الأصلية سواء تعلق الأمر بالرقابة السابقة ( الرقابة السياسية) أو الرقابة اللاحقة، و عليه فالرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدعوى مجالها القضاء الدستوري يتولاها قبل إصدار الأمر بتنفيذها تطبيقا لمقتضيات الدستور المغربي بناء على إحالة من ذوي الصفة، عندما تكون الرقابة إختيارية ( القوانين العادية) أو ضمن آلية الرقابة الوجوبية عندما
29-راجع الفصل 132 ( الفقرة 3) من دستور 2011.
يتعلق الأمر بالقوانين التنظيمية، و في هذه الحالة نكون أمام رقابة الإلغاء السابقة، فرقابة الإلغاء اللاحقة لامكانة لها في الدساتير المغربية بإستثناء الحالة الفريدة التي قررها دستور 2011، و المتمثلة في الرقابة عن طريق الدفع لكنها لم تسند إلى المحاكم بل أوكلها المشرع الدستوري إلى المحكمة الدستورية30، و يفهم من القانون الدستوري المغربي أنه لا ينص على جواز الطعن في دستورية قانون صدر و أصبح نافذا عن طريق دعوى ترفع بصفة أصلية إلى القضاء للحكم بإلغائه، فهذا الإختصاص تتولاه حصريا المحكمة الدستورية ( المجلس الدستوري) ضمن آلية رقابة الإلغاء السابقة على إصدار القانون و ليس لاحقة لإصداره، فالدول التي تأخذ بنظام رقابة الإلغاء اللاحقة عن طريق رفع دعوى أصلية عادة ما يتم إسناد الفصل في الدعوى الدستورية إلى محكمة قضائية عليا ينضاف إلى جانب إختصاصها القضائي كدستور سويسرا، كما قد يسند الفصل في الدعوى إلى محكمة دستورية متخصصة ينحصر إختصاصها النظر في الطعون المتعلقة بدستورية القوانين دون غيرها من الطعون، وهو الطريق الذي أخذت به مصر في دستورها الصادر في سنة 1971 الذي بموجبه تم إسناد الفصل في دستورية القوانين إلى المحكمة الدستورية العليا بصفة حصرية 31، إلا أن النظام الدستوري المغربي لم يأخذ بنظرية رقابة الإلغاء اللاحقة منذ دستور 1962 معتمدا بذلك نهج المشرع الدستوري الفرنسي ذات النزعة الرقابية القبلية أي أخذه برقابة الإلغاء السابقة على إصدار القانون و بذاك لا مجال لممارسة الرقابة القضائية من طرف المحاكم على دستورية القوانين عن طريق الدعوى الأصلية.
هذا التأويل يعتبر في نظرنا خاطئ لأنه لا يجد له سند في الدستور ليمكن القول بان المحاكم ليس من حقها ممارسة أعمال الرقابة على دستورية القوانين العادية، خاصة إذا لم تكن موضوع رقابة سابقة يتولاها المجلس الدستوري ( المحكمة الدستورية)، أخذا بعين الإعتبار بأن " السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية و عن السلطة التنفيذية " 32.فإصدار قوانين قد تكون ماسة بالحقوق و الحريات أجازت التشريعات الدستورية المقارنة الطعن فيها عن طريق الدفع و هو غير طريق الطعن بواسطة دعوى أصلية، في الحالة الأولى يستهدف الدفع التصريح بعدم دستورية القانون لعدم تطبيقه على الدعوى وإبعاده، و في الحالة الثانية الغاية من الطعن إلغاء القانون.

30-راجع الفصل 133 من دستور 2011.
31-هاني علي الطهراوي، النظم السياسية و القانون الدستوري، مرجع سابق، ص.367.
32-راجع الفصل 107 من دستور 2011 يقابله الفصل 82 من دستور 1996 الذي ينص بأن « القضاء مستقل عن السلطة
التشريعية وعن السلطة التنفيذية ».
إنه من المعلوم أن التشريع الدستوري تسمو قواعده على قواعد القانون العادي، وبناء على قاعدة تدرج القوانين فالتشريع العادي لا يمكنه أن يعدل أو يلغي مقتضيات تضمنها الدستور لسبب بسيط هو أن الدستور يتم إقراره عن طريق مسطرة الإستفتاء، و بعد إعلان المجلس الدستوري موافقة الشعب المغربي على مشروع الدستور يصبح ملزم للجميع ( الفصل 70 من دستور 1996). في المقابل يعرف القانون بأنه كل تشريع يصدر عن البرلمان 33، لأن كل تشريع هو بالضرورة قانون، إلا أن كل قانون ليس بالضرورة تشريعا. إن التأكيد على هذه المبادئ الدستورية و القانونية الغاية منها محاولة تبيان التعارض القائم بين القواعد الدستورية و القواعد القانونية فيما يتصل بإعمال مبدأ الرقابة على دستورية القوانين من طرف المحاكم، فالدستور لم يقرر بأنه يحظر عليها فحص دستورية قانون معين عند الدفع بها من طرف أحد أطراف الدعوى المعروضة عليها. و بالمقابل نجد بأن الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية و الفصل 50 من القانون 90-41 يقرران أنه « لا يجوز للجهات القضائية أن ثبت في دستورية القوانين».
إن التنصيص على منع المحاكم البث في دستورية القوانين بناء على قانون عادي سنه البرلمان يدفعنا إلى القول بتحقق حالة التنازع بين قانونين متعارضين في المرتبة و الدرجة 34، صادرين عن مشرعين مختلفين 35، و هكذا فالمقرر هو أن التشريع الأعلى ( الدستور) يلغي التشريع الأدنى ( القانون) و العكس غير صحيح، علما أن السلطة ملزمة الخضوع لمبدأ تدرج القوانين إذ يتقيد الأدنى بالأعلى.
وهكذا فمبدأ دستورية القوانين يوجب في حالة تعارض قانون أو تشريع مع نص دستوري فإن هذا القانون أو التشريع يعتبر غير دستوري، و هو ما ينطبق على الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية و الفصل 50 من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية عند تنصيصهما على عدم الجواز للمحاكم البث في دستورية القوانين، و الحال أن الدستور المغربي لم يقرر هذا المنع أو أنكره على القضاء، و البرلمان حين سنه لنص يقضي بحرمان القضاء



33-الفصل 45 من دستور 1996 ينص على أن "القانون يصدر عن البرلمان بالتصويت".
34-مصطفى قلوش، رقابة دستورية القوانين على ضوء مقتضيات الفصل 26 من الدستور المغربي، مرجع سابق، ص.59.
35-هشام خالد، التنازع الإنتقالي في تنازع القوانين، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2001 ص.7.


البث في دستورية القوانين يكون قد تجاوز صلاحياته بتعديه على سلطة التأسيس ( الدستور) و على سلطة القضاء، علما أن البرلمان هو بدوره سلطة متفرعة عنه و بذلك فهو ملزم باحترام مبدأ فصل السلطات، و لا يحق له بأي حال من الأحوال أن يصدر قوانين عادية تتعارض مع الدستور فالقضاء يستلزمه احترام الدستور و إهمال القانون العادي عند معاينته قيام حالة تعارض القانون مع الدستور ، لأن وظيفة تطبيق القاضي القانون و الفصل في المنازعات، فعندما يعرض عليه نزاع يحكمهما قانونين متعارضين، فإنه يأخذ بالقانون الأعلى درجة ويستبعد الأدنى منزلة، وبهذه المناسبة يكون القضاء قد أهمل تطبيق النص الأدنى وأخذ بالنص الأعلى مرتبة احتراما لمبدأ تدرج القواعد القانونية، فهو لم يصرح بإلغاء القانون و إنما امتنع عن تطبيقه، أي أنه مارس رقابة الإمتناع أو رقابة عن طريق الدفع على دستورية القوانين دون المساس بأي مقتضى دستوري قد يساءل عنه القاضي. و على العكس من ذلك فهو أهمل الأخذ بقانون غير دستوري وهذا ما يندرج ضمن صميم عمل القاضي، فالمحاكم واجب عليها إستبعاد التشريع المخالف للدستور وهذا الأمر لا يتعارض مع المبدأ القائل بأن على القضاء أن يحترم التشريع، لكن هذا المعيار يكون ملزما متى كان التشريع مطابق للدستور ومحترما قاعدة تدرج القوانين. لأنه لا تعارض في رقابة القضاء على دستورية القوانين مع مبدأ فصل السلط لأن السلطتين التشريعية و القضائية ملزمتين باحترام الدستور 36، وأن مبدأ فحص دستورية القانون من النظام العام يحق للمحكمة إثارته تلقائيا لأنه في حال تعارض قاعدة دستورية ( أعلى) مع قاعدة قانونية ( أدنى) فإنها ملزمة بتطبيق القاعدة القانونية الأعلى و أن تمتنع عن تطبيق القانون المخالف للدستور.



36-خالد عبد الله عيد: « مدخل لدراسة القانون» أسس و مبادئ، دار الأمان، الرباط ط، الأولى، 1987، ص.128.



الفرع الثاني: الرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدفع أو رقابة الإمتناع: ( le Contrôle par voie d'exception)
يمارس هذا النوع من الرقابة بمناسبة نظر المحكمة في دعوى معروضة عليها، قد تكون محكمة مدنية، أو محكمة إدارية أو جنائية أو تجارية بحيث يتقدم المتهم أو المدعي بدفع يتمثل في المطالبة بان تصرح المحكمة بعدم دستورية قانون معين على القضية موضوع الطعن، لأن القانون المستند إليه في النزاع غير دستوري37 وهو نظام رقابي ابتدعه القضاء الأمريكي. إن الدفع بعدم دستورية القانون أثناء جريان الدعوى، يلزم القاضي وجوبا فحص دستوريته و ذلك بالتصريح إما برفض الدفع عندما يتحقق له أن القانون المطعون فيه مطابق للدستور، و يستمر النظر في الدعوى الأصلية. و عند معاينة تعارض القانون المنعي عليه مخالفته للدستور، فإن القاضي في هذه الحالة يصرح بإبعاده و عدم تطبيقه، و يفصل في النزاع. لكن قد يحدث بأن تصرح المحكمة إيقاف البث في النزاع الأصلي المعروض عليها إذا ما تراءى لها أن القانون المطلوب تطبيقه غير دستوري، فإنها تحدد أجلا للأطراف برفع دعوى أصلية أمام المحكمة الدستورية المختصة للنظر في عدم دستورية القانون المذكور إذا ما كان التشريع يسمح بهذا الإجراء، وقد يتحقق عن طريق الإحالة من المحكمة التي تنظر في الدعوى على المحكمة الدستورية لتتولى فحص دستورية القانون المطعون فيه .
ففي الولايات المتحدة الأمريكية، لا توجد محكمة بعينها مسند إليها النظر في دستورية القوانين، فسائر المحاكم تختص بالفصل في عدم دستورية قانون معين إذا أثير من طرف أحد الخصوم أثناء نظرها في دعوى معروضة عليها38، فالقاضي ملزم بالجواب على هذا الإعتراض، إذا ثبت له صحة مخالفة القانون المذكور للدستور، فإنه يستبعده من التطبيق على النزاع، لكن دون إمكانية التصريح بإلغاء القانون، و يعتبر القضاء الأمريكي صاحب الولاية العامة في مباشرة الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع أي العمل برقابة الإمتناع 39، أي أن القضاء الأمريكي ينفرد بممارسة الرقابة على دستورية القوانين من طرف سائر المحاكم دون إسنادها الى محكمة واحدة متخصصة مستبعدا بذلك مركزية الرقابة على القوانين.



37 – الرقابة على دستورية القوانين معناها حل مشكلة قانونية يتعلق بتنازع قاعدتين قانونيتين ، واحدة دستورية تتميز بالصحو
والأخرى أدنى منها يلتزم بها المطالبة مع الدستور.

38 – هاني علي الطهراوي، التنظيم السياسية والقانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان ، 2007، ص 368 .

39-نعمان أحمد الخطيب، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2006، ص55.

وفي مصر، أسند دستور سنة 1971 وظيفة الرقابة على دستورية القوانين إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، كما تتولى تفسير النصوص التشريعية ( المادتين 174 و 175 من الدستور) . فالرقابة عن طريق الدفع بعدم دستورية قانون معين تفترض وجود نزاع معروض على المحاكم ( مدنية، تجارية ،إدارية ، جنائية ) بواسطة دعوى تستهدف المطالبة بحق إستنادا الى القانون، لكن قد يحصل أن يثير صاحب المصلحة دفعا يتمثل في مطالبة المحكمة عدم تطبيق القانون على الدعوى لكونه مخالف للدستور وفي هذه الحالة يكون صاحب المصلحة قد مارس الدفع بعدم دستورية القانون. وبناء على ذلك فالمحكمة ستتولى فحص الأمر، فإذا ثبت لديها عدم مطابقة القانون للدستور، فإنها تهمله وتمتنع عن تطبيقه على الدعوى ولا تلغي القانون المذكور لأنها لا تملك سلطة الإلغاء بل تملك سلطة رقابة الامتناع. وفقا لما ذكر تتحدد رقابة الامتناع على دستورية القوانين بأنها رقابة لاحقة تمارس بواسطة الدفع يثيره صاحب المصلحة بمناسبة وجود دعوى معروضة على القضاء ، فهذا التفسير لنظرية الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع يعتبرها بأنها حق للمتضرر من القانون المنعي عليه والمحاكم لا يجوز لها أن تثيره تلقائيا . لكن هذا الرأي منتقد لأنه من حق المحاكم الأخذ بالقاعدة الدستورية واستبعاد القاعدة العادية لان الأولى أسمى والثانية أدنى، ولذلك فلا شيء يحول دون أن يبحث القضاء تلقائيا دستورية قانون معين لكونها مسألة نظامية .كما أن الأمر لا يحتاج الى نص دستوري حتى يتقرر للمحاكم إعمال مبدأ الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع، فالقضاء أخذ بهذا الاختصاص في العديد من الأنظمة القضائية ولو لم يخوله الدستور وذلك بنص صريح، كما فعل مجلس الدولة المصري حين شدد بأن للمحاكم الحق في الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور40 (حكم 10 فبراير 1948).
وفي ذات الاتجاه قضت محكمة التمييز الأردنية في حكمها الصادر في القضية 100/75 على حق المحاكم في ممارسة صلاحية مراقبة دستورية القوانين41، علما أن الدستور الأردني لا ينظم الرقابة على دستورية القوانين ولم يقرر إحداث هيئة دستورية يناط بها هذا الاختصاص، ومع ذلك فالقضاء الأردني اخذ يتبنى موقفا ايجابيا من إعمال مبدأ الرقابة على دستورية القوانين من طرف المحاكم والامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور.



40-سليمان الطماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، القاهرة، 1988، ص391 .
41- أورده هاني علي الطهراوي، مرجع سابق ،378.

إن إعمال مبدأ الرقابة على دستورية القوانين من قبل الأفراد يكون عن طريق الدفع بمناسبة وجود نزاع معروض على القضاء بمقتضى دعوى أصلية. و هو ما يجعل من الرقابة عن طريق الدفع مقيدة بوجود دعوى رائجة أمام إحدى المحاكم، سواء كانت عادية أو إدارية. و لذلك فإنه يفهم من الرقابة عن طريق الدفع بأنه لا يحق للأفراد رفع دعوى أصلية مباشرة إلى المحكمة الدستورية للنظر في دستورية قانون معين، فهي رقابة لاحقة لإصدار القانون تكونه عن طريق الدفع .
فالرقابة عن طريق الدفع تتحدد إذن بأنها رقابة إمتناع يلجأ إليها المتضرر للمطالبة بإستبعاد قانون معين، و هي طريقة دفاعية ، وليست هجومية لأنها لا تتوخى إبطال القانون فالنظر في دعوى رائجة أمام المحاكم عادية أو إدارية لا يسمح لها القانون بأن تتولى إلغاء القانون المتعارض مع مقتضيات الدستور، فدورها ينحصر في الإمتناع عن تطبيقه على النزاع، علما أن القاضي ملزم بتطبيق القانون الدستوري و إهمال القانون الأدنى لتعارضه مع الدستور إعمالا لمبدأ سمو الدستور و لمبدأ تدرج القواعد القانونية.
أولا : تطور نظام الرقابة على دستورية القوانين في المغرب:
كما رأينا فالرقابة على دستورية القوانين، إما رقابة سياسية، أو رقابة قضائية. فالرقابة السياسية تكون قبل إصدار القانون ونفاذه تتولاها محكمة دستورية مختصة. في حين ان الرقابة القضائية تكون بواسطة المحاكم تتخذ شكلين : المراقبة عن طريق دعوى أصلية ) Le Contrôle par voie d'action ( و المراقبة عن طريق الدفع أو الإمتناع ) Le Contrôle par voie d'exception (. إن الدساتير المغربية ( 1962-1970-1972-1992-1996-2011 ) ، نصت جميعها على إسناد رقابة دستورية القوانين إلى هيئة دستورية مختصة، فشرع العمل بداية مع دستور 1962 « بالغرفة الدستورية » التابعة للمجلس الأعلى المحدث سنة 1957، إلى أن تقرر إحداث المجلس الدستوري ) (Le Conseil constitutionnel بمقتضى دستور1992 و تم التأكيد عليه في دستور 1996، و بموجب الدستور الجديد لسنة 2011 تم التنصيص صراحة في الفصل 129 منه على إحداث محكمة دستورية تمارس الاختصاص المسند إليها بفصول الدستور، و بأحكام القوانين التنظيمية، و تبث بالإضافة إلى ذلك في صحة إنتخاب أعضاء البرلمان و عمليات الإستفتاء. تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، و الأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب و مجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبث في مطابقتها للدستور طبقا للفقرتين 1 و 2 من الفصل 132 من الدستور الجديد وهذه الإحالة تعتبر وجوبية على خلاف الأمر بالنسبة للقوانين العادية فالإحالة تبقى إختيارية، مما يقوي من احتمال صدور قوانين قد تتضمن مقتضيات مخالفة للدستور لا يمكن تداركها الا عن طريق ممارسة آلية الرقابة اللاحقة عن طريف الدفع .
وهكذا يستخلص من الفصل 132 ( فقرتين 1 و 2) ان الدستور المغربي أسند إلى المحكمة الدستورية إختصاص مراقبة دستورية القوانين الأساسية أو التنظيمية، بحيث يتعذر إصدار الأمر بتننفيذ تلك القوانين قبل إخضاعها لرقابة المحكمة الدستورية للتأكد من مطابقتها للدستور. ونفس المبدأ يطبق بشأن النظام الداخلي لكل من مجلس النواب و مجلس المستشارين. إن وظيفة المحكمة الدستورية فيما يتصل بالرقابة الدستورية على القوانين، تكيف بأنها رقابة سابقة ( أساسية و تنظيمية) لأنها تمارس قبل إصدار الأمر بتنفيذها و العمل بمقتضياتها، فهذا الإختصاص هو جزء مكمل لعملية تشريع القوانين كما أكدت على ذلك الغرفة الدستورية حين فحصها القانون التنظيمي الخاص بالمجلس الدستوري42، علما أن الرقابة الوقائية ( السابقة) تم تقرير ممارستها على جهات بعينها 43 دون أن تشمل الأفراد أو الأحزاب أو المنظمات الحقوقية والنقابية، وبذلك يبقى الطريق الوحيد لاعمال مبدأ الرقابة اللاحقة من طرف الافراد هو الرقابة عن طريق الدفع .
أ‌- ثانيا: مركز الإفراد في مباشرة الطعن في دستورية القوانين في الدساتير المغربية:
أجمعت الدساتير المغربية من دستور 1962 إلى 1996، أن الأفراد لا يمكنهم التقاضي أمام الغرفة الدستورية، ثم أمام المجلس الدستوري، للطعن في دستورية قانون معين، سواء عن طريق رفع دعوى أصلية ( رقابة الإلغاء) أو عن طريق الدفع ( رقابة الإمتناع ).
فالدساتير المذكورة أقرت صراحة عدم أحقية الإفراد الترافع أمام الغرفة الدستورية أو المجلس الدستوري، كما أنها لم تحضر على أي جهة قضائية البث في دستورية قانون معين بمناسبة نظرها في النزاع المعروض عليها. و هذا عكس ما تم التأكيد عليه صراحة في الفقرة 2 من الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص « و لا يجوز للجهات القضائية أن تبث في دستورية القوانين»، وذات المبدأ أخذت به المادة 50 من القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية.



42- قرار رقم 439 الصادر عن الغرفة الدستورية بتاريخ 9 فبراير 1994، منشور بالجريدة الرسمية عدد: 4244 بتاريخ 2 مارس 1994 ، ص : 3116-317.
43- راجع الفصل 132 من الدستور ( الفقرة 3 ) .

إن العمل بمبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين أو الرقابة البعدية، لم يكن ممكنا في ظل الدساتير النافذة قبل العمل بدستور 2011 ، سواء عن طريق الدعوى كطعن مباشر، ( Voie d'action) أو عن طريق الدفع كطعن غير مباشر ( Voie d'exception).
إن الدستور المغربي لسنة 2011 تعرض لموضوع الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الفصل 133 ،بعد أن خلت الدساتير السابقة من تنظيم موضوع الرقابة القضائية على دستورية القوانين. لكن التنصيص على المبدأ هل هو رقابة إلغاء أم رقابة إمتناع ؟ للإجابة على السؤال سنعمد إلى فحص منطوق مضمون الفصل 133 من الدستور لبيان ما إذا كان الأمر يتعلق بالرقابة عن طريق الدفع حصريا، أم انه هناك إمكانية ممارسة الرقابة عن طريق الدعوى أي رقابة الإلغاء.
ثالثا : الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع في دستور 2011 أو رقابة الإمتناع:
نذكر بأنه لم يكن ممكنا قبل العمل بدستور 2011، على الأفراد مباشرة إمكانية الطعن في دستورية قانون معين أمام المحاكم العادية أو المتخصصة مباشرة عن طريق دعوى أصلية، أو غير مباشرة عن طريق الدفع 44. فهذا الإتجاه هو إنكار مطلق على المحاكم صلاحيته البت في دستورية القوانين، لأنه ليس من حقها ذلك، بصريح الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية والمادة 50 من القانون رقم 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية فالتشريع العادي نص على صيغة منع المحاكم ممارسة مبدأ الرقابة على دستورية القوانين في الوقت الذي ينص المشرع الدستوري على ذلك ، الشيء الذي يخلق واقعة التنازع أو التعارض بين قانون أسمى ( الدستور) وقانون أدنى ( القانون ). هذا الوضع يملي على القاضي أن يهمل القانون غير المطابق للدستور دون الأمر بإلغاءه لان الرقابة التي يتولاها في هذا الإطار هي رقابة امتناع وليست رقابة إلغاء.
إن دستور2011 نص في فصله 133 " بان المحكمة الدستورية تختص بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، و ذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق و الحريات التي يتضمنها الدستور".
يلاحظ من مضمون الفصل المذكور تطور موقف المشرع الدستوري في موضوع الرقابة القضائية على دستورية القوانين، لأنه أجاز لأول مرة للأفراد الطعن في دستورية قانون معين،

44- امحمد مالكي، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، مرجع سابق ص.88-89.

عن طريق الدفع. و بالتالي فهو إنكار عليه إعمال مبدأ الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية ( رقابة الإلغاء).
إن تقرير مبدأ جواز حق الأفراد مباشرة الطعن في دستورية قانون معين عن طريق الدفع، معناه أن هذا الحق حتى و لئن كان مكانه الطبيعي أمام المحاكم العادية و المختصة، فإن أمر البث فيه يعود للمحكمة الدستورية دون سواها وفقا لقراءة مضمون الفصل 133 من الدستور. هذا الإتجاه يكرس إنكار حق الرقابة على دستورية القوانين على القضاء، وفي هذه الحالة فالمحكمة الدستورية هي من يتولى فحص دستورية القانون المطعون فيه عن طريق الدفع بإحالة من المحكمة العادية بعد أن توقف البت في الدعوى .
وعليه فإذا كان المتقاضي بإمكانه الطعن في دستورية قانون ما، أمام القضاء (جنائي، مدني، إداري، تجاري)، بمناسبة عرض نزاع عليه عن طريق الدفع فإن ذلك لا يعني بأن القضاء قد أسند إليه الدستور مبدأ النظر في دستورية القانون المذكور. فالقاضي في هذا الإطار تنحصر وظيفته في إحالة الأمر على المحكمة الدستورية و يوقف النظر في الدعوى إلى حين البث في الدفع المثار، من طرف المحكمة الدستورية لن يواصل مناقشة القضية إلا بعد أن تصدر المحكمة الدستورية قرارها بشأن القانون المطعون في دستوريته عن طريق الدفع، و بذلك فأمر مطابقة القانون للدستور يبقى من إختصاص المحكمة الدستورية دون غيرها .
إن الدستور الجديد و لئن كان قد أجاز مبدأ الطعن في دستورية القوانين من طرف الأفراد عند المساس بحقوقهم و حرياتهم التي يكفلها الدستور، فإن ذلك مقيد بإسناد الإختصاص للنظر فيه إلى المحكمة الدستورية دون غيرها، مما يعني إنكار هذا الحق على المحاكم العادية أو المتخصصة ( مدنية، جنائية، تجارية، إدارية) وإبقاء الاختصاص المتعلق بالرقابة على دستورية القوانين مجال خاص بالمحكمة الدستورية و إنكاره على المحاكم .
نستطيع القول بان حصر الإختصاص على المحكمة الدستورية للبث في دستورية قانون معين عن طريق ما يعرف بإعمال مبدأ الرقابة عن طريف الدفع أو رقابة الامتناع ، هو تقييد غير مبرر يتعارض مع المبدأ القائل بأنه من حق المحاكم الإمتناع عن تطبيق القانون الأدنى و إهمال حكمه المخالف لمقتضيات الدستور كقانون أسمى. ومن وجهة نظرنا نعتقد بان المحاكم من واجبها الإمتناع عن تطبيق القانون الذي يتعارض مع الدستور، لأن البث في دستورية القانون من النظام العام، وعلى المحاكم إثارته من تلقاء نفسها حتى و لئن لم يكن محل طعن من جانب أحد أطراف الدعوى المعروضة عليها. لأنه من المعلوم أن إصدار تشريع عن جهة عير مختصة أو بشكل يخالف مقتضيات الدستور فالقاضي ملزم وجوبا أن لا يطبقه فيما قد يعرض عليه من قضايا 45. يلاحظ بأن المشرع الدستوري المغربي ضيق مجال اختتصاص القضاء الدستوري بحيث لم تسند إليه وظيفة تفسير نصوص القوانين العادية كما فعل قانون المحكمة الدستورية العليا في مصر وكذا الدستور المصري46 . إضافة الى أنه لم يفوض صراحة الى المحاكم القيام بأعمال الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع .
يستنتج من مقتضيات الفصل 133 من الدستور الجديد انه قرر مبدأ الطعن في دستورية القوانين من طرف الإفراد عن طريق الدفع، و ليس عن طريق دعوى ترفع مباشرة إلى القضاء بمناسبة مخاصمة قرار إداري مثلا المستند إلى قانون مخالف للدستور ، فالمحكمة بهذه المناسبة، لا تصرح بعدم دستورية القانون المطعون فيه، بل أن إختصاصها ينحصر في الإمتناع عن تطبيقه على النزاع المعروض عليها. لأن القضاء لم يسند إليه إختصاص رقابة الإلغاء، لكونه إختصاص يتقرر بمقتضى دستوري، وهو ما تقرر في الدستور الجديد عند الأمر بتفويضه إلى المحكمة الدستورية. لكن هل يمكن للمحاكم القضائية أن تحكم وقف العمل بقانون معين في حال مخالفته للدستور ؟ إن أمر إلغاء قانون أو نص هو من إختصاص المحكمة الدستورية مسند إليها بمقتضى الدستور، فالرقابة القضائية على أعمال السلطة التشريعية في المغرب تنحصر في الرقابة عن طريق الدفع تمارسها المحكمة الدستورية ولا ينصرف هذا الاختصاص الى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها .
لقد أنكر القانون المغربي على القضاء الحق في ممارسة الرقابة على دستورية القوانين بمقتضى الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية والمادة 50 من القانون 41.90 صراحة، فالمحاكم وفقا لهذا المقتضى ملزمة وجوبا تطبيق القانون النافذ، و لا يحق لها مناقشة دستوريته. لكن العمل بمبدأ الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع، أو رقابة الإمتناع من طرف المحاكم، لا يحتاج إلى نص دستوري يمنحها هذا الحق لكونه من صميم عمل القاضي. فمختلف الأنظمة القضائية قررت هذا الإختصاص، حتى و لئن كان غير منصوص عليه صراحة في صلب الوثيقة الدستورية لما في الأمر من علاقة اتصال بالنظام العام الذي لا يجوز مخالفته فالحكم القاضي بعدم دستورية قانون معين يترتب عنه عدم الاخذ به والامتناع عن تطبيقه على النزاع لمخالفته أحكام الدستور وهذا ما يفسر بأن حجيته نسبية.

45- إن جميع المحاكم الأمريكية تمارس رقابة الامتناع سواء كانت اتحادية أو محلية والمواطن الأمريكي من حقه أن يدفع أمام المحاكم الاتحادية
بالتناقض بين القانون الإداري والدستور الاتحادي، وأمام المحاكم المحلية بالتناقض بين قانون محلي والدستور المحلي أو الدستور الاتحادي .
راجع عبد الكريم علوان، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان، 1999، ص 318- 319 .
46 – راجع المادة 26 من قانون المحكمة الدستورية العليا والمادة 175 من الدستور.
و عليه و بمناسبة مناقشة مسألة الطعن في دستورية القوانين عن طريق الدفع في الدستور المغربي الجديد (2011) سنتطرق إلى إشكالية تمثيلية الودادية الحسنية للقضاة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان المحدث بمقتضى الظهير الملكي الشريف رقم 1.11.19 المؤرخ في فاتح مارس 2011، بناء على الفصل 19 من دستور 1996 خاصة بعد تأسيس نادي قضاة المغرب. لأنه عمليا أصبحت تمثيلية الودادية الحسنية لا تعكس صفة الممثل الوحيد لقضاة المغرب، علما ان تأسيس كلا من الودادية والنادي يحكمهما قانون الحريات العامة، وبالتالي لا يحق لأي منهما التذرع بشمولية التمثيل أو احتكار الشرعية . وفي هذا الإطار نتساءل بشأن دستورية المادة 35 ( الفقرة الأخيرة ) من الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ، لكون الظهير صدر في فاتح مارس 2011 ،في حين أن الدستور الجديد أصبح نافذا في شهر يوليوز 2011، مما يعني أن الظهير صدر قبل الشروع في تطبيق مقتضيات الدستور الجديد كأسمى قانون، الذي أقر صراحة للقضاة حرية تكوين الجمعيات. وبالنظر الى كون تأسيس نادي قضاة المغرب كان في إطار القانون، ووفقا لمقتضيات الدستور الجديد، الشيء الذي يؤكد شرعية التأسيس والتمثيل للقضاة والقاضيات المنضوين في إطاره . مما يجعل من ثمثيلية الودادية الحسنية للقضاة بعضو في المجلس المذكور محل استفهام. إذن فهل يجوز لنادي قضاة المغرب أن يطعن في تمثيلية الودادية عن طريق الدفع بعدم دستورية الظهير الشريف رقم 1.11.19 المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان 47 الذي صدر بناء على الفصل 19 من دستور 1996 . أي أن القانون المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان هو ظهير ملكي، فهل يجوز الطعن بعدم دستوريته؟ أم إن الطعن يجب أن يقتصر على المادة 34 لكونها غير دستورية؟ وهل يوجد في القانون والدستور ما يسمح بمباشرة الدفع بعدم دستورية ظهير ملكي ( كقانون) صدر بناء على مقتضيات الفصل 19 من دستور 1996 ؟ وهل توجد سلطة رقابية أعلى من سلطة الملك؟ إن الفصل 29 من دستور 2011 نص على حرية تأسيس الجمعيات ، وأكد الفصل 111 منه " يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات ، أو إنشاء جمعيات مهنية "
حقا إن البرلمان هو الذي يمارس مهام التشريع كسلطة تشريعية، طبقا للفصل 70 من الدستور، ويختص المجال التنظيمي بالمواد الذي لا يشملها اختصاص القانون. لذلك يتمظهر بان كل تشريع هو قانون ، لكن قانون ليس بالضرورة تشريعا . لان الشريع هو مناط السلطة التشريعية، في حين أن إصدار قانون يمكن أن تتولاه أكثر من سلطة وفقا للدستور المغربي في

47- الجريدة الرسمية عدد 5922 بتاريخ مارس 2011
إطار ما يعرف بالقوانين التنظمية. وهكذا فالملك يمارس وظيفة التشريع الى جانب رئيس الحكومة مهام السلطة التنظيمية إلى جانب رئيس الحكومة ، لان الملك يمارس بمقتضى ظهائر السلطة المخولة له صراحة بنص الدستور والتي تتمثل في اختصاصات تشريعية وإدارية وسياسية، وعليه يعتبر الظهير هو الشكل المعبر عن الصلاحيات الدستورية للملك ومن بينها ممارسة السلطة التشريعية 48.و نتساءل هل الظهائر الملكية بمثابة قوانين تخضع الى الرقابة الدستورية ؟ أم أن الأمر ليس كذلك، اعتبارا لكون سلطة الملك أعلى من سلطة الدستور واسمى منه، المستمدة من روح الفصل 19 من دستور 1996 يقابله الفصلين 41 و42 من دستور 2011 الجديد، علما أن قرارات المحكمة الدستورية تصدر باسم جلالة الملك إنه من المعلوم أن إعمال مبدأ رقابة المشروعية يتولاه القضاء الإداري على الأعمال الإدارية (دعوى للإلغاء ) دون أن يمتد إلى الأعمال التشريعية أو القضائية أو الحكومية أو الملكية ، علما أن موضوع دعوى الإلغاء يستهدف أعمال السلطات الإدارية ( ذي القرارات الإدارية) .
الفرع الثالث: في التأويل الملكي للدستور ومبدأ جواز الطعن في دستورية الظهائر الملكية من عدمه:
يستنتج من الدساتير المغربية، ومن قرارات المجلس الدستوري، أن مبدأ التأويل الدستوري يتولاه الملك بناء على الفصل 19 في دستور 1996 وبناء على الفصلين : 41 و42 في دستور 2011، لان الملك يحل محل البرلمان في تشريع القوانين، ومبدأ حلول الملك محل البرلمان فيما يتصل بوظيفة التشريع قد يكون في فترة انتقالية ( غياب برلمان) في الأحوال العادية. فوظيفة التشريع التي يتولاها الملك بهذه المناسبة مستمدة من مقتضيات الفصل 19 من دستور 1996 ( الفصلان 41 و42 من دستور 2011 ) ، وبذلك نكون أمام إزدواجية التمثيلية للأمة، تمثيلية مباشرة، في شخص الملك، وتمثيلية غير مباشرة يمثلها البرلمان ( الفصل 2 من دستور 2011 ) . فالملك هو الممثل الأسمى للأمة ( الفصل 42 من دستور 2011)، وبذلك لا توجد سلطة أعلى من سلطة الملك وفقا لروح الدساتير المغربية التي تعكس في العمق مشروعية الملكية في المغرب المستندة الى الشرعية التاريخية.49
إن الوظيفة التشريعية للملك تستمد مشروعيتها وروحها من الفصل 19 من الدستور المراجع سواء أثناء غياب مؤسسات تشريعية ، أوفي ظل قيامها، وهذا الشكل التشريعي مارسه الملك بمقتضى ظهائر ملكية كما هو حال إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان بموجب الظهير الشريف رقم 1.11.19 بتاريخ 25 ربيع الأول 1425 الموافق لفاتح مارس 2011 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد : 5922 بتاريخ


48- الفصل 72 ( الفقرة 2) من دستور 1996.
49- Michel Rousset ,Contentieux Administratif marocain ,Editions La porte , Rabat , 2001 , p.141.
3 مارس 2011. حقا إن وظيفة التشريع مسندة إلى الملك بمقتضى الدستور50، والفصل 19 من دستور 1996 هو جزء من البناء الدستوري للنظام الأساسي للدولة يعتمد عليه إذن من داخل الدستور ذاته ، عكس التأويل القائل بأن سلطة الملك التشريعية مستمدة من صفته او مركزه كأمير المؤمنين، فهذا التفسير والتأويل يعتبر في نظرنا بأنه تأويل خاطئ يعتمده السياسيون في نقد تركيز السلطات في يد الملك ووصف الملكية في المغرب، كونها تسود وتحكم، وأن الفصل 19 المذكور يمثل لوحده دستورا ضمنيا. ونشدد بالمناسبة بأن الفصل 19 من دستور 1996 يؤكد حقيقة دستورية قوامها كشف الطبيعة المهيمنة سياسيا ودستوريا للملكية في المغرب، ويغدو معها مبدأ فصل السلطات شكليا، فهو جدير بأن يكيف كونه عملية توزيع للسلط، أكثر منها فصل السلط . وهنا يستشكل الأمر، بين إعمال قاعدة توزيع السلط، أو إعمال مبدأ فصل السلط ، وتبعا لذلك فإن سلطة الملك تخرج عن دائرة فصل السلط، فهي غير معنية به بأي شكل من الأشكال فهي تعلو فوق السلط الثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية ، الأمر الذي يجسد سمو مركز الملك إستنادا الى الشرعية الدينية ( أمير المؤمنين ) والشرعية الدستورية ( قاعدة الاستخلاف) أي توارث العرش كما أن سلطات الملك تستغرق سائر السلطات المقررة دستوريا.
إذا كانت سلطة الملك تتسم بالسمو، فإنها بذلك فوق الدستور Supra-constitutionnelle وليست أدنى منه Infra-constitutionnelle يتعذر معها الطعن فيها عندما تتولى وظيفة التشريع عن طريق إصدار الظهائر الملكية فهي تكتسي طابعا نهائيا غير قابلة لأي طعن، لان إعمال الرقابة على دستورية الظهير الملكي أمر غير منصوص عليه دستورا اعتبارا لكون الهيئة المكلفة بممارسة الرقابة الدستورية لا تعلو على سلطة الملك، لكونه المشرع الأول والأسمى وموجه الحياة السياسية والبرلمانية والدينية. وبذلك فالدستور لا يقيد السلطة الملكية بقدر ما يرسم اختصاصاتها الواسعة، فعند خلو الدستور من مقتضى يهم مصلحة البلاد، فان الملك هو من يتولى الحلول محل الدستور دون اللجوء الى تعديله لكون الدستور المغربي من نوعية الدساتير الجامدة .
في المغرب وظيفة التشريع يتقاسمها كل من البرلمان، ( القانون) والحكومة ( القوانين التنظيمية) والملك عبر الظهائر الملكية التي تتخذ شكل قوانين أو مراسيم أو نصوص تنظيمية . فالملك يحل محل البرلمان بموجب الدستور ليتولى ممارسة وظيفة التشريع في الأحوال العادية أو الاستثنائية، أو الانتقالية، وهو بذلك إختصاص ولائي شامل غير مقيد بوجود برلمان من عدمه. لذلك فسلطة الملك ليست مقيدة بحدود دستورية، فهي تسمو على الدستور وبذلك يتعذر إخضاعها للرقابة الدستورية أي استحالة اعمال الظهائر الملكية موضوع الرقابة الدستورية ، سياسية كانت


50- محمد معتصم، التطور التقليداني في القانون الدستوري المغربي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، جامعة
الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، الدار البيضاء، الجزء الأول ، مارس 1988 ، ص 179.
أم قضائية لاعتبار بسيط كون الملك هو واضع الدستور ( الدستور الممنوح )، وبالتالي فالملك
يسمو على هذا الدستور. كما أن قراراته ( أي القرارات الملكية ) ليست بقرارات إدارية، واعتبرها القضاء الإداري المغربي( المجلس الأعلى) بأنه لا يحوز للقضاء إلغاء القرارات الملكية ، معتبرا أن سلطة الملك فوق سلطة القضاء 51، ما دام أن تلك القرارات ليست بقرارات صادرة عن سلطة إدارية ( فردية أو تنظيمية)، مؤكدا بذلك عدم اختصاصه للنظر في الطعن المقدم ضد القرارات الملكية ( الظهائر والمراسيم الملكية ) كقضاء المشروعية أو قضاء الإلغاء. يستخلص من مقتضيات الدستور ومن العمل القضائي بأن القرارات الملكية غير قابلة لأي طعن، وبذلك فهي أعمال تتصف بالحصانة المطلقة ، لكونها ليست إدارية، لان الأمر يتعلق بالقرارات الملكية التي تصدر في شكل ظهائر، فالقضاء الإداري المغربي اعتبر بأنه غير مختص أو غير مؤهل لذلك.52 علما أن التصديق على القوانين هو اختصاص مقرر للملك فإقرار القوانين من البرلمان تستوجب التصديق الملكي لنفاذ النص عن طريق مسطرة الإصدار 53.
أولا - في إمكانية الدفع بعدم دستورية المادة 35 من الظهير الملكي المحدث للمجلس الوطني
لحقوق الإنسان وفقا للدستور الجديد ( دستور 2011 ) فيما يتصل بتمثيلية القضاة فيه :

إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقرر إحداثه بقرار ملكي بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.19 المؤرخ في فاتح مارس 2011 بناء على الفصل 19 من دستور 1996 المنشور
بالجريدة الرسمية عدد 5922 بتاريخ 3 مارس 2011 ، في حين أنه بتاريخ 30 يوليوز 2011 صدر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر نص الدستور الجديد ( دستور 2011 ) كإعلان عن بدئ العمل بأحكامه .
انه من المعلوم ان الودادية الحسنية للقضاة (Amicale Hassanienne des magistrats) أحدثت في ظل ظروف سياسية خاصة، في الوقت الذي لم تكن فيه الدساتير التي تم نسخها بموجب دستور 2011 تتضمن صراحة التنصيص على حق القضاة الانخراط في الجمعيات، أو تأسيس جمعيات مهنية ( الفصل 111 من الدستور الجديد ) ، ولذلك فإحداث الودادية الحسنية للقضاة هو إستثناء وليس القاعدة ، والاستثناء لا يقاس عليه، أمام تنصيص الدستور النافذ (2011) على مبدأ تأسيس الجمعيات المهنية من طرف قضاة المغرب. الأمر الذي لم تعد معه الودادية الحسنية للقضاة، الإطار الوحيد الذي يمكن الاشتغال فيه. بل لاشيء يحول


51- مجلة قضاء المجلس الأعلى ، عدد 18، السنة الثالثة ، أكتوبر 1970، ص 8.
52- راجع قرار المجلس الأعلى في قضية " عبد الحميد الروندة " بتاريخ 18 يونيو 1960، قرارات المجلس الأعلى،
مجموعة 1957-1960، ص. 136.
53- ملكية الصروخ، القانون الدستوري، مطبعة النجاح الجدية، الدار البيضاء، 1998، ص 233 .
دون إحداث جمعية أو جمعيات أخرى ، وهذا ما تحقق مع " نادي قضاة المغرب"، بمبادرة من قضاة وقاضيات ، تغمرهم الرغبة في العمل القضائي الجاد، والدفاع عن استقلالية القضاء والقضاة، تأكيدا على مبدأ فصل السلط ، ولترجمة المكانة الحقيقة للسلطة القضائية.
وعليه ولما كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد أحدث بظهير ملكي بناء على الفصل 19 من دستور 1996 54 الذي تضمن صراحة في المادة 35 ( الفقرة الأخيرة) على تمثيلية الودادية الحسنية للقضاة بعضو واحد، في حين أنه بدأ العمل بالدستور الجديد في 30 يوليوز 2011 ، الذي قرر مبدأ حق القضاة في تأسيس جمعيات مهنية ولم يقل « بجمعية مهنية » أي أنه أجاز التعددية الجمعوية . وبذلك فتمثيلية الودادية الحسنية للقضاة في شخص رئيسها في المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمام تأسيس نادي قضاة المغرب، لا تعكس الشرعية الدستورية علما أن أعضاء المجلس يعينون بظهير لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد طبقا للفقرة الأولى من المادة 35 من الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان،علما أن تعيين أعضاءه تم بعد الشروع بمقتضيات الدستور الجديد.
أنه وبعد تأسيس نادي قضاة المغرب بناء على مقتضيات الدستور الجديد ( الفصل 111) هل بإمكانه أن ينازع في تمثيلية الودادية الحسنية للقضاة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي تمت بناء على ظهير، وذلك عن طريق الطعن بعدم دستورية المادة 35 ( فقرة أخيرة) من القانون المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عن طريق الدفع، إستنادا الى الفصل 133 من الدستور، أم أن الأمر يقتضي تدخل المشرع لتعديل القانون المخالف للدستور إذا كان من غير الممكن جواز الطعن فيه أمام القضاء عن طريق الدفع بعدم دستوريته .
ثانيا الموجبات الداعية إلى القول بعدم دستورية المادة 35 ( فقرة أخيرة ) وعدم جواز
تمثيلية الودادية الحسنية للقضاة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان:

إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أحدث بظهير ملكي بناء على الفصل 19 من دستور 1996 ، كما أن التمثيلية في المجلس المذكور تمت بظهير شريف ، مما يعني أن تعيين ممثل الودادية الحسنية للقضاة فيه استند الى هذا المقتضى، أي ظهير شريف .
وعليه هل يجوز مباشرة الطعن بعدم دستورية المادة 35 من الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وفي الظهير القاضي بتعيين أعضاءه خاصة ما تعلق منه بتعيين العضو المقترح


54 – إنه بمقتضى الفصل 19 من دستور 1996 الذي يقابله الفصلين 41 و42 من دستور 2011، فإن الملك يمارس وظيفة التشريع في الأحوال العادية ( بوجود برلمان ) أو الأحوال الاستثنائية ( حل البرلمان ) أو في حالات خاصة قد لايكون منصوص عليها .
من قبل الودادية الحسنية للقضاة ، وذلك عن طريق مسطرة الدفع من طرف نادي قضاة المغرب، ومن هي الجهة المختصة للنظر في الطعن ؟
إنه من المعلوم أن أعمال السيادة أو أعمال الحكومة هي تلك الأعمال التي تصدر عن جلالة الملك أو من الحكومة بوصفها سلطة حكم لا سلطة إدارة ، وتكيف بأنها من القرارات التي لا تخضع لرقابة القضاء إطلاقا لا من حيث الإلغاء ولا من حيث التعويض.
كما ان التشريع العادي هو تلك القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية ( البرلمان). ويعتبر المصدر الثاني من مصادر المشروعية بعد التشريع الدستوري ، فوظيفة البرلمان هي التشريع، أي سن القوانين كاختصاص أصلي مسند إليه بموجب الدستور، و إصدار القوانين يجب أن يكون مطابقا للدستور، فالسلطة التشريعية تتقيد بمقتضياته، ولا حق لها في تجاوزه، أو خرق أحكامه ، وفي حال العكس ، فمن حق القضاء المختص إلغاء القانون المخالف للدستور ، ويترتب على ذلك إلغاء الأعمال الإدارية المستندة إليه لان القانون هو أسمى تعبير ‘ن إرادة الأمة 55.
فإذا كان المجال التشريعي هو مناط البرلمان ، فإن المجال التنظيمي هو من اختصاص الوزير الأول، وكذا الملك استنادا الى الدستور. فالملك يمارس بمقتضى ظهائر السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور ، فهو الذي يعود إليه أمر تطبيق الدستور، ففي حال غياب أو ضعف التوقع الدستوري الذي يتمثل في الثغرات الدستورية، فإن الملك يتولى وظيفة سلطة الحلول الحل الدستور، لحل أزمة دستورية خارج إطار الوثيقة الدستورية 56، فإصدار قانون بواسطة ظهير ملكي هو عمل تشريعي لانه يرمي إلى إصدار قواعد عامة ومجردة، علما أن القوانين تصدر عادة عن البرلمان كسلطة تشريعية57 .
فالظهير إذن هو الشكل أو المعيار الشكلي المعبر عن الصلاحيات الدستورية للملك في المجال التشريعي، علما أن الدستور المغربي أو كل مهام السلطة التنظيمية الى رئيس الحكومة ، لكن بالنظر الى كون المجلس الوزاري يرأسه الملك ، الأمر الذي يجعل من الملك سلطة رئاسية له ويفهم من ذلك أيضا أن السلطة التنظيمية هي اختصاص ملكي أصلي وواسع ، في حين ان الاختصاص التنظيمي للحكومة هو اختصاص مقيد لا يتجاوز سقف التشريع بالوكالة الدستورية .
يستخلص من تاريخ الرقابة الدستورية على القوانين في المغرب أنه لم يسبق لأي دستور ان أجاز للمحاكم ممارسة سلطة الرقابة الدستورية على القوانين. وأكثر من ذلك، فإن الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية والفصل 50 من القانون 90.41 قررا صراحة انه لا يجوز للمحاكم أن تبث في

55- راجع الفصل 6 من دستور 2011 .
51- Mustapha SEHIMI , « La notion de la Constitution au Maroc» thèse,Etat,Rabat,1989,p.156et suivantes
57 – راجع الفصل 70 من الدستور.

دستورية القوانين، بمعنى أن الدستور وكذا التشريع أبعدا إعمال مبدأ الرقابة الدستورية على القوانين من صلاحيات القضاء وتم استنادها الى هيئة دستورية متخصصة ( الغرفة الدستورية، المجلس الدستوري وحاليا المحكمة الدستورية).
لكن الفصل 133 من الدستور الجديد أقر حق النظر للمحكمة الدستورية بحث دستورية القوانين عند الدفع به من أحد الأطراف أثناء النظر في قضية معروضة على المحاكم، لان القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بحقوق وحريات صاحب المصلحة في الدفع . فتقرير مبدأ الرقابة عن طريق الدفع من طرف الدستور الجديد كشكل من الرقابة اللاحقة ( ِContrôle à posteriori ) لإصدار القانون، فإنه لم يسند الأمر الى القضاء، بل حصره في المحكمة الدستورية ، أي أنها الجهة الوحيدة المختصة في ممارسة الرقابة الدستورية على القوانين، سياسة كانت أم قضائية ، فدور المحاكم سيتقيد بقرار المحكمة الدستورية بإعمال النص من عدمه.
وعليه يفهم من مدلول الفصل 133 من الدستور بأن النص على مبدأ الرقابة الدستورية على القوانين عن طريق الدفع، لم يرافقه إسناد الاختصاص الى المحكمة التي تنظر في النزاع، كما هو متعارف عليه في الأنظمة الدستورية والقضائية المقارنة . فدور القاضي بهذه المناسبة، سينحصر في إحالة الملف على المحكمة الدستورية وأن ينتظر قرارها، ليتولى لاحقا تطبيق القانون المطعون فيه من عدمه . فالمحكمة الدستورية تكون بهذه المناسبة قدر مارست الرقابة عن طريق الدفع أو رقابة الامتناع ، وكان من الأجدر أن يتولى هذا الاختصاص. المحاكم العادية وليس المحكمة الدستورية، لأنه سبق لها أن مارست ذات الاختصاص. الرقابي قبل إصدار القوانين ونفاذها، لذلك أصبح اختصاص المحكمة الدستورية مزدوج : سياسي وقضائي ، قد لا نجده إلا في الدستور المغربي. ففي الوقت الذي أجاز فيه الدستور للإفراد الدفع بعدم دستورية قانون معين، لم يصاحبه إسناد الاختصاص للمحكمة المثار أمامها الدفع. فالقضاء إذن، محظور عليه دستوريا أن يضطلع بهذه الوظيفة، وهو ذات المبدأ المنصوص عليه في الفصل 25 من ق.م.م هذا الفصل يجب أن يسقط من التشريع، وكذا الفصل 50 من القانون رقم 90.41 لأن الوظيفة القضائية للمحاكم قائمة على تطبيق القانون فيما يعرض عليها من نزاعات. فإذا تعارض القانون المطلوب تطبيقه في القضية مع الدستور، يتعين وجوبا عليها أن تستبعده وان تمتنع عن الأخذ به في النزاع، وذلك إعمالا لمبدأ سمو الدستور على التشريعات الأخرى، وبذلك نكون أمام حالة الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور التي تكيف بأنها رقابة امتناع أو رقابة عن طريق الدفع. الغاية منها حماية الحقوق والحريات، من جهة، وكذا حماية الدستور من جهة أخرى .إن الأخذ برقابة الامتناع أي عن طريق الدفع، كشكل من أشكال الرقابة القضائية على دستورية القوانين، ينحصر حكم المحكمة عند القول بعدم الدستورية في استبعاد القانون المخالف للدستور. في حين أن إعمال مبدأ رقابة الإلغاء، فهذا النوع من الرقابة عندما يقرر عدم دستورية القانون، يترتب عليه إلغاءه لمخالفته للدستور. إن الدستور المغربي الجديد اخذ بمبدأ الرقابة عن طريق الدفع، لكن دون إسنادها الى القضاء، بل جعلها من صلاحيات المحكمة الدستورية ، الأمر الذي يفقد هذا النوع من الرقابة الصفة القضائية، وبالتالي سيكون من الصعب على "نادي قضاة المغرب" أن يباشر دعوى يطعن من خلالها في تمثيلية الودادية الحسنية للقضاة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان استنادا الى عدم دستورية المادة 35 من القانون المحدث له لمخالفته الفصل 111 من الدستور. فالطريق القضائي يبدو أنه مستشكل فيه اعتبارا لكون القانون المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان تم بظهير ملكي بناء على الفصل 19 من دستور 1996 ، الأمر الذي يتعذر معه إعمال مبدأ الرقابة القضائية عن طريق الدفع على الظهائر الملكية، التي تكتسي طابع الحصانة. بالمقابل يمكن لنادي قضاة المغرب أن يلجأ الى مسطرة الاستعطاف لمطالبة الملك بملائمة التشريع مع الدستور تطبيقا لمقتضيات الفصل 42 من الدستور الجديد الذي ينص صراحة بأن الملك يسهر على احترام الدستور، وبالنظر الى كون الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان قد تضمن مقتضيات نعتبرها متعارضة مع الدستور على الأقل فيما يتعلق بالتمثيلية ، والحال أن الدستور الجديد اقر صراحة مبدأ التعددية في إنشاء جمعيات مهنية للقضاة ( الفصل 111) وهذا ما تحقق مع تأسيس نادي قضاة المغرب الذي قد يكون الإطار الأكثر تمثيلية لقضاة وقاضيات المغرب، ومن ثم تأتي أهمية تعديل المادة 35 ( الفقرة الأخيرة ) من الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وجعلها مطابقة للدستور، وذلك عن طريق الزيادة في عدد الأعضاء الى اثنين ، أو الاحتفاظ مبدئيا بالنص مع القول بتعيين العضو من الجمعية المهنية للقضاة الأكثر تمثيلية.
يستخلص من مقتضيات الدستور الجديد بأنه حافظ على مضمونه " التقليداني" رغم التعديل الذي طال الفصل 19 الوارد في دستور 1996 الذي تم تعويضه بالفصلين 41 و42 من دستور 2011، بحيث أنه أضاف الى الاختصاصات الأصلية للملك الواردة في مختلف أبواب الدستور، إختصاصات واسعة ، غير مقيدة ، تأكيدا على مبدأ سمو الملك على الدستور، وعلى سائر السلط. وبمقتضى الفصلين 41 و42 من الدستور الجديد فان الملك هو من يحتكر المجال الديني أو " السلطة الدينية " دون سواه ، ولا شيء يحول دون قيامه بصلاحيات السلطة التشريعية وصلاحيات السلطة التنفيذية عن طريق إصدار ظهائر ملكية وذلك في الأحوال العادية أو الاستثنائية، مما يجعل من أمر إعمال مبدأ الرقابة الدستورية على الأعمال الملكية غير ممكن بالنظر الى كون الملك هو واضع الدستور ( سلطة التأسيس) وهو من يتولى تسمية أعضاء المحكمة الدستورية، وبالتالي لا سلطته تعلو فوق سلطته، سواء تشريعية أم تنفيذية أم قضائية . هذا حتى ولئن كان الدستور الجديد قد أشار صراحة الى مبدأ فصل السلط، لكن يمكننا تكييفه استنادا الى أبواب الدستور، بأنه لا يشكل أكثر من عملية توزيع للسلط ، وهذا ما يعكس بأن سلطات الملك أقوى وأسمى من السلطات الشريعة والتنفيذية والقضائية ومن سلطة الدستور58 علما أن القانون يصدر عن البرلمان طبقا للدستور59، بمعنى أن وظيفة التشريع من إختصاص البرلمان، لكن الدستور عمل على توزيع مهام التشريع بين البرلمان والحكومة، وتقسيم القوانين إلى قوانين عادية وقوانين تنظيمية .
فالقوانين التنظيمية تتميز عن القوانين العادية كونها قوانين دستورية مكملة للدستور 60، فالبرلمان لا يجوز له سن أي قانون تنظيمي إلا في حال وجود مقتضى دستوري صريح ينص على القيام بهذه الوظيفة ، فالبرلمان يمارس السلطة التشريعية في حين أن الحكومة تمارس السلطة التنظيمية، والقضاء الدستوري ( المحكمة الدستورية) هو من يتولى وظيفة ضمان فصل السلط بين مجال القانون ومجال التنظيم .
إنه بإمكاننا أن نستخلص بأن أعمال الرقابة على دستورية القوانين بالمغرب، هي رقابة وقائية بامتياز مجالها القوانين العادية والتنظيمية التي يقرها البرلمان، وبالتالي فإن القوانين التي يصدرها رئيس الدولة تخرج من دائرة الرقابة الدستورية، علما أن الفصل 6 من دستور 2011 أقر صراحة بأنه تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادىء ملزمة ، وهذا ما يؤكد بأنه لا يوجد نص قانوني صريح يستبعد الأعمال الملكية من الطعن سواء كانت إدارية أو تشريعية،فالأولى يجب أن تخضع لرقابة المشروعية والثانية للرقابة الدستورية وإضفاء الحصانة على الأعمال الملكية من طرف السلطة القضائية تعتبره اتجاه فاسد لما به من مساس بحقوق وحريات الافراد وخرق القواعد الدستورية، فالملك بمقتضى الدستور يمارس سلطات

58 – راجع إبراهيم أبراش، الديموقراطية بين عالمية الفكرة وخصوصية التطبيق مقاربة للتجربة الديموقراطية في المغرب،
مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، 2001 ، ص 174 وما بعدها .
59- راجع الفقرة الأولى من الفصل 45 من دستور 1996.
60- راجع الفصول 95.92.80.50.42.38.37.21.14 من دستور 1996 .
واسعة تشمل الميدان التشريعي والتنفيذي والقضائي لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن الأعمال الملكية محصنة من أي طعن قضائي عملا بمقتضيات الفصل 6 من الدستور، فالأعمال الإدارية لا شيء يحول دون إخضاعها لرقابة المشروعية، فالاستثناء ينصب على الأعمال التشريعية التي تكتسي حصانة دستورية، فالنصوص القانونية التي قد تتعارض مع الدستور الجديد لكونها سابقة عنه ليس في القانون الدستوري ما يمنع من تغيير القوانين بمرسوم بعد موافقة المحكمة الدستورية على ذلك بإعمال مبدأ الرقابة الوجوبية للقضاء الدستوري عليها ( الفصل 73 من الدستور ).
وعليه تستنتج بأن الأعمال الإدارية الملكية لا تخرج من نطاق رقابة المشروعية ( دعوى الإلغاء) متى كانت قرارات إدارية فردية أو تنظيمية ، أما كونها صدرت في شكل ظهائر لا ينزع عنها الصبغة الإدارية ، ولا يبوؤها مرتبة أعمال السيادة ولئن كانت أعمال ملكية صدرت بمقتضى ظهير فمضمونها الإداري ( فردي أو تنظيمي ) هو من يلزم شرعية الطعن فيها بالإلغاء أمام القضاء الإداري كقضاء للمشروعية اعتبارا لأن أي قرار إداري قد تكون له نتائج مؤثرة في المراكز القانونية للافراد قابل للطعن ، ولا يوجد في القانون أي نص يستبعد الأعمال الملكية الإدارية من الطعن، عكس ما ذهب إليه الاجتهاد القضائي المغربي61 وجزء من الفقه 62 ، وما يعزز هذا الاتجاه كون دعوى الإلغاء دعوى موضوعية، عينية، تستهدف مخاصمة القرار الإداري مهما كان مصدره وبالتالي فدعوى رقابة المشروعية ليس فيها أي مساس بشخص الملك أو بمركزه الدستوري والديني ، وعلى العكس من ذلك فإخضاع القرارات الإدارية الملكية للرقابة القضاء وهو تأكيد على مبدأ دولة القانون ، والتأشير على بدء عملية التأسيس لملكية برلمانية في المغرب ، ودليلنا على ذلك هو تنصيص المشرع الدستوري في الفصل 114 من دستور 2011 بأن القرارات المتعلقة بالوضعية الفردية للقضاة الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام محكمة النقض ( الغرفة الإدارية ) في انتظار إحداث مجلس الدولة. فالمشرع الدستوري لاحظ بان القرارات التي كان يصدرها المجلس الأعلى للقضاء والتي تذيل بظهير لتكون نافذة خلقت اجتهادا قضائيا فريدا وشاذا تعذر تصحيحه لاعتبارات معينة، الى أن تم تدارك الأمر و ذلك بمقتضى الدستور الجديد، الشيء الذي يؤكد فساد الاتجاه القضائي الذي أعطى للظهائر الملكية الإدارية صبغة الحصانة القضائية

61 راجع قرار المجلس الأعلى عدد: 15 الصادر بتاريخ 20 مارس 1970 ، الشركة الفلاحية لمزرعة عبد العزيز ، مجلة قضاء المجلس الأعلى ، عدد 15 ، السنة 2، ص 77 90 .

62 عبد الله حداد ، القضاء الإداري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية، مطابع منشورات عكاط ، 1994 ، ص 47.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.