بعد حصول المغرب على الاستقلال عرف العديد من محاولات الإصلاح التعليمي بدءا بالإصلاح المعروف بالمذهب التعليمي لسنة 1957 ومرورا بالإصلاح المرافق للمخطط الخماسي 1960/1964 ثم محطة المذهب التعليمي الجديد لوزير التعليم الدكتور بنهيمة سنة1966، ثم الاصلاح الذي انطلق سنة 1985 في إطار سياسة التقويم الهيكلي، وأخيرا الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي انطلق سنة 2000، فالبرنامج الاستعجالي 2009/ 2012 الذي وضع أساسا لاستدراك ما عرفته عشرية التربية والتكوين من تأخر في أجرأة بنود الميثاق الوطني؛ كما نظمت مناظرات ولقاءات متعددة حول المسألة التعليمية وعلى رأسها مناظرتي المعمورة وإفران سنتي 1964 و1986. ورغم تعدد المحاولات فإنها لم تحد كلها بشكل مباشر أو غير مباشر عن التحديات والإشكاليات الكبرى التي اعترضت قطاع التعليم غداة الحصول على الاستقلال، والتي تم الاتفاق على تأطيرها بالمبادئ الأربعة، التعريب- المغربة- التوحيد- التعميم، والتي ترتبت عليها إشكاليات مرتبطة بمستويات أجرأة هذه المبادئ، وما خلفه ذلك من اختلالات متعلقة بالجودة والحكامة والنجاعة والإنتاجية أصبحت مؤشراتها مثيرة للقلق وتهدد مردودية قطاع التعليم ومعه مستقبل البلاد. اليوم هناك سياق معين يعيد موضوع إصلاح التعليم إلى الواجهة، هذا السياق يؤطره سؤال المردودية الداخلية والخارجية لقطاع التعليم في جميع محطات الإصلاح بدءا من إصلاح 1957 من طرف اللجنة العليا لإصلاح التعليم إلى آخر إصلاح متمثل في الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999، واعتماد العشرية 2000 - 2010 إطارا زمنيا لتنفيذه وبرنامجا استعجاليا للاستدراك. كما يؤطره اعتماد دستور جديد حاول التحجيم نصا من بعض العوامل التي اعتبرت أسبابا غير مباشرة لضعف نجاعة منظومتنا التربوية، من قبيل سوء التدبير وضعف الحكامة وغياب ثقافة المساءلة والمحاسبة والمركزية المفرطة والفساد الإداري والمالي، وشكلانية المؤسسات التمثيلية والاستشارية كالبرلمان والمجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى للحسابات ومؤسسات المجتمع المدني في المساهمة في بناء القرار الوطني ، وعدم مأسسة دور المعارضة وعدم استقلالية القضاء. اعتقد أن هناك خيارات للإصلاح واقعية، منها «الإحساس بالانتماء للهوية ومعانقة لبقضية، وأمامنا نماذج عديدة، سواء تعلق الأمر بالتجربة اليابانية أو الهندية او الإيرانية..، ثم هناك البعد الاجتماعي المتمثل في وجود تفاعل مع بنية اجتماعية مشتركة، وما يقتضيه من محاولات إثبات الذات وأداء الواجب وصيانة الوحدة.من جهة أخرى، هناك البعد الثقافي المتمثل في وجود فارق بين ثقافة الآخر وثقافة الأنا والسعي لإثبات صوابية الاختيارات، والبعد السياسي، من خلال تحقيق استقلالية القرار السياسي وتمحوره حول مصلحة الوطن، بالإضافة إلى البعد الاقتصادي، عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي والإقلاع الاقتصادي باعتبار التعليم رافعة أساسية لتحقيق التنمية. والمطلوب أيضا تشكيل هوية للشخصية الوطنية المتمتعة بالاستقلالية والمنهجية في التفكير، والثقة في النفس والندية مع الآخر، وحب العمل والغيرة على الوطن والاستقامة الخلقية، واخيرا تغليب المصالح العليا للوطن على غيرها من المصالح السياسية والنقابية والخاصة. ومن خلال المسار التاريخي للإصلاحات يمكن استنتاج الخلاصات التالية: - استمرار النقاش في المبادئ الأربعة في مختلف المحطات ولو بشكل ضمني. - غياب الاستمرارية وسيادة منطق القطيعة بين إصلاح وآخر؛ والتسرع والتردد والارتجال طبعا السياسة التعليمية طوال محطات الإصلاح. - حصول المغرب على الاستقلال في ظل الاستمرار وليس القطيعة مع المستعمر بات أساس التباين السياسي بين الفرقاء حول شكل الدولة وطريقة تسييرها، وعدم الالتقاء حول قواسم مشتركة تترجم في مشروع للمجتمع كل ذلك كان سبب الاختلاف حول قضية التعليم، وزكى ضعف الانخراط واللامبالاة؛ بل جعل القضية موضع مزايدات إيديولوجية وسياسية مما أدى إلى تراجع المد الإيجابي لانخراط الكفاءة الوطنية ومشاركتها لصالح المواقف السلبية خاصة بعد الأزمات السياسية التي عرفها المغرب منذ حكومة الوفاق الوطني إلى الآن وأساسا فيما يتعلق بمبدأ التعريب مما ساهم في تكريس ضعف مساهمة الكفاءة الوطنية. - نظرا للحماس المرافق للاستقلال عرف تنزيل بعض المبادئ أخطاء منهجية فمبدأ المغربة على سبيل المثال عرف نوعا من عدم الموازنة بين الكم والكيف ( واقع أعداد المدرسين والحاجيات الملحة للتعليم) وبين تحقيق المغربة والحفاظ على الكيف (مشكل تكوين الأساتذة) مما أثر على جودة المنتوج بالمقارنة مع فترة الاستعمار خاصة في المواد العلمية وأدى لبعض التراجعات حتى على مستوى التعريب مما جعل التسرع والتردد والارتجال يطبعان السياسة التعليمية على هذا المستوى. - التخبط في تطبيق مبدأ التعريب في جميع أسلاك التعليم ساهم في تعميق الازدواجية والإحساس بالدونية باعتبار التعريب والمغربة وجهان لعملة واحدة. - خطة الميثاق الوطني خضعت أكثر لمنطق التراضي والتوافق بين الفرقاء على حساب الشروط العلمية ومقتضيات وشروط نهضة الأمم خاصة في المسألة اللغوية حيث كرست استمرار إشكالية المسألة اللغوية سواء تعلق الأمر بلغة التدريس أو تدريس اللغات من خلال عدم الحسم النهائي في مسألة التعريب - باقتراحها فتح مسالك للتعليم العلمي والتقني بالعربية في الجامعات بالتوازي مع العودة للتعدد اللغوي في تدريس العلوم والتقنيات في الثانوي - والأولوية في اللغات الأجنبية. - تسجيل نكوص حاد في البرنامج الاستعجالي على مستوى المغربة والتعريب؛ إذ تمت العودة للاعتماد على العقل الأجنبي واللغة الأجنبية على أعلى المستويات من خلال : - عدم إحداث أ كاديمية اللغة العربية التي ستتكلف بمهام الترجمة المعرفية خاصة. - الاعتماد على مكاتب دراسات أجنبية في التشخيص والتتبع والتقويم وتهميش الكفاءة الوطنية. - الاعتماد على مكتب دراسات أجنبي في اختيار المقاربة البيداغوجية ومقتضياتها من مراجعة الكتب والطرائق وتدبير الزمن ونظام التقييم . - تفريغ مبدأ المغربة من محتواه فعوض. - عدم تركيم أدبيات ونماذج تربوية وطنية على مستوى إصلاح التعليم. - المراوحة بين الجودة والتعميم مع تسجيل تحسن على مستوى التعميم خاصة في سلك الابتدائي وبالمقابل مردودية ضعيفة للنظام التربوي. - ضعف الثقافة التشاركية مما أدى إلى انخراط ضعيف للأطر في الإصلاح. - ضعف ثقافة الحق والواجب والمساهمة السلبية للفعل النقابي على هذا المستوى. - استبعاد التعليم الأولي عمليا من دائرة الاهتمام عدا محطة الميثاق الوطني للتربية والتكوين. - شبه غياب لثقافة المساءلة والمحاسبة من خلال الإضعاف المتعمد لملف التقويم والهيئة المكلفة به. - نجاعة ضعيفة وعطالة متزايدة للخريجين بسبب عدم ربط المؤسسة التعليمية بسوق الشغل. - الهدر المدرسي في اتساع . - فقدان الثقة في المدرسة العمومية والإطار الوطني. - عدم قدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب الكفاءات الوطنية بعد إعدادها في العقدين الأخيرين من التجربة لكونه لم يتطور بالتناسب مع النمو الديمغرافي مما يفسر الاهتمام الباهت بالموارد البشرية وبالتكوين البيداغوجي. - الاشتغال بالمنطق القطاعي في تدبير الشأن العام وغياب التخطيط العقلاني المؤسس على وجود مشروع مجتمعي متكامل ومتفق عليه وعلى الرؤية المندمجة. - الإكراه المالي في تنفيذ مشاريع كل إصلاح باستثناء محطة البرنامج الاستعجالي.