ح. أبروك- ع. بلشكر- ع. الجزوري بعيدا عن أعين السياسيين والنقاش العمومي في المؤسسات التشريعية، يتجه المغرب والجزائر في صمت إلى سباق محموم نحو التسلح. ورغم التكتم الذي يخيم على صفقات السلاح التي يبرمها البلدان، فإنه في كل سنة تصدر تقارير دولية متخصصة تكشف حجم صفقات السلاح، والميزانيات التي تخصص لها. المراقبون يعتبرون أن هناك أسبابا نفسية وتاريخية واستراتيجية جعلت الجزائر تخوض سباق التسلح وتبعها المغرب في ذلك. فمنذ حرب الرمال سنة 1963، التي هزم فيها الجيش المغربي نظيره الجزائري وحربي أمغالا الأولى والثانية التي أسر فيها عدة جنود جزائريين وقتل آخرون، فضلا عن موقف الجزائر من قضية الصحراء، أصبحت هناك عقدة لدى جنرالات الجزائر تجاه المغرب، وباتوا يستغلون الموارد النفطية من أجل تكديس مزيد من الأسلحة، خاصة من دول في أوربا الشرقية وخاصة روسيا. فخلال أربع سنوات، ما بين 2010 و2014، انخرط المغرب في السباق مع الجزائر، واقتنى 2 في المائة من صادرات السلاح في العالم، واحتل الرتبة 13 عالميا ضمن الدول المستوردة للسلاح. لكن الجزائر كانت في مراتب أكثر تقدما، مستفيدة من مداخيل مواردها النفطية، فقد حصلت خلال الفترة نفسها على 3 في المائة من صادرات سلاح العالم، محتلة الرتبة 11 عالميا. هذه المعطيات كشفها تقرير معهد ستوكهولم الذي صدر هذا العام، والذي توقف عند سباق التسلح المغربي الجزائري. وتعد الجزائر أول مستورد للسلاح في إفريقيا ب30 في المائة، متبوعة بالمغرب ب26 في المائة، ثم السودان ب6 في المائة. وعلى سبيل المقارنة بين المغرب والجزائر من حيث الارتفاع الصاروخي لنفقات السلاح، فإنه ما بين 2005 و2009 ثم 2010 و2014، عرفت واردات الجزائر من السلاح ارتفاعا ب3 في المائة مقارنة بواردات المغرب، رغم أن المغرب ضاعف وارداته من الأسلحة ب11 مرة خلال تلك الفترة. وفي التقرير الأخير لمعهد «غلوبال فاير باور» الأمريكي، فإن ميزانية الجزائر الموجهة لاقتناء الأسلحة وصلت إلى أزيد من 10.5 ملايير دولار، في حين وصلت ميزانية المغرب إلى أزيد من 3.5 ملايير دولار. هناك عدة أسباب تفسر لجوء المغرب والجزائر إلى التسلح، فمن جانب المغرب، فإنه منذ استرجاعه أقاليمه الجنوبية في السبعينات، يعتبر نفسه في حالة حرب مع جبهة البوليساريو، التي تهدد من حين لآخر بالعودة إلى السلاح رغم اتفاق وقف إطلاق النار في بداية التسعينات. وحسب محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، فإن استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية تجعله دائما في حالة استعداد للدفاع عنها ومواجهة أي تهديدات، لكن إضافة إلى ذلك فإن التحديات المرتبطة بالإرهاب تجعل المغرب يكرس جهوده لتقوية قدراته العسكرية. أما من جانب الجزائر، فإن لجوءها المحموم إلى التسلح يفسر، حسب بنحمو، ب«العقيدة العسكرية الجزائرية»، المبنية على معاداة المغرب واعتباره «عدوا مثاليا». وفي خلفية هذه العقيدة، فإن هناك عدة عقد تاريخية، مثل حرب الرمال وحربي أمغالا، وهواجس الجزائر بأن تكون القوة الإقليمية في المغرب العربي، وسعيها غلى استنزاف المغرب بسباق التسلح مستغلة مداخيلها النفطية مقابل ضعف ميزانية المغرب، ما من شأنه أن يشغل هذا الأخير عن التنمية ويخلق توترات اجتماعية. فهل تؤثر النفقات الكبيرة للجيش الجزائري على التسلح على التوازن الاستراتيجي مع المغرب؟ حسب عبد الرحمان مكاوي، الخبير في الشؤون العسكرية، فإن النفقات الكبيرة للجزائر على التسلح لا تعني تفوقها على المغرب. ويعتبر مكاوي أن قوة الجيش المغربي تعتمد على أربع نقاط رئيسة هي: التكوين العسكري والأسلحة النوعية، والقيادة العسكرية الحكيمة التي تتحكم في تحرك القوات، والدعم الشعبي، «وبالتالي، لا يمكن القول بأن الميزانية وكمية السلاح ونوعه لوحدها تحدد قوة الجيش»، مستشهدا بتفكك الجيش السوري في «الحرب الأهلية» ببلاده، وانهيار الجيش العراقي أمام التنظيم الإرهابي «داعش» رغم توفره على أحدث الأسلحة. لكن هل يمكن أن نشهد في يوم من الأيام حربا مباشرة بين المغرب والجزائر، يوجه فيها البلدان أسلحتهما إلى بعضهما البعض؟ وما هي سيناريوهات هذه الحرب؟ الخبير محمد بنحمو يستبعد الحرب بشكل كبير، مبررا ذلك بثلاثة أسباب؛ أولا، أي مواجهة سيكون فيها الطرفان معا خاسرين. ثانيا، لا يمكن لأي طرف أن يجازف بالمواجهة، لأنه لا أحد لديه القدرة على مواجهة تبعات الحرب. ثالثا، إذا وقعت الحرب بين البلدين، فإنها ستكون قصيرة جدا ومحدودة في المكان ولن تتجاوز مدتها أسبوعا لأن المنتظم الدولي لن يسمح بذلك. وفضلا عن ذلك، فإن المعطيات الجيوسياسية المبعثرة في المنطقة والتهديدات الأمنية الخطيرة لا تحتمل مواجهة من هذا الحجم، ولهذا، فإن القوى الكبرى، خاصة الولاياتالمتحدة وفرنسا، لن تسمح بنشوب حرب تكون لها تبعات خطيرة على المنطقة. ومع أن احتمالات نشوب الحرب ضئيلة، فإن السباق نحو التسلح متواصل، ومصادر السلاح متنوعة، سواء من أوربا أو أمريكا أو روسيا أو حتى إسرائيل. ففي تقرير رسمي بريطاني صدر حديثا (department for business and innovation and skills)، فإن إسرائيل تبيع، منذ أكثر من خمس سنوات، معدات وتجهيزات عسكرية متطورة للمغرب والجزائر ومصر والإمارات العربية المتحدة وباكستان، وهي تجهيزات عسكرية إسرائيلية تحمل ترخيصات بريطانية. كما سبق لصحيفة «هآريتس» الإسرائيلية أن كشفت تزويد شركات إسرائيلية للمغرب بأنظمة إلكترونية وشاشات لتجهيز طائرات «إف 16» التي سبق أن اقتنتها الرباط من الولاياتالمتحدةالأمريكية، فضلا عن تجهيزات إلكترونية متطورة تمنح ربابنة الطائرات الحربية إمكانيات الحصول على معلومات حول ظروف الطيران ودقة طائرات «إف 16» في تنفيذ العمليات الحربية الجوية. الجزائر تعد، بدورها، زبونا مهما للصناعة العسكرية الإسرائيلية التي حصلت على ترخيصات لتزويدها بأنظمة متطورة لرادارات للاتصال وللطيران، ومكونات إلكترونية لطائرات بدون ربان جزائرية، وتجهيزات متطورة جدا تساعد على الرؤية في الليل لفائدة المروحيات الجزائرية. الجزائر والمغرب في مقدمة مستوردي السلاح الأوربي احتلت الجزائر المرتبة الرابعة في قائمة الدول العربية الأكثر استفادة من صفقات السلاح مع دول الاتحاد الأوربي بقيمة استيراد بلغت 2.8 مليار أورو. وحسب دراسة أعدها معهد السلام البلجيكي ببروكسيل، نشرت بداية 2015، فإن صادرات الأسلحة من دول الاتحاد الأوربي نحو الدول العربية بلغت، في السنوات الست الأخيرة، حوالي 50 مليار أورو، احتلت فيها الجزائر المركز الرابع في قائمة الدول العربية المستفيدة من صفقات السلاح الأوربي. السعودية تقدمت من حيث استيرادها السلاح الأوربي ب15.3 مليار أورو، متبوعة بالإمارات (7 ملايير أورو)، وسلطنة عمان (4.7 ملايير أورو)، والجزائر (2.8 مليار أورو)، ثم المغرب (2.3 مليار أورو)، ومصر (1.2 مليار أورو). المثير أن التقرير البلجيكي توقف عند ملاحظة مفادها أن صادرات الأسلحة من دول الاتحاد الأوربي نحو الدول العربية لم تتأثر بأحداث الربيع العربي، بل إن الاتحاد الأوربي خفف شروط صفقات الأسلحة لهذه الدول. الجيش المغربي «الأكثر مهنية» حسب تقرير فرنسي في تقرير أعدته لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ الفرنسي وتم تقديمه في نونبر من السنة الماضية، تم وصف الجيش المغربي ب«الأكثر مهنية» في المغرب العربي. وحسب المصدر نفسه، فإن حالة التوتر التي وصفها ب«السلم الساخن» مع الجارة الجزائر والوضع الأمني في الساحل يشكلان أبرز التهديدات التي تجعل المغرب حريصا على تطوير جيشه، مشيرا إلى حرص الجيش المغربي على المشاركة في عمليات حفظ السلام الإقليمية تحت مظلة الأممالمتحدة، حيث شارك إلى جانبها في الكونغو ب877 عسكريا، والكوت ديفوار ب724 عسكريا. ويخصص المغرب 3.5 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي للنفقات العسكرية، وهو ما يعادل، حسب المصدر نفسه، 3.3 ملايير دولار سنة 2011، حيث صار المغرب في الرتبة 25 من بين مستوردي الأسلحة في العالم خلال الفترة ما بين 2007 و2011، بعدما كان يحتل المركز 51 من بين مستوردي الأسلحة خلال الفترة ما بين 2002 و2006. التقرير الفرنسي يشدد على «مهنية» الجيش المغربي، بل واعتباره «الأكثر مهنية» من بين جيوش المغرب العربي، وذلك منذ إلغاء التجنيد الإجباري، حيث وصل عدد الجنود سنة 2011 إلى 200 ألف رجل، بالإضافة إلى 150 ألف جندي احتياطي، ينضاف إليهم 30 ألفا من القوات شبه العسكرية والقوات المساعدة. في المقابل، وبخصوص الجزائر، يوضح التقرير أن «المجهود الحربي والعسكري الجزائري ضخم وغير مسبوق ويتجاوز التهديدات القائمة، بل يدخل في إطار استراتيجية الجزائر لتصبح قوة إقليمية»، ولذلك تعرف نفقات الجزائر العسكرية ارتفاعا واضحا تجاوز 44% خلال العشرين سنة الأخيرة، حيث وصلت تلك النفقات إلى 9.3 ملايير دولار سنة 2012، وهو ما يفوق 4 في المائة من الناتج الداخلي الخام، لتحتل بذلك المركز السابع من بين مستوردي العتاد العسكري التقليدي، خلال الفترة ما بين 2007 و2011. وبينما يحرص المغرب على تنويع مزوديه بالأسلحة، تعتبر روسيا المزود الرئيس للجزائر بالأسلحة بنسبة 90%. ومع ذلك يوضح التقرير أن معظم مقتنيات الجزائر من الأسلحة، خاصة أنظمة الدفاع البحرية والجوية، «لا علاقة لها بمكافحة الإرهاب»، الذي يعتبر الخطر الأكبر الذي يهددها. وفي سياق متصل، يوضح المصدر نفسه أن المغرب محصن أكثر من المشاكل التي قد تسببها الفوضى الأمنية في المنطقة الإقليمية، كما أنه أقل عرضة لخطر الإرهاب. وعن مكونات الجيش الجزائري، يوضح تقرير مجلس الشيوخ الفرنسي، أنه مكون أساسا من القوات البرية التي يصل عدد أفرادها إلى 127 ألفا، و14 ألف فرد في القوات الجوية، بالإضافة إلى ستة آلاف في القوات البحرية و187 ألف رجل في القوات شبه العسكرية، تنضاف إليهم «قوة النخبة» المكونة من 1200 عنصر، وقوات الدرك الوطني التي يصل عددها إلى 20 ألف فرد، وقوات الأمن الوطني المكونة من 16 ألف رجل. التقرير الذي ركز على النزاع المغربي الجزائري وسباق البلدين نحو التسلح، بسبب التوتر التاريخي الذي يطبع علاقاتهما، شدد على ضرورة التنسيق والتعاون بينهما لمواجهة مختلف التهديدات التي تواجه المنطقة، وعلى رأسها التهديد الإرهابي. «تعاون جيوش البلدان المغاربية، بما فيها القوتان العسكريتان الأكبر في المنطقة (المغرب والجزائر)، هو ضرورة لا شك فيها»، يقول التقرير، الذي يوضح أن التعاون بين الجيشين المغربي والجزائري «شبه معدوم»، مشددا على ضرورة إيجاد وتطوير وسيلة للتنسيق بين البلدين. المغرب خلف الجزائر ب22 رتبة حسب تقرير أمريكي حقق الجيش المغربي تقدما كبيرا في المجال العسكري، حسب تقرير حديث لموقع «غلوبال فاير باور» الأمريكي لأقوى الجيوش في العالم، حيث احتل الرتبة 49 عالميا سنة 2015، بعدما كان يحتل المركز 65 في تقرير سنة 2014، أما الجيش الجزائري فهو في الرتبة 31 عالميا. وحسب التقرير، فإن الجيش المغربي يتميز باعتماده على «مزيج من المعدات القديمة والحديثة، إلى جانب توفره على مئات الآلاف من القوة العاملة النشطة وكذلك الاحتياطية». أما الميزانية المخصصة للجيش المغربي فتصل إلى 3.4 ملايير دولار، في حين يفوق عدد الجنود 195 ألفا، إلى جانب 150 ألف جندي احتياطي، مع العلم أن عدد المغاربة الذين يصلون سنويا إلى سن الخدمة العسكرية يصل إلى 598.693 شخصا. وقدم الموقع الأمريكي الشهير مجموعة من المعطيات التي تم الاعتماد عليها في تصنيف المغرب في الرتبة 49 عالميا، والتي تهم القوة العسكرية البرية والبحرية والجوية، من بينها توفر المغرب على 1215 دبابة، و448 مدفعا ذاتي التشغيل، و2348 مدرعة قتالية «AFVs»، بالإضافة إلى 282 طائرة مقاتلة، و38 من الطائرات المهاجمة ذات الأجنحة الثابتة، و125 طائرة هليكوبتر، و121 سفينة حربية، وست فرقاطات. في الجانب الآخر، حلت الجزائر في الرتبة الثانية عربيا والسابعة والعشرين عالميا. وتتفوق الجزائر، انطلاقا من هذا التقرير، بالميزانية التي ترصدها للنفقات العسكرية، حيث تصل إلى 10 ملايير و570 مليون دولار، أي ما يفوق ثلاثة أضعاف الميزانية التي يخصصها المغرب للقوات العسكرية، وهو الأمر الذي يقلل من أهميته محمد شقير، الخبير في الشؤون العسكرية، الذي يؤكد أن «التسلح لا يعكس بالضرورة القوة الحقيقية للجيش»، مشيرا إلى دول الخليج التي «تصرف ملايير الدولارات على الصفقات العسكرية، ومع ذلك تبقى جيوشها في مراتب متراجعة مقارنة بدول أخرى في المنطقة»، حيث يوضح أن «التسابق على التسلح تدخل فيه اعتبارات كثيرة، منها طبيعة النظام الحاكم». وسبق للوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة، المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، أن اعتبر، خلال تقديم الميزانية الفرعية للدفاع أمام لجنة الخارجية والدفاع والشؤون الإسلامية بمجلس النواب في السنة الماضية، أن قال إن الفرق الكبير بين المغرب والجزائر في الميزانية المخصصة للجيش «لا يعني أن الجيش المغربي أقل من حيث القدرات من نظيره الجزائري»، موضحا أنه «رغم الفارق الموجود في الإمكانات المالية، فإن الجيش المغربي يتمتع بقوة كبيرة من حيث التكوين الذي يخضع له ضباطه وجنوده، بالإضافة إلى طبيعة الاتفاقيات والصفقات التي يبرمها المغرب في مجال التسلح، حيث لا يعتمد المغرب على مصدر واحد للسلاح، بل ينوع مصادره. وبلغة الأرقام، وحسب المعطيات التي قدمها موقع «غلوبال فاير باور»، فإن الجيش الجزائري يتكون من 512 ألف جندي و400 ألف آخرين احتياطيين. وبخصوص العتاد العسكري، تتوفر الجزائر على 975 دبابة، و1898 مقاتلة مدرعة، و448 طائرة مقاتلة، و35 طائرة هليكوبتر، و60 سفينة حربية. ويعتمد التقرير الأمريكي على 50 معيارا لتحديد ترتيب الدول في تصنيف أقوى الجيوش في العالم، من بينها، إلى جانب العتاد العسكري وعدد الجنود، الموقع الجغرافي والوضع الاقتصادي، ومدى التوفر على المصادر الطاقية والنفقات التي تتحملها الدولة لاستيرادها في حال عدم توفرها.