أثارت التصريحات الصادرة عمن يسمى وزير الدفاع في جبهة البوليساريو الانفصالية، عبد الله لحبيب، بأن مليشيات الجبهة لا يمكن أن تظل في وضعية اللجوء إلى ما لا نهاية، وأنها تحضر نفسها للتعامل مع أي طارئ أو احتمال من أجل القيام بالدور المنوط بها، وهي التصريحات التي وصفتها الحكومة المغربية بأنها "تخبط ينذر بتفكك الانفصاليين"، (أثارت) موجة من الأسئلة حول جدية هذه التهديدات التي لا تفوت الجبهة فرصة إلا وكررتها. وفِي مقابل تقليل الحكومة من هذه المناورات التي تعكس، بحسبها، حالة التخبط واليأس والتفكك لدى خصوم المغرب، لكون المملكة تتقدم بخطوات رائدة وقوية للدفاع عن وحدتها الترابية وتثبيتها، يرى رضا الفلاح، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ابن زهر بأكادير، أن "تقدير العدوان المتوقع يجب أن يضع في الحسبان إمكانية مشاركة قوات من مختلف أجهزة الجيش النظامي الجزائري ومرتزقة من جنسيات مختلفة إلى جانب الميليشيات الانفصالية"، داعيا إلى عدم "الاستهانة بالعدو، بما في ذلك الجيش الجزائري، ومن تم إعداد خطط منسجمة مع السيناريوهات المحتملة لتحركه على رقعة الميدان من أجل ترتيب رد منسق وناجع ضده". وقال الفلاح في تصريح لهسبريس: "منطق الجيو استراتيجيا والمتغيرات الجيو سياسية والجيو اقتصادية بالمنطقة يقتضي عدم استبعاد الخيارات العسكرية، وتطوير استراتيجيات الرد المضاد والسريع بالاعتماد على تنظيم وتنفيذ محكمين لخطط الدفاع والهجوم في حينها وبالتناسب مع حجم الخطر المحتمل"، مشددا على ضرورة "إعداد نسق استراتيجي متكامل يجمع بين القدرة الدبلوماسية والعسكرية، ويزاوج بين الإمكانيات الاقتصادية والبشرية والتكنولوجية، في إطار تقوية الروح المعنوية والإرادة الوطنية والكفاءة التنظيمية على مستوى القيادة والتخطيط". وبرر أستاذ التعليم العالي دفوعاته بكون "فصائل البوليساريو المسلحة تحاول التموقع استراتيجيا على مسافة قريبة من المحاور الطرقية المؤدية إلى المدن الكبرى والتجمعات السكانية والبنى التحتية ومراكز الانتاج الاقتصادي على الشريط الساحلي للأقاليم الصحراوية"، موردا أن ذلك "يشكل تحولا خطيرا في خطط الانتشار الاستراتيجي واقترابا غير مسبوق من المنشآت المدنية والعسكرية الحيوية". وفِي هذا الصدد، دعا الفلاح صناع القرار السياسي والعسكري في المغرب إلى استحضار البعد الجيو استراتيجي الحربي لهذه التحركات، وربطه بمحاولة إعادة الانتشار والتعبئة والتدريبات القتالية التي ترعاها الجزائر في المنطقة منزوعة السلاح وفقا للاتفاق العسكري الأول"، موردا أنه أصبح من الضروري العمل على إعداد مسبق للحرب والتأهب لكل السيناريوهات المحتملة؛ وذلك بالرغم من ضعف العدو الانفصالي وهزالة تحالفاته الدولية والاقليمية، وتدني القدرات الاقتصادية للدولة التي تحتضنه وتقرر له. وأضاف المتحدث نفسه أن "هذه الخطوة تؤشر على أن أجهزة القيادة العسكرية الانفصالية تسعى إلى الرفع من نسق التعبئة والانتشار والتدريب"، مؤكدا أنه "أصبح لزاما على المغرب وضع تخطيط مسبق وشامل لسيناريوهات الحرب المحتملة، وأن يتم استباق الخطط والمسارات الحربية التي يعدها الانفصاليون والمرتزقة بدعم مكشوف وإشراف مباشر من الجيش الجزائري والاستخبارات العسكرية الجزائرية". "إن التطورات الأخيرة تحمل عدة مؤشرات خطيرة تدل على أن قيادة البوليساريو تريد إحداث تغيير مفاجئ في انتشارها وتمركزها العسكري"، يقول أستاذ العلاقات الدولية، رابطا ذلك "بما تتيحه إمكانية الاستفادة من تماهي النظام الموريتاني مع الأطروحة الانفصالية من فرص سانحة لإنشاء تجمعات استراتيجية غير بعيدة عن المناطق الحيوية وذات الأهمية الاستراتيجية على طول الساحل الصحراوي على الحدود المغربية الموريتانية"، معتبرا أَن "المغرب يعرف جيدا أن احتمال الحرب قائم، وأن الجهود الدبلوماسية والسياسية لمنع نشوبها قد لا تنجح، وبالتالي وجب الاستعداد لردع أي عدوان محتمل". من جهة ثانية، يرى الفلاح أن المغرب، "على مستوى عناصر القوة، يمتلك مقومات وعوامل مادية ومعنوية مؤثرة بشكل إيجابي، على رأسها العمق الجغرافي الاستراتيجي والواجهة البحرية؛ مما يحتم التركيز على ملء الفراغات ونهج استراتيجية تتناسب مع طبيعة السطح الصحراوي المنكشف والمفتوح"، داعيا إلى "الرفع من القدرات الهجومية ذات التأثير المركز والرادع، مع استخدام أحدث التكنولوجيات العسكرية وأجهزة الاستشعار عن بعد وصور الأقمار الاصطناعية".