وترسيخ للإرادة الوطنية للارتقاء بالحكامة الترابية يشكل ورش الجهوية المتقدمة، الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نقلة نوعية في مسار الديمقراطية المحلية وترسيخا للإرادة الوطنية للارتقاء بالحكامة الترابية بالمملكة. وتتمثل الأهداف العامة للجهوية في إيجاد جهات قائمة الذات، قابلة للحياة والاستمرار، مرتكزة على تقسيم جهوي وفق معايير عقلانية وواقعية، وانبثاق مجالس ديمقراطية ذات تمثيلية للنخب المؤهلة، تتوفر على الصلاحيات والموارد اللازمة لرفع تحدي التنمية الجهوية المندمجة. وفي هذا الصدد، أكد جلالة الملك، في خطابه السامي إلى الأمة بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية (3 يناير 2010)، أن "الجهوية الموسعة المنشودة، ليست مجرد إجراء تقني أو إداري، بل توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة، والنهوض بالتنمية المندمجة". وحث جلالته الجميع على التحلي بالتعبئة القوية، واستشعار الرهانات الاستراتيجية للورش المصيري للجهوية الموسعة، الذي اعتبره جلالته "محكا لإنجاح الإصلاحات الهيكلية الكبرى، التي نقودها". الجهوية المتقدمة.. مشروع طموح لترسيخ الحكامة المحلية الجيدة وتعزيز القرب من المواطن أعلن صاحب الجلالة الملك محمد السادس عن ورش الجهوية المتقدمة، باعتباره مشروعا واعدا يروم ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة وتعزيز القرب من المواطن وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك في خطاب جلالته إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال33 للمسيرة الخضراء (6 نونبر 2008)، حيث أكد جلالته "لذلك قررنا، بعون الله، فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات المتواصلة الشاملة التي نقودها، بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق المملكة، وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية". وقد جرى التأكيد على أن بلورة تصور الجهوية المتقدمة، التي حظيت بترحيب مختلف مكونات المجتمع المغربي، يتعين أن يقوم على مرتكزات أربعة هي التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها في وحدة الدولة والوطن والتراب، والالتزام بالتضامن المجسد للتكامل والتلاحم بين المناطق في مغرب موحد، واعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات وتفادي تداخل الاختصاصات أو تضاربها بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات، وانتهاج اللاتمركز الواسع في نطاق حكامة ترابية ناجعة قائمة على التناسق والتفاعل. الأقاليم الجنوبية للمملكة.. في صدارة الجهوية المتقدمة
أكد جلالة الملك على جعل الأقاليم الجنوبية للمملكة في صدارة الجهوية المتقدمة، مشددا على أن المغرب لا يمكن أن يبقى مكتوف اليدين، أمام عرقلة خصوم الوحدة الترابية للمغرب، للمسار الأممي لإيجاد حل سياسي وتوافقي، للنزاع المفتعل حول الصحراء ، على أساس مبادرة الحكم الذاتي، الخاصة بالصحراء المغربية. وقال جلالته "إذ نؤكد أن هذه المبادرة، ذات المصداقية الأممية، تظل مطروحة للتفاوض الجاد، لبلوغ التسوية الواقعية والنهائية، فإننا سنمضي قدما في تجسيد عزمنا القوي، على تمكين أبناء وسكان صحرائنا المغربية الأوفياء، من التدبير الواسع لشؤونهم المحلية، وذلك ضمن جهوية متقدمة، سنتولى تفعيلها، بإرادة سيادية وطنية". وبذلك، تدعم مقاربة الجهوية المتقدمة انخراط المغرب من أجل إنجاح مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها حلا واقعيا ونهائيا لقضية الصحراء، تحظى بدعم واسع من قبل المجموعة الدولية وتكرس إرادة المملكة من أجل وضع حد لهذا النزاع الذي طال أمده، مع الدفع من ناحية أخرى بالتنمية بمنطقة المغرب العربي.
اللجنة الاستشارية للجهوية: عمل دؤوب من أجل إيجاد تصور عام لنموذج مغربي لجهوية متقدمة شكل تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس في 3 يناير 2010 لحظة قوية في مسار ورش الجهوية المتقدمة، وذلك بالنظر إلى المهام الكبيرة التي أسندت لهذه اللجنة، بإيجاد تصور عام لنموذج مغربي لجهوية متقدمة، قائم على خصوصيات المملكة، وبعيد عن اللجوء للتقليد الحرفي، أو الاستنساخ الشكلي للتجارب الأجنبية. وبذلك، ستعمل هذه اللجنة على صياغة مشروع مبتكر يساهم في تكريس الحكامة الترابية الجيدة، باعتبارها توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة والنهوض بالتنمية المندمجة، وانبثاقا لدينامية جديدة للإصلاح المؤسسي العميق، وتأكيدا ديمقراطيا للخصوصية المغربية، وورشا حاسما ومحكا لإنجاح الإصلاحات الهيكلية الكبرى. وقد روعي في اختيار أعضاء هذه اللجنة، غيرتهم الوطنية على المصلحة العامة، وتنوع مشاربهم، وتكامل اختصاصاتهم، وخبرتهم الواسعة بالشأن العام، وبالخصوصيات المحلية لبلدهم. وتضم اللجنة الاستشارية للجهوية، التي يترأسها السيد عمر عزيمان المشهود له بالكفاءة والخبرة والتجرد والالتزام بروح المسؤولية العالية، 21 عضوا من بينهم ثلاث نساء، يتحلون بالغيرة على المصلحة العامة، وإلمامهم بمختلف جوانب الجهوية والحكامة الترابية، ومن بينهم شخصيات وطنية وأخرى تنتمي لعالم السياسة والتاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع والاقتصاد والمالية والجبايات والتهيئة الترابية والمواطنة والبعد الثقافي. وقد تمت دعوتهم إلى انتهاج المقاربة التشاركية الإدماجية، والحرص على الإصغاء والتشاور الواسعين مع الهيئات المعنية، والفاعلين المؤهلين، والانكباب على التحليل المعمق للإشكاليات الحقيقية المطروحة، من خلال نهج مقاربة متجددة ومبتكرة، لتقديم مقترحات عملية وقابلة للتنفيذ. ومن المؤكد أن انخراط المغرب في ورش الجهوية يشكل دينامية جديدة للإصلاح المؤسساتي بهدف إرساء أسس تنمية مندمجة لكافة مناطق المملكة، سبيله في ذلك العزم الراسخ على تغيير أنماط الحكامة والتنظيم المجالي.