ألماني أكثر عروبة من بعض العرب: لعل قدماء "الهسبريسيين" يتذكرون ما جرى بيني وبين المستشرق الألماني الصديق "فريدهيلم هوفمان" (Friedhelm Hoffmann) من مراسلات نشرتُها بتاريخ 28 أكتوبر 2012 تحت عنوان: "مراسلات مع المستشرق الألماني هوفمان"، وهذا هو الرابط لمن أراد أن يبدأ معي وإياه الحكاية من بدايتها. سبق لهذا المستشرق المتخصص في العلاقات بين ضفتي المتوسط والباحث الأكاديمي في الحوار بين الأديان أن أخبرني، منذ مراسلاتنا الأولى في التاريخ المذكور، بكون علاقته مع بعض الجامعيين، بجامعة "توبينغين"، يطبعها نوع من التوتر، واكتفى بهذا دون تفصيل كبير. أذكر أنه، وبعد أن استأذنني في ترجمة قراءتي لكتاب الباحث الأميركي "دانييل شروتر"، المعنون ب "مقينين، يهودي السلطان" إلى الألمانية – وهذا ما حصل بالفعل، ونشر بمجلة "جودايكا" السويسرية – استأذنني ثانية في ترجمة موضوع لي منشور بهسبريس، تحت عنوان: "من فقهية الفتوى إلى سوسيولوجيتها". (كتاب "شروتر" مترجم إلى العربية من طرف الأستاذ خالد بن الصغير، أستاذ التاريخ بجامعة محمد الخامس). بعد هذا انقطعت عني أخبار هوفمان وأنشطته الأكاديمية إلى أن فاجأني في بحر هذا الشهر بمراسلات تكشف لي عن معارك لغوية "ضارية" يخوضها مع بعض كبار المستشرقين الألمان، الذين لمس فيهم الازراء باللغة العربية، حتى وهم أهل تخصص أكاديمي قائم على هذه اللغة. نظرا لجدة هذا الموضوع، وفرادته وأهميته- وربما غرابته - أفتح للقراء الأعزاء، الغيورين على العربية طبعا، نافذة يطلون منها على ركح للصراع الألماني الألماني، موضوعه لغة الضاد، كما يصر هوفمان على نعتها في مراسلاته. لقد وعدت "هوفمان" باطلاع قراء العربية، حيثما وجدوا، على معاركه اللغوية، من خلال عرض محاور مراسلاته، أما هو فوعدني – إذ عرَّفته بأهمية موقع هسبريس وتميزه، وتعاوني التطوعي معه، بإنجاز سلسلة مقالات في الموضوع تفصل موقف بعض المستشرقين الألمان من اللغة العربية. رقابة مخابراتية ألمانية وسويسرية على أعمال هوفمان: (دون تصرف مني في النص الأصلي) الفاضل رمضان مصباح الادريسي: شكراً جزيلا على كلماتك المشجّعة. ما كان هدف دراساتي الأصلي أن أتصارع وأتنازع مع زملاء دراساتي في حقل الدراسات الاستشراقية والتاريخية، بل عرفتُ وفهمت عبر حقبة طويلة جدّا أنّ عادات الدراسات الاستشراقية ومبادئها وقواعدها تختلف عمّا يطبِّقه الباحثون الغربيون على العلوم الإنسانية عادةً. فبينما من يدرس تاريخ بلاد أوروبية ما أو حضارتها وثقافتها وأدبها ينبغي أن يدرس لغة هذه البلاد إلى حدّ أن يتقن قراءة النصوص المكتوبة فيها، نجد من بين من يسُمّون ب"خبراء الشرق الأوسط" أكثرية هائلة لا يقرأون نصوصا مكتوبة بالعربية البتّة أو إذا يجيدون قراءة العربية فلا يقدرون على قراءة نصوص بكاملها بسبب بطء قراءتهم. فلا يقرأون إلّا عناوين الكتب والمقالات أو بعض الجمل الواردة في النصوص التي يعتقدون أنّها مهمّة. هكذا وجدتُ خلال دراساتي كثرة من أغلاط الفهم والترجمة عند زملائي الناطقين بالألمانية والناطقين الإنكليزية أيضاً. لكن عندما دللتُهم على أخطائهم كما كان يلزم عليّ كباحث في الجامعة، لم يتقبّلوا مساعدتي ونصيحتي، بل بالعكس ابتدأوا أن يدسّوا ضدّي من الخلف. في النهاية فهمتُ أنّي وقعتُ من خلال دراساتي في مستنقع من مستنقعات المخابرات الخارجية الألمانية والغربية وأنّ معظم عملاء هذه المخابرات وهم زميلاتي وزملائي في الدراسة لا يهتمّون أبداً بتفهّم أكثر وأفضل لأهل البلدان الأخرى، خاصّة غير الغربية، وحضاراتهم ولغاتهم، بل ما يهمّهم ويهمّهنّ أوّلا وقبل كلّ شيء هي سيرتهم شبه الأكاديمية ومكانتهم الاجتماعية وراتبهم المالي وأنّهم يتعاونون للحصول على هذا الغرض، حتّى لو خرقوا كلّ العادات الأكاديمية المنطبقة على علومهم ودراساتهم عادة. على سبيل المثال، ما حدث لي عند مجلّة "يودائيكا: مساهمات في تفهّم اليهودية"؟ ما عدا المقالات والترجمات والببلوغرافيات التي صدرت لي في هذه المجلّة، كتبت مقالات وعروضا أخرى يقترب حجمها من 300 صفحة لم تُنشر. جعلني رئيس تحرير المجلة الأستاذ الدكتور شتيفان شراينير أظنّ بأنّه سيصدرها في المستقبل وأنّه سيتناقش مضمون نصوصي قبل صدورها. لكن ما حدث في الواقع؟ إنّه سلّط الرقابة على نصوصي ورفض رفضا مبدئيا أن يناقشها معي، بل توقّع منّي أن أقبل رقابته من غير مناقشة. فرفضتُ وتوقّفت عن التعاون مع المجلّة ومنعته عن نشر أيّ نصّ من نصوصي، مع أنّي قد بذلت جهدا جاهدا في تأليفها. هكذا فقدت سنين من العمل بلا فائدة ولا مقابل مالي. فما من نصوصي كانت المواضع والسطور التي حذفها الأستاذ الدكتور شراينير؟ حذف كلّ فقرة وكلّ جملة أشرتُ فيها إلى ضعف وأخطاء بحوث زملائي الألمان والسويسريين الناطقين باللغة الألمانية، كأنّه هو المدافع الأوّل والرئيسي عن عملاء وعميلات المخابرات الخارجية الألمانية والسويسرية. إنّه لم يترك كلمة نقد واحدة في نصوصي، بل حذفها كاملة، وكما قلتُ، رفض قطّ أن يتناقش معي حول أسباب هذا الحذف. هناك من يخلط بين تنظيم "القاعدة" وكلمة "قاعدة" بمعناها أصل من أصول ما. هناك من يتفاخر بكونه أستاذا لوسائل الإعلام العربية في إحدى الجامعات الألمانية، ولكنّه لم يقرأ جملة عربية واحدة طول حياته. هناك من تدّعي بأنّها درّست مادّة الفلسفة الإسلامية في إحدى الجامعات الأردنّية مدّة سبع سنين، لكنّها ترفض أن تتواصل بالبريد الإلكتروني بالخطّ العربي، عندما يكاتبها باحث عربي. ثمّ تدّعي وتعتذر بحجّة (بذريعة) أنّ حاسوبها ليس له مفتاح عربي. الأمر الذي يمنعها للأسف الشديد عن ردّ الرسائل باللغة والخطّ العربيين. هكذا وهلمّ جرّا. هوفمان يعد بالكتابة للمغاربة: ليس هناك دليل أوضح على عدم اهتمام الاستشراف الألماني بالجانب العربي ممّا عشتُه شخصيا في قسم الدراسات الاستشراقية التابع لجامعة توبينغين جامعتي الأمّ في فترة تزيد عن عشرين سنة. فلم يدعُ أساتذة هذا القسم أستاذا زائرا عربيا واحدا ليلقي محاضرة أو يعقد ندوة باللغة العربية، ولا مرّة واحدة! فعندما سألتهم عن سبب هذا الإهمال العجيب، أجابوا مثلا بأنّ آراء وموافق المثقفين العرب السياسية لا تتناسب مع الآراء الواردة في الجامعات الألمانية. لكن الدليل القاطع الذي يكذّب كلامهم أنّهم لم يدعوا أستاذا زائرا عربيا لإلقاء محاضرة بالعربية مهما كانت اعتناقاته السياسية والعقدية والدينية. لم يدعوا باحثا عربيا مسيحيا أو سنيا أو شيعيا، لم يدعوا شيوعيا أو ليبراليا أو علمانيا أو ديموقراطيا أو إسلامويا أو دينيا معتدلا أو ناقدا للدين أو متدينا. لا يهمّ. بل السبب الأوّل وربّما الوحيد كان يكمن في اللغة العربية ومنعها من التناول في أقسام استشراق الجامعات الألمانية وأنّ أولئك الأساتذة خافوا منها ومن التحدّث بها. فما أرجوك أن تسمح لي بأن أكتب لك ولقرّاء مدوّنتك مقالة خاصّة بتجاربي الشخصية والعلمية فيما يخصّ مكانة اللغة العربية وعدم الاعتراف بها كلغة علمية في الدراسات الشرق الأوسطية الجارية في الجامعات الألمانية خاصّة والغربية عامّة. طبعا، سأركّز انتباهي على خبرتي وتجاربي الشخصية خصّيصا. عنوان المقالة سيكون: "إهانة المستشرقين الألمان للغة العربية وإهمالهم لها كلغة حديثة للعلم والتواصل: أنموذج الأستاذ الدكتور يوهان بيسو من قسم الدراسات الإسلامية والشرقية التابع لجامعة توبينغين. سأكتب المقالة في الأيام القادمة، ثمّ أرسل لك نصّها لنشرها في مدوّنتك، إذا أعجبك الموضوع والمقالة. تقبّل فائق تقديري واحترامي. مخلصك فريدهيلم هوفمان. كذب المستشرقة "فرايتاغ" على الرقابة الحكومية المغربية: يتبع https://web.facebook.com/groups/1391761470921582/?pnref=story