تميزت عملية "الرقابة الدستورية" خلال هذه المرحلة، من 1962 إلى 2011، ب''الظهور البطيء و الحذر" و"المحافظ''، من حيث "قوة وحجم و طبيعة، " القرارات المتخذة من طرف المجلس الدستوري، و من ناحية أخرى، ب"ضعف المكانة والوظيفة" على مستوى الهندسة القانونية و عدم القدرة على منافسة باقي المؤسسات الدستورية، و ب"محدودية"" مجال ووسائل عملها. و هذا ما جعل المجلس الدستوري المذكور يتعرض لكثير من النقض و الاعتراض. إن هذه المحدودية على رقابة المجلس الدستوري والانتقادات الموجهة إلى القضاء الدستوري المغربي، دفعت المشرع الدستوري إلى النص على مجموعة من التعديلات في دستور 2011، بهدف تجاوز هذه الثغرات وتدعيم دولة القانون، وذلك من خلال النص على إحداث محكمة دستورية، وتغيير تكوينها وتوسيع اختصاصاتها (الباب الثامن من الدستور). و انه بموجب الدستور الجديد 2011، تم التنصيص صراحة في الفصل 129 منه على إحداث محكمة دستورية تمارس الاختصاص المسند إليها بفصول الدستور و بأحكام القوانين التنظيمية. حيث أضاف الدستور الجديد اختصاصا إلى المحكمة الدستورية لم يكن مألوفا في الدساتير السابقة أو في القوانين العادية، و يتعلق الأمر بالاختصاص المتعلق بالنظر في كل "دفع يعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء نزاع، و هذا النوع من الرقابة يعرف" بالرقابة عن طريق الدفع أو رقابة الامتناع". إن وجود "المحكمة الدستورية" في الدستور المغربي السادس النافذ حاليا، وإناطة مهمة الرقابة القضائية عن طريق الدفع-رقابة الامتناع- على دستورية القوانين بها- أي إنشاء قضاء دستوري متخصص في المغرب-، يعد تطورا دستوريا وديمقراطيا مهما، ولذا فإنه يلزم الحفاظ على هذه المحكمة وعلى اختصاصاتها، والعمل على تنفيذ أحكامها- ولاسيما أحكامها بعدم الدستورية- في مواجهة السلطات العامة في الدولة والكافة من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية إعلاء للشرعية الدستورية وضمان لحقوق الأفراد وحرياتهم. فاختصاصات هذه المحكمة تجعل منها أحد الضوابط والتوازنات التنظيمية المهمة التي تحول دون اعتداء السلطات العامة على الدستور، وترفع ذلك الاعتداء بما تملكه من حق بالامتناع عن تطبيق النص المخالف للدستور، لذلك تعد هي بحق دعامة أساسية من دعائم مشروع دولة القانون في المغرب. اختصاصات المحكمة الدستورية إضافة إلى تولي المحكمة الدستورية لاختصاصات، البت في صحة انتخاب أعضاء البرلمان، وعمليات الاستفتاء ( الفصل 132 من الدستور )، واستشارتها في شخص رئيسها من طرف الملك عند لجوئه إلى حل البرلمان، أو أحد مجلسيه ( الفصل 96 من الدستور)، وعند لجوئه إلى حل البرلمان، أو أحد مجلسيه ( الفصل 96 من الدستور )، وعند لجوئه إلى إعلان حالة الاستثناء ( الفصل 59 )، واستشارتها من طرف رئيس الحكومة عند لجوئه إلى حل مجلس النواب ( الفصل 104)، واشتراط موافقتها على تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم، إذا كان مضمونها يدخل في مجال اختصاصات السلطة التنظيمية ( الفصل 73 من الدستور )، تتولى المحكمة الدستورية اختصاصات الرقابة على دستورية القوانين، والمتمثلة في ما يلي: -الرقابة الإجبارية على دستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها ( الفصل 132 والفصل 85 من الدستور). -الرقابة الإجبارية على دستورية الأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في العمل بها. -الرقابة الاختيارية على دستورية القوانين العادية قبل إصدار الأمر بتنفيذها من قبل الملك ( خلال 30 يوما التالية لإحالة القانون إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه )، وذلك بإحالة من الملك، أو رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين. الملاحظ أن الدستور الجديد خفض نسبة أعضاء مجلس النواب الذين يحق لهم الطعن في دستورية القوانين العادية، وهو ما يتيح للمعارضة باللجوء إلى هذا الحق. وتبت المحكمة الدستورية في دستورية القوانين خلال شهر من تاريخ الإحالة وخلال ثمانية أيام في حالة الاستعجال بطلب من الحكومة. يؤدي الطعن في دستورية القوانين إلى وقف إصدار الأمر بتنفيذها إلى غاية صدور قرار المحكمة الدستورية، وإذا أقرت المحكمة بعدم دستورية مقتضى قانوني لا يتم إصدار الأمر بتنفيذه. إضافة إلى الرقابة القبلية التي تمارسها المحكمة الدستورية على القوانين، أضاف الدستور الجديد اختصاصا مهما، يتعلق بالرقابة البعدية، حيث يسمح لأطراف قضية معروضة أمام القضاء، الطعن في دستورية القانون، بدعوى مسه بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، وتتولى المحكمة الدستورية النظر في هذا الدفع، وإذا أقرت بعدم دستورية القانون المطعون فيه، فإن الحكم يؤدي إلى نسخ القانون " ابتداء من التاريخ الذي حددته المحكمة الدستورية على قانون تنظيمي بشأن شروط وإجراءات تطبيق هذه الدعوى، وتلزم قرارات المحكمة الدستورية كل السلطات العامة، وجميع الهيئات الإدارية والقضائية. كما تمارس المحكمة الدستورية رقابة دستورية اختيارية على المعاهدات الدولية، وذلك بإحالة من الملك، أو رئيس المحكمة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو سدس أعضاء مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، الذي يحق لهم مطابقة المحكمة الدستورية من التحقق من مطابقة معاهدات واتفاقيات دولية للدستور، إذا أقرت المحكمة بأن المعاهدة تتضمن بندا مخالفا للدستور، فإن المصادقة عليها لا تتم إلا بعد مراجعة الدستور ( الفصل 55 من الدستور ). في محدودية رقابة المحكمة الدستورية بالرغم من التعديلات التي جاء بها دستور 2011، فإن الرقابة الدستورية مازالت تعرف بعض جوانب المحدودية، يمكن الإشارة إلى ما يلي: -عدم اختيار رئيس المحكمة الدستورية من طرف أعضاءها، واحتكار الأمر من طرف الملك، على عكس ما نجد في بعض التجارب الأوربية كإيطاليا وإسبانيا. -إشراك مؤسسة ذات طابع ديني في اقتراح عضو من بين الأعضاء الذين يعينهم الملك، متمثلة في المجلس العلمي الأعلى، ويمكن اعتبارها إضافة مجانية، من شأنها أن تثير نقاشا حول شروط الحياد التي يجب أن تتوفر في أعضاء المحكمة الدستورية، لا سيما أن الملك الذي يعين ستة أعضاء يعتبر أمير المؤمنين. -إمكانية ممارسة المحكمة الدستورية لاختصاصاتها دون العضوين المنتخبين من طرف البرلمان عند تجديد ثلث أعضاء المحكمة، في حالة تعذر انتخابهما داخل الأجل القانوني للتجديد، وهو ما قد يؤثر على عمل المحكمة الدستورية ومصداقية قراراتها المتخذة قبل انتخابهما ( الفصل 130 من الدستور). و يستخلص من كل هذا، أن الدستور المغربي أخذ بالرقابة السياسية و الرقابة القضائية (رقابة الإلغاء السابقة و الرقابة عن طريق الدفع ) لكن مع احتكار مجال الاختصاص للمحكمة الدستورية لمعنى عدم جواز البث في دستورية القوانين من طرف محاكم الموضوع ( مدنية، جنائية، إدارية، أو تجارية )، أي أنه أخذ بنظام "مركزية الرقابة القضائية. - فكيف يمكن أن يتعامل المشرع المغربي مع الدفع المذكور ؟ - وكيف يمكن ضبط وعقلنة مسطرته في التشريع المغربي ؟ - وهل يمكن لهذه الآلية- رقابة الامتناع- أن تحقق نقلة نوعية في مسار ‘‘المجلس الدستوري'‘ السابق ؟ بمعنى أشمل هل المحكمة الدستورية الحالية -التي لم تتشكل بعد- ترقى إلى مفهوم القضاء الدستوري الديمقراطي، لتتمكن من احتضان هذا المولود الجديد ؟ من هنا نتساءل-من جهة- عن مدى جرأة مؤسسة القضاء الدستوري الجديدة في المغرب- المحكمة الدستورية- على مناقشة القضايا التي تهم حماية و صيانة الحقوق و الحريات الفردية، و-من جهة أخرى- عن مدى إمكانية هذه المؤسسة الانتقال من دور "الرقابة الخارجية" للخوض بالتالي و بكل جرأة و حزم في "المراقبة الداخلية" الموجهة لجوهر و مضمون النص القانوني نفسه. * باحث في سلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية و الاقتصادية بطنجة Benhouda12gmail.com