"أفضل الفضائل انفعها للناس " ارسطوطاليس هل نحتاج فعلا إلى إحداث تغيير جدري وشامل في سياستنا الثقافية ؟ الم ندخل حقا مرحلة التفاهة والهشاشة الثقافية، مرحلة الفراغ الكبير إن لم نقل مرحلة الكيان "الفاشل ثقافيا" ؟ السنا في حاجة إلى صناعة ثقافية جديدة ترمم، تبني، تدعم وتقوي شعورنا وقدراتنا الوطنية في ظل التحديات والتوترات الإقليمية الخطيرة التي تحيط بنا، ثقافة تشحد وترفع الإحساس بالانتماء إلى مستوى الفعل بعيدا عن الأحلام والأماني وخيبات الأمل والصور النمطية التي تبني مجتمعا يتحول فيه الفرد إلى مجرد كائن مفعول به، غير قادر على بناء خطوط دفاعه أمام الهجمات القوية لكل أشكال الإقصاء والتهميش والتطرف الاجتماعي والديني والتفسخ في السلوكات المدنية والأخلاقية، مجتمع باتت فيه القيم الوطنية والقيم العقلانية المتنورة مخالفة للقاعدة العامة، وكأننا تعودنا أو جبلنا على السير في الظلام وعجزنا عن الرؤية وانطبقت علينا مقولة ديكارت: " إذا تعود المرء السير في الظلمات ضعف بصره وعجز عن رؤية الأشياء في وضح النهار". في مرحلة "التفاهة والهشاشة الثقافية" التي نعيشها اليوم توفرت كل الشروط وتوفرالمناخ الأمثل لنمو وتكاثر "الأبطال الخلاسيين" في السياسة والعمل النقابي والإعلام المسموع، المرئي والمكتوب، في تدبير الشأن المحلي والجهوي، وصناعة الإخفاقات في الرياضة والغناء، والدراما والمرافق الإدارية، أبطال خلاسيين باتوا يطلون علينا من كل النوافذ والمساحات وتحولوا إلى شخصيات مرموقة، منجورة ومصقولة وكأنها النموذج المثالي للنجاح الاجتماعي. إننا نعيش فترة صاخبة تتسم بسيادة وهيمنة "ثقافة الهمزة "، حتى صارت كل المرافق أسيرة لها بما في ذلك المصالح الإدارية المنغلقة في مكاتب الاسمنت المسلح، ثقافتها وهمها الوحيد هو "طلبات عروض الأثمان" بمختلف أشكالها بعيدا عن حاجيات المواطنين التي تحولت إلى مجرد سلعة تبرر بها الاوليغارشيا الإدارية أجورها المرتفعة وعلاواتها الخيالية والامتيازات التي لاتعد ولاتحصى من سيارات وسفريات سياحية و اقامات فاخرة، وغيرها من الغنائم. في دهاليز البنيات الاجتماعية والسياسية تتقوى التحالفات وتختلط المصالح الشخصية بمصالح الدولة منتجة بذالك نموذجا ثقافيا مثاليا يقتدى به لقياس كل النجاحات الاجتماعية، والغريب في الأمر أن بريق هذه النجاحات يتوسع في المناطق الخالية من سلطة رقابات القانون والعدل والمحاسبات المالية ممجدا بذلك سيادة السلطات الشخصية والعلاقات الادارية المصلحية المغذية لينابيع الريع الإداري، الحزبي، الاجتماعي والنقابي وكأننا أمام ما سماه المرحوم بول باسكون ب"الفترات الكبرى للقايدية". الثقافة الوطنية رافعة أساسية لربح كل الرهانات، فبالإضافة إلى كونها عنصر أساسي للتنمية الاقتصادية والرفع من مناصب الشغل فإنها تشبه ذلك الوعاء المليء بالشعور الوطني و"بالحرارة الإنسانية " المغذية للقيم الديمقراطية، إنها تشبه إلى حد ما ماسماها أرسطو ب "لافيليا La philia" التي تغدي السلوك في المدينة وتجبله على التضامن وتحسن من مواقفه وتكمن في مجمل الأنشطة الثقافية كالحفلات الوطنية والألقاب والسلوكيات البطولية وأنشطة الاستجمام والمسارح المفتوحة وغيرها. لقد حان الوقت لفتح ورش ثقافي كبير هدفه الأساسي تنظيف المرافق الإدارية والتنظيمات المدنية من ثقافة الدهاليز، ثقافة أولائك الذين يعرفون من أين تأكل الكتف، وأن نبني نموذجا ثقافيا للعيش الجماعي يخدم العباد وصمام أمان لهذه البلاد. *سوسيولوجي مغربي.