إن سمو الدستور باعتباره أعلى مرتبة من سائر التشريعات الأخرى وما يتطلب ذلك من ضرورة التقيد بأحكامه من طرف السلطة التشريعية والتنفيذية ومطابقة القوانين التي تصدرها للمقتضيات الدستورية، أوجب ضرورة البحث عن السبل والآليات الكفيلة بضمان احترام هذا التسلسل القانوني، خاصة من قبل السلطة التشريعية باعتبارها مصدر القوانين، وبالتالي مراقبة مدى دستورية القوانين وضمان انسجامها التام مع أحكام الدستور وحسن تطبيقها بالنسبة للمجتمع باعتبار ذلك يشكل شرطا رئيسيا لبناء الصرح القانوني والمؤسساتي وترسيخ دولة الحق والقانون والمؤسسات مادامت مراقبة دستورية القوانين تعتبر لبنة أساسية لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة تصبح فيها القوانين مقدسة وواجبة الاحترام والتطبيق كما نص على ذلك الفصل 4 من الدستور المغربي عندما اعتبر «القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة يجب على الجميع الامتثال له». وهذا ما جعل مراقبة دستورية القوانين تتطور بتطور المسار الديمقراطي في كل بلد، وبالتالي اختلاف طرق هذه المراقبة باختلاف الدساتير التي سنت هذه المراقبة: من مراقبة سياسية بواسطة هيئة سياسية إلى مراقبة قضائية عن طريق القضاء مادامت مهمة القضاء هي تطبيق القانون في القضايا المعروضة عليه إما باللجوء إلى طريقة الدعوى أمام محكمة خاصة للطعن في دستورية قانون ما وإلغائه عند الاقتضاء أو باللجوء إلى طريقة الدفع بمناسبة النظر في قضايا يطرح بشأنها نزاع بين المتخاصمين حول دستورية القانون المطلوب تطبيقه في هذه النازلة. وبالنسبة للمشرع الدستوري المغربي، فقد اختار النموذج الفرنسي لمراقبة دستورية القوانين من طرف المجلس الدستوري باعتباره المؤسسة الدستورية الوحيدة الموكول إليها هذه المهمة الجسيمة، والذي جاء في إطار الإصلاحات الدستورية التي رفعتها الكتلة الديمقراطية إلى جلالة الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه سنة 1991 خلفا للغرفة الدستورية التي كانت تابعة للمجلس الأعلى للقضاء. ويتجسد هذا الاختيار الذي سلكه المشرع الدستوري المغربي في وجوب إحالة القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها وكذا النظام الداخلي لكل من مجلسي البرلمان قبل الشروع في تطبيقه على المجلس الدستوري ليبت في مطابقتها للدستور، بينما تبقى مسألة إحالة القوانين العادية الأخرى قبل إصدار الأمر بتنفيذها على المجلس الدستوري ليبت في مطابقة مقتضياتها لأحكام الدستور اختيارية من طرف جلالة الملك أو الوزير الأول أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو ربع أعضاء مجلس النواب أو أعضاء مجلس المستشارين كما تنص على ذلك أحكام الفصل 81 من الدستور، حيث يترتب على هذه الإحالة وقف سريان الأجل المحدد لإصدار الأمر بتنفيذها، كما أنه لا يجوز إصدار أو تطبيق أي نص يخالف الدستور كما تنص على ذلك الفقرتان 5و6 من الفصل 81 من الدستور.. وجميع الجهات الادارية والقضائية طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 81 من الدستور، مع العلم أن بعض الدول قد لجأت إلى طريقة توسيع قاعدة مراقبة دستورية القوانين بهدف تحصين تشريعاتها كما هو الشأن بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية التي بمقتضى دستورها تمارس جميع المحاكم بمختلف درجاتها مراقبة دستورية القوانين بمناسبة نزاع يطرح أمامها بشأن مدى دستورية القانون المطلوب تطبيقه في النازلة المعروضة أمامها. وكذلك الشأن بالنسبة للدستور السويسري الذي بموجبه يمكن لكل فرد صاحب مصلحة أن يرفع دعوى عدم دستورية القوانين أمام المحكمة أو المحاكم الاتحادية ويطالب بإلغاء قانون ما، مادامت دستورية القوانين تستهدف حماية أحكام الدستور وتحصين الترسانة القانونية من أي خلل والتشبع بقدسية روح التشريعات، ومادامت مراقبة دستورية القوانين ليست غاية في حد ذاتها بقدرما هي وسيلة لضمان سيادة القانون وتراتبيته وتسلسله باعتباره أسمي تعبير عن إرادة الأمة بعد المصادقة عليه من طرف ممثلي الأمة بالمؤسسة التشريعية.