بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي، وزير الخارجية السابق لبيرو: الجمهورية الصحراوية المزعومة لا وجود لها في القانون الدولي    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بريطانيا بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان الإصلاحات الطموحة    الجزائر والصراعات الداخلية.. ستة عقود من الأزمات والاستبداد العسكري    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعدد اللغوي والتنوع الثقافي في المغرب
نشر في هسبريس يوم 21 - 12 - 2010


رهانات الهوية الوطنية وتحدي الجهوية الموسعة
مقدمة
يشكل الخطاب الملكي المؤرخ في 03 يناير 2010 مرجعية لركائز الجهوية الموسعة المرتقبة. ومن الركائز الأساسية:
- وحدة الدولة والوطن والتراب
- التضامن والتكامل بين الجهات
- التساوي في توزيع القدرات والوسائل
- اللاتمركز من خلال حكامة ترابية ناجعة مرتكزة على جعل الصحراء نموذجا للجهوية الموسعة في إطار حكم ذاتي
كما أكد الخطاب السالف الذكر على اقتراح وإنشاء نموذج جهوية موسعة مغربي خالص لايعتمد على تقليد التجارب الأجنبية.
ستتم مناقشة هذه المرتكزات من خلال مقارنة النماذج الإسبانية والكندية والسويسرية للجهوية في شقيها الثقافي واللغوي مع الوقائع المغربية. ومن المبادئ العامة التي ستعتمدها هذه المقارنة أن الخصوصي أو الجهوي لايلغي الوطني. في هذا السياق وجبت الإشارة إلى أن الاستقلالية تهم بالأساس الأقاليم الجنوبية الصحراوية أما فيما يتعلق بأقاليم الوسط والشمال، فالجهوية لاترقى إلى حد مفهوم الحكم الذاتي.
من هذا المنظور يبقى النموذج الإسباني القائم على الجهات المستقلة والنموذج الألماني المرتكز على الفدراليات بعيدين عن مشروع الجهوية في صيغته المغربية، كما يبدو أن هذا الأخير يمكن أن يلتقي في بعض التوجهات العامة مع النموذجين السويسري والكندي خاصة والإيطالي والفرنسي والبلجيكي عامة.
كما يجب الإقرار بأنه في جميع الحالات (إسبانية-كندية (كبيك)-فرنسية (بروتان) أو بلجيكية (فلامان)) اعتمدت الجهوية كاستراتيجية للحيلولة دون حالات الانفصال « séparatisme » والانسلاخ الهوياتي. لهذا، يبدو أساسيا تعريف وتحديد مفاهيم التعدد اللغوي والتنوع الثقافي. يرتبط هاذين المفهومين ارتباطا عضويا بصيرورة التفاعل. فالتعدد اللغوي مفهوم تؤطره مقاربة كمية تحدد عدد المنظومات اللغوية المستعملة في بلد بعينه. يمكن وصف التعدد اللغوي في جانبين منفصلين: الأول يهم اللغة الواحدة أي أن العربية تعرف تعددا داخليا يتشكل من خمسة لهجات: العروبية – المدينية- الجبلية- العريبية والحسانية. أما الأمازيغية فتنبني على تعدد ثلاثي الأقطاب: تريفيت – تامازيغت وتاشلحيت ( (Boukous, 1995) . يتعلق الجانب الثاني من التعدد اللغوي بالنسيج اللغوي الذي يحكمه تفاعل لغات (وطنية وأجنبية) مختلفة داخل التراب المغربي: الأمازيغية – العربية – الفرنسية – الإسبانية – الإنجليزية ولغات أجنبية أخرى.
أما التنوع الثقافي فهو مفهوم يرتبط بعمق كيفي للظاهرة الثقافية الواحدة حيث أن نفس النموذج الثقافي يجد له تحققات مختلفة عبر التراب المغربي (اختلاف وتنوع كيفية تحضير الكسكس أو خياطة الجلباب أو شرب الشاي أو بناء المعمار أو طريقة الغناء...) فالتنوع يتصل بالتحقيق والكنه (essence) لا بالعدد. وانطلاقا من هذا التحديد المفاهيمي تروم أسئلة البحث الإجابة على ثلاث جوانب: أ- تدبير التعدد اللغوي، ب- السياسة الثقافية وعلاقتها بالتنوع الثقافي، ج- البعد الإجرائي والهوياتي لمشروع الجهوية الموسعة.
في هذا الصدد يمكن طرح الأسئلة التالية:
- ماهو موقع المكون الثقافي في مشروع الجهوية الموسعة؟
- هل يمكن للسياسة الثقافية واللغوية المعتمدة حاليا أن تحتوي رهانات الجهوية الموسعة؟
- هل ستتمخض الجهوية الموسعة عن جهات تتمتع بشخصية لغوية وثقافية؟
- هل سيكون للجهوية الموسعة تأثير على المحيط الثقافي واللغوي في المغرب؟
- هل سيلبي التقسيم الجهوي المرتقب الحاجيات اللغوية والثقافية للأفراد والمجموعات؟
- هل ستنقل الجهوية الموسعة المغرب من منطق التوحد (homogénéisation) إلى منطق التمازج (hétérogénéisation) ؟
- هل سيفضي المشروع المرتقب للجهوية من خلق التوازن بين المحلي، الجهوي، الوطني والكوني؟
- هل هذا التوازن سيشكل منعطفا في الانتقال من نموذج الدولة المركزية إلى نموذج الدولة التي تتقاسم الممتلكات الرمزية والمادية مع الجهات؟
- ماهو مصير المضامين الثقافية واللغوية (التدريس، الإعلام...) في أفق الجهوية الموسعة؟
- هل ستمكن الجهوية الموسعة الجزء (الهامش الجهة، المغرب الغير النافع...) من الخروج من الهشاشة ومحاكات المركز في الإزدهار والتطور؟
للإجابة على هذه الأسئلة، يمكن اعتماد فرضية في شقين أ- شق ميداني يرتكز على مقولة التمازج (métissage) والتفاعل في إطار نفس المنظومة الثقافية (أي المنظومة الثقافية المغربية).
ب- شق إجرائي يرتكز على اقتراح نموذج مزيج للجهوية المرتقبة أساسه تبني النموذج الإسباني للجهة المستقلة فيما يخص الأقاليم الجنوبية والنموذج السويسري والكندي فيما يتعلق بباقي الجهات (الوسط والشمال).
الجهوية الموسعة والتنوع الثقافي:
في علاقة الجهوية الموسعة بالتنوع الثقافي، تجدر الإشارة إلى أن نجاح أي مشروع تنموي يرتبط بطبيعة الخصوصيات الثقافية للمجال. وبمكن أن نسوق أمثلة من مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية التي فشلت لعدم الاهتمام بالخصوصيات الثقافية ومنها مشروع بعض التعاونيات النسائية بجهة زاكورة التي رفضت المنخرطات العمل فيها لأن المشروع تترأسه امرأة ذات سحنة داكنة ومشروع المستوصف بمنطقة زعير بجماعة سبت مرشوس الذي تحول إلى مطرح للنفايات وذلك لأن الساكنة تتعاطى لطب موازي يعتمد على طب تقليدي يرتكز على الأعشاب ووصفات أخرى..
لهذا لايمكن تصريف مشروع التنمية المرافق للجهوية الموسعة المرتقبة إلا في سياق تناغم مع الخصوصيات الثقافية كمجموع القيم الرمزية والتعابير المادية والغير المادية للأفراد والجماعات(Geertz, 1983) . وذلك لأن مجموع هذه المضامين الثقافية المرتبطة بجدلية التمازج والنسخ والتكامل والاختلاف والالتقاء يحددها نوعين من المنطق الثقافي: منطق غير منظم يتعايش مع الأفراد في حياتهم اليومية ومنطق منظم (أنظر بنيس 2009) يؤطره فاعلون منضويون تحت هيئات مجتمعية مدنية لها تصورها الخاص للمشروع المجتمعي في شقه الثقافي (هيئات حقوق الإنسان، الحركة الأمازيغية، الجمعيات الثقافية، الأحزاب السياسية،...)
لذا فإن السياق العام للسياسة الثقافية بالمغرب(Ben Bachir et Moulay 1981 et Touzani 2003), يواجه مسألة تحدي التنوع الثقافي في علاقته مع فسيفساء التشكيلة المجتمعية (Courbage et Todd, 2007 ). ويظل السؤال القائم هو: هل يتعارض التنوع الثقافي الجهوي مع التمثلات الأحادية للدولة المركزية ؟ من بين المرجعيات الهامة في هذا الباب يجب الإشارة إلى "الإعلان العالمي حول التنوع الثقافي" « Déclaration universelle de l'UNESCO sur la diversité culturelle » المعلن من طرف اليونسكو سنة 2001 الذي يعتبر الأداة الفعلية والمعيارية للاعتراف بالتنوع الثقافي كموروث إنساني وجب الحفاظ عليه في إطار احترام الكرامة الإنسانية. وتضاف إلى هذا الإعلان اتفاقية الحفاظ على الموروث الثقافي (الغير المادي، الرمزي) « convention pour la sauvegarde du patrimoine immatériel » المعتمدة بتاريخ 20 يونيو 2007 من طرف 78 دولة (من بينها المغرب) وهذه الاتفاقية تؤكد على ارتباط المحيط بالتاريخ والهوية لاحترام التنوع الثقافي. وهناك أيضا إعلان مونتريال 2007 والاتحاد الأوربي. تندرج كل هذه الاتفاقيات في تبني اليونسكو مقولة "الحضارة العالمية متعددة الثقافات" « Civilisation mondiale multiculturelle ».
فيما يتعلق بالمغرب يمكن حصر صيرورة التنوع الثقافي في علاقتها بالتداخل في مسارين متوازيين: الأول يرتكز على صيرورة التعريب والثاني على صيرورة التمزيغ. هذه الثنائية يضبطها ويحكمها منطق التمازج والالتقاء. إن التنوع الثقافي بالمغرب هو نتاج لهذه الصيرورة المزدوجة حيث أن المكون الثقافي هو في العمق عنصر متجانس وواحد تتحكم فيه هذه الثنائية ويعبر عنه لغويا بمنظومتين مختلفتين هما الأمازيغية والعربية (انظر بنيس 2006 للاطلاع على الأمثلة والمتن). وكحصيلة لهذا التفاعل والتنوع الثقافي أضحت التشكيلة البشرية المغربية ثنائية التكوين أي أن المغاربة يتكونون من ممزغين ومعربين لتصبح التصنيفات من قبيل أمازيغ / عرب/ يهود.. خارج الصيرورة الثقافية المغربية.
كيف يمكن إذن تدبير المسألة الثقافية من خلال سياسة ثقافية تستحضر بعد التفاعل والتمازج في ثقافة الجهات؟ يمثل البعد الثقافي والتمازجي الخصوصية الرمزية الأساسية للجهة بالمغرب، لهذا لا يمكن لأي مشروع للجهوية في شقه الثقافي أن يحتوي برامج التنمية الاجتماعية إلا بالتركيز على مقاربة موضوعية من خارج المنظومة أساسها تدابير واقتراحات تؤكد على حركية الخصوصية الثقافية الرمزية وتطرح جانبا مقولات التعصب (ethnocentrisme) ومستويات الثقافة: ثقافة راقية (culture prestigieuse) وثقافة غير راقية (culture non prestigieuse) ودون الثقافة (sous - culture) فرمزية الحناء أو الوشام مثلا ليست رمزية فطرية جامدة بل هي متحركة تغيرت وتحولت تباعا للتحولات الاجتماعية وأصبحت قادرة على احتواء الحداثة والكونية. هل هذه الحركية تشكل تهديدا وتشتيتا وإحباطا لمفعول الثقافة المركزية « désamorçage de la culture centralisante » بالمغرب؟
للإجابة عن هذا التساؤل الجوهري سأسوق مثال النموذج الإسباني في تدبير الخصوصيات الثقافية الجهوية في علاقتها بمرتكزات الثقافة المركزية . بدأت بوادر هذا التدبير منذ بداية القرن العشرين مع تولي الكاتب الكطلاني برات دي لاريبا (Prat de la Riba) رئاسة الإدارة الإقليمية (Diputacio de Barcelona) سنة 1908 و 1914 و 1924 والتي تضم أربع أقاليم، بعد هذا التاريخ تمت معيرة اللغة الكطلانية داخل معهد الدراسات الكطلاني « Institut d'Estudis Catalans » وفي نفس المرحلة تدخلت السلطة الإقليمية لكاليسيا (pays Basque et Navarre) لإعادة الاعتبار للغة والثقافة المحليتين فتأسست سنة 1905 الأكاديمية الكاليسية (Academia Galega) وفي 1918 أنشأت أكاديمية اللغة الباسكية (Euskaltzaindia). وسيشرع في خلق العديد من المعاهد والمؤسسات لتعميق البحث وتهيء اللغة والثقافة الجهويتين. هذا الوعي الجهوي كان نابعا من فكرة أن التعليم والثقافة هما الركيزتين الأساسيتين للتطور الاجتماعي والاقتصادي. (أنظر
Prieto de Pedro 1993, Rapport du Real Instituto Elcano de Estudios Internacionales y Estratégicos Cultural Policy in Spain, 2004 et http://wwwn.mec.es/mecd/jsp/marcos.jsp?id = 1132 &area = gabipren &contenido = / mecd/gabipren/documentos/cul_balcultural2000-2004.pdf)
ومع دستور 1978 وميثاق الاستقلالية الجهوية (Charte des régions autonomes) تم اعتماد نشر الثقافة الإسبانية مع الاعتراف الشامل بالتنوع الثقافي الجهوي. يدخل منطق هذا الاعتراف في إطار سياسة ثقافية مركزية محايدة تقر بالتنوع الثقافي للجهات.
هل يمكن في الحالة المغربية أن تتبنى الدولة المركزية سياسة ثقافية محايدة تنص على التنوع الثقافي للجهات؟ أو بصيغة أخرى هل يمكن لمشروع الجهوية الموسعة أن يتضمن فكرة الحياد الثقافي للدولة المغربية؟ يظهر جليا أن منطق الحياد الثقافي للدولة المركزية في الحالة الإسبانية يرمي إلى الحفاظ والرفع من الخصوصيات الثقافية كما تجب الإشارة إلى أن هذا المنطق يتعارض مع توصيات البرلمان الأوربي الهادفة إلى دعم الهويات الوطنية وإغفال الخصوصيات الجهوية. وفي المقابل يجب الإقرار بأن السياسة الثقافية لإسبانيا تجد تجلياتها في الجهات المستقلة حيث تصبح الهوية الجهوية هي أساس السياسة الثقافية. لهذا تتحول الدولة الإسبانية إلى تشكيلة منظمة ترابيا حسب التنوع والانتشار الثقافي في البلاد (Dissémination culturelle).
وتخضع هذه السياسة الثقافية إلى آليتين مختلفتين ومنفصلتين:
- آلية الانتشار الثقافي الداخلي وتتلخص في الحفاظ على الخصوصيات الثقافية واللغوية المحلية من خلال نظام الجهات المستقلة
- آلية الانتشار الثقافي الخارجي والتي تضطلع فيها السلطة المركزية بالحفاظ وبنشر وإشعاع الثقافة واللغة الإسبانية خارج الحدود.
هل يمكن أن يفضي مشروع الجهوية الموسعة بالمغرب إلى سياسة ثقافية مماثلة؟ إذا كان الجواب بالإيجاب فستتخصص الدولة المركزية في الحفاظ ونشر الثقافة الوطنية المغربية ودعم وانتشار اللغتين الوطنيتين الأمازيغية المعيارية والعربية الفصحى. أما الجهات المعتمدة فيتحدد دورها في الحفاظ وتهييء وتأهيل الثقافة واللغة المحليتين أي أن بعض الجهات ستعمل على تشجيع التعامل محليا في إطار الثقافة واللغة المحليتين. في هذا الخضم سأسوق أمثلة جهة الريف (لغة تاريفيت وثقافة تاريفيت)، جهة الصحراء (اللغة والثقافة الحسانية)، جهة سوس (اللغة والثقافة "الشلحة")، جهة زيان (لغة وثقافة تمازيغت)، جهة جبالة (اللغة والثقافة الجبلية)، الجهة العريبية: فكيك والحدود الجزائرية المغربية (اللغة والثقافة العريبية)، الجهة الأطلسية أو العروبية : الغرب، الحوز، دكالة، عبدة، تادلة، الشاوية، الشياظمة... (اللغة والثقافة العروبية) .وهذه ليست إلا نماذج لتطبيق مبدأ الحياد الثقافي للمركز في تفاعله مع الخصوصيات الثقافية للجهات. هذا السيناريو المقترح يعتمد أساسا على مبدأ " ترابية الهوية" (Territorialisation de l'identité) بمعنى أن أي جهة من الجهات تتحدد هويتها الثقافية بحدود ترابية محلية.
كما يجب الإشارة على أن دعم وتأصيل الثقافة الجهوية والمحلية يتطلب عدة إجراءات عملية منها السماح للجهات أن تؤسس وسائل إعلامها العمومي. لذا فإن التشريع الإسباني لسنة 1980 دأب على الترخيص للجهات المستقلة باكتساب وسائل إعلامها، وكمثال على ذلك:
• Euskal Telebista (1982)
• TV3, Catalunya Radio (1983)
• Compania de Radio – télévision de Galicia (1984)
• Radion Televisio Valenciana/ Canal Nou (1987)
• Radion Television de Andalucia/ Canal sur (1989)
• Telemadrid (1989)
• Castile la Mancha 2002.
وبموازاة مع وسائل الإعلام الجهوية وهذا هو الأساسي في التجربة الإسبانية تضطلع المحطة الثانية لراديو وتلفزيون إسبانيا بنشر برامجها بجميع لغات الجهات الست وهذا مؤشر على أن الثقافة الجهوية هي اختزال وتنويع للثقافة الوطنية. إضافة لوسائل الإعلام العمومية المذكورة أعلاه تعتمد الجهوية الثقافية بإسبانيا على المحطات الإذاعية والتلفزية التي هي في ملك الجهة وتنتهج في بث برامجها على ازدواجية لغوية/ اللغة الوطنية واللغة المحلية منذ سنة 1991 حيث تتعايش المحطات الوطنية مع المحطات الجهوية.
هذه الإستراتيجية المزدوجة والمزيجة ترتكز على مبدأ دستوري يؤكد على حق المواطن في الثقافة (الجهوية – الوطنية والكونية) وعلى أن هذا الحق هو ركيزة السياسة الاجتماعية والاقتصادية. وكخلاصة عامة للتدبير الثقافي في نموذج الجهوية المعتمدة في إسبانيا يمكن جرد ما يلي:
- مبدأ الجهة المستقلة الذي هو خليط من إدارة جهوية وإدارة فدرالية، لذا أصبحت إسبانيا دولة الإدارة الوطنية المرتكزة على مبدأ الاستقلالية « Autonomie » الذي أفضى إلى تقسيم من 17 منطقة تشكل ترابات سياسية يمنحها الدستور صفة حكومة مستقلة توازيها 6 جهات ثقافية ولغوية.
- الجهة المستقلة تتمثل في أقاليم متجاورة تشترك في نفس التاريخ والثقافة والمميزات الاقتصادية (الفصل 143 من الدستور الإسباني)
- تمثل الثقافة الحجر الأساس، الاختصاص الأول للحكومات المستقلة كما ينص على ذلك الفصل 149.2 والفصل 137. إذ من الواجبات والاختصاصات الجوهرية للحكومات المستقلة دعم الإشعاع الثقافي للجهة وتسهيل التواصل الثقافي مع باقي الجهات.
لذا نقترح من خلال استقراء السياسة الثقافية للنموذج الإسباني اعتماد صيغة الجهة المستقلة في شقها الثقافي فيما يخص الأقاليم الصحراوية المغربية لتشجيع ودعم هوية ثقافية ولغوية جهوية صحراوية مغربية.
الجهوية الموسعة والتعدد اللغوي:
يمكن تصنيف التعدد اللغوي إلى صنفين: صنف التدبير الشخصي اليومي (Gestion in vivo) للغات حيث يعمد الأشخاص والأفراد إلى اختيار لغات بعينها من بين اللغات الأم أو اللغات المكتسبة واستعمالها في سياقات مجتمعية معينة ومناسبة وصنف التدبير المؤسساتي (Gestion in vitro) (Calvet,1997) الذي يدخل في إطار السياسة والتهيئة اللغوية التي من خلالها يعهد لبعض المؤسسات الحكومية تدبير التعدد اللغوي بحسب المرتكزات والتوجهات الوطنية (الدور الذي يضطلع به معهد الدراسات والأبحاث حول التعريب والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية).
فيما يتعلق بثنائية الجهوية الموسعة والتعدد اللغوي سينصب التشخيص على اقتراح وتقديم السيناريوهات المحتملة لتدبير التعدد اللغوي في إطار مشروع الجهوية الموسعة المرتقبة. يمكن تصور عدة سيناريوهات منها:
1- الإبقاء على العربية كلغة رسمية للبلاد وعلى الأمازيغية المغربية والعربية المغربية كلغات تداول يومي وشبه رسمي (Gestion par défaut)
2- اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد والاعتراف بالأمازيغية والعربية المغربية كلغات رسمية ومؤسساتية داخل الجهات التي ستفرزها الجهوية الموسعة
3- دسترة اللغات الوطنية: الأمازيغية المغربية والعربية المغربية وإحالة اللغة العربية على التقاعد وانتقال المغرب إلى حالة الازدواجية اللغوية الرسمية (Bilinguisme officiel) على شاكلة كندا وبلجيكا.
كل هذه السناريوهات تخضع لازدواجية ترابطية وجدلية تتفاعل فيها مشاريع الدسترة والمؤسسة. وبموازاة مع هذه الجدلية يجب الإشارة إلى أن تدبير التعدد اللغوي بالمغرب يستلزم استحضار آليتين مختلفتين: الأولى تخص التدبير داخل اللغة الواحدة والثانية تهتم بتدبير التعايش بين اللغات المختلفة.
تتحدد وظيفة الأولى في تصريف التعدد داخل نفس المنظومة اللغوية الواحدة، فالعربية المغربية تتضمن خمسة أشكال لغوية هي العروبية، الجبلية، الحسانية، المدينية والعريبية. أما الأمازيغية المغربية فتتشكل من ثلاث أشكال أو مجالات لغوية هي : تاريفيت تامازيغت وتاشلحيت. ولأجرأة هذا التعدد الداخلي يمكن اقتراح التقسيم اللغوي الجهوي التالي على محورين:
أ‌- محور العربية المغربية ويضم خمس جهات لغوية:
• الجهة العروبية المنتشرة على الهضاب الأطلسية والداخلية (تادلا، عبدة، دكالة، الشياظمة، الشاوية، زعير، الرحامنة، الغرب).
• الجهة الجبلية وتوافق منطقة الشمال (وزان- طنجة-العرائش-تطوان-القصر الكبير...)
• الجهة المدينية وتضم مناطق نفوذ مدن فاس – الرباط- سلامكناس)
• الجهة العريبية: وتنطبق على مناطق فكيك ووجدة وعلى المجال الترابي الممتد على الحدود المغربية الجزائرية.
• الجهة الحسانية: وتشمل الأقاليم الجنوبية من كلميم إلى السمارة إلى العيون إلى الداخلة إلى العركوب إلى لكويرة...)
ب- محور الأمازيغية المغربية وينقسم إلى ثلاث جهات لغوية:
• الجهة الريفية: (الناظور- الحسيمة- بركان- تازة...)
• جهة تامازيغت (خنيفرة – الخميسات – أزيلال...)
• جهة تاشلحيت (أكادير – الصويرة- سوس – تزنيت – إفني...)
لمناقشة هذا الاقتراح يمكن مقارنته بالنموذج الإسباني الذي يعتمد تقسيما من ست جهات لغوية: كطالونيا، الباسك، كاليسيا، بليار، بلنسيا ونفار. في هذا النموذج يطلق اسم الجهة على المجال التي تتداول فيها لغة بعينها أي أن مقياس ومؤشر التقسيم الجهوي هو المنظومة اللغوية المستعملة في حدود ترابية، فتسمية الجهات تخضع لهذا المقياس فمن بلاد الباسك (Euskal Herria) تم الانتقال إلى بلاد لغة الباسك (Eukararen Herria).
هل يمكن اعتماد هذا المقياس في مشروع الجهوية الموسعة المرتقب وبصيغة أخرى هل في المغرب تتساوى الجهة الإدارية والجهة التاريخية والثقافية والجهة الترابية بحدود انتشار واستعمال اللغة الواحدة؟ يمكن أن نعتبر أن هذا التساوي يتجلى في بعض الحالات وينتفي في أخرى، فمثل حالات الجهات اللغوية الأمازيغية المقترحة ونظيراتها العربية العريبية، الجبلية والحسانية والعروبية، حالات مثالية لتطبيق تقسيم ترابي أساسه اللغة. أما حالة المديني فتشكل استحالة اعتماد تقسيم جهوي يرتكز على اللغة لاسيما أن المناطق المحددة تعرف تقطعا ترابيا يجعل من وحدة التراب واللغة ثنائية غير واردة.
يجدر التنبيه إلى أن التساوي بين الحدود الترابية واللغوية لايلغي واقع التفاعل والتداخل والتمازج (التعريب والتمزيغ) الذي يجعل من الجهوية في المغرب في شقها اللغوي مشروعا صعب التطبيق. لذا يبقي التدبير الداخلي للغات الوطنية (الأمازيغية المغربية والعربية المغربية) رهينا بتبني السيناريوهات المقترحة أعلاه خاصة منها السيناريو الأول (1) والثاني (2). سينتج عن هذا التقسيم اللغوي جهات ترابية تحتضن بشكل رسمي اللغة الرسمية للبلاد (اللغة العربية الفصحى)، اللغتان الوطنيتان (الأمازيغية المغربية والعربية المغربية) واللغات المحلية (التاشلحيت – العروبية – الحسانية...) .لتتحول الجهة الترابية من بعد لغوي رسمي أحادي (unilinguisme) إلى بعد لغوي رسمي ثلاثي الأبعاد (multilinguisme): الرسمي، الوطني والجهوي (Baggioni, 1997, Bavoux, 1997 et Dawn 2005).
. وهذا ما يمثل اختلافا كبيرا مع النموذج الإسباني الذي يعترف بالوطني والجهوي ويدمج الرسمي في الوطني. وذلك لأن التعدد اللغوي بإسبانيا تعدد يرتكز على مقولة الازدواجية اللغوية الدستورية (Bilinguisme constitutionnel) حيث أن الدستور الإسباني (الفصل 3.2) يعترف باللغات الإسبانية الأخرى وهي ستة لغات توازي ستة مجموعات بشرية: كطالونيا – الباسك – كاليسيا – البليار بلنسيا ونفار- كل هذه اللغات المحلية إلى جانب الكطالنية تستعمل كلغات رسمية في جهاتها. كما أن هذا الاعتراف بالتعدد الجهوي هو أساس دعم التنوع الثقافي: التعدد اللغوي يمثل الركيزة الأساسية للتنوع الثقافي.
فيما يتعلق بالآلية الثانية لتدبير التعدد اللغوي بين اللغات المختلفة يمكن اقتراح السيناريو رقم 3 الذي ينتقل فيه المغرب إلى دولة في حالة ازدواجية لغوية رسمية حيث أن المغرب سيصبح دولة "لغاتها الرسمية : العربية والامازيغية". يطرح هذا السيناريو موضوع دسترة اللغات الوطنية واعتمادها كلغات رسمية للبلاد.
لتحليل هذا المقترح يمكن مقارنته بالتجربة الكندية والتجربة السويسرية(Corbeil 1980 et Mackey, 1997 ) . في الحالة الأولى أي النموذج الكندي يعتمد مبدأ الشخصانية (Personnalité) أي أن السياسة اللغوية للبلاد تسطر من أهدافها الأسمى الاستجابة للحاجيات اللغوية للفرد، فالدولة ترضخ للمطالب اللغوية للفرد، فعلى المرفق العمومي أن يتعامل مع الفرد بلغته الشخصية (فرنسية أو إنجليزية) وهذا يعني أنه إذا كان المواطن المغربي يتكلم بالأمازيغية يتوجب على المصالح الإدارية التعامل معه بلغته أي الأمازيغية ونفس الشيء يطبق إذا كان المواطن من الناطقين بالعربية.
في الحالة الثانية أي النموذج السويسري يرتكز تدبير التعدد اللغوي بين اللغات المختلفة على مبدأ "الترابية" (Territorialité) إذ على المواطن أن يستعمل في معاملاته اليومية العمومية لغة التراب الذي يوجد به فيتساوي التقسيم الترابي مع التقسيم اللغوي. ففي سويسرا هناك ترابات فرنكفونية وأخرى ألمانية وأخرى إيطالية، وفي بلجيكا هناك جهتين لغويتين مححدتين ترابيا الجهة الفرنكفونية والجهة الفلامانية، يجب الإشارة إلى أن مبدأ الترابية يتحكم في السياقات الاجتماعية والاقتصادية حيث يصبح الانتماء للتراب اللغوي أساس الاندماج الاقتصادي والثقافي للأفراد.
يمكن أن نسوق كمثال محتمل لهذا التدبير اللغوي في المغرب أن تعتبر جهة سوس ترابا للغة الأمازيغية يتوجب على كل مواطن يريد أن يندمج في محيط هذه الجهة أن يتكلم ويتقن اللغة الأمازيغية، وكذلك بالنسبة لجهة الشمال إذا ما اعتبرت جهة اللغة العربية فعلى المواطن أن يتقن اللغة العربية ليتمكن من الانصهار في منطق الجهة.
كما أن التعددية من خلال مبدأ الترابية يمكن أن تفصل النقاش في مسألة الأسماء الأمازيغية على أساس أن هذه الأخيرة تشكل عنصرا من عناصر الاندماج الهوياتي، فيمكن لجهة ما أن تقبل بالترخيص للأسماء الأمازيغية كما يمكن لأخرى أن ترفض الترخيص لهذه الأسماء الشخصية فوق ترابها.
وبعلاقة مع مبدأ الترابية والمنظومة التعليمية يمكن لكل جهة أن تختار إضافة للعربية أو الأمازيغية لغة أجنبية وظيفية بحسب علاقاتها الثقافية والاقتصادية، فمثلا يمكن للجهة الحسانية أن تختار اللغة الإسبانية بحكم التوغل التاريخي لهذه اللغة في هذه الجهة، ومن المنتظر كذلك أن ترشح اللغة الهولندية كلغة أجنبية في المنظومة التعليمية بجهة الأمازيغية بالريف وذلك لتواجد جالية مغربية ريفية بأعداد كثيرة بهولندا والأمثلة كثيرة على هذه الخيارات الوظيفية والاستراتيجية في المنظومة التعليمية الجهوية، ونفس التدابير يمكن اتباعها فيما يخص مرتكزات الإعلام العمومي بالجهات.
كل هذه التدابير التي تم استعراضها ومناقشتها تدخل في إطار التصور الإجمالي للهوية المغربية في علاقتها بالحداثة والديموقراطية والكونية. ومن بين التبعات الجيوسياسية التي ستنتج عن التدبير اللغوي للجهوية الموسعة في سياق المقترحات والسناريوهات السالفة الذكر ما يلي:
- سينتقل المغرب من دولة لها لغة رسمية واحدة إلى بلد يعتمد لغتين رسميتين مثل كندا وبلجيكا أو إلى بلد يعترف دستوره باللغات الجهوية إلى جانب اللغة الوطنية، هذا التحول يرافقه تحول في شخصية وهوية البلد حيث أن المغرب سينتقل من هوية عربية إلى هوية إفريقية (شمال إفريقيا). ذلك لأن لغة البلد سوف لن ترتبط بلغة بعينها (العربية) أو بمجموعة إنسانية معينة (العرب) ولكنها ستحيل على الحدود الترابية والتشكيلة الإنسانية للساكنة (أمازيغ وعرب).
ولأن السوق اللغوية المغربية ترتبط بعدة عوامل منها الدينية والمؤسساتية والوظيفية والإيديولوجية والسياسية فتدبير التعدد اللغوي داخل النظام الجهوي المرتقب يستدعي بعض التساؤلات:
1- ماهي المخططات أو الإستراتيجيات التي ستقرها السياسات العمومية لملائمة العلاقة بين الجهات اللغوية والجهات الإدارية والجهات الترابية؟
2- هل سينتج عن مشروع الجهوية المتقدمة 16 جهة لغوية وثقافية أم ستحتضن الجهة اللغوية أكثر من جهة إدارية؟
3- ماهو تأثير هذا النمط من التقسيم اللغوي على بلدان الجوار والبلدان الإفريقية لاسيما تلك التي تتواجد بها نفس المجموعات البشرية وتعدد لغوي مماثل مثل الجزائر تونس- ليبيا – تشاد- موريطانيا- مصر؟
خلاصات واستنتاجات:
من بين الخلاصات والاستنتاجات العامة التي تتمخض عن جهوية تقر بالتعدد اللغوي والتنوع الثقافي في إطار صيرورة تفاعلية هو أن شرط الجهوي والمحلي يمثل أساس مقومات الحداثة والديموقراطية. ذلك لأن التمفصلات بين الجهوي والوطني تمكن من تعميق الانتماء إلى الوطن وحماية التنوع والاختلاف وتشجيع قيم الحوار والتسامح وتأصيل قيم المواطنة والتثقيف السياسي. وكنتيجة لهذا يمكن اعتبار العمق الثقافي للديموقراطية والتناغم بين الجهوي والوطني والكوني من المرتكزات الأساسية للمشروع الثقافي للجهوية الموسعة. وهذا ما يرخص لنا استشراف مرحلة انتقالية من عدة محطات هي: جهوية إدارية فجهوية اقتصادية فجهوية ترابية فجهوية ثقافية تقوم على الخصوصيات اللغوية والرمزية والتاريخية.
يشكل التمثل الثقافي والهوياتي بؤرة الانتقال الجهوي سيما حين تستحضر أهمية الانتماء للكل: الوطن المغربي، لهذا السبب يمكن اعتبار طرح مسألة الجهوية الموسعة نقلة نوعية في تدبير المسألة الهوياتية في المغرب المعاصر. من هذا المنطلق تمثل خصوصية الجهة الوسيط بين الدولة المركزية والمجموعات المحلية. ولكي تحدد ترابها وتؤكد هويتها يجب عليها أن تتموقع بشكل موازي مع هاذين القطبين: الوطني والمحلي(Pongy et Zaez 1994) . إذن فالجهوية المعول عليها هي جهوية تروم التوحيد والاندماج لا فك الارتباط أو الانفصال. فالجهوية المتقدمة جهوية تهدف إلى التركيز على تنمية ثقافية ولغوية مندمجة تقوم على مبدأ أن الاندماج المحلي هو أساس الاندماج الوطني.
ومن بين الآليات التي يمكن توظيفها هي نهج مشروع مدرسة تساوي بين الثقافة الجهوية والثقافة الوطنية مما يمكن من تدارك الخصوصية المغربية في مشروع الجهوية (اعتماد نصوص ونماذج مغربية لكتاب ومثقفين وفنانين مغاربة) والرفع من مستوى الإعلام الجهوي لإبراز الخصوصيات والرموز الجهوية على المستوى الثقافي واللغوي وإشراك بعض المكونات المجتمعية لاسيما المرأة في الشق الثقافي واللغوي للجهة. مما يتيح إمكانية بناء مفهوم جديد للجهوية يمنح الفرد الشعور بالأمن الثقافي واللغوي.
فما هي العناصر الممكنة والمناسبة لتحديد الجهوية الثقافية في صيغتها المغربية؟ يمكن الجزم من خلال تجارب دول عدة (إسبانيا – كندا – سويسرا – بلجيكا – فرنسا...) أن للثقافي مقياس أساسي هو اللغة (بلاد لغة الباسك، بلاد لغة الفلامان...) فالخصوصية الثقافية الجهوية تؤطرها اللغة كفاعل محوري في الثقافة والتاريخ. في الحالة المغربية يجب اعتماد مبدأ "الإضافة" في تحديد عناصر الجهوية الثقافية بمعنى أن الجهة ستركز في بعدها الثقافي على اللغة المحلية زائد اللغة الرسمية (الأمازيغية المغربية أو العربية المغربية زائد العربية الرسمية).
لهذا يمكن ان ينقلنا التمثل الثقافي للجهوية الموسعة من عدد 16 جهة الحالي إلى عدد مقلص للجهات يصل إلى النصف أي إلى ثماني جهات ذات شخصية ثقافية ولغوية وهو ما أوردنا أعلاه (الجهة الريفية – الجهة الجبلية- الجهة العريبية – الجهة العروبية – الجهة المدينية الجهة الحسانية – جهة تامازيغت وجهة تاشلحيت)
وهذا التقسيم الجهوي الثقافي يخضع لمبدأ ترابية الهوية الثقافية (Territorialisation identitaire) بمعنى أن التراب هو الضامن للهوية الثقافية واللغوية. في هذا السياق لايرمي مبدأ ترابية الهوية إلى حصرها في حدود مغلقة بل تمكينها من تراب يساهم في الاعتراف بها وتطورها واندماجها في المنظومة الوطنية.
يمكن لكل هذه الخلاصات والاستنتاجات أن تجد طريقها للتفعيل في سياق مشروع مجتمعي يرتكز على بعض المسلمات منها:
- الخصوصية الثقافية (موقف المغرب لصالح كندا وفرنسا)
- الحماية الثقافية او الحمائية الثقافية نموذج فرنسا Exception française))
- الدفاع عن الحقوق الثقافية واللغوية
- محاربة النيوليبرالية الثقافية والصناعات الثقافية (النموذج الأمريكي)
- تشجيع مسلسل الجهوية الثقافية واللغوية
-اعتماد مزيد من الحرفية من طرف الهيئات الوصية في التعامل مع الشأن الثقافي الجهوي بالمغرب .
- نشر تقرير سنوي حول الحالة اللغوية بالمغرب لضبط المسار والحفاظ على الهوية المغربية في تعددها اللغوي.
خاتمة:
لايمكن تمثل مشروع الجهوية الموسعة في علاقته بالتعدد اللغوي والتنوع الثقافي إلا من خلال منظومة التفاعل والتداخل والتمازج اللغوي والثقافي والإنساني. ليست هناك جهة موحدة خالصة (homogène) كل الجهات تعترف بتداخل العناصر المكونة للهوية المغربية. إلا أنه من خلال نهج مبدأ الترابية يمكن أن تشكل بعض الجهات نموذجا لجهات ذات حدود هوياتية لغوية وثقافية، أي أن للجهة شخصيتها التي تميزها عن باقي الجهات الأخرى في إطار نموذج جهوي يجعل من الخصوصية الثقافية واللغوية رافعة للإندماج الوطني.
من التبعات المباشرة لهذا التمثل الجهوي انتقال المغرب من دولة تنتمي إلى حضيرة دول تجمع بينها لغة معينة (اللغة العربية) أي الدول العربية إلى حضيرة دول يؤلف بينها الانتماء إلى تراب معين ألا وهو إفريقيا عامة وشمال إفريقيا خاصة. لا يتحدد هذا الانتماء الأخير باللغة المستعملة ولكن بالتراب الذي يحتضن اللغة أو اللغات المتداولة بين طياته.
من هذه الزاوية يجب على مشروع الجهوية المرتقب أن يوازي بين التوجه الاستراتيجي والعمق الترابي للثقافة الجهوية، لهذا يبقى اقتراح نموذج مزيج للجهوية المغربية نموذجا يمكن التعاطي معه في إطار استلهام التجربة الإسبانية في شقها الثقافي واللغوي فيما يخص الأقاليم الجنوبية (ما أسميته الجهة الحسانية) عبر مفهوم الجهة المستقلة ومحاكاة النموذجين الكندي والسويسري عبر مبدأ الشخصانية والترابية فيما يتعلق بأقاليم الوسط والشمال (باقي الجهات الثقافية واللغوية المقترحة الجبلية – الريفية – العروبية...)
وفي الأخير يمكن اقتراح ثلاث قنوات لتصريف هذا النموذج المزيج:
- أولاهما: جهات مستقلة اقتصاديا وتابعة ثقافيا ولغويا للمركز (العربية الفصحى زائد الثقافة الوطنية).
- ثانيها: جهات متفرقة جغرافيا وموحدة ثقافيا ولغويا عبر ازدواجية رسمية أساسها اللغة العربية الفصحى والأمازيغية المعيرية ومتاحف ومدارس ومعاهد وإعلام وجامعات بنفس التوجهات الثقافية.
- ثالثها: جهات مرتكزة على ثقافة ومدرسة ولغة وإعلام محلي تتعايش مع ثقافة ولغة وإعلام ومدرسة وطنية يوازي فيها التقسيم الترابي الجهات اللغوية والثقافية المعتمدة.
مراجع :
Baggioni, D. 1997 : « Langue nationale. Langue officielle » dans M-L Moreau (éd(
Sociolinguistique Concepts de base. Sprimont, Mardaga 218, pp. 189-194
Bavoux, C. 1997 : « Régiolecte » dans M-L Moreau (éd) Sociolinguistique Concepts de base.
Sprimont, Mardaga 218, pp. 236-238
Belatik Mohamed, (2005), « le patrimoine culturel marocain, richesse et diversité », dans Le
patrimoine culturel marocain, Ed. Maisonneuve et Larose, Paris.
Ben Bachir Mohammed, Mohammed Nadjib Moulay, (1981), La politique culturelle au Maroc, Ed. UNESCO, Paris.
Bennis, S. 2006 : Contact de langues et de populations au Maroc : entre idéal linguistique et
idéal identitaire. Cas de la plaine du Tadla. Doctorat d'Etat, Université Mohammed V,
Faculté des Lettres et des Sciences Humaines de Rabat, 664 pages
Bennis, S. 2009 : « The Amazigh question and National Identity in Morocco » , à consulter
sur le site de Arab Reform Initiative : http://arab-reform.net/spip.php?article2245.
Boukous, A. 1995 : Société, langues et cultures au Maroc. Enjeux symboliques, Série Essais
et Etudes n° 8, pub. Faculté des Lettres et des Sciences Humaines, Rabat.
Calvet, J-L 1997 : « in vivo in vitro » dans M-L Moreau (éd) Sociolinguistique Concepts de
base. Sprimont, Mardaga 218, pp.179-180
Convention pour la sauvegarde du patrimoine culturel immatériel (2003) et Convention sur la
Protection et la promotion de la diversité des expressions culturelle (2005)
www.unesco.fr
Corbeil, J-C 1980 : L'aménagement linguistique du Québec. Montréal : Guérin
Courbage, Y. et Todd, E. 2007 : « Révolution culturelle au Maroc : le sens dune
transition démographique » à consulter sur le site http://www.fondation-res - publica. org / Revolutio n- culturelle-au-Maroc-le-sens-d-une-transition- demographique_a210.html
Dawn, M. 2005 : « From Monolinguism to multilinguism Recent Changes in Moroccan
Language Policy » ISB4: Proceedings of the 4th International Symposium on
Bilingualism ed. James Cohen, Kara T. McAlister, Kellie Rolstad, and Jeff MacSwan,
1487-1500. Somerville, MA: Cascadilla Press
Geertz, C. 1983 : Local Knowledge : Further Essays in Interpretive Anthropology, Basic
Books, Inc, USA
Mackey, W F. 1997 : « Bilinguisme » dans M-L Moreau (éd) Sociolinguistique Concepts de
base. Sprimont, Mardaga 218, 61-64
Mninsterion de Education, Cultura y Deportes 2004: Política cultural 2000-2004. Balance.
Madrid http://wwwn.mec.es/mecd/jsp/marcos.jsp?id = 1132 &area = gabipren &contenido = / mecd/gabipren/documentos/cul_balcultural2000-2004.pdf
Moreau, M-L, (éd) 1997 : Sociolinguistique Concepts de base. Sprimont, Mardaga 218
Prieto de Pedro, J. 1993: Cultura, culturas y constitución. Madrid: Congreso de los
Diputados, Centro de Estudios Constitucionales.
Pongy, M. et Zaez, G. 1994 : Politiques culturelles et régions en Europe. L'Harmattan
)Logiques Politiques) 323p
Real Instituto Elcano de Estudios Internacionales y Estratégicos Cultural Policy in Spain,
Madrid, March 2004
Touzani, A. 2003 : La culture et la politique culturelle au Maroc, éd. La Croisée des Chemins, Casablanca, 306p
*سعيد بنيس أستاذ بجامعة محمد الخامس - كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الرباط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.