شرع مجلس المستشارين على مستوى لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مناقشة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بعد إحالته عليه من قبل الحكومة. ويعتبر الدستور المرجعية القانونية التي يستند عليها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي باعتباره مكملا للدستور الذي نص على إحداثه بمقتضى الفصل 93 وتمكين الحكومة ومجلسي البرلمان من استشارة المجلس الاقتصادي والاجتماعي في جميع القضايا التي لها طابع اقتصادي واجتماعي وتخويل المجلس الاقتصادي والاجتماعي إمكانية الإدلاء برأيه في الاتجاهات العامة للاقتصاد الوطني والتكوين بموجب الفصل 94، على أساس أن يحدد القانون التنظيمي تركيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي وتنظيمه وصلاحياته وطريقة تسييره بوجب الفصل 95. إن قراءة قانونية لأحكام الباب 9 من الدستور، وخاصة الفصل 95 منه تبين بجلاء كيف أن مشروع القانون التنظيمي السالف الذكر لم يحترم التسلسل الذي نصت عليه المادة 95 من الدستور فيما يخص تركيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي وتنظيمه وصلاحياته وطريقة تسييره، هذا التسلسل الذي حرص من خلاله المشرع الدستوري على احترام القواعد الذهبية المتعلقة بصياغة النصوص التشريعية عندما أعطى مشروع القانون التنظيمي الأسبقية للصلاحيات في الترتيب في الباب الثاني مباشرة بعد الأحكام التمهيدية في الباب الأول التي كان من المفروض أن تنص صراحة على إحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي انسجاما مع مقتضيات الفصل 93 من الدستور، ذلك أن متطلبات احترام القواعد الذهبية لصياغة النصوص التشريعية تقتضي التنصيص على إحداث المجلس ثم تركيبه ثم تنظيمه قبل تحديد صلاحياته وطريقة تسييره كما أقر ذلك المشرع الدستوري في بنائه القانوني لهذا المجلس. ومن جهة أخرى، فقد حدد الفصل 94 من الدستور صلاحيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي في اختصاصين أساسيين: اختصاص استشاري بطلب من الحكومة ومجلسي البرلمان في جميع القضايا التي لها طابع اقتصادي واجتماعي والآخر اقتراحي يمكن من خلاله الإدلاء برأيه في الاتجاهات العامة للاقتصادي الوطني والتكويني. غير أن النقطة الرابعة التي تدخل في مهام المجلس كقوة اقتراحية والمتعلقة بتسيير وتدعيم التشاور والتعاون بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين والمساهمة في بلورة ميثاق اجتماعي والواردة في المادة 2 من المشروع تبقى بعيدة عن صلاحيات المجلس وفقا لمقتضيات الدستور لكونها تخول للمجلس الاقتصادي والاجتماعي سلطة القيام بمهام الوساطة بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، الأمر الذي يجعل هذا المقتضى غير مطابق لأحكام الفصل 94 من الدستور. كما أن مقتضيات المادة 3 من مشروع القانون التنظيمي السالف الذكر التي بموجبها تحيل الحكومة ومجلس النواب ومجلس المستشارين، كل فيما يخصه، وجوبا على المجلس الاقتصادي والاجتماعي قصد إبداء الرأي: مشاريع ومقترحات القوانين التي تضع إطارا للأهداف الأساسية للدولة في الميادين الاقتصادية وفي مجال التكوين وكذا مشاريع ومخططات التنمية ومشاريع الاستراتيجيات المتعلقة بالسياسة العامة للدولة في الميادين الاقتصادية وفي مجال التكوين، تطرح إشكالية مدى مطابقة هذه الإلزامية لأحكام الدستور وانسجاما مع مقتضيات الدستور، فقد عالج النظام الداخلي بكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين مسألة إيداع وإحالة مشاريع ومقترحات القوانين عندما نصت المادة 93 من النظام الداخلي لمجلس النواب على: «توضع بمكتب المجلس وفقا لأحكام الفصل الثاني والخمسين من الدستور: مشاريع القوانين المقدمة من لدن الحكومة أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة. مقترحات القوانين المقدمة من لدن النواب أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة. ويأمر المكتب بتوزيعها على النواب. يحيط رئيس المجلس علما رئيس مجلس المستشارين بحالة إيداع مشاريع ومقترحات القوانين». وتطرح مقتضيات المادة 3 السالفة الذكر من جهة أخرى مسألة تنازع الاختصاص بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الأعلى للانعاش الوطني والتخطيط عندما نصت المادة 3 من مشروع القانون التنظيمي السالف الذكر على وجوب إحالة مشاريع مخططات التنمية المتعلقة بالسياسة العامة للدولة في الميادين الاقتصادية على المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مع العلم أن هذه المخططات يجب أن تعرض على المجلس الأعلى للانعاش الوطني والتخطيط برئاسة جلالة الملك كما هو منصوص عليه في الفصل 32 من الدستور، وذلك قبل إحالة المخطط على أحد مجلسي البرلمان للموافقة عليه وفقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 50 من الدستور. إن إحداث هذه المؤسسة الدستورية الاستشارية تفعيلا لمقتضيات الدستور، وانسجاما مع متطلبات تعزيز العمل البرلماني والحكومي والتأهيل المستمر للإصلاح الؤسساتي، سيشكل لبنة أساسية لدعم الانتقال الديمقراطي وترسيخ دولة المؤسسات من خلال المساهمة المسؤولة للنخب المغربية والمؤهلة في تدبير الشأن العام وتقوية مواطن القوة في المسار الديمقراطي للبلاد.