شكل موضوع مراقبة دستورية القوانين "قضية مركزية في حقل القانون الدستوري وعلم السياسة.... فالمراقبة تأكيد لسمو الدستور وتجسيد لمبدأ "تدرج القوانين"، وهي تحقق من مدى حضور "الشرعية" ونفاذها بالمجتمع من عدمها، وهي كذلك عنوان لدولة القانون وتعبير عنها. ويقصد بمراقبة دستورية القوانين Le contrôle de la constitutionnalité des lois التأكد من مدى مطابقة القوانين لروح الدستور وأحكامه، ويعني ذلك أن تكون الأعمال القانونية الأدنى درجة من الدستور مسايرة له وملائمة لفلسفته وأسسه العامة.. وإذا ثبت وصدرت مخالفة لذلك، يحكم عليها ب"عدم الدستورية « Inconstitutionnalité ». فالرقابة بهذا التحديد، ترمي إلى تأكيد "مبدأ سمو الدساتير Principe de la super matie des constitutions الذي اتخذ لغة الخطاب القانوني Discours juridique عدة تعبيرات ومصطلحات، نذكر منها : "مبدأ الشرعية Principe de la légalité أو "مبدأ القانونية Le principe de la juridicité بتعبير "جورج فيدل « georges VEDEL ، سيادة القانون Suprématie de droit ، دولة القانون Etat de droit. ونشير إلى أن مصطلح "السمو" يقتضي أن تضل قواعد الدستور وأحكامه والمساطير المتبعة لوضعها ومراجعتها وإلغائها في مأمن من كل خرق أو خروج عن معناها وروحها، على اعتباران الدستور هو الوثيقة الأساسية التي تعلوا الجميع وتشترط من الكل احترامها والامتثال لأحكامها، بما في ذلك الجهات التي تكفلت بوضعها أصلا. وفي سياق تحليل موضوع "الرقابة على دستورية القانون" والتعابير المرتبطة بها، ومنها" سمو الدستور" وقد تخللت الفكر نقاشات بشأن القيمة القانونية لإعلانات الحقوق و"مقدمات" الدساتير.. هل تعد جزءا لا يتجزأ من أحكام الدستور وقواعده أم أنها في مرتبة أدنى منها من حيث الطبيعة الدستورية ؟. أولا: الرقابة السياسية. تعد أسلوبا وقائيا لكفالة احترام أحكام الدستور والتأكد من مدى مطابقة القوانين الأدنى درجة لروح القواعد والمقتضيات. و تكون هذه الرقابة صادرة على صدور القانون ولا تمارس إلا إذا نص عليها الدستور، وقد ظهرت هذه الرقابة بواسطة جهاز سياسي، والهدف منها هو منع إصدار قوانين مخالفة لأحكام الوثيقة الدستورية. ويمكن التمييز في المراقبة السياسية بين نوعين: مراقبة متروكة للمبادرة الشعبية ومراقبة مدسترة بمعنى تنص عليه الدساتير. (أ) المراقبة الشعبية. لقد نصت دساتير وإعلانات الحقوق الواردة في النصوص الأول للثورتين الفرنسية والأمريكية على مراقبة سياسة غير منظمة لكفالة احترام الدستور متمثلة في الاعتراف للمواطنين المظهرين بالحق في مقاومة الاستبداد والثورة ضد الطغيان وهكذا فإن دستور1791 قد خول السعر على احترامه ليفضه أصحاب العائلات والأزواج والأمهات وتعاطف المواطنين الشباب وشجاعة كل الفرنسيين كما جاء في دستور 1793 بأن كل فرد يمس بالسياسة يتم إعدامه فورا من قبل الناس الأحرار أما عندما تخرق الحكومة حقوق الشعب فإن الانتفاضة ضدها تصير بالنسبة للشعب ولكل جزء منه أقدس حق وأوجب الواجبات وعمليا فإن هذه التصريحات كانت تستهدف تبرير أعمال الثوار الذين استولوا على الحكم ولقد كانت لهذه المراقبة السياسية المتروكة للمبادرة الشعبية قيمة فلسفية أكثر منها قانونية. (ب). المراقبة السياسية: ونقصد بذلك المراقبة التي تنص عليها الدساتير ويتعلق الأمر بمراقبة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية 1: مراقبة السلطة التنفيذية. بما أن السلطة التنفيذية تعتبر هي المتصرف في وسائل الإكراه في الدولة أي الجيش والشرطة فإن الدساتير الحديثة تتضمن بنودا تخول للبرلمان مراقبة الحكومة وذلك من خلال إزاحة رئيس الدولة أو الحكومة في حالة انتهاكهم الصارخ للدستور،وتتم هذه العملية من خلال توجيه التهمة للحكومة من قبل البرلمان ومحاكمتها من قبل محكمة عليا قد تكون مكونة من أعضاء المجلسين أو تتمثل في المحكمة العليا القضائية أو المحكمة العليا تشكل خصيصا لهذه الغاية وعلى سبيل المثال، ففي انجلترا فإن اتهام الوزراء من طرف مجلس العموم والمحاكمة يقوم بها مجلس الوزراء، نفس الشيء في الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث يحرك مجلس النواب المتابعة ويتولى المجلس الشيوخ المحاكمة.أما في الجمهورية الفرنسية الخامسة والمغرب فإن التهمة توجه من قبل البرلمان وتتولى بالنسبة لفرنسا والوزراء فقط بالنسبة للمغرب، لأن شخص الملك مقدس دستوريا وهو غير مسؤول أمام أية هيئة. ويلاحظ من الناحبة العملية ضآلة ممارسة هذا النوع من الممارسة السياسية وهكذا فإن المغرب وفرنسا لم يشهدا ممارستها كما أن انجلترا لم تعرف توجيه الاتهام لأي وزير منذ 1805 وعلى مدى قرنين من العمل للدستور فإن المجلس ونقصد به مجلس النواب لم يتابع الأمرين: وكان ذلك سنة 1968 الذي استهدف متابعة مجلس النواب للرئيس André Jonshonاندري جونسون في قضية ويتركيت الذي برأه مجلس الشيوخ والثانية متابعة مجلس النواب لبي لكلينتون الذي برأه مجلس الشيوخ في قضية مونيكا لوينسكي. ومن ناحية المسطرة هناك معرفة صعوبة هذه الرقابة التي تتطلب الأغلبية المطلقة بالنسبة للمجلس الأول أو أغلبية الثلثين بالنسبة للمجلس الناخب. 2: مراقبة السلطة التشريعية: إن هذه المراقبة تجد بدورها في النظام الأساسي الفرنسي حيث تم تخويل هيئة سياسية مهمة مراقبة دستورية القوانين وذلك بتاريخ 1852 حيث خول هذا الدستور للمجلس الحافظ للدستور الحافظ المعين من قبل الإمبراطور مهمة مراقبة دستورية القوانين ونظرا لأن هذه الهيئة كانت أداة طبيعية في يد الإمبراطور ولم يكتب لها النجاح في مهمتها وكان يجب انتظار الدستور الفرنسي سنة 1958 ليتم إحداث هيئة سياسية تدعى المجلس الدستوري ويتم توسيع اختصاصاتها وجعلها تمثل مراقبة دستورية القوانين العادية وقانون الناخبين للبرلمان الذي يكون تدخل المجلس الدستوري إلزاميا لإعلان دستوريته قبل دخوله حيز التنفيذ تدخله في الحالات الأخرى ليتم داخل أجل المصادقة عليها من طرف رئيس الجمهورية والوزير الأول أو رئيس مجلس البرلمان أو بناءا على طلب ستون نائبا أو شيخا من الإصلاح الدستوري سنة 1974 والذي وضع المعارضة والأغلبية من اللجوء للمجلس. ثانيا: الرقابة القضائية.: يقصد بالرقابة القضائية على دستورية القوانين Contrôle juridictionnel تلك الطريقة التي تتولى هيئة قضائية لا تختص فقط بالنظر في مدى تطابق القرارات الإدارية للقانون وإنما تتعدى ذلك إلى مراقبة مدى تطابق القانون للدستور والرقابة وفق هذا الأسلوب تتميز بعدة إيجابيات مقارنة مع طريقة الرقابة بواسطة جهاز سياسي. على اعتبار أنها توكل إلى الهيئة مشهود لها بتكوينها الحقوقي وكفاءتها المهنية علاوة على ما تسمح به مسطرة الرقابة ذاتها من إمكانيات للتعرف على الطعون والنوازل المطروحة أمامها سواء من حيث الإعلان والنقاش والمراجعة أو من حيث حرية الدفاع وكلها إجراءات تكسب موضوع الرقابة بعدا أعمى وضمانا أوسع وامتن ولقد أفرزت ممارسات الدول الأخذ بهذا النوع من الرقابة أسلوبين هما الرقابة القضائية عن طريق الدعوة الأصلية I والرقابة عن طريق الدفع II . الفرع الأول : الرقابة القضائية عن طريق الدفع أو الامتناع بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية. يقصد بالرقابة القضائية عن طريق الدفع والامتناع عن طريق تطبيق القانون غير الدستوري دون إلغائه مما يعني أن القانون يظل نظريا موجودا بالرغم من عدم مطابقته لروح الدستور ومناقضته لنصوصه ومن تم يحق للأفراد مستقبلا أن يثيروا الدعوة حوله مجددا بقصد استبعاد تطبيقه وسريان مفعوله. وهذا من الرقابة القضائية يتميز بدوره بالخصائص التالية : فهذه الرقابة تأتي عرضا أو استثناء أثناء النظر في دعوى لم تستهدف بين أصل الطعن في دستورية القانون المطبق على موضوع الدعوة بل جاء الطعن من دفع أحد الأطراف الذي طلب بصفة استثنائية عدم تطبيق القانون لعدم تطابقه مع الدستور حسب ادعائه فإذا تبين للقاضي أن هذا الادعاء صحيح يمتنع عن تطبيق هذا القانون. وهذا الإجراء يختلف عن سابقه في كونه لا يؤدي إلى إلغاء القانون بل ترتب عنه فحسب عدم تطبيقه على النازلة المعروضة على القضاء مع إمكانية تطبيقه على النازلة الأخرى، إلى أن تصرح المحكمة العليا بعدم دستوريته أو تلغيه السلطة التشريعية بالإجراء العادي حيث لا يكتسب القاضي منا إلا "السلطة النسبية للشيء المقضى به" كما لا يتطلب هذا النوع من الرقابة المحكمة خاصة بل يتم فقط من قبل المحاكم العادية، ونظرا لأن القاضي يكتفي بامتناع عن تطبيق القانون فقد جرت العادة على تسمية هذه الرقابة برقابة الامتناع. وتعد الولاياتالمتحدةالأمريكية أول بلد ظهرت فيه الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع ومنها انتشرت إلى العديد من دول العالم فنظرا لسكوت دستور 1787 عن تنظيم الرقابة القضائية على دستورية القوانين، قررت المحكمة الاتحادية العليا حق القضاء في التأكد من دستورية القوانين في حكمها الشهير في قضية مار بوري (Marbury) ضد ماديسون (Madison) برئاسة القاضي مارشال MarShell وذلك عام 1803 وقد استندت المحكمة في حكمها إلى أن الدستور الأمريكي هو القانون الأساسي المكتوب. ويبطل التشريع إذا خالف الدستور حيث نقرأ في حيثيات هذا الحكم ما يلي "لما كانت وظيفة القاضي هي تصنيف القانون. ولما كان يدخل في وظيفة القاضي تجديد القانون الواجب تطبيقه إذا ما وجد نفسه أمام قوانين متعارضة ولما كان الدستور أسمى القوانين فإن من وظيفة القاضي أن يبتعد عن تطبيق القانون العادي إذا ما تعارض مع القانون الأسمى لأن الدستور هو مؤسس السلطات ومنظمها، والفرع يجب أن يتبع ويطابق الأصل"، ومنذ ذلك العهد وابتداء من صدور هذا الحكم أخدث مؤسسة الرقابة تتسع تدريجيا وتمتد سلطتها عن طريق الاجتهاد والتأويل وما يلي ذلك من تعديلات إضافية أغنت المقتضيات الدستورية وزادت في قوة سلطة المحاكم. فمراقبة دستورية القوانين بالولاياتالمتحدةالأمريكية مسموح بها للأفراد والمؤسسات على السواء تتم على صعيد الولاياتالمتحدة والاتحاد المركزي. ولا تقتصر الرقابة هنا على القانون العادي وحده بل تمتد إلى التنظيمات الحكومية والإدارية، كما لا تختص بها محكمة خاصة. فمحاكم الولايات العادية تبحث في دستورية القوانين الصادرة عن التشريع المحلي على ضوء دساتير الولايات من جهة ودستور الإتحاد الفيدرالي من جهة ثانية والمحكمة العليا الفيدرالية. وتراقب دستورية القوانين التي تصدرها الولايات. أما المنازعات الإدارية فتبث فيها من قبل المحاكم العادية التي تفصل في النزاعات التي تحدث بين الأفراد والإدارة وتراقب المقررات الإدارية. وهذا يختلف بطبيعة الحال عن الدول التي تتوفر على محاكم خاصة للفصل في مثل هذه النزاعات مثل فرنسا (مجلس الدولة) والمغرب (الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى المحاكم الإدارية )...الخ. وما يلاحظ عن المحاكم في الولاياتالمتحدة أنها لعبت دورا سياسيا لا يستهان به من أجل الحفاظ على التوازن السياسي الذي يقوم عليه نظام الإتحاد الفيدرالي بين الولايات والدولة الفيدرالية، كما عملت على حماية الولايات من سلطة الدولة الفيدرالية وحماية حقوق المواطن الأمريكي فمنذ النازلة المشار إليها أعلاه بأن من حق الأمريكي أن يدفع بعدم دستورية القوانين في نوازل معينة أمام المحاكم العادية للولايات بالنسبة لمطابقة قوانينها لدساتيرها أو للدستور الاتحادي أو أمام المحكمة العليا بالنسبة لأحكام هذه المحاكم وكذلك لمطابقة القوانين الفيدرالية للدستور الفيدرالي، ونظرا لدور القضاء في إثارة هذه القوانين هذه السابقة وفي التأثير على السلطتين التشريعيتين والتنفيذية فقد أطلق بعض الفقهاء الدستوريين على نظام الحكم بالولاياتالمتحدةالأمريكية نظام حكومة القضاة "COUVERNEMENT DE JUGO" ونشير هنا إلى أن الدستور الأمريكي لم يخول المحكمة العليا صراحة القيام بهذه الرقابة غير أن تثبيت القضاة بهذا المبدأ جاء نتيجة تأويلهم لمبدئي سمو الدستور وفصل السلط على أنهما يلزمان القاضي بالتحقق من دستورية القانون قبل تطبيقه. وهذا ما جعل هذه المحكمة المكونة من تسعة أعضاء يعينهم الرئيس بموافقة أغلبية مجلس الشيوخ تلعب دورا فعالا في مجال الرقابة على دستورية القوانين. ورغم أخذ الولاياتالمتحدةالأمريكية بنظام الفصل بين السلطات ومبدأ استقلالية القضاء. ورغم الكفاءة القانونية لقضاة المحكمة العليا. فإن أحكامها تتأثر أحيانا بالاتجاه السياسي المحافظ أو الليبرالي لأعضائها، وقد انعكس هذا التأثير على عملية إصدارها قرارات تخص الحياة السياسية الأمريكية داخليا وحتى خارجيا. الفرع الثاني: الرقابة القضائية عن طريق الدعوى. هذا النوع من الرقابة يتم الترخيص خلاله للمواطن بإحالة القانون الغير الدستوري على القاضي قصد إلغائه لدى سمي هذا القانون بالرقابة عن طريق الدعوة أو الإلغاء. إن هذه الرقابة تجيز للقاضي إبطال القانون الغير الدستوري، ويترتب عن هذا القضاء اعتبار القانون كأنه لم يكن فهو يختفي من النظام القانوني بصفة نهائية ولفائدة الجميع وكثيرا ما تستند هذه المراقبة إلى المحكمة إلى المجلس الأعلى في البلاد غير أن الرقابة عن طريق الدعوى قد تكون قبلية وقد تكون بعدية، قبل صدور القانون أو بعد صدوره. الرقابة القبلية تمارس على مشاريع القوانين وحق آتاراثها محدد في هيآت معينة حسب الدستور، وأخذت فرنسا منذ دستور 1962 حتى الدستور الأخير ودستور نونبر 1992 والذي كرسه الفصل 81 بعد تعديل 13 شتنبر 1996. أما الرقابة البعدية أو اللاحقة فلا تمارس إلا بعد صدور القانون أي تطوره من مرحلة المشروع إلى المصادقة وتدعى هذه الرقابة بالإلغاء، لأنها تستهدف إلغاء قانون صدر فعلا بناء على دعوى عدم مضايقة للدستور، وأهم الدول التي أخذت بها هي الولاياتالمتحدةالأمريكية وسويسرا الذي نص دستورها لعام 1974 على إحداث محكمة قضائية عليا. ثالثا : الرقابة الدستورية في المغرب. إن أهم المستجدات التي جاء بها الدستور المراجع للملكة المغربية لرابع شتنبر 1992 هو إحداث المجلس الدستوري الذي جاء ليحل محل الغرفة الدستورية المختصة بمراقبة دستورية القوانين والتي تعد إحدى أسس دولة القانون. إذن ما الجديد الذي جاء به الدستور المراجع وخوله للمجلس الدستوري ؟ وإلى أي حد يمكن لهذه المؤسسة الجديدة أن تساهم في تدعيم دولة القانون؟ (أ) : الغرفة الدستورية : عرفت الغرفة الدستورية تطورات في ما يهم تشكيلها غير أنها لم تعرف الغرفة الدستورية تطورات في ما يهم تشكيلها، غير أنها لم تعرف أي تطور في ما يخص صلاحياتها وقد حددت الفصول 100 و 101 و 102 تشكيل (هيئتها المكونة من الرئيس الأول للمجلس الأعلى، أعلى سلطة قضائية في المغرب، ثم من قاض من الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى وأستاذ بكلية الحقوق وكلاهما يعين بمرسوم ملكي، لمدة 6 سنوات بالإضافة إلى عضوين يعين الأول من طرف مجلس النواب والثاني يعينه مجلس المستشارين، وصدر قانون تنظيم للغرفة الدستورية حدد قواعد تنظيمها وضوابط سيرها بمقتضى الظهير رقم 137-63 المؤرخ في 16 ماي 1963. ولم يقع أي تغيير بالنسبة لتشكيلها في ظل دستور 1970 ما عدا أن عدد أعضائها أصبح يتكون من 4 أشخاص بدلا من 5 نظرا للأخذ بنظام المجلس الواحد مجلس النواب والاستغناء عن مجلس المستشارين، حيث صدر القانون التنظيمي للغرفة بمقتضى الظهير رقم 194 1.70 بتاريخ 31 يوليوز 1970.غير أن دستور 1979 وإن كان احتفظ برئاسة الغرفة للرئيس الأول للمجلس الأعلى فإنه قرر بأن 3 أعضاء يعينون بظهير لمدة 4 سنوات و3 أعضاء آخرين يعينهم رئيس مجلس النواب في بداية الفترة النيابية بعد استشارة الفرق النيابية ومددت مدة العضوية إلى 6 سنوات بعد تعديل 30 ماي 1980. وهناك عضو بحكم القانون وهو الرئيس الأول للمجلس الأعلى غير أن عضويته ليست مدى الحياة ولكن لفترة محددة ثم أن دوره في الغرفة مرتبط بوظيفته كرئيسا أول للمجلس الأعلى مما قد يقلل من استقلاليته أما بقية الأعضاء فهم معينون فالنصف يعينهم الملك و والنصف الآخر يعينهم رئيس مجلس النواب . أما من حيث تنظيم أشغال الغرفة فالرئيس هو الذي له حق الاستدعاء، وفي حالة غيابه يتولى ذلك رئيس الغرفة الأولى بالمجلس الأعلى، وتتوفر الغرفة على مصلحة كتابة خاصة بها، أما آراء الغرفة ومقرراتها فيجب أن تصدر بموافقة 5 أعضاء على الأقل ضمنهم الرئيس أو نائبه وفي حالة تعذر ذلك لأسباب قاهرة ويجب أن ثتبث ذلك في المحضر بناء على الفصل 14 من القانون التنظيمي ، وعهد الفصل 16 من القانون المضمن لمدى دراسة مدى دستورياتها . و إذا تجاوزنا عهد الستينات وبداية التسعينات فأغلب المقررات داخل هذه الغرفة خلال تجربة (1983-1977) كانت تتعلق بإعطاء فتاوى في الطبيعة التشريعية أو التنظيمية لنصوص قانونية ولم يتح لهذه الغرفة البث في دستورية القوانين التنظيمية لأن هذه القوانين صدرت قبل تطبيق مقتضيات الدستور باستثناء القانون المنظم كحق الإضراب الذي لم يصدر لحد الآن ويذهب البعض إلى حد اعتبار مجال المقاربة بالنسبة للغرفة الدستورية هو مجال محدود ينحصر فقط في Régulateur للعلاقات بين السلطات العمومية الأمر الذي لا يجعل من القاضي المغربي عضوا يسهر على تطبيق الدستور واحترام الدستورية. إن هذه الصفة تعود للملك زيادة على دوره في التحكيم السياسي وله هيمنة مطلقة على القانون بصفة رئيسية إصداره ومن هنا يتم التساؤل عن الطبيعة الحقيقية للغرفة الدستورية. ولعل الرقابة الدستورية في ظل الغرفة الدستورية لم تكن مراقبة حقيقية وذلك بالنظر في شرعية المسطرة والتي وضع بها القانون ومدى احترام هذا الاختيار لمقتضيات الدستور فيها القواعد المتعلقة بالحريات العامة التي جاء بها وكذلك تراتبية القواعد القانونية كما هو الشأن في بلدان أخرى كفرنسا والرقابة على الأعمال الصادرة عن جهاز السلطة التشريعية من طرف الهيئة التي خولها لها الدستور هذا الاختصاص كلما توفرت لديها أدلة على أن العمل المطعون ينطوي على خرق الدستور في أحكامه ومبادئه . وهكذا أن الرقابة الدستورية كما وضعها الدستور وحدد معالمها لا تتجاوز مراقبة القوانين التنظيمية حيث بالرجوع إلى الدستور المغربي نجد اختصاصات الغرفة الدستورية على نوعين قضائية واختصاصات استشارية. بالنسبة للأولى فهي (مقررات وأحكام) واستشارية الصلاحيات القضائية ومجالها الرقابة الدستورية، والنظر في النزاعات الانتخابية. وتمارس الغرفة الدستورية الرقابة القضائية من خلال البث في دستورية القوانين التنظيمية والنظام الداخلي للبرلمان. وصحة انتخاب أعضاء مجالس النواب وصحة عمليات الاستفتاء والبث في الخلافات ما بين الحكومة والبرلمان.أما بالنسبة للاختصاصات الاستشارية فتتجلى لنا من خلال الفصل 42 الذي يقضي بعرض القانون الداخلي لمجلس النواب على الغرفة الدستورية لتنظر في مدى مطابقته للدستور. - الفصل47 المتعلق بتغيير القوانين الصادرة من قبل المرسوم إذا لم تبقى تدخل في مجال القانون، يعني أن النصوص الصادرة في صيغة قانون لا يمكن تغييرها بمقتضى مرسوم إلا بعد موافقة الغرفة الدستورية وذلك حينما تكون النصوص متداخلة في اختصاص السلطة التنظيمية وقد أصدرت في ذلك الغرفة عدة مقررات منها قرار رقم 41 بتاريخ 17 أكتوبر 1980 . - أما الفصل 52 الذي يعطي الحق للغرفة الدستورية في أن تبث في كل خلاف نشأ بين الحكومة والبرلمان في شأن كل تعديل أو اقتراع لا يدخل في مجال القانون أما الفصل 70 المتعلق بحق الملك في حل البرلمان فبمقرر أن ذلك يتم بعد استشارة رئيس الغرفة الدستورية وتوجيه خطاب للأمة ويصدر ظهير شريف بذلك الفصول الواردة في الباب العاشر 94-95-96-97 . وبناءا على ما سبق يتضح أن الرقابة على دستورية القوانين كانت في المغرب رقابة جزئية تقتصر على القوانين التنظيمية والتي يمكن إدخالها بحق في الرقابة على دستورية القوانين أما ما دون ذلك فإن الرقابة على دستورية القوانين ما هي إلا رقابة جزئية أو صورية. ذلك أن المراقبة الحقيقية هي التي تخول الغرفة الدستورية النظر في شرعية المسطرة التي وضع بها القانون ومدى احترام هذا الأخير لمقتضيات الدستور بما فيها القواعد المتعلقة بالحريات العامة التي جاء بها وكذلك تراتبية القواعد القانونية كما تعني من جهة ثانية بأن تخضع أعمال السلطة التشريعية لرقابة الغرفة الدستورية الهيئة التي خولها الدستور هذا الاختصاص كلما توفرت لديها أدلة على أن العمل المطعون فيه ينطوي على خرق للدستور وفي مبادئه وأحكامه . وعليه فإن المراقبة التي وضعها الدستور المغربي سنة 1972 – 10 مارس وخولها للغرفة الدستورية لا يمكن بأي حال من الأحوال إدراجها في المراقبة الحقيقية لدستورية القوانين إلا فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية إلا أنه مهما قيل عن هذه التجربة للغرفة الدستورية فهي أتت في مرحلة جد صعبة مرحلة البناء والتشييد وإرساء دولة عصرية دولة المؤسسات وتبقى على الرغم من ذلك تجربة لا يستهان بها وضعت أسس انطلاقة صحيحة لمستقبل المغرب السياسي والمؤسساتي وعلى العموم فأمام التطور الذي عرفه العالم على المستوى الديموقراطي والذي كانت له تأثيرات كبيرة على الدول النامية وبالتالي على المغرب وضع حدا لحياة هذه الغرفة بإحداث المجلس الدستوري فما الجديد الذي جاءت به هذه المؤسسة ؟ (ب): المجلس الدستوري. أقر دستور 1992 للمجلس الدستوري الباب السادس بعد الباب الخامس المخصص لعلاقات السلط ببعضها البعض والعلاقة ما بين الملك والبرلمان ثم علاقات البرلمان بالحكومة وهذا ما قبل الباب الأول المخصص للقضاء ولن يبدأ المجلس الدستوري ممارسة مهامه إلا بعد صدور قانونه التنظيمي رقم 93-29 الذي صدر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 124-94-1 بتاريخ 25 فبراير 1994، حيث حدد بالإضافة إلى ما نص عليه الدستور 1992.1 اختصاصاته وتشكيله . اختصاصات المجلس الدستوري. الواقع أن المجلس الدستوري ورث اختصاصات الغرفة الدستورية، غير أن الجديد بالنسبة لاختصاصاته هو ما قرره الفصل الواحد والثمانون في فقرته الثالثة، من الدستور المراجع سنة 1996 فيما يخص توسيع حق إحالة القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها. ويحدد الفصل 81 صلاحيات المجلس الدستوري على الشكل التالي: 1. النظر في دستورية القوانين . يعتبر المجلس الدستوري الجهاز الوحيد المختص بالنظر في مراقبة القوانين وأن قراراته تعتبر نهائية غير قابلة للطعن وتمثل الجهات التي تحيل عليه النصوص في كل من جلالة الملك، الوزير الأول، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس المستشارين أو ربع أعضاء مجلس النواب أو أعضاء مجلس المستشارين . ويكون على المجلس الدستوري كلما أحيلت عليه القوانين من أجل البث في دستوريتها أن يبلغ بتلك الإحالة كل من جلالة الملك والوزير الأول ورئيس مجلسي النواب والمستشارين، وعلى المجلس الدستوري أن يقضي في شهر من تاريخ الإحالة وفي حالة الاستعجال تحفظ هذه المدة إلى 8 أيام بطلب من الحكومة وتهدف هذه الإحالة إلى البث فيما يتعلق بتوزيع الاختصاص، والبث في مطابقة النظام الداخلي لمجلس النواب أو مجلس المستشارين للدستور ثم مراقبة القوانين التنظيمية قبل صدور الأمر بتنفيذها لتقرير مدى موافقتها للدستور. 2. النظر في عمليات الإستقتاء . يختص المجلس الدستوري بالنظر في عمليات الاستفتاء الدستوري والتشريعي ومن أهم القضايا التي يلجأ فيها جلالة الملك إلى استفتاء الشعب هي ما يتعلق بمراجعة الدستور الذي لجأ إليه جلالة الملك رحمه الله طيلة التجربة الدستورية المغربية، غير أنه يمكن للملك أن يلجأ إلى استفتاء الشعب المغربي في قضايا أخرى لها من الأهمية ما يدفعه إلى ذلك مثل معاهدة الإتحاد المغربي العربي ومن هنا فالمجلس الدستوري يتولى دراسة ملفات الاستفتاء ومحاصرة مسار عملياته ويصدر بشأن ذلك قرار يفسر بالجريدة الرسمية 3.النظر في المنازعات الانتخابية . نظرا للأهمية الخاصة بالانتخابات في التمثيل على المستوى الوطني وباعتبارها إحدى أسس النظام الديموقراطي فإن غالبا ما تخول الدول لبعض مؤسساتها مراقبة صحتها وذلك عن طريق البث في المنازعات التي تتم بشأنها لإثبات شرعيتها وفي هذا الإطار يقوم المجلس الدستوري بالمغرب بهذه المهمة حيث يختص بالنظر في المنازعات التي تنشأ بسبب الانتخابات البرلمانية، ويتلقى الطعون في النتائج الانتخابية وبمقتضى ذلك يبت في شأنها أحكاما وفق لمسطرة محددة إما بإلغاء الانتخابات المطعون فيها وإما بصحة النتائج المعلن عنها . 4. حصيلة عمل المجلس الدستوري. لقد أصدر المجلس الدستوري إلى حدود اليوم حوالي 700 قرار فيما يتعلق بالمنازعات الانتخابية ومراقبة دستورية القوانين أو حالة التنافي أو الاختصاص بالإضافة إلى قراراته بخصوص المقاعد الشاغرة في البرلمان ولقد احتلت المنازعات الانتخابية القسط الأوفر لهذه القرارات سواء تعلق الأمر بإلغاء الانتخابات وإعادة الاقتراع أو برفض الطلب، الأمر الذي يترجم إرادة المغرب في السير قدما نحو ترسيخ دولة القانون والتي أبانت عنها نزاهة الانتخابات بحياد الإدارة المغربية وعدم تدخلها في العمليات الانتخابية ومنها ما يتعلق بتغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم أو مطابقة القوانين العادية للدستور أو مطابقة القوانين التنظيمية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين للدستور. هكذا إذن اعتمد المغرب على غرار السياسي الفرنسي رقابة المجلس الدستوري على اعتبار هذه الرقابة من شأنها أن تحمي الدستور وتصونه من اعتداءات السلطة وشططها وتؤكد سموه وعلو قواعده وأحكامه. ولقد تمكن القانون التنظيمي مكانه المجلس الدستوري وعزز شخصيته ووضح جوانب الغموض التي اعترت الغرفة الدستورية مع الإشارة على أنه تضمن استجابة لبعض المطالب المهمة التي رعتها الأحزاب من خلال المذكرة إلى جلالة الملك رحمه الله بتاريخ 9 أكتوبر 1991 بشأن الإصلاحات المقترحة بخصوص الغرفة الدستورية وهي التنصيص على أن مقررات المجلس الدستوري لا تقبل الطعن وكونها ملزمة للجميع أضف إلى ذلك سرعة البث في القضايا والملفات المعروضة عليه حيث تحديد المدة التي يجب على المجلس الدستوري التقيد بها للبث في دستورية القوانين، وهي شهر بالنسبة للحالة العادية وبالنسبة للحالة الإستعجالية 8 أيام . وعليه فمن خلال التعديلات التي أقامها المشرع المغربي في مجال مراقبة دستورية القوانين يكون قد هدف إلى تأكيد مبدأ الدستور Suprémative de la constituting التي يتخذ في لغة الخطاب القانوني عدة تعبيرات ومصطلحات مثل مبدأ الشرعية ومبدأ القانون وسيادة القانون أو دولة القانون . وهذا وإن كان قد مر على عمل مجلس الدستور فإن ما قام به من أعمال سوى تعلق الأمر بالطعون الانتخابية أو الرقابة الدستورية على القوانين فإن هذه المؤسسة الدستورية سيكون لها دور فعال في تدعيم دولة القانون في المغرب. تكوين المجلس الدستوري : يتألف المجلس الدستوري من 9 أعضاء غير أن المراجعة الدستورية 13 شتنبر 1996 وسعت العضوية إلى 12 عضوا نصفهم يتم تعيينهم بواسطة الملك بظهير شريف وضمنهم رئيس المجلس لمدة 9 سنوات أما النصف الآخر فيعين نصفهم (3أعضاء) رئيس مجلس النواب و (3أعضاء) رئيس مجلس المستشارين وكل الأعضاء يعينون لمدة (9 سنوات) على أن يتم تجديد ثلث كل فئة كل 3 سنوات على أساس أن مهمة رئيس وأعضاء المجلس الدستوري غير قابلة للتجديد (الفقرة الأخيرة من الفصل 79) على خلاف الغرفة الدستورية حيت أن المادة الثانية من القانون التنظيمي للمجلس الدستوري (25 فبراير 1994)، نصت على أنه يعين أعضاء المجلس الدستوري لمدة 6 سنوات قابلة للتجديد مرة أخرى وهذا التعديل في الواقع هو اقتضاء بما أقره الدستور الفرنسي لسنة1958 في مادته 56. وقد نعت جلالة الملك أعضاء المجلس الدستوري يوم 7 أكتوبر 1996 عند استقباله لهم عند تقديمهم النتيجة الرسمية للاستفتاء على مشروع تعديل الدستور 13 شتنبر 1996 بأنهم ضمير الأمة القانوني . كما أن العضوية بالمجلس الدستوري تتنافي وعضوية الحكومة أو العضوية للبرلمان بغرفتيه أو عضوية المجلس الاقتصادي كذلك لا يمكن الجمع بينها ووظيفة عمومية أخرى أو عضوية هيئة عامة منتخبة أو وظيفة تدر أجرة في شركات يكون أكثر من نصف رأسمالها مملوكا لشخص اعتباري أو أكثر من أشخاص القانون العام. كذلك العضوية في جمعيات أو هيئات ذات طابع نقابي أو سياسي، أما تعويضات أعضاء المجلس فهي نفس تعويضات أعضاء البرلمان غير أن الرئيس له تعويضات تماثل نفس تعويضات مجلس النواب. والجدير بالذكر، أن موضوع الرقابة، وإن حظي فقهيا بقدر كاف من التدقيق والتفصيل في طبيعته وعلاقاته بقضايا قانونية مرتبطة ومتداخلة معه، فقد ضل على صعيد الممارسة دون المستوى المطلوب، سواء من حيث تنظيمه أو بالنسبة لتحديد الأجهزة الخاصة بتطبيقه.. والدليل على هذا القصور تعدد أساليب المراقبة وتنوعها وتباينها أحيانا، من تجربة دستورية وسياسية لأخرى. سعيد العيدي صحفي وباحث جامعي [email protected] [email protected]