(إن الذاتية حاضرة لأن كلا منا له تمثلات وزاوية نظر شخصية مهما كان حريصا على الموضوعية. هذه الأفكار قابلة للنقاش، وخاصة في قطاع معقد ومتحرك مثل التعليم). إصلاح التعليم: مسلسل مستمر ومتواصل من المخططات والبرامج والعمليات الهادفة إلى تطوير التعليم وتحديثه للرفع من جودته ونجاعته، من أجل مواكبة التنمية الشاملة والمستدامة سريعة التحول بتأهيل الموارد البشرية القادرة على التكيف والاندماج بكفاءة وذكاء في المشروع المجتمعي. ويكتسي تقويم الإصلاح أهمية قصوى في محطات متوسطة وبعيدة المدى لإكسابه المرونة اللازمة لمواكبة الإنجاز، مع التنبيه إلى أن مخرجات المخطط الإصلاحي تتمثل في مسار أفواج المتمدرسين خلال معدل عشرين سنة (من ولوج التعليم الأولي إلى الجامعة)؛ وهي مرحلة تتسم بمتغيرات ومستجدات متسارعة ومتلاحقة وضغوط العولمة والجهات الممولة كثيرا ما تجعل اختياراتنا المدخلية متجاوزة لا يخفف من مؤثراتها السلبية غير مؤهلات التكيف عند المتخرجين كما أسلفنا. لذلك يتجه بعض المهتمين إلى الإقرار بفشل الإصلاح بينما يترك كل مخطط إصلاحي ما يشكل دعامات ومرتكزات وثوابت تفيد في المخطط الموالي. ونسوق بعض الأمثلة من سيرورة النظام التعليمي المغربي: -اللجنة العليا للتعليم سنة 1957 أقرت المبادئ الأربعة للتعليم: المغربة والتوحيد والتعميم والتعريب - اللجنة الملكية لإصلاح التعليم سنة 1958 أقرت إجبارية التعليم ومجانيته وتوحيد المناهج والبرامج؛ وهو ما أكده المجلس الأعلى للتعليم سنة 1959. - مناظرة المعمورة أبريل 1964: التأكيد على تطوير آليات المغربة والتعريب والتوحيد والتعميم. - مناظرة إفران الأولى سنة 1970: تطوير التعليم العالي والتكوين المهني. - مناظرة إفران الثانية سنة 1980: دراسة آثار اعتماد التقويم الهيكلي على السياسة التعليمية. - اللجنة الوطنية للتعليم سنة 1994: عودة إلى آثار التقويم الهيكلي على التعليم. نخلص إلى أن الإصلاح لا يتوقف إلا بتوقف الحياة، ولكنه يتضمن مؤشرات قابلة للقياس تمكننا من تدارك الاختلالات في اللحظة المناسبة. مثلا، إذا رجعنا إلى مبدأ تعميم التعليم نلاحظ أننا لم نحقق بعد النسبة المطلقة، خاصة في الوسط القروي، لأن التعليم لم يكن دائما من أولويات بعض الجماعات المحلية، خاصة في غياب الدعم والتأطير. ويتفرع عن تعميم التمدرس مشكل خطير هو الهدر المدرسي، الذي ينبغي أن يحظى بالاهتمام البالغ من طرف المؤسسات والمجتمع بمكوناته كلها ومعالجته بمقاربة شمولية بيداغوجية واجتماعية، فنعطي لمصطلح "الفرص الدائمة" دلالته الفعالة وتحقيق تكافؤ الفرص لجميع الأطفال المغاربة. وإذا رجعنا إلى قضية التعريب فإن الارتباك راجع إلى عدم الحسم في لغة تدريس المواد العلمية. وكان من الممكن أن نكون قد تجاوزنا هذا المشكل منذ حصولنا على الاستقلال لولا تباين رؤى ومصالح المتدخلين في القرار. أخيرا تم اتخاذ قرار الرجوع إلى الفرنسية لغة لتدريس العلوم. فليكن ولنفكر منذ الآن في تهييء تلاميذ الثانوي الإعدادي ولم لا الابتدائي للاستئناس بالمصطلح العلمي باللغتين قبل التحاقهم بالثانوي التأهيلي. وإذا تطرقنا إلى المغربة فالمبدأ تحقق كليا لكن على حساب الجودة من حيث تكوين الأطر. لقد مرت الوزارة بمراحل خصاص كبير في أطر التدريس إذ لم يكن عدد خريجي مراكز التكوين كافيا لسد العجز، فلجأت إلى توظيف المجندين والعرضيين دون تكوين سابق، الأمر الذي أثر سلبا على مستوى التدريس. واتسم تدبير الموارد البشرية بكثير من الاختلالات، وفي مقدمتها الانفراد بالقرارات على الصعيد المركزي، خاصة في ما يتعلق بتعيين الخريجين الجدد والحركات الانتقالية، دون الالتزام أحيانا بالضوابط التي وضعتها الوزارة نفسها. ولأخذ صورة عن التسرع في اتخاذ بعض القرارات (لإرضاء بعض التدخلات أو رضوخا لبعض ذوي النفوذ) أشير إلى نوعين من الحالات عانيت منهما الكثير يوم كنت نائبا للوزارة في أحد الأقاليم: الشاغر. 1) تعيين الخريجين الجدد في مؤسسات حضرية تعرف فائضا في عدد المدرسين بينما تعاني مؤسسات في حزام المركز أو الوسط القروي من الخصاص. وكان من الصعب إقناع المدرس الحامل لقرار تعيينه بالانتقال - ولو مؤقتا- لملء المنصب الشاغر. 2) نقل مدرسين لا يتوفرون على شروط الانتقال إلى المراكز الحضرية، حيث الفائض على حساب ذوي الاستحقاق. وكنا نرهق بالجلسات الحوارية مع ممثلي النقابات التعليمية لتعليل مثل هذه القرارات التي ليس لها سند قانوني. وكنا نقترح على المسؤولين في الوزارة آنذاك أن تنظم مباريات الالتحاق بمراكز التكوين بناء على مناصب معينة سلفا يتم التباري حولها ليلتحق الفائزون بها تلقائيا بعد تخرجهم. وبذلك نضع حدا لمشكل التعيينات والانتقالات. ولا يسعنا إلا أن نعبر عن الارتياح للقرار الجديد للوزارة الذي تبنى هذه الفكرة. إنه قرار بالغ الأهمية يضع لبنة أولى لترسيخ لا تمركز القرارات؛ لأن الإصلاح الفعلي هو الذي يتم من القاعدة إلى القمة وليس العكس. حينئذ فقط يمكن أن نتفرغ للأبعاد المحورية في الإصلاح: المناهج والبرامج والبيدغوجيات الإيجابية، وأن نعطي للمتعلم المكانة المحورية التي ينبغي أن يحتلها في النظام التربوي الذي وجد من أجله. *مدير سابق لمؤسسة جهوية للتربية والتكوين