في كل مرة تقترب فيها المواعيد الدولية والأممية الخاصة بمدارسة ملف قضية الصحراء المغربية، تطفو على الساحة الإعلامية والمجتمعية والسياسية بعض الدعوات والتوقعات المتصاعدة من هنا وهناك عن حرب الصحراء التي قد تأتي على الأخضر واليابس. ويزداد سيناريو الحرب وقعا وتأثيرا على النفوس بسبب التهديدات التي تطلقها جبهة البوليساريو باستمرار عن استعدادها للعودة إلى حمل السلاح وإعلان الحرب ضد المغرب. طبعا كثير من هذه التهديدات تبقى كذلك، أقصد أنها تبقى مجرد تهديدات وتصعيد سياسي وحرب نفسية تهدف للتأثير على القرار الأممي في قضية الصحراء ومحاولة لضمان استمرار هذا النزاع على أجندة المجتمع الدولي رغم أنه ظل على هامش اهتماماته على مدى عقود طويلة. لكن ماذا لو كان شبح الحرب فعليا وقريبا من المنطقة؟ لا يجب أن ننسى أن كثيرا من الحروب المدمرة لم تكن متوقعة أبدا وكانت من بين آخر السيناريوهات المطروحة في كثير من النزاعات التي عرفها العالم المعاصر. يكفي أن نتذكر أن الحروب العالمية قامت من أجل ذرائع يقدمها التاريخ أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تافهة وغير ذات قيمة. لكنها في الواقع لم تكن سوى غطاء لصراعات عميقة بين أطرافها. في الصحراء لا يمكن أن تعلن البوليساريو الحرب على المغرب إلا بأوامر وتعليمات من الجزائر، فالحرب مع البوليساريو هي في الحقيقة حرب معلنة من الجزائر. قواعد الانفصاليين وتحصيناتهم تتخذ من الأراضي الجزائرية خلفية لها، كما أن القرار السياسي للجبهة متحكم فيه من طرف المخابرات الجزائرية، كما أن الجهد الدبلوماسي للانفصاليين يعتمد بالأساس على دور الجزائر وعلى تمثيلياتها وسفاراتها عبر العالم كما أن الحرب التي تحتاج إلى كلفة مالية واقتصادية باهظة تحتاج إلى تمويل البترودولار الجزائري السخي فيما يخص تشجيع الانفصال والتأسيس له. والحرب بين المغرب والجزائر ليست حالة استثنائية أو شاذة، فهناك سابقة تاريخية بين البلدين سنة 1963 اندلعت فيها حرب حدودية رغم أنها لم تطل زمنيا إلا أن وقعها على العلاقات بين المغرب والجزائر كان بليغا. فمنذ ذلك التاريخ بدأت عقدة الجزائر اتجاه الجيش المغربي واتجاه السلطة المغربية تتشابك أكثر إلى أن بلغت حد العداء العلني والصريح الذي تجسد من خلال إصرار الجزائر على دعم الانفصال إقليميا ودوليا. في الحقيقة إن المغرب والجزائر يعيشان حالة حرب منذ عقود، لكنها حرب بدون رصاص، سلاحها هو الدبلوماسية والإعلام والحروب النفسية والصراعات حول النفوذ في منطقة المغرب العربي وإفريقيا، وكذا في أوساط الجاليات المقيمة بأوربا. وكل المؤشرات تدل على أننا نعيش حالة حرب ولا أدل على ذلك استمرار إغلاق الحدود البرية بين البلدين. وإذا المغرب يتخذ موقع المدافع عن مصالحه ووحدته الترابية في مواجهة الجزائر، فإن هذه الأخيرة تخسر في هذا الصراع وهذه الحرب أكثر مما تربح. لا يجب أن ننسى أن الجزائر تمول جبهة الانفصاليين وتسلحها وتمول اللوبيات الداعمة لها في أوربا وأمريكا وتجند لها وسائل الإعلام، كما أنها تدخل في حالة من التسلح الهستيري وتواصل هدر مقدراتها ووقف عجلة التنمية المحلية والوطنية بل وتأجيل كل الإصلاحات السياسية والاقتصادية فقط نكاية في المغرب وفي قضيته الوطنية، وهذا ما يتجسد صراحة من خلال وقف مشروع اتحاد المغرب العربي الكبير. فهل تطلق الجزائر نيرانها اتجاه المغرب وتنقل المعركة من ساحات الدبلوماسية والسياسة إلى ساحة المدافع والصواريخ؟ وهل يمكن أن توظف الجزائر البوليساريو في حرب بالوكالة ضد المغرب؟ وما مدى استعداد المغرب والجزائر اقتصاديا ودبلوماسيا وسياسيا لخوض الحرب؟ هل تدفع العزلة الدولية ونضوب المداخيل وعقلية العسكر الجزائر إلى مغامرة الحرب؟ أسباب الحرب والسلم بين المغرب والجزائر قضية الصحراء المغربية تعيش واحدة من أزماتها الأكثر تأثيرا على العلاقات بين المغرب والجزائر. هذا المنعطف الجديد الذي غذته تصريحات لا مسؤولة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عندما وصف المغرب بالمحتل، تبدو فيه أطراف هذا النزاع المفتعل في حالة من التعبئة والأهبة والاستعداد لكل الاحتمالات. وأسوأ هذه الاحتمالات هي اندلاع حرب الصحراء مجددا بين المغرب وانفصاليي البوليساريو ظاهريا، وبين المغرب والجزائر فعليا. فما هي احتمالات حدوث وتحقق هذا السيناريو الذي أصبح تهديدا روتينيا يرفعه الانفصاليون في كل مناسبة يتدارس فيها المنتظم الدولي ملف الصحراء؟ وهل من الممكن أن تتحول الحرب الدبلوماسية والسياسية بين المغرب والجزائر إلى حرب واقعية تخاض في الخنادق والمعسكرات وبأسلحة الطيران والمدفعية؟ موت الإيديولوجيا خيار الحرب بالنسبة لجل المغاربة نخبة ورأيا عاما مستبعد جدا. فكل المؤشرات تدل على أن وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 6 شتنبر 1991 والاستقرار الذي تنعم به الأقاليم الجنوبية منذ ذلك التاريخ أضحى اليوم قدرا أزليا ولا شيء يبرر ولا يدفع للعودة مجددا إلى لعلعة الرصاص. ورغم أن الملف يعيش مأزقا مزمنا منذ سنوات مع إطلاق مسلسل من المفاوضات بين الطرفين إلا أن دوافع الحرب ومحفزاتها تبدو وكأنها قد خفتت إلى الأبد. جبهة البوليساريو التي كانت تجد في السبعينيات والثمانينيات غطاء سياسيا دوليا يتمثل في سياق الحرب الباردة لم تعد ترى في خيار الحرب سوى تهديدا إعلاميا ودعائيا من أجل الحفاظ على بقاء واستمرار الأزمة والنزاع. القيادة الانفصالية العجوز والمتهالكة على امتيازاتها المالية والاقتصادية التي راكمتها من استغلال القضية فقدت على ما يبدو المحرك السياسي الذي كانت توفره الأفكار والتوجهات الماركسية في السابق عندما كان الانفصاليون يجدون في هذه الإيديولوجيا عناصر التعبئة المطلوبة للمزيد من الالتفاف حول هذا النزاع. هذه الحركة الانفصالية الموروثة عن الحرب الباردة فقدت مثل نظيراتها في جل دول العالم وخصوصا في إفريقيا امتداداتها الدولية بعد أن أضحى الهاجس الأمني ومواجهة ظاهرة الإرهاب على رأس أجندة المنتظم الدولي. لا توجد قوة دولية تستطيع اليوم تحمل تبعات دعم جماعة يسارية انفصالية لا تزال ترفع السلاح وتهدد بالحرب وتعيش في أوهام صراع الشرق والغرب. هناك توجه عالمي نحو لملمة ما يمكن من بؤر التوتر من خلال خيارات سلمية وتفاوضية. تلاشي السياق الإيديولوجي ليس وحده السبب في عدم جدية التهديد بالحرب، هناك عامل أكثر حسما يتعلق بأن القرار الحقيقي لا تمتلكه جبهة البوليساريو وقيادتها المعمرة. الجبهة ومنذ تأسيسها لم تكن سوى ورقة ضغط على المغرب وظفها خصومه وعلى رأسهم الجزائر وليبيا القذافي في إطار صراعات وهمية حول زعامة المنطقة وقيادة المغرب العربي. السؤال يجب أن يصاغ بطريقة أكثر مصداقية على الشكل الآتي: هل الجزائر مستعدة لإعلان الحرب على المغرب وتحمل تبعاتها وتكلفتها؟ عقلية الجنرالات جنرالات الجزائر الذين يحكمون في ظل رئيس شبح غيبه المرض والعجز لا يفتئون مثلهم مثل الانفصاليين عن إرسال إشارات تهديد ووعيد في سياق أزمات الصحراء. في هذا الإطار عقدت القيادات العسكرية في الجزائر أخيرا اجتماعا مع مسؤولين عسكريين من البوليساريو. وذكرت مصادر إعلام جزائرية، أن الجزائر تتحرك مع البوليساريو بطريقة مشبوهة على الحدود المغربية من أجل استفزاز القوات العسكرية بالمغرب. وهذه التحركات، تأتي أيضا، بعد التسجيلات الحصرية التي بثتها قناة «ميدي 1 تيفي» أخيرا، وكشفت فيها عن علاقات مشبوهة بين الجيش الجزائري والإرهابيين من تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامية». هذه التحركات تقرأ في أدبيات الدبلوماسية والعلاقات الدولية على أنها تهديدات صريحة واستعدادات فعلية لكل الاحتمالات ومن بينها إعلان الحرب. هذا الاحتمال يجد شاهدا قويا أكثر في سجل التسلح الجزائري، فمن يتابع حجم الإنفاق العسكري في بلد يعاني جزء كبير من سكانه من الفقر لا يمكن أن ينفي أبدا احتمال دخوله في حرب وشيكة. الجزائر تتسلح وتتدرب وتحرك جيشها وكأنها ستعلن الحرب على المغرب غدا. على سبيل المثال تقدمت الجزائر في دراسة لمعهد أمريكي متخصص في متابعة الشؤون العسكرية عبر العالم، لسنة 2016، بين 126 دولة شملتها الدراسة، وصنف الجيش الجزائري كقوة عسكرية أولى مغاربيا، ثانية عربيا و17 عالميا. فيما كانت تحتل السنة الماضية المرتبة 27 عالميا. هذا الترتيب الذي حصلت فيه الجزائر على الرتبة 17 جاء فيه الجيش المغربي في الرتبة 39. هذا يدل أن الحديث عن سباق التسلح ليس وصفا دقيقا لما يجري، ففي الحقيقة إن الجزائر تسابق نفسها من أجل امتلاك كل الإمكانات والأسلحة الحديثة التي لا تحتاجها إلا إذا كانت تستعد لغزو جيرانها، علما أنها عجزت تماما عن القضاء على ظاهرة الإرهاب التي لا تزال تضرب بين الفينة والأخرى في مختلف الأقاليم وخصوصا في الجنوب. كل هذه المؤشرات الواقعية وغيرها لا يمكن إلا أن تدفع جيران الجزائر وخصوصا المغرب إلى التوجس من كل الاحتمالات خصوصا في ظل أزمات داخلية طاحنة تعيشها الجزائر في مواجهة مطالب الإصلاح المتصاعدة والضغط الاجتماعي المتصاعد على الطبقات المتوسطة والفقيرة بسبب نهج الحكومة لسياسة تقشفية فرضتها إكراهات انخفاض أسعار النفط عالميا. وقد اعتادت الجزائر أن تصرف شحنات الأزمات الداخلية في علاقاتها الخارجية، وخصوصا في الاحتماء وراء نزاع الصحراء واحتمالات مواجهة المغرب. المخرج من العزلة من بين المؤشرات القوية على جدية التهديدات التي تطلقها البوليساريو والجزائر اتجاه المغرب قيام الانفصاليين في عز الأزمة الأخيرة التي عاشها ملف الصحراء بين المغرب وبان كي مون بمناورات عسكرية بالذخيرة الحية بمنطقة بئر لحلو امتثالا لتعليمات ما يسمى باجتماع هيئة الأركان لجيش التحرير الشعبي الصحراوي. وحسب القرارات المتمخضة عن هذا الاجتماع فقد قررت البوليساريو رفع حالة الاستعداد القتالي إلى الدرجة الأولى والشروع في تمارين قتالية على مستوى جميع النواحي، وإجراء مناورة على مستوى القطاع الجنوبي وعقد ملتقى للأطر العسكرية، وهذا كله خلال شهري مارس المنصرم وأبريل الجاري. ومن المعلوم أن هذه المناورات العسكرية ليست سوى مبادرة دبلوماسية هجومية من الجزائر، إذ من المستحيل أن تقوم قيادة البوليساريو بتحريك جندي واحد أو إطلاق رصاصة واحدة في الصحراء دون توجيه أو أمر من القيادة الجزائرية. فهل يعني هذا التصعيد الجديد أن الجزائر تحضر البوليساريو للقيام بحرب بالوكالة؟ هذه الفرضية ليست مستبعدة في ظل نظام سياسي جزائري مهترئ ويشرف على الانهيار وينخره الفساد والاستبداد وتتحكم فيه عقلية عسكرية متحجرة. وتزداد هذه الفرضية قوة في ظل إحساس متزايد للنظام الجزائري بالعزلة إقليميا ودوليا، فروسيا التي كانت تعتبرها الجزائر دائما حليفا استراتيجيا لها وقفت موقف حياد مطلق من الأزمة الأخيرة، وعبرت عن دعمها بشكل مباشر للتفاوض والحل السياسي في قضية الصحراء. وعلى صعيد الاتحاد الأوربي يبدو أن الجزائر يئست من استمالة فرنسا نحو دعم أطروحة الانفصال، كما تقترب مناورة المحكمة الأوربية من الانتهاء بنتيجة لصالح المغرب، خصوصا بعد طعن أجهزة الاتحاد الأوربي في حكم المحكمة القاضي بإعادة صياغة الاتفاقية التجارية بما يقصي المنتوجات المغربية المستوردة من الأقاليم الجنوبية. وعلى الصعيد العربي اختارت الجزائر التموقع خارج محور التحالف العربي أو الإسلامي، وفضلت دعم أنظمة استبدادية كالنظام السوري وهذا ما يزيد من عزلتها عربيا ويؤثر على علاقاتها ببعض القوى العربية المؤثرة دوليا وخصوصا المملكة العربية السعودية. فهل تكون الحرب بالوكالة وسيلة لخروج الجزائر من عزلتها؟ فتيل البترول إضافة إلى الهزائم الدبلوماسية في مواجهة المغرب إقليميا ودوليا والأزمات السياسية الداخلية، هناك أزمة أخرى تعيشها الجزائر يمكن أن تدفعها إلى اتخاذ قرارات متوترة من قبيل قرار الحرب. يتعلق الأمر بانهيار مداخيل البترول بعد أن انخفضت أسعاره دوليا. فقد كشفت وزارة الماليةالجزائرية، أن حجم خسائر الجزائر المتوقعة جراء موجة هبوط أسعار النفط، قد تصل إلى 32.2 مليار دولار بنهاية السنة الجارية، في حال استقر متوسط سعر برميل البترول عند مستوى 60 دولارا للبرميل. وقد تراجعت مداخيل صندوق ضبط الإيرادات من 18.1 مليار دولار في العام الماضي إلى 7.1 مليار دولار في العام الحالي. هذه الثغرة الاقتصادية الهائلة والمفاجئة والتي قد تطول وتتكرر في السنوات المقبلة تنذر باحتقان اجتماعي كبير قد يعصف بالجزائر في ظل اضطرار الحكومة إلى نهج سياسات تقشفية مؤلمة خصوصا للطبقات الاجتماعية المحدودة الدخل. الجزائر التي نجت مؤقتا من تداعيات الربيع العربي وعاصفته قد تواجه أياما عصيبة يمكن أن تدفعها إلى تصريف أزماتها في حرب استباقية ضد الجيران وعلى رأسهم المغرب. هذا ما توقعه على سبيل المثال تقرير المعهد الأمريكي لتحليل المخاطر بميامي في العام الماضي. فقد حذرت هذه المؤسسة البحثية الجزائر ودعتها لضرورة أخد الحيطة والحذر من الفوضى التي قد تهدد أمن واستقرار البلاد بفعل المخاطر المستشرية حاليا في أرجاء متعددة من الجزائر ما لم تتخذ حكومة البلاد قرارات اعتبرتها المؤسسة ذاتها بالصارمة والشجاعة احتذاء بجاراتها المغرب لتجنيب البلاد ويلات ونتائج هذه الفوضى المرتقبة. الفشل الأمني في مقاربة الإرهاب، والمخاطر المحدقة القادمة من الحدود الليبية، وإكراهات نضوب مداخيل البترول والأزمات السياسية الداخلية كلها عوامل يمكن أن تدفع أي نظام سياسي خصوصا إذا كانت دولته العميقة عسكرية بامتياز إلى اتخاذ قرارات مجنونة ومغامرات لا تحمد عقباها كقرارات الحرب. هذا يعني أن استقرار الجزائر وخروجها من أزماتها المختلفة شرط ضروري في الحفاظ على الأمن الإقليمي وتجنيب المنطقة مطبات مدمرة. المغرب ثاني مستورد للأسلحة في القارة.. أظهرت معطيات صادرة عن معهد «ستوكهولم» لأبحاث السلام الدولي (سيبري) أن مشتريات المغرب من السلاح ارتفعت خلال الثلاث سنوات الأخيرة، بنسبة 19 في المائة خلال الفترة الممتدة من سنة 2011 إلى سنة 2015، وهي زيادة مهمة مقارنة بالفترة الممتدة من سنة 2006 إلى سنة 2010، حيث يهيمن المغرب على ثاني أكبر حصة من مشتريات السلاح في القارة السمراء، فيما توقع خبراء أن تسهل الحرب في اليمن مزيدا من صفقات التسلح للمغرب. وذهبت المعطيات ذاتها إلى أن المغرب والجزائر هما أكبر مستوردي الأسلحة في المنطقة بإجمالي 56 في المائة من الواردات الإفريقية من السلاح، في الوقت الذي سجلت القارة الأوربية انخفاضا في مشتريات السلاح. ويستفيد المغرب من علاقاته الجيدة مع عدد من الدول المصنعة للسلاح لعقد صفقات وتنويع المشتريات، على عكس دول أخرى في القارة الإفريقية تعاني من قيود على صفقات التسلح، كما أظهر التقرير ذاته أنه بسبب القيود الاقتصادية؛ استوردت معظم دول إفريقيا جنوب الصحراء كميات صغيرة من السلاح في 2011-2015، رغم تورط العديد منها في صراعات مسلحة خلال تلك الفترة. وأظهرت المعطيات التي نشرها المعهد أن سباق التسلح بين المغرب والجزائر لازال مستمرا، حيث لجأ البلدان معا إلى الرفع من قيمة الصفقات ومن كميات السلاح المقتنى من بلدان مصنعة مختلفة. وتوقع باحث في برنامج الأسلحة والإنفاق العسكري أن يستمر المغرب في تنويع صفقاته والرفع من كمية السلاح الذي يشتريه من مصنعين مختلفين، مشيرا إلى أن المغرب، على غرار البلدان الأخرى المشاركة في التحالف العسكري في اليمن، سيستمر في الحصول على الأسلحة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبلدان أوربا المصنعة، وفي مقدمتها فرنسا، كجزء من العقود التي وقعت خلال السنوات الخمس الماضية. وتبوأت الهند رتبة أكبر مستورد للأسلحة في العالم، فيما احتلت السعودية الرتبة الثانية، تلتها الصين في الرتبة الثالثة، وتصدرت الولاياتالمتحدةالأمريكية قائمة البلدان المصدرة للسلاح، تلتها روسيا كثاني أكبر مصدر للسلاح. اقتصاد المغرب أفضل حالا بكثير من اقتصاد الجزائر رضوان زهرو: رغم الوضعية الاقتصادية..المغرب يستطيع تحمل كلفة الحرب ضد الجزائر قبل أقل من أسبوعين، رسم والي بنك المغرب، صورة سوداوية عن الاقتصاد الوطني، خلال السنة الجارية، حيث توقع أن لا تتجاوز نسبة النمو 1 في المائة، وهي أقل نسبة للنمو خلال السنوات الأخيرة. ومن هذا المنطلق، وبالإضافة إلى تقارير سابقة حول الوضعية الاقتصادية المغربية مستقبلا، والتي اتجهت جميعها نحو السوداوية حول معدلات النمو، فإن المغرب سيعاني من تراجع النمو وانكماش معدلاته، وبالتالي، سيعاني الاقتصاد المغربي، وستلجأ الدولة إلى الاقتراض من أجل سد حاجياتها من المالية العمومية، وهو ما أكدته آخر دراسة أصدرتها مؤسسة ستاندرد أند بورز، مفادها أن المغرب سيقترض سنة 2016 ما حجمه 10 مليار دولار أمريكي، ما سيجعل مديونيته العمومية تمثل أزيد من 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي سياق التقارير المتعلقة بوضعية الاقتصاد المغربي وضعفه، أكد تقرير المندوبية السامية للتخطيط تراجع معدلات النمو، حيث توقعت المندوبية أن يتباطأ نمو الاقتصاد المحلي خلال العام الجاري 2016، في ظل توقعات بتراجع حاد في محصول البلاد من الحبوب بسبب انحباس الأمطار. حيث رجحت أن يبلغ نمو اقتصاد المغرب خلال الربع الأول من العام الجاري 2 في المائة مقابل 4.1 في المائة خلال الفترة نفسها من العام الماضي. والنظرة السوداوية حول الوضعية الاقتصادية للتقارير الوطنية والدولية، يتبناها أيضا، رضوان زهرو، أستاذ اقتصاد بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إذ قال إن الوضعية الاقتصادية اليوم عموما لا تدعو إلى القلق، لكن مؤشراتها تدل جميعها على أنها لن تكون كذلك في المستقبل القريب، معللا ذلك بكون «الظرفية الاقتصادية والسياسية العالمية ليست جيدة، إلى جانب كون الظرفية الاقتصادية الوطنية ليست هي الأخرى بأحسن حال، خصوصا مع ما عرفه المغرب من جفاف بنيوي، أثر على الموسم الفلاحي، إلى جانب كون نمو القطاعات غير الفلاحية بطيء جدا، علما بأن النمو الاقتصادي بالمغرب مرتبط أساسا بالقطاع الفلاحي، وبالتساقطات المطرية التي تعتبر معطى لا يمكن التحكم فيه، مما ستكون له دون شك تأثيرات سلبية على هيكل وبنية الميزانية العامة للدولة للسنة المقبلة». وأضاف أستاذ الاقتصاد أن ما يعكس جليا وضعية الاقتصاد الوطني يتمثل في كون «معدل النمو سيتراوح ما بين 1.5 و2 في المائة في أحسن الظروف فقط، إلى جانب عجز الميزانية العامة التي قد تصل إلى 5 في المائة. كما ينضاف إليهما انخفاض الطلب العام وتفاقم البطالة». وهي العوامل التي قال رضوان زهرو إنها دفعت ببنك المغرب إلى تخفيض معدل الفائدة الرئيسي، بهدف الرفع من الطلب العام حتى وإن كان لهذا الإجراء تأثيرات تضخمية، وقد لا تنعكس بالضرورة بشكل كبير على معدلات الفائدة الممنوحة من طرف البنوك، وبالتالي، لن يكون لها تأثير يذكر على الطلب على الاستثمار.وأضاف أستاذ الاقتصاد، أن هناك معطى آخر ينضاف إلى المعطيات التي تفيد بتراجع النمو وبكونه لن يكون بأفضل حال مستقبلا، حيث اعتبر أن المديونية الخارجية التي ارتفعت بشكل كبير تؤثر على معدلات النمو، بل وذهب إلى أن الأخطر منها، يتمثل في الارتفاع الذي عرفه الدين العام الداخلي، مشيرا إلى أن المغرب اختار الحلول السهلة والبسيطة للحد من عجز الميزانية، وذلك عبر لجوئه إلى الدين الخارجي والداخلي. وتابع أستاذ الاقتصاد أن المغرب لم يسطر مشروعا اقتصاديا واجتماعيا متكاملا وواضح المعالم، والذي قد تبقى آثاره لسنوات عديدة قادمة، بمعنى أن الحكومة لم تكن لديها نظرة استراتيجية واستباقية، كما أنها لم تهيء نفسها بما فيه الكفاية للتصدي لتقلبات الظرفية الاقتصادية وللتغيرات الجيو استراتيجية العالمية، كما أن بعض البرامج، التي تم اتخاذها في هذا الشأن، لم تكن ترقى في كثير من الأحيان إلى مستوى السياسة العمومية الشاملة والمندمجة والمتكاملة التي تحقق الانتقالية بين القطاعات الحكومية ويكون لها بالغ الأثر في تغيير البنيات الاقتصادية والاجتماعية على المديين المتوسط والبعيد. وبخصوص احتمالية نشوب حرب ضد الجزائر، ومدى قدرة الاقتصاد الوطني على تحمل كلفتها، وعن ما إذا كان قادرا على الاستمرار فيها والتفوق اقتصاديا على جارته الشرقية، فإن المعطيات التي جردها أستاذ الاقتصاد رضوان زهرو، تفيد بأن وضعية الاقتصاد الوطني لا تبشر بالخير خصوصا على المدى القريب، لكن ذلك، لا يجعل المغرب غير قادر على تحمل فاتورة الحرب ضد الجزائر في حال إذا ما نشبت بين كلا البلدين، وذلك راجع حسب أستاذ الاقتصاد، إلى كون اقتصاد الجزائر ليس أحسن حالا من المغرب، خصوصا مع ما باتت تعرفه الجارة الشرقية من تدني أسعار البترول، وكذا مع اعتماد تنمية الجزائر على الصناعات المصنعة الثقيلة والاستخراجية، كما أن الجزائر فقدت الكثير من مواردها، ولازال نزيفها مستمرا، وبالتالي تأثرت تكلفة إخراج البترول كثيرا حيث أصبحت تقارب إلى حد كبير كلفة سعره. وأضاف رضوان زهرو، أن ما يجعل المغرب أحسن حالا على المستوى الاقتصادي من الجزائر، يتمظهر على مستوى لجوء الجزائر، ولأول مرة، إلى المخزون الاحتياطي السيادي لحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية التي باتت تتخبط فيها، خصوصا مع اتجاه الشعب الجزائري إلى المطالبة أكثر من أي وقت مضى بالكرامة والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم. وتابع الأستاذ بأن جميع الخبراء العالميين يتوقعون انفجارا وشيكا للوضع في الجزائر، وهو ما ينتفي في المغرب، الذي عمل منذ الاستقلال على بناء مشروعه التنموي، كما عمل أيضا على تنويع شركائه التجاريين وكذا تنويع الإنتاج ومصادر الثورة، وبذلك فإن أستاذ الاقتصاد رضوان زرهو يجزم بأنه لا قياس مع وجود هذا الفارق الكبير بين المغرب والجزائر، فإن المغرب يستطيع تحمل تكلفة الحرب ضد الجزائر في حالة إذا ما نشبت، خصوصا على المدى المتوسط والبعيد، إذ إن وضعيته الاقتصادية أحسن بكثير من الوضعية الاقتصادية للجزائر، وبذلك، فإن اقتصاده سيصمد أمام تكلفة الحرب أكثر من الجزائر. دبلوماسية «الحرب».. مفاتيح قوة الموقف المغربي في حال تفجر صراع مسلح الدول الكبرى تنظر إلى المغرب كعنصر أساسي في السلم الإقليمي ومواجهة الإرهاب «تحتفظ المملكة بحقها المشروع في اللجوء إلى تدابير أخرى، قد تضطر إلى اتخاذها، للدفاع، في احترام تام لميثاق الأممالمتحدة، عن مصالحها العليا، وسيادتها ووحدتها الترابية». هكذا كانت الرسالة، صارمة وحازمة، في البلاغ الذي أصدرته الحكومة عقب التصريحات والتصرفات المنحازة للأمين العام الأممي خلال زيارته الأخيرة للمنطقة.الرسالة كانت واضحة، وتركت الباب مفتوحا أمام كل الاحتمالات. فالمغرب الذي ظل ملتزما بوقف إطلاق النار، بل ويساهم في 12 مهمة حفظ للسلام بأزيد من 2300 جندي، والتزم بأقصى درجات ضبط النفس في مواجهة استفزازات الأطراف الأخرى، لا يمكن في الآن ذاته أن يبقى مكتوف الأيدي في حال المساس بوحدته الترابية.. فقضية الصحراء قضية وجود وليست مسألة حدود، كما سبق للملك محمد السادس أكد في الخطاب الموجه للشعب المغربي بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين للمسيرة الخضراء. صحيح أن القوى الكبرى لن تجازف بالسلم الإقليمي من خلال حرب قد تندلع بين المغرب والجزائر، في ظل المخاطر الإرهابية المتنامية، وما يمكن أن يؤدي إليه أي توتر في زعزعة استقرار المنطقة برمتها، لكن إمكانيات نشوب توتر تبقى قائمة، خاصة في ظل الاستفزازات التي يقدم عليها النظام الجزائري، من خلال جبهة «البوليساريو»، والتي كان آخرها مناورات عسكرية في منطقة «بير لحلو» التابعة للصحراء المغربية، والتي قدمتها الرباط إلى الأممالمتحدة لجعلها منطقة فاصلة لتدبير مهمة الحفاظ على وقف إطلاق النار. عمليا تبدو الجزائر غير مستعدة لخوض حرب جديدة ضد المغرب لأسباب عدة، أولها هو توجس النظام من غضب الشعب الجزائري الذي سيواجه أي خطوة من هذا النوع، لأنه غير معني بهذا النزاع المفتعل من طرف النظام الجزائري، والذي كبد البلاد والعباد ملايير الدولارات التي أنفقت في اقتناء الأسلحة وحروب دبلوماسية مع جاره المغربي. هذه النقطة تثير حساسية بالغة لدى النظام الجزائر، الذي يفهم جيدا أن أي محاولة للدخول في مثل هذه الاختيارات الخاطئة قد تجعله يفجر موجة غضب واسعة، وربما ثورة يبدو النظام غير مستعد لمواجهتها، بل وقد تذهب الأمور إلى حد إعادة النظر في كثير من الملفات العالقة منذ زمن الاستعمار. وفي المقابل يبقى الإجماع الوطني للمغاربة تجاه القضية الأولى نقطة قوة للدبلوماسية المغربية، فمسألة الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة ليست موضوع نزاع أو خلاف بين مكونات الشعب المغربي، رغم ما قد يثار من آراء حول كيفية تدبير هذا الملف. نقطة أخرى تضعف الموقف الجزائري، على اعتبار أن خوض أي حرب مباشرة ضد المغرب سيجعل الجزائر في موقع المعتدي على تراب دولة عضو في الأممالمتحدة. فالجزائر، ورغم أنها طرف أساسي في افتعال وإطالة عمر هذا النزاع، إلا أن دخولها في أي حرب مع المغرب بسبب ملف الصحراء المغربية قد يجعلها موضوع عقوبات لاعتدائها على سيادة ووحدة دولة عضو في هيأة الأممالمتحدة، وهو ما سيجعل الرباط تحشد تضامن ودعم باقي الدول. هذا المعطى تفهمه الجزائر بشكل جيد، ولذلك فإن منطق تعاملها مع المغرب، في مختلف الحروب التي تخوضها ضد مصالح الرباط، يتأسس على «الحرب بالوكالة»، من خلال استخدام جبهة «البوليساريو» لتنفيذ مخططاتها. لكن دعم الجبهة في أي حرب ضد المغرب سيجعل الجزائر محط اتهامات بتهديد سلم المنطقة، خاصة أمام تنامي المخاطر الإرهابية وفوضى السلاح الذي يمكن أن يقع بأيدي الجماعات المتطرفة. مسألة أخرى تقوي الدبلوماسية المغربية وترتبط بالدور المتنامي للمملكة كفاعل إقليمي أساسي في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، خاصة في مواجهة المخاطر الإرهابية والتعاون الأمني والاستخباراتي القوي مع الدول الصديقة، وعلى رأسها البلدان الأوربية. ولذلك فطبيعة تعاطي هذه الدول، التي تنبني على الحفاظ على مصالحها، ستجعلها غير مستعدة للمجازفة بترك المجال مفتوحا لإمكانية نشوب حرب في المنطقة، وبالتالي تهديد مصالحها الحيوية. وهنا لابد أن نتذكر موقف مجلس الأمن الدولي وكيفية تعامله مع الضغوطات التي مارسها بان كيمون لاتخاذ قرار ضد المغرب. معطى آخر لا يقل أهمية، وهو المرتبط بالنظرة الاستراتيجية للفاعلين بالمنطقة ونظرتهم لهذا النزاع. فالمغرب، وإلى جانب دفاعه عن وحدة أراضيه، في حال نشوب توتر في المنطقة، فإنه في المقابل يساهم في الحفاظ على السلم الإقليمي والعالمي، خاصة أن نشوء «دويلة» سادسة في المغرب العربي سيجعل المجال الأوربي تحت التهديد، ولعل تداعيات الأزمة الليبية وانتشار السلاح بشكل عشوائي لخير دليل على المخاطر الكبيرة التي يحملها تهديد المنطقة، ناهيك عن كون عدد من التقارير الدولية تكشف بشكل لا يدعو إلى الشك تواطؤ عناصر من البوليساريو مع جماعات إرهابية وعصابات تهريب السلاح والمخدرات في الصحراء. وحتى على المستوى الإفريقي فالمغرب يحظى بدعم عدد من الفاعلين الأساسيين في القارة، وقد لعبت الزيارات الملكية والدعم القوي لهذه الدول دورا أساسيا في جعل المغرب لاعبا مركزيا في القارة السمراء، خاصة في المجال الاقتصادي، بالنظر إلى رؤية المغرب للآخر كشريك في إطار منطق «رابح-رابح»، بل واتخاذه لخطوات جريئة لمصلحة كثير من الدول، ولعل تأمين الرحلات الجوية في عز أزمة تفشي فيروس «إيبولا» لخير دليل على هذا التوجه التضامني. كل هذه المعطيات التي تقوي الدبلوماسية المغربية، تفرض أيضا الاشتغال بشكل أكبر على حشد الدعم الفعلي لكثير من الدول، وعلى رأسها الفاعلون الكبار في صناعة القرار الدولي. فلا يكفي أن تصف الولاياتالمتحدة أو فرنسا المقترح المغربي بالجدي والواقعي وذي مصداقية، بل الأهم أن تتخذ خطوات جريئة وعملية في دعم هذا المقترح وطرحه كبديل حقيقي للوصول إلى حل سياسي دائم ومتوافق عليه. الجيش الجزائري.. من جيش للتحرير إلى دولة داخل دولة لكل دولة جيش ولجيش الجزائر دولة! الجزائر من الدول التي تنطبق عليها المقولة الشهيرة التي تقول بأنه إذا كان لكل دولة جيش، فإن الحالة في الجزائر تنعكس، بحيث يصبح للجيش دولة قائمة بذاتها هي الجزائر! وعليه، لا يمكننا أن نفهم طبيعة العلاقة التاريخية الاستثنائية التي تربط بين المؤسسة العسكرية والدولة بالجزائر، حتى هيمن على كل مناحي الحياة، على الرغم من حالة الصورة لمدنية الدولة التي تنبعث بين الفينة والأخرى عبر التمثلات المدنية من دستور وبرلمان وحياة سياسية وحزبية وانتخابية إلا بفهم ماهية الدولة، والأهم من ذلك كون الجيش بالجزائر سابق على ولادة الدولة، ما جعله فوق الدولة المستقلة لعام 1962. وعلى الرغم من كون الجزائر لم تخض حربا منذ لحظة الاستقلال فحتى حرب الرمال في 1963 لم تكن بالمعنى الحرفي الكامل والشامل لكلمة حرب بقدر ما كانت عبارة عن احتكاك عابر ما بين الجيش المغربي والجيش الجزائري. وإلا فالجيش في الجزائر لم يخض حربا منذ الاستقلال، ومع ذلك فميزانية المؤسسة العسكرية ومخصصاتها المالية واللوجيستية تفوق كل تصور، بل تفوق حتى الدولة التي تخوض حروبا ! ما يبين عمق التجدر العسكري في الدولة الجزائرية الحديثة، لذا فإن التحليلات التي تركز على قوة حضور المؤسسة العسكرية هي تحليلات سطحية لم تنفذ بعد إلى العمق، ما لم تلامس عددا من المسائل والقضايا: طبيعة العقيدة العسكرية للجيش الجزائري. ثم تمثلات العدو الخارجي عند العقل السياسي والعسكري الجزائري. تمثلات العقيدة العسكرية والقتالية لدى الجيش الجزائري العقيدة العسكرية ومعها العقيدة القتالية للجيش، مصطلحات ومفاهيم فرضت نفسها بقوة في الجيوش النظامية الحديثة، وأضحت بمثابة العقيدة الإيديولوجية والإستراتيجية لكل جيش نظام حديث، تدرس في مدرجات الكليات العسكرية والفنية عند جميع الدول بلا استثناء. فقط تختلف من دولة إلى أخرى على مستوى مدى أهمية الجيش في الحياة السياسية وتغلغله، وكلما كانت الدولة عسكرية وحضور الجيش فيها قويا كلما كانت العقيدة العسكرية والقتالية حاضرة بقوة. والجزائر من الدول التي لها حضور للعقيدة القتالية والعسكرية، سيما على مستوى تحديد الأعداء المفترضين أو المتخيلين الذين من شأنهم أن يهددوا أمن واستقرار الجزائر، أو كما تصوره لهم العقيدة العسكرية، فالبحث عن عدو ولو افتراضي كما هو الشأن عند الجيش الأمريكي مسألة محورية في ثبات الجيوش وارتفاع معنويات المجندين، تكوينا وتحفيزا وتدريسا وأهبة واستعدادا ومناورة وتدريبا. وفي الجزائر يمكننا أن نتحدث عن أربعة مسارات تشكلت فيها العقيدة العسكرية ومعها القتالية للجيش الشعبي الوطني الجزائري. الفريق القايد صالح يحشد للحرب منذ توليته لمنصب نائب وزير الدفاع _ لأن الرئيس بوتفليقة هو من يتولى حقيبة الدفاع_ في 11 سبتمبر 2013 علاوة على منصبه كقائد لأركان الجيش الوطني الشعبي منذ 2006، ونبرة حرب الجيش الشعبي الوطني الجزائري ضد الإرهاب في ارتفاع، على الرغم من شعارات السلم والاستقرار المرفوعة باعتبارها أهم انجاز للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة. وتبقى أهم حادثتين إرهابيتين منذ وصول الرئيس بوتفليقة للحكم هما: أولا: حادثة استهداف الرئيس بباتنة 2007 وهي حادثة استهداف الرئيس بباتنة في 6 شتنبر 2007 عبر تفجير انتحاري استهدف تجمعا جماهيريا لاستقباله، ساعات فقط قبيل زيارته إلى ولاية باتنة. وقد أسفرت العملية عن مقتل 15 شخصاً، وجرح 74 آخرين، بعد أن تمكن الانتحاري من تفجير قنبلة كان يحملها وسط التجمع، الذي كان ينتظر وصول بوتفليقة، في ختام جولة تفقدية إلى هذه الولاية، وفق ما أفادت مصادر أمنية محلية. ثانيا: أزمة الرهائن بعين أميناس وهي أكبر عملية إرهابية تتكبدها الجزائر في عهد الرئيس عبد بوتفليقة، أكثر من ذلك فالعملية قد جعلت مصداقية وفعالية الجيش الوطني الشعبي الجزائري ومعه الأجهزة الأمنية موضع أكثر من تساؤل. حيث قامت في 16 يناير 2013 مجموعة إرهابية شديدة التدريب والتسليح بالهجوم على مجمع «تيقنتورين» بعين أمناس جنوب-شرق الجزائر، حيث قيل أن العملية جاءت كرد فعل على التدخل العسكري الفرنسي في مالي التي أطلقت خمسة أيام من قبل، والتي وصفت بأنها «عدوان». المجموعة الإرهابية قامت باحتجاز أكثر من650 شخصا من بينهم أكثر من 150 من الأجانب من جنسيات مختلفة، يعملون في حقل استغلال الغاز. يوم بعد ذلك أي في 17 يناير 2013 شن الجيش الجزائري هجوما على موقع الرهائن، خلال هذا الهجوم حرر الجيش بعض الرهائن وقتل آخرتن، حيث كانت الحصيلة ثقيلة جدا: مقتل 39 رهينة أجنبية، و 29 إرهابيا من المجموعة المسلحة. ومنذ 2013 والتلفزيون الجزائري يخصص حيزا معتبرا لتغطيات تنقلات وأنشطة الفريق قايد صالح، سواء التفقدية منها للمدارس والمعاهد الحربية أو للأنشطة الأخرى العسكرية، بشكل لافت! حتى أضحى اسم العقيد قايد صالح من أهم الأسماء المتداولة إعلاميا في الإعلام الرسمي الجزائري. أكثر من ذلك، تم استدعاء جيش التحرير الوطني من التاريخ مرة أخرى، في ديباجة دستور 2016، بعدما كانت الفقرة تتحدث عن جبهة التحرير الوطني وما بذلته من تضحيات في الحرب التحريرية، دون ذكر جيش التحرير على اعتبار أن الجيش مجرد ذراع تابع للجبهة الأم، وهكذا جاءت الفقرة الدستورية المعدلة: وقد توج الشعب الجزائري، تحت قيادة جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني، ما بذله خيرة أبناء الجزائر من تضحيات في الحرب التحريرية الشعبية بالاستقلال، وشيد دولة عصرية كاملة. كرونولوجيا مواجهة حربية لم تحسم بعد المغرب والجزائر وحروب ما بعد الاستقلال.. الصحيح أن «حرب الرمال» لم تكن حربا بالمعنى الدقيق للكلمة، بل مجرد معركة ضمن فصول الحرب المفتوحة بين المغرب والجزائر. أما الأغرب فكونها لها قراءتان مختلفتان لدى الطرفين. وقبل استعراض مجرياتها، وجب التنويه إلى أن قراءة التاريخ تكشف بأن تلك المعركة لم تكن أبدا مغامرة حربية غادرة قام بها الحسن الثاني، بل إنها توجت مسلسلا طويلا من التسويف من الطرف الجزائري، في موضوع ترسيم الحدود المتوارثة عن الاستعمار. هكذا، ومباشرة بعد استقلال الجزائر، طالبها المغرب بالأراضي التي اقتطعتها فرنسا منه وضمتها لها سابقا. لكن حكومة الاستقلال طلبت بعدم المساس بالحدود التي رسمها الاستعمار، متنكرة لوعود واتفاقيات جزائرية سابقة. وتتويجا لحرب إعلامية ومناوشات حدودية مسلحة استمرت لشهور، توصل وزيرا خارجية البلدين أحمد رضا كديرة وعبد العزيز بوتفليقة في 05 أكتوبر 1963 بمدينة وجدة، إلى اتفاق نص على ضرورة تنظيم قمة بين الملك الحسن الثاني والرئيس بن بلة، لحل النزاع على الأراضي. لكن القمة لم يكتب لها النجاح، حيث شنت القوات الجزائرية في 8 أكتوبر هجوما مفاجئا على منطقتي تينجوب وحاسي بيضة، واحتلتهما بعد أن قتلت 10 جنود مغاربة. فسارع المغرب إلى إرسال وفود رسمية إلى الرئيس الجزائري بن بلة للاحتجاج على الهجمات الجزائرية على مناطق الحدود بين الدولتين جنوبا وشمالا. غير أن الطرف الجزائري تعنت، فوصل الجانبان إلى طريق مسدود، وأغلقت أبواب التفاوض الدبلوماسي و أصبحا على حافة المواجهة الحربية. ولم يتأخر الرد العسكري المغربي، إذ في 14 أكتوبر استرجعت القوات المغربية حاسي بيضة وتنجوب، وأرغمت القوات الجزائرية على التراجع نحو طريق بشار- تندوف. وشكل ذلك البداية الفعلية لما سمي ب»حرب الرمال». وردا على ذلك، أعلنت الجزائر في 15 أكتوبر، التعبئة العامة في صفوف قدامى محاربي الجيش و» أبطال حرب الاستقلال». لتتسع رقعة الحرب سريعا، حيث انتقلت المواجهات إلى فكيك وتندوف المغربيتين. لكن المعارك توقفت في 5 نوفمبر بأمر من الحسن الثاني، إثر وساطة لكل من الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية وضغط فرنسي، انتهت بتوقيع البلدين لاتفاق وقف إطلاق النار في 20 فبراير 1964 . إن القراءة الجزائرية تتحدث عن نصر ملحمي تحقق للجزائر في حرب الرمال «رغم غدر المغاربة»، وتحيك من الوهم تاريخ أمجاد كاذبة. وحتى نضع كفاءة البلدين العسكرية في الميزان، لنشر إلى أن الجيران استفادوا من دعم عسكري مصري (1000 جندي وضابط) وكوبي (أكثر من 600 مقاتل) وتسليح سوفياتي. وقد افتضح ذلك من خلال الأسرى المصريين على الخصوص. ويكشف ذلك ضعف الكفاءة القتالية للجيش الجزائري في مواجهة قوات مغربية دعمت خبرتها بما راكم جنودها الذين شاركوا في حرب الفيتنام من خبرة، إلى جانب العناصر الصحراوية التي كانت حديثة الالتحاق بالقوات المسلحة الملكية، بوليساريو وحرب الوكالة وانطلاقا من أواسط سبعينيات القرن العشرين، انتقلت المواجهة مع الجزائر إلى المستوى غير المباشر. وهكذا، وخلال المرحلة الأولى من الحرب، استفاد مقاتلو بوليساريو من الدعم المباشر لقوى إقليمية ومن قلة خبرة وعدد القوات المغربية بإقليم الصحراء، فقاموا بهجمات خاطفة وناجحة على مواقع مدنية وعسكرية منعزلة. واستمر هذا الوضع بين سنوات 1976 و1980. ومن أبرز المعارك خلال تلك الفترة، نذكر ملحمة بئر إنزران في سبتمبر 1979، عندما هاجم 3000 مقاتل للبوليساريو على متن 500 عربة مسلحة، حامية عسكرية تحمل الاسم نفسه وكانت تضم 300 جندي مغربي بقيادة الملازم العقيد الغجدامي. وتمكن المغاربة رغم ضعف العدة والعدد من دحر المهاجمين. لقد كان القذافي يشاطر النظام الجزائري العداء نفسه لنظام الحسن الثاني، ومن أوجه تصريف ذلك العداء الشديد شكل دعم مقاتلي بوليساريو بسخاء أحد الأوجه الأكثر سفورا. بيد أن تلك الحرب بالوكالة سجلت انقلابا في ميزان القوى لصالح المغرب اعتبارا من ثمانينيات القرن الماضي، عندما شُرع في تشييد الجدار الرملي على امتداد حوالي 3000 كلم، بحماية دائمة من 100 ألف جندي، إلى جانب رادارات رصد وفرق مدرعة متنقلة قوامها 20 ألف جندي وطائرات مقاتلة متأهبة . فقدت بوليساريو عنصر المفاجأة ومعها القدرة على التسلل، بعدما أصبح الجدار المحيط بكامل الجنوب المغربي سدا منيعا في وجهها. فأصبحت خسائر ها ثقيلة، حيث سقط من مقاتليها في هجمات كتلك التي شنتها في أكتوبر 1989، ويناير 1990، قرابة المائة قتيل. وابتداء من 1984، فقدت الجبهة دعم القذافي بعد التقارب المغربي الليبي. فانتهت إلى القبول بمفاوضات غير مباشرة مع المغرب بداية من 1986، انتهاء بوقف إطلاق النار في 6 سبتمبر 1991. إجمالا، تشير التقديرات إلى أن الخسائر البشرية المغربية خلال المرحلة الدامية لهذا النزاع (1975 – 1987) ناهزت 7000 قتيل و 2300 أسير في الجانب المغربي، في مقابل 4000 قتيل في صفوف بوليساريو. وهي حصيلة مشرفة للمغرب وجيشه، أخذا بالاعتبار التكالب الإقليمي والدولي، وخصوصية حرب العصابات التي كان يشنها العدو. أمكَالا الأولى والثانية بيد أن المواجهة مع الطرف الجزائري في الصحراء لم تلزم حدود المستوى غير المباشر دائما. ففي يناير 1976 قررت الجزائر الانخراط في النزاع إلى جانب مقاتلي بوليساريو، فتوغلت قواتها إلى عمق التراب الصحراوي المغربي وتحديدا في واحة أمغالا، التي تبعد بأكثر من 300 كلم (على جناح الطير لا على الأرض)من حدودها مع الصحراء المغربية. وتمكنت قواتها، بفضل عنصر المفاجأة والتسلح القوي عدة وعتادا، من إلحاق خسائر بالقوات المغربية المرابطة بتلك الحامية، بعد معارك عنيفة استبسل فيها الجنود المغاربة ودامت بين 27 و29 يناير. ورغم أن السلاح المتطور كان ليبيا (ضمنه صواريخ أرض جو روسية جد متطورة) والمقاتلون جزائريون هذه المرة، فقد تم رد العدوان. لكن أسبوعين بعد ذلك، وبتاريخ 14 فبراير 1976، هاجم مقاتلون تابعون للبوليساريو ومدعمون من طرف قوات جزائرية موقع أمغالا من جديد. فكان الرد المغربي أقوى بفضل نجاعة الطيران الحربي، ما نتج عنه انسحاب كامل للجيش الجزائري من الحرب الدائرة بين المغرب ومقاتلي بوليساريو. وفي تفسير ما جرى، تشير (أنيا فرانكوس) في مؤلفها «جزائري اسمه بومدين «، إلى أن المرحوم الحسن الثاني راسل الرئيس السابق بومدين في أعقاب المواجهة الخطرة في أمغالا الأولى، قائلا: « وجدت القوات المسلحة الملكية نفسها يوم 29 يناير 1976 في مواجهة الجيش الوطني الشعبي الجزائري في أمغالا، التي هي جزء لا يتجزأ من الصحراء المغربية (…) و قد سال الدم بين شعبينا لأنكم لم توفوا بعهدكم. وها أنتم ترون أن الحامية المغربية في أمغالا أخذت غدرا من لدن وحدات الجيش الوطني الشعبي الجزائري، المتوفرة على أسلحة ثقيلة ومعدات تكشف نوعيتها عن النية المبيتة للقيام بعملية تدمير كبرى، تسببت في عشرات الضحايا من بين أبنائي(…) ننبهكم لخطورة عواقب ذلك من أي ردة فعل مغربية قد تدمر الجزائر في رمشة عين، فمن أجل شرف بلدكم وشعبكم، أناشدكم أن تجنبوا المغرب والجزائر مأساة أخرى، وأطلب منكم كذلك إما أن تعملوا بحرب مكشوفة ومعلنة جهارا، وإما بسلام مضمون دوليا(…) إن الجزائر أصبحت عنوانا على التقلب وعدم الوفاء بالعهود». وفي خطاب ألقاه مباشرة بعد معركة أمغالا الثانية بتاريخ 15 فبراير 1976، لوح الحسن الثاني مهددا مرة أخرى بالقول: « أنتظر فقط أن تعلن الجزائر الحرب على المغرب [يقصد رسميا]». وهو ما نتج عنه عقد مجلس لقيادة الثورة في الجزائر وأصدر بيانا يرد على تهديدات العاهل الراحل، قائلا : « لا حرب مع المغرب من أجل البوليساريو، ولا سلم مع المغرب بدون البوليساريو .»، وتلا ذلك انسحاب القوات الجزائرية، التي كانت متوغلة داخل التراب المغربي، خوفا من التهديدات المباشرة من المغرب بالرد. وأخيرا جدا، كشف الجنرال خالد نزار وزير الدفاع الجزائري الأسبق في حوار لقناة جزائرية، بأن تسليح الجزائر كان ضعيفا جدا خلال عقد السبعينيات ولا قدرة كانت لديها بالتالي على خوض أية حرب. خلاصة القول، إن كرونولوجيا المواجهات الحربية المباشرة وغير المباشرة بين المغرب والجزائر، منذ استقلال هذه الأخيرة مطلع ستينيات القرن الماضي، لم تمنح أي تفوق في الميدان للجيش الجزائري الذي تنقصه الاحترافية برأي الخبراء. ولعل نقص الكفاءة البشرية لدى الجيش الجزائري يمكن تلمسه بجلاء حتى اللحظة، من خلال استمرار تواجد بؤر إرهابية نشطة لتنظيم القاعدة في مناطق متفرقة من الجزائر. وهو نقص تحاول المؤسسة العسكرية في البلد الجار تعويضه بالتسليح المفرط. عبد الرحمان مكاوي *: أي حرب بين المغرب والجزائر ستكون على شاكلة الحرب العراقية الإيرانية قال إن الجيش الجزائري حشد أزيد من خمسين ألفا على الحدود المغربية – هل يشكل الاستنفار العسكري على الحدود مؤشرا على عمليات عسكرية محتملة؟ أولا لا أستغرب ولا أتفاجأ من الأخبار الآتية من المنطقة العسكرية الثالثة حول مناورات تم تنظيمها بين الجيش الوطني الشعبي الجزائري ومليشيا البوليساريو وهذه المناورات كانت منذ الإعلان عن الجمهورية الوهمية. فالمناورات كانت إما سرية أو علنية كما شهدنا ذلك في المرحلة الأخيرة، وقد تكون كذلك نظمت مع الدرك والشرطة والجمارك الجزائرية حسب المعطيات المرصودة من طرف مراكز الدراسات العسكرية والاستخباراتية الغربية. والحقيقة التي يجب أن يعرفها المغاربة أن مليشيا البوليساريو ليست حركة تحررية تملك قرار الحرب والسلم بيدها، بل القرار في يد الدولة الجزائرية، بدليل أن هناك وثائق اطلعت عليها تعتبر أن البوليساريو يقوم بمساعدة للجيش الجزائري وساهمت ميليشياته في السابق وتساهم قي قمع الجزائري، واستعملت في مهاجمة مالي ضمن قوات أنصار الدين التي يقودها الطوارقي إياد غالي الذي يقطن في الوقت الراهن في ولاية تمنراست تحت حماية الجيش الجزائري. فخطاب قائد الناحية العسكرية الثالثة الذي أشرف على المناورات بين القبعات السوداء وهي قوات النخبة وكذلك مليشيا البوليساريو، الذي شتم فيه المغرب بجميع رموزه، يحيلنا على مجموعة من المؤشرات. – ما هي المؤشرات التي يمكن استنتاجها من خطاب قائد الناحية العسكرية الثالثة الذي هاجم خلاله المغرب؟ المؤشر الأول يتمثل في الانسداد السياسي العميق الذي تعيشه الجزائر حول خلافة الرئيس بوتفليقة، فالفرنسيون والأمريكان والروس قلقون من الأوضاع الداخلية في الجزائر، على اعتبار أنها مرشحة إما إلى انقلاب عسكري أو حرب أهلية على غرار ما يحدث اليوم في سوريا أو ليبيا أو اليمن أو انقسامها إلى دويلات وكل مراكز الدراسات العسكرية المختصة في الشؤون الجزائرية خائفة على مستقبل البلاد ومصالحها الاقتصادية الضخمة في قطاعي الغاز والبترول داخلها. أما المؤشر الثاني على قرب انفجار الوضع بين الجزائر والمغرب هو تفكيك مديرية الاستعلامات والأمن التي كانت تمثل المخابرات والتي كان يقودها الفريق محمد الأمين مدين، وبهذا التفكيك تكون قد انزلقت السلطة والحكم عن هذا الناظم الذي كان استمر متحكما منذ خلق الجزائر سنة 1958 من طرف الكولونيل عبد الحفيظ بوصوف المدعو ب»السي مبارك» وهو الأب الروحي للمخابرات الجزائرية. فلجنة التنظيم المسلحة هي التي خلقت الجيش الوطني الشعبي وهذا الأخير خلق الدولة الوطنية الجزائرية التي لم تكن موجودة جغرافيا ولا تاريخيا ولا سياسيا قبل 1962 تاريخ استقلال الجزائر، والجزائر سميت باسم الجزر الثلاث الصغيرة المقابلة للجزائر العاصمة حاليا والذي سماها بهذا الاسم هو الجنرال الفرنسي جوزيف شنيدر.والمؤشر الثالث يحيلنا على ما وقع في حرب الرمال، حيث نسج الرئيس المرحوم أحمد بنبلة ووزير دفاعه آنذاك هوراي بومدين ووزير خارجيتهم الشاب عبد العزيز بوتفليقة وهو مغربي الأصل اسمه الحقيقي عبد القادر لزعر، هذا الثلاثي جر المغرب إلى حرب بغية تلحيم المناطق الجزائرية، لأن الجزائر هي عبارة عن شعوب وقبائل. وصاحب نظرية المؤامرة ضد المغرب هو الكولونيل عبد الحميد بوصوف الذي بنى نظريتهم وعقيدتهم العسكرية على أنه كلما واجهت الجزائر مشاكل داخلية واقتربت من الانفجار الداخلي تحاول تصديرها إلى المغرب بالدرجة الأولى ثم إلى فرنسا بدرجة ثانية. – ما هي الوضعية العسكرية على الأرض اليوم؟ آخر الأخبار تفيد أن الجيش الجزائري حشد أزيد من خمسين ألف على الحدود المغربية، ويعيش نفيرا عاما وقد حرك الجيش الجزائري بعض الصواريخ البعيدة المدى من نوع س300 إلى منطقتي ركان وبشار، وآخر مؤشر لهذا الفخ الذي ينصب للشعب الواحد المغربي الجزائري هو تجييش المواطنين من خلال خطبة الجمعة الأخيرة التي طالبت من الجزائريين اليقظة والتجند ضد أعداء الجزائر وهذه أول مرة تتلى خطبة جمعة حماسية حربية في المساجد الجزائرية من الجانب الآخر المغربي فإن الجيش الملكي يعيش هو الآخر حالة يقظة واستنفارا عاما. وفي اعتقادي أنه يتابع ما يجري في الجارة الجزائر ومتيقظ لكل الفخاخ والألغام التي تزرعها قيادة فاشلة تحاول الالتفاف على مطالب الشعب الجزائري المغبون والمغلوب على أمره. وعلينا الزيادة في تقوية الجبهة الداخلية المغربية وعدم السقوط في السيناريوهات الخبيثة التي تنسجها بعض الأوساط، وبهذه المناسبة أنصح الجامعات المغربية ومراكز الدراسات بإنشاء وحدات للبحث في الشأن الجزائري سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية، لأننا نعيش نقصا كبيرا في معرفة ما يجري عند إخواننا الجزائريين ونكتفي بردود الفعل ليس إلا، كما نطالب بفضح عناصر الطابور الخامس التي تتحرك وسطنا بكل حرية لضربنا من الخلف – ما موقف القوى العظمى مما يحدث بالمنطقة؟ الدول القوية تتابع الوضع في الجزائر بعد أن سكتت عنه لحماية مصالحها الاقتصادية وبدأت تعبر عن ما يجري في الجزائر، وأن هذا الانسداد السياسي الداخلي ستنتج عنه عواقب وخيمة في المنطقة كالحرب على المغرب أو الانقلاب أو الحرب الأهلية. هذه الدول تعيش أزمة اقتصادية وتحاول تهدئة الأوضاع بدليل أن وزير الخارجية الفرنسي تحرك بسرعة إلى الجزائر وتبعه رئيس الوزراء، كما أن الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال من المتوقع أن يزور روسياوالولاياتالمتحدة لترتيب البيت الداخلي وهذه التحركات تأتي بعد التطورات الأخيرة التي عرفتها المنطقة. وأعتقد أن أبريل سيكون شهر التوتر والمتابعة والحيطة والوقوف خلف الجيش الملكي في كل مغامرة قد يدفعه الجيش الجزائري إليها، لأن قضية الصحراء أصبحت موضوع جدال داخلي بين قادة النواحي العسكرية الثمانية وقيادة الجيش والسياسيين الجزائريين، لأن لكل واحد من هؤلاء الفاعلين أجندته وطموحاته وكذلك مغامراته. – ما هي خطورة أي عمل عسكري على المنطقة؟ أي حرب قد نعطي إشارة انطلاقها لا يمكن أن نعرف قوة تدميرها ونحن نتمنى أن لا تسيل أي قطرة دم من الشعبين المغربي والجزائري. أما بخصوص ميزان القوى فأعتقد أن ميزان القوى متكافئ رغم التسلح الجزائري الكبير الذي يتفوق علينا من ناحية الكم، إلا أن المغرب لديه أسلحة نوعية سواء الجوية أو البرية أو البحرية. ويجب أن نستحضر كذلك أن الجيش الجزائري معنوياته منخفضة وتنخره الرشوة و«الحكرة» و«الزطلة» ونحن نتابع أن الإرهاب يتجول بكل حرية في الجنوب الشرقي للبلاد. وأي حرب قد تندلع بين المغرب والجزائر ستكون على شاكلة الحرب العراقية الإيرانية التي دامت لثماني سنوات وسيكون ضحيتها الشعبان وعلينا تشجيع البحث العلمي في الشؤون الجزائرية، لأننا نعاني في نقص كبير في المعطيات.