تقديم عام للمحور الثالث نظرا لكوننا اقتصرنا في معالجة هذا الموضوع، في هذه السلسلة من الحلقات الرمضانية، على المقاربة التصنيفية لعيون الماء بين القداسة والأساطير، وبين التوظيف العلاجي والسياحي والاقتصادي؛ فتجدر الإشارة إلى أنه بقدر ما كانت عملية التصنيف بين العيون التي يمكن نعتها بالمقدسة، والتي ارتبط اكتشافها وتدبير استغلال مياهها بحكايات أسطورية، بقدر ما يصعب تصنيف بعض عيون الماء المعتمدة إما عيونا علاجية فقط؛ إذ أصبح البعض يطلق عليها "السياحة العلاجية" (مثل حامة مولاي يعقوب بفاس، حامة سيدي حرازم بفاس، عين شالة بالرباط، عين العاطي بأرفود، حامة عين الله بفاس، عين أباينو بأكلميم، عين فزوان ببركان، ئموران بضواحي مدينة أكادير، ئمي ن ئفري بدمنات، أغبالو ن ئشيشاون بدمنات، وغيرها من هذا النوع من العيون في مختلف مناطق المغرب)، أو سياحية صرفة (مثل عين أسردون، عين أباينو بشيشاوة)، أو مجرد اقتصادية. لهذا اعتمدنا الصفة الأكثر تداولا للعين، محليا أو جهويا أو وطنيا أو دوليا، مع عدم إغفال ذكر التوظيف أو التوظيفات الأخرى لها. لقد أدمجنا، من وجهة نظر منهجية صرفة، الصنفين العلاجي والسياحي في محور واحد، رغم وجود عيون سياحية صرفة (مثل عين أسردون ببني ملال، وعين فزوان ببركان، وعين أباينو بشيشاوة على سبيل المثال لا الحصر). كما أن كثيرا من العيون التي توجد بها حامات يفد الزوار إليها من أجل علاج أمراض معينة، خاصة منها الجلدية، قد أصبحت تعرف أنشطة سياحية واقتصادية أكثر فأكثر في هذه السنوات الأخيرة. وهذه العينة من عيون الماء المعتمدة ليست سوى نماذج للفت الانتباه إلى إشكالات تراثية وثقافية وتنموية وتدبيرية، عرفت وتعرف تغييرات وتطورات، تستلزم الاهتمام بها علميا وأكاديميا من أجل إدماجها في صيرورة وسيرورة التنمية المنشودة، ومن أجل التوظيف الإيجابي لثروات يستفيد منها كل المواطنين بما تقدمه من خدمات مسايرة لروح العصر، لكن دون إغفال ما تختزنه من معلومات ودلالات تاريخية واجتماعية وثقافية وغيرها مما يشكل إرثنا الهوياتي والتاريخي والحضاري، فمن يستطيع أن يشك في الارتباط الوطيد بين الماء والحضارات بكل أبعادها؟ *باحث في الأنثروبولوجيا