على الرغم من الصراع المتزايد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل النزاعات المسلحة في اليمن وسوريا وليبيا، تقوم النساء بأدوار نشطة في مجتمعاتهن. فقد أصبحن رائدات أعمال، يتحدين مظاهر العنف، ويعززن المجتمع المدني، ويشغلن مناصب سياسية حيث يمكنهن ذلك. يجب الاعتراف بهذه المتغيرات كحجر أساس مستقبل أفضل، ويجب دعمهن على المستوى الوطني والدولي. هناك ثلاثة أسباب رئيسية للقيام بذلك. أولاً، من شأن هذا الزخم خلق العديد من الفرص للمجتمع الدولي لدعم المرأة وتعزيز تمكينها في المنطقة. ومع ذلك، ينبغي أن ينتقل المجتمع الدولي بعيداً عن سرد حالات المعاناة وتوفير الاحتياجات الأساسية، نحو هدف أوسع، والذي يتمثل في تمكين المرأة. وعلاوة على ذلك، تحاول النساء الآن التأثير في السياسات وتغيير الأنظمة الأبوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ثانياً، في حين شهدت العقود الماضية انتشاراً ملحوظا للقوانين الإيجابية والحماية القانونية للنساء في عدد من بدلن المنطقة، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لتغيير الحقائق على أرض الواقع. لا يزال تنفيذ التشريعات غير كافٍ، كما تشكل بعض التقاليد الثقافية والمجتمعية الرجعية حاجزًا أمام تمكين المرأة في جميع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ثالثاً، بالإضافة إلى التحديات الثقافية، تشكل الحركة المضادة للمحافظين الدينيين - والتي من شأنها القضاء على ما أنجزته النساء على مر السنين - تحدياً كبيراً لحقوق المرأة. وتواجه كل البلدان العربية هذا التحدي، من العراق إلى المغرب. هذه المقاومة للمساواة بين الجنسين لا تهدد التقدم في المستقبل فحسب، ولكنها تهدد بتقويض المكاسب السياسية والاقتصادية والقانونية السابقة التي حققتها جمعيات حقوق المرأة في المنطقة. ولهذه الأسباب، يجب على المجتمع الدولي إعادة النظر في هدفه لتحقيق المساواة بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: هل ينبغي تغيير الحضور الرمزي للمرأة في الأنظمة الأبوية، أم بدل المزيد من الجهود لتمكين المرأة لجعلها صانعة قرار وأداة التغيير في المنطقة؟ لقد ناضلت النساء واحتجت وقاومت إلى جانب الرجل لتحقيق الحرية والاستقلال، لكن بعد ذلك، في كثير من الأحيان طُلب منهن ببساطة الانسحاب. علاوة على ذلك، لا يمكن فهم حقوق المرأة إلا ضمن السياق السياسي والثقافي المعقد للمنطقة. لقد تسبب النظام الأبوي القوي في إعاقة النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بشكل كبير، إلى جانب استمرار انعدام الأمن والنزاع، والركود الاقتصادي، وغياب سيادة القانون. ونتيجة لذلك، هناك تمركز للسلطة والثروة في أيدي النخبة السياسية والمالية الحاكمة من الذكور، في حين تعاني النساء في المنطقة من مستوى متزايد من التهميش الاجتماعي والفقر، ومن خيبة أمل كبيرة اتجاه السياسات الرسمية، وعودة خطيرة للتطرف الديني. وللتغلب على هذا الواقع، تسعى التحالفات بين المنظمات النسائية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وراء حشد الجهود لحماية حقوق المرأة. ومن خلال ربط التنمية الاجتماعية والاقتصادية بحقوق المرأة، تقدم هذه التحالفات مطالب المرأة على أنها "مطالب للمجتمع ككل". وبذلك، فإنها لا تلفت انتباه منظمات حقوق الإنسان فحسب، بل أيضا صانعي القرار. وفي الواقع، على الرغم من التمييز، لعبت المرأة في شمال أفريقيا على مدى العقود الثلاثة الماضية دورًا طليعيًا في التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية لبلدانها. إن الاتجاهات الحديثة للنهوض بأوضاع المرأة وإصلاح قانون الأسرة لها أهمية بالغة، كما تدل على دورها الحيوي. ويُعتبر عمل المرأة في بعض البلدان مثل المغرب وتونس جزءا من جدول الأعمال الرسمي. وتستفيد المرأة من التعليم لرفع مستواها المعيشي وكذا مستوى عائلتها؛ وتساعد في تحسين اقتصاد بلادها؛ وتُأنث الفضاءات السياسية والمدنية، وتقوم بتعزيز الثقافة الديمقراطية في الأوساط الأكاديمية عن طريق القيام بدراسات رائدة في حقل المرأة والنوع الاجتماعي. لقد استخدمت الحركة النسائية مجال التشريع من أجل تأكيد حقوق النساء كمواطنات، ودعم استقلالهن وانتمائهن الذاتي، وقد أصبحن مثالاً يحتذى به في الدول العربية. وفي كتابنا بعنوان "النساء في الشرق الأوسط"، أثبتتُ أنا والباحثة فاطمة صديقي أنه على الرغم من أن التحديات والتحيزات الكبيرة تعرقل تقدم النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كقوة للتغيير، فإن قائمة إنجازاتهن ملحوظة ومثيرة للإعجاب. والمهم من وجهة نظرنا أنه على الرغم من التحديات الهائلة، يتحقق التقدم من خلال عزم المرأة وإرادتها لتغيير نفسها ومجتمعها. وكما أشرت سابقا، هناك عقبات تعترض سبيل تحرير المرأة وحقوقها القانونية في المنطقة. مثلا، لم توافق معظم البلدان على جميع مواد اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، ولم يتم الاعتراف رسميا بنظام الحصص في معظم الدساتير، وهو ما يعني ضمنياً أن تمثيل المرأة يعتمد على الأجندات السياسية للقادة كأفراد. بالإضافة إلى ذلك، لا تلتزم العديد من الحكومات في المنطقة بحماية النساء من العنف، وخاصة العنف الأسري، وفيما يتعلق بحقوقهن القانونية كضحايا للعنف. والخبر السار هو أن قانون الميراث يناقش الآن علنا في تونس والمغرب. منذ عام 1976، اتخذت تونس عدة خطوات إيجابية مثل حظر تعدد الزوجات، والحق في نقل جنسية المرأة إلى أطفالها، والحق في زواجها من غير مسلم، الخ. وقد طالبت مجموعات نسائية بإجراء تغييرات في قوانين الميراث على مدى العقود القليلة الماضية، لكن الشرائح المحافظة في المجتمع لم تعر جهودهن أي اهتمام. حاليا، يمكن للمرأة أن ترث نصف ما يرثه الرجل فقط. وتتمثل إحدى طرق حماية حقوق المرأة في نجاح المرأة وتمكينها. ولتحقيق ذلك، يجب أن يكون لها الحق في الِملكية والإرث بشكل كامل. لا تستطيع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحقيق جل إمكانياتها إذا تم حظر نصف السكان من المساهمة بشكل منهجي. ولا تزال النساء في هذه المنطقة تكافح من أجل الحصول على أجر متساوٍ مقابل عمل متساو، وكثيراً ما يتعرضن للتمييز. وتعاني النساء من الحرمان الاقتصادي في كل المجالات، بالإضافة إلى التعليم غير المتكافئ والعنف الأسري والتحرش الجنسي. ولذلك، ينبغي اتخاذ تدابير وسياسات جديرة بحماية حقوق النساء لتقوية مشاركة المرأة في القوى العاملة تحقيقا لاستقلالهن المالي، ولضمان عدم حصول الذكور على معاملة أفضل من النساء.