مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    حقوق الضحايا ترفض التشهير وتطالب بحفظ كرامة ضحايا الاعتداءات الجنسية بالمغرب    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ينظمه المجلس الأعلى للتربية والتكوين .. هل بمقدور الحوار الجهوي فك طلاسم أزمة التعليم في المغرب؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 10 - 2014

كما هو معلوم، ينظم المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حوارا جهويا لتأهيل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، من 14 الى  30 اكتوبر الجاري في  16 لقاء جهويا لتحقيق جملة من الأهداف. وقبل التطرق لهذه الأهداف المسطرة كما جاءت في البلاغ الصادر عن المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، لابد من إعطاء لمحة عن الوضعية الحالية للمنظومة التعليمية والمراحل التي قطعتها العديد من الإجراءات والقرارات، وبعدها المقارنة الى أي حد ممكن تحقيق الاهداف التي سطرها المجلس عبر 16 لقاء جهويا في الجهات المكونة للمملكة.
إن الوضعية الحالية للمنظومة التعليمية تشكل في الواقع أزمة التعليم بالمغرب والدليل القاطع والذي لا يترك مجالا للشك هو الدخول المدرسي للموسم الحالي والمواسم الأخيرة. كيف يعقل ان تملأ الدنيا بشعارات في كل دخول مدرسي لا علاقة لها بالواقع المر الذي تعرفه منظومتنا التعليمية: لجودة المنتوج التربوي - ودعوة الجميع لذلك - جميعا من أجل دعم مدرسة النجاح» الى غير ذلك من الشعارات الرنانة التي تفتقد لاي معنى حقيقي وقبلها القرارات.
منذ سنوات ضرب منظومة تعليمنا فيروس خطير - أثر سلبا على المردودية العامة ، اذ لا يمكن بأي حال من الأحوال ان ينجح أي مشروع دون وضع ركائز متينة وقوية يبنى عليها ذات المشروع . ومن الركائز الاساسية التي كانت ستضمن انجاح اي مخطط ، هو العنصر البشري أي الموارد البشرية . ومع الاسف الشديد أصبح في السنوات الأخيرة يعاني من خصاص فظيع. وهو ما اعتبرناه فيروسا خطيرا، والمعروف انه عند الابتلاء بأي وباء تقوم الدنيا ولا تقعد للبحث عن الطريقة التي تمكن من القضاء عليه. إلا أن حكومتنا أغمضت عينيها واقفلت أذنيها وأبعدت عن مخيلتها أي مجهود من الممكن التفكير فيه للقضاء على داء فتاك اسمه الخصاص في الموارد البشرية. وبعبارة أصح، عملت على سلك سياسة تعميق المشكل عوض حله . فحتى بعض الموظفين الذين تم توظيفهم زمن الحكومة التي سبقتها بطريقة مباشرة لسد بعض الخصاص ما لبثت أن طردتهم شر طردة ، وهي في أيامها الاولى، وثم برزت الشرارة الاولى لفشل تدبيرها، وفي تأزيمها للعديد من القطاعات أهمها قطاع التعليم.
أيعلم الجميع ان هناك العديد من الاقسام عبر ربوع هذا الوطن مازالت تنتظر قدوم أحد أساتذتها ، ولحد كتابة هذه السطور هناك خصاص فظيع في أساتذة العديد من المواد الدراسية . وعلى سبيل المثال لا الحصر جهة الدار البيضاء، انطلق الموسم الدراسي 2015/2014 وهي تعاني من خصاص في الاساتذة، أكدت بعض المصادر انه قد يصل الى أكثر من 1000 استاذ واستاذة، بالاضافة الى الاداريين ، وطبعا تعمل الاكاديمية الجهوية لجهة الدار البيضاء كل موسم دراسي جاهدة للتغلب على هذا الوضع، وقد تسلك أحيانا طرقا غير تربوية لتدبير الشأن التربوي، حين تضطر الى اللجوء الى حذف مواد من بعض المستويات الدراسية، كمادة الفلسفة من الجذوع المشتركة. وأيضا مادة الترجمة - وحذف التفويج من المواد العلمية او نقص بعض الساعات في بعض المواد كالفرنسية بالمستوى الثانوي الاعدادي. هذه السنة ابتكرت بعض المؤسسات التعليمية العمومية مستوى الثانوي التأهيلي باتفاق مع بعض المفتشين بتحويل أساتذة مادة الإعلاميات الى أساتذة مادة الرياضيات «الرياضيات وما ادراك ما الرياضيات». فكيف يعقل ان يدرس استاذ الاعلاميات والذي درس هذه المادة لسنوات طوال مادة الرياضيات لتلاميذ وتلميذات السلك الثانوي التأهيلي؟ وهذا بعد ان استعانت وعلى غرار باقي الاكاديميات الجهوية ، بأساتذة التعليم الابتدائي الحاصلين على الإجازة ثم بعد ان تم تكليف بعض اساتذة التعليم الاعدادي بالتدريس بالثانوي التأهيلي.
اذن هل يمكن لاي وصفة أو مخطط او ميثاق ان ينجح في ظل وجود خصاص فظيع لأحدى اقوى الركائز التي تسبب نجاحه، الا وهي العنصر البشري.؟
الخصاص لا يقف او ينحصر في هيئة التدريس، بل تعداه الى الاطر الادارية: لكن هناك تخريجة توصلت لها الاكاديمية الجهوية لجهة الدار البيضاء الكبرى عبر نيابات وزارة التربية الوطنية، وهي تكليف احيانا بعض المدراء بتسيير مؤسستين في وقت واحد وموسم واحد علما بأن أصعب مرحلة هي مرحلة الدخول المدرسي، وخاصة الدخول المدرسي لهذا الموسم والذي صادف العمل بنظام «مسار» في التسجيل والمغادرة، والذي وجد العديد من المدراء صعوبة في التعامل مع هذا النظام الجديد. ضف الى ذلك صعوبة ولوج ما اصبح متداولا بين هيئة المديرين بالسيستيم و الحوض، وهو ما جعل ادارة المؤسسات تعرف ازدحاما واكتظاظا من طرف الاباء والأمهات. إما لطلب التسجيل او المغادرة ، وبطء هذه العملية جعل العديد من الادارات تتحول الى حلبات للمشادة والمواجهات الكلامية كادت احيانا ان تتحول الى مبارزة.
البنيات التحتية
من العار أن نتكلم عن البنية التحتية للعديد من المؤسسات التعليمية العمومية والنقائص الكبيرة التي تعاني منها في مدينة كالدار البيضاء في الالفية الثالثة، في الوقت الذي قطعت العديد من الدول كانت الى حدود الامس القريب من الدول الحديثة العهد بهذا المجال، اشواطا جد متقدمة، خصوصا وأن الدار البيضاء تعتبر قاطرة التنمية. اجل هناك مؤسسات تفتقد للعديد من المستلزمات خصوصا تلك التي توجد بمجال يغلب عليه الطابع الشبه قروي، بكل من نيابة مديونة ونيابة النواصر التي لوحدها تشغل 40 في المئة من مساحة تراب جهة الدار البيضاء، ومجالها الشبه قروي كبير جدا. وهي المعلومة التي غابت عن الوزير السابق للتعليم في حكومة بنكيران محمد الوفا ، حين تهجم على نائب وزارة التربية الوطنية السابق بهذا الاقليم، قائلا «الى ما عجبك حال انديك الى أسا الزاك» ! فقط لانه شرح لهذا الوزير ان نيابة النواصر تتوفر على مجال قروي. نعم من العيب أن تكون بالجهة مؤسسات لا ترتبط بشبكة الواد الحار . من العيب أن تعاني بعض المؤسسات من انعدام وجود مياه صالحة للشرب وأخرى تنقصها مرافق صحية.
التجهيزات
من غير المعقول وأنت تلج العديد من مؤسساتنا التعليمية وتجد نفسك داخل بناية تصلح لأي شيء إلا التربية والتكوين. من العار وأنت تمر بالقرب من الأقسام وتجدها بدون مصابيح أو نوافذها في حالة يرثى لها، أما سبورتها إن وجدت كاملة، فإنها تذكرك بالعقود البعيدة. أما الطاولات فكل واحدة تحمل من التعاليق والجمل والرسوم ما يجعلها تحفة للناظرين... وهناك من الأقسام من امتلأت جدرانها بمخطوطات بعيدة كل البعد عن المجال التربوي مدونة بخط العديد من التلاميذ. كان على المكلفين بتسيير مثل هذه المؤسسات أن يغيروا على الأقل وجهها بصباغتها، عن طريق ميزانية جمعية الآباء والأمهات، أو بعض المحسنين أو جمعيات المجتمع المدني أو حتى عن طريق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
جميعة دعم مدرسة النجاح
في إطار المخطط الاستعجالي الذي خصصت له الدولة أموالا طائلة صدرت مذكرة من الوزارة المعنية في الحكومة السابقة بتأسيس جمعية دعم مدرسة النجاح، يكون المدير هو رئيسها والمقتصد هو أمين المال وأعضاؤها من مجلس التدبير، ومنحتها الأكاديمية الجهوية سيولة مالية تقدر ب 50 ألف درهم كدفعة أولى في موسمها الأول، وأضافت لها مبلغ 35 ألف درهم في السنة الثانية. أي ما مجموعه 85 ألف درهم. هذا المبلغ دفع لما يقارب 770 مؤسسة تعليمية، ولاشك أنها مبالغ جد مهمة لو جمعت وصرفت في التجهيزات التي تنقص العديد من المؤسسات التعليمية، أو ملء النقائص التي مازالت تعاني منها البنية التحتية للعديد من المؤسسات التي مازال يطالها التهميش والنسيان بالمجال الشبه قروي، إلا أننا حين نتفقد المؤسسات التي استفادت من تلك المبالغ المهمة لا نجد ما يشد الىها الانتباه ، وكأنها غير موجودة نهائيا، وقد سبق للجريدة أن استفسرت في الموضوع بعض المديرين فكانت الأجوبة مختلفة، هناك من قام بشراء بعض الأجهزة للقاعة متعددة الاختصاصات «كالصونو» - أو جهاز تلفاز أو مكبر الصوت ، أو آلة ناسخة أو أشياء من هذا القبيل. وهناك من المديرين من لم يستطع صرف سنتيم واحد. ومازالت العديد من الأموال جامدة بحساب العديد من المؤسسات البنكية.
التقاعد النسبي
أثر التقاعد النسبي الذي استفاد منه أكثر من 800 أستاذ وأستاذة بجهة الدار البيضاء الكبرى على استقرار الدراسة في العديد من المؤسسات التعليمية بجهة الدار البيضاء، التي مازلنا نأخذها كنموذج حي وواقعي، حيث وصل في إحدى الثانويات التأهيلية بنيابة عين الشق إلى 22 حالة لوحدها، وهو رقم يصعب تعويضه، كما أحيل على التقاعد ما يقارب نفس العدد، لكن قرار حكومة بن كيران أعادهم الى العمل إلى نهاية الموسم الدراسي كإجراء يراد منه تقليص حدة الخصاص في الأطر التربوية، لكن في نفس الوقت أزم وضعية هؤلاء الأساتذة الذين وصلوا سن التقاعد، حيث هناك من وضع أسسا جديدة لحياته وبنى عليها أحلاما سرعان ما تبخرت بجرة قلم رئيس الحكومة وأتباعه ، ضاربا عرض الحائط بنفسية هؤلاء المتقاعدين المرغمين على متابعة عملهم الى نهاية السنة الدراسية الحالية، لكن تبقى كلها حلولا ترقيعية، لأن نهاية الموسم الدراسي الحالي على بعد أشهر معدودة، وبعدها ما العمل في غياب قرارات سياسية بالغة الأهمية تضمن ملء معاهد التكوين؟
أقوال بعض الباحثين في علوم التربية وعلماء الاجتماع
بعد فشل الميثاق الوطني للتربية والتكوين على مستوى التنزيل، جاء البرنامج الاستعجالي بغرض استدراك ما يمكن استدراكه. لكن المشكلة أنه بالرغم من الأموال الطائلة التي خصصتها الدولة لهذا الملف «أكثر من 40 مليار درهم»، فإن واقع منظومة التربية والتكوين المغربية بقي علي حاله، حول هذا الموضوع أكد الباحث السيكولوجي الأستاذ عبدالكريم غريب لمجلة عالم التربية، أنه في البداية يمكن القول إنه من الصعب بمكان الحكم على فشل البرنامج الاستعجالي، لأن المسؤولين عنه لم يستمروا حتى نهاية الزمن المحدد له، حيث بُتر مساره بمجيء الحكومة الحالية، وبالتالي لو استمر الاستدراك الذي كان المقصد الرئيس للبرنامج الاستعجالي، للاتاحة للباحثين والمتتبعين تقييمه ومحاسبة المسؤولين عنه، لكن الرياح جرت بمالا تشتهي السفن، حيث برز بغتة وزير لا علاقة له بالتربية والتكوين، فأتى على الأخضر واليابس وأحدث زوبعة داخل هذا المجال الحيوي، مما ترتب عن ذلك اختلال معرفي جديد لدى المهتمين بالشأن التعليمي وتشكلت غشاوة على الأبصار، لدرجة افتقد فيها التوجه والقبلة وتكسر كل شي، كأن منظومة التربية والتكوين ألحق بها زلزال عتي أفقدها كل المقومات والمكتسبات السابقة والحالية. وأعتقد أن الغشاوة سوف تزيد حدتها مع الوزارة الحالية، نتيجة التقوقع وانعدام التواصل وما يترتب عن ذلك من تدهور عميق في اصلاح هذه المنظومة. هذا إلى جانب اهتمام الوزارة الحالية بالجزئيات مع تغييب النظرة الضرورية لإصلاح منظومة التربية والتكوين المغربية».
وعن الخطب الملكية الأخيرة والتي تناولت الأزمة التعليمية والتي بدأت تنحو نحو نوع من النقد الشديد واللاذع احيانا للمنظومة ككل، وهل يتعلق الأمر بنقد للتعامل السياسوي مع الملف التعليمي أم أن الأمر أكبر من ذلك ويتجاوز التعاطي السياسوي الى نوع من الاستشراف لمغرب جديد، يلتحم فيه العلم والمعرفة والتربية؟ أكد الأستاذ الباحث في علوم التربية ذ. عبد الكريم غريب أن الخطب الملكية للراحل الحسن الثاني، كانت على الدوام مهتمة بشكل قوي بمنظومة التربية والتكوين، وخير دليل على ذلك أن اللجنة التي كلفت بصياغة مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، تشكلت في عهده، واستمر الملك محمد السادس على نفس المنوال، حيث واكب عن قرب المجرى الذي عرفه الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ولما تأكد من فشل ذلك التنزيل عاضده بميزانية ضخمة التي رصدت للبرنامج الاستعجالي. وبعدما لاحظه من ترد لهذا المجال الحيوي أصبح من الناقدين المتشددين للمسؤولين عن هذا القطاع. علما منه بأن فشل منظومة التربية والتكوين يقود حتما الى المزيد من تخلف المجتمع المغربي.
إزاء هذا الوضع للسير السيء للأداء الحكومي، لا يسعفنا في هذا الصدد تقديم تقييمات أو أحكام، بل الأنسب والملائم هو طرح بعض الأسئلة أو التساؤلات من أهمها.
- هل الحكومة تضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟ - هل المدبرون للشأن التعليمي ببلادنا يعتقدون بأن مهمتهم الأساس هي مصالحهم الشخصية عوض الوطنية؟ - هل اضمحلت قيم المواطنة لدى المدبرين للشأن المغربي؟ - هل حكومة جديدة تجد نفسها في فراغ، أي في غياب مشروع مجتمعي متوافق عليه مما يقودها إلى التخبط والعشوائية في تدبير الشأن المجتمعي؟
وأضاف الأستاذ عبد الكريم غريب «أن هناك أسئلة كثيرة يمكن طرحها بهذا الصدد ، وهنا تحضرني قولة شعبية مفادها «إن بناء واحدا يغلبه عشرات الهدامين».
بمعنى أن الملك محمد السادس الذي يتطلع الى تحديث المجتمع المغربي والدفع به الى الأمام، يواجه على مستوى الواقع المجتمعي من يسيرون في الاتجاه المعاكس لتوجيهاته. وأعتقد ان المشكلة تكمن في هذا الوضع المزري».
وحول الكتاب المدرسي وما يطرحه من اشكاليات للتلاميذ وآبائهم وحتى للكتبيين، أما على مستوى التلاميذ والاباء، فهم في بعض الأحيان لا يعثرون على الكتاب الذي تم إقراره بالنسبة لمنطقة ضمن نفس الجهة.
وبالنسبة للكتبيين فمساحة مكتباتهم أصبح لا يتسع مجالها لتعدد وتنوع الكتب في مختلف المواد والأسلاك التعليمية. في وقت تعددت الكتب بالنسبة لمادة دراسية واحدة. هذا التعدد يخلق العديد من المشاكل سواء للاباء او المدرسين او الناشرين. يقول الاستاذ عبد الكريم غريب: يقول المثل العربي «اذا أسندت الأمور لغير أهلها فانتظر الساعة» هذه القولة تحيلنا بالاساس على درجة ومستوى تأهيل بعض الموارد البشرية التي أنيطت بها مهمة تدبير ملف الكتاب المدرسي. ونوع تكوينها وتخصصها ، لأن الذي كان مسؤولا عن عملية تحرير الكتاب المدرسي كان تخصصه اللغة الفرنسية!؟ من هذا الوضع يتبين أن عامل التأهيل او الكفاءة كان مغيبا. الأمر الذي ينعكس سلبا على نوعية وجودة الكتاب المدرسي بالمغرب. لأن تعدد الكتب المدرسية في مادة معينة وبمستوى دراسي معين، من الأمور التي تبعث الاستغراب والتعجب. وحتى لو افترضنا، يضيف الاستاذ الباحث، ان ثلاثة أو أزيد من الكتب المدرسية قد حظيت بالقبول، فمن الأفيد والأنجع أن تتكلف لجنة مختصة ومؤهلة لتدمج بين تلك الكتب وتخرج على غرار ذلك كتابا واحدا في مادة معينة وبمستوى دراسي معين حتى تقدم من جهة كتابا مدرسيا يتسم بالجودة، ومن جهة أخرى نتفادى تعدد الكتب وكثرتها ومشكلة عدد النسخ التي ينبغي سحبها وعدم اثقال المكتبات بوفرة لا تتسع سعتها بتحملها . الى جانب هذا كله يؤكد المتحدث ان الكتاب المدرسي الحالي كما هو عليه يتم إعداده في عزلة تامة عن البيداغوجيا المتبناة، لأن بيداغوجيا الكفايات تتأسس بالدرجة الأولى على الكفايات المستعرضة. ولما يقوم كل فريق في اختصاص محدد اللغة الفرنسية والرياضيات بإعداد كتاب مدرسي في غياب مشاركة التخصصات الأخرى، فهنا يعني ان الكتاب المدرسي يسلك ما يصطلح عليه بالادراج والانفاق وليس مسلك ازالة الحواجز الاستعراضية وانفتاح المواد الدراسية بعضها على البعض الآخر، مما يقود الى التأهيل المأمول من بناء الكفايات المستعرضة التي تساعد المتعلمين والمتعلمات على الخلق والابداع. زد على هذا كله غياب الجامعة المغربية في الاشراف على الكتاب المدرسي. لأن المتعلم والمتعلمة اللذين يدرسان بالسلك الثانوي سرعان ما ينتقلان الى التعليم العالي من خلال كتب مدرسية لم تشرف عليها الجامعات المغربية.
المسار الاصلاحي للتعليم بالمغرب: المنطلقات والمرجعيات
في هذا الشأن أكد الاستاذ المصطفى الحسناوي باحث في علوم التربية وممارس بيداغوجي ، لمجلة عالم التربية، أن مسألة الاصلاح التعليمي بالمغرب، مسألة سياسية وليست تقنية: اي مجرد اصلاح في الادوات والبرامج وآليات التدبير الاداري. ان مستوى التعليم هو صورة معبرة عما وصل اليه تدبير الشأن العام بالمغرب. فالاصلاح يقتضي اولا فهم الواقع التعليمي وتشخيصه بناء على اتصال مباشر مع العاملين في الميدان، التواصل والحوار معهم. بحيث يكون تشخيص مشكلات الواقع التعليمي مبنيا على مشاركة ديمقراطية للمجتمع المدرسي... وتبني السياسة الجهوية.. فالاصلاح ليس مجرد تعليمات بيروقراطية مفروضة من الاعلى. وإنما هو انخراط واقعي عقلاني ووجداني في مشروع يتطلب اشراك الناس في المقررات والاستراتيجيات والسياسات، بحيث يصبح الإصلاح جزءا من تاريخية الذات التي تقاوم من أجل انجاحه. فالمراجعة السريعة لهذا المسار الإصلاحي تجعلنا نقف على المحطات الرئيسية التالية: اللجنة العليا للتعليم ( 1957) اصلاح التعليم الموروث عن الاستعمار «الهياكل والبرامج، والاطر» مع المناداة باعتماد المبادئ الاربعة: «المغربة - التعريب - التوحيد - التعميم» لارساء نظام تربوي وطني. 2) اللجنة الملكية لاصلاح التعليم 1958 : إصلاح التعليم بالدعوة الى إجباريته ومجانيته مع توحيد المناهج والبرامج. 3) المجلس الاعلى للتعليم (1959 ) التأكيد على ضرورة مجانية التعليم وتعميمه . 4) مناظرة المعمورة 14 ابريل 1964: الدعوة الى تطوير آليات ثوابت الاصلاح: المغربة - التعريب- التوحيد - التعميم . 5( المخطط الثلاثي) «1965 - 1967 » إلزامية التعريب في مرحلة الابتدائي. 6) مناظرة افران الاولى 1970 : تطوير التعليم العالي والاهتمام بالتكوين المهني . 7 ) مناظرة افران الثانية: 1980 : تقدم مسلسل التعريب ومغربة الاطر بالرغم من المشاكل المادية التي كان يجتازها المغرب في تلك الفترة. التي أثرت على البنيات التحتية للتعليم نتيجة اعتماد التقويم الهيكلي وسياسة التقشف. 8) اللجنة الوطنية للتعليم (1994) محاولة تجاوز آثار التقويم الهيكلي على التعليم خلال ثمانينيات القرن الماضي وذلك بالرفع من بنياته.
اللجنة الملكية للتربية والتكوين (1999) : وضع أسس إصلاح التعليم الزامية التعليم ادماج التعليم في المحيط. 10 - اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين «الميثاق الوطني للتربية والتكوين» 2000، إصلاح المنظومة التعليمية بتغيير البرامج والمناهج: تعددية الكتب المدرسية - الاهتمام بتدريس اللغة الأمازيغية - 11 المخطط الاستعجالي (2009 - 2012) زرع نفس جديد في مسلسل إصلاح المنظومة التربوية: اعتماد بيدغوجيا الكفايات والادماج محاربة الهدر المدرسي، تشجيع جمعيات دعم مدرسة النجاح.
إن القاسم المشترك بين هذه الاصلاحات، يؤكد الاستاذ المصطفى الحسناوي، ومحاولات الاصلاح وإصلاح الاصلاح وإعادة الاصلاح، هو غياب نظرة استشرافية وتوقعية واضحة المعالم، فبالرغم من التجارب السابقة واللاحقة مازال تعليمنا بعيدا عما يجب، لأن الرتب المرتبة التي يحصل عليها المغرب سنويا بناء على تقارير عدة منها تقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية التي تضع بلادنا في مكان يشعر معه المرء، إن كانت فيه بقية ضمير وطني انساني، بالخزي والعار. لقد دخلنا القرن الواحد والعشرين ومازالت سفينة التعليم ببلادنا تتلاطمها الأمواج: أمواج الأمية والجهل وأمواج تغيير البرامج والمناهج، ولاشيء لاح في الأفق سوى الخطابات الرنانة وكثرة المذكرات وسفينة التعليم تغوص نحو أعماق الجهل والأمية جراء الضعف الشديد في التعلمات الأساسية ونتيجة هشاشة البنية التحتية للمؤسسات التعليمية، إذ يقر التقرير الأخير للمجلس الأعلى للتعليم، أن 80 في المائة من مدارس الوسط القروي لا تتوفر على مراحيض وأن 75 في المائة من هذه المدارس لا تتوفر على الماء الصالح للشرب، وأن 67 في المائة كذلك من هذه المدارس غير مرتبطة بشبكة الكهرباء، ويعترف ذات التقرير بالنقص الحاد المسجل في الموارد البشرية لقطاع التعليم المدرسي. ويبقى أبرز مشكل من مشاكل منظومتنا التعليمية هو إهمال المدرسة العمومية إلى درجة أن العديد من الأسر المغربية فقدت ثقتها فيها وأصبحت تبحث عن البديل مهما كلفها الأمر، اضافة إلى غياب خريطة مدرسية مدققة بسبب إنجاح التلاميذ بمعدلات هزيلة من أجل معالجة آفة أخرى هي «الهدر المدرسي» التي ترتبت عنها عواقب وخيمة تتمثل في تكديس التلاميذ في الأقسام «ظاهرة الاكتظاظ» وارهاق المدرسين، مما يحول دون تحقيق المردودية / الجودة المتوخاة.
إذن نعود لطرح سؤال البداية وذلك بسرد الأهداف المرجو تحقيقها في 16 لقاء جهويا للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والتي جاءت كالتالي:
- تقاسم النتائج المرحلية التي توصل إليها المجلس، ولاسيما مكتسبات المنظومة التربوية، والمعيقات التي تعترض تطورها وهي الحصيلة المستتخلصة من مختلف التقييمات والتشخيصات والاستماعات والاستشارات التي أنجزها منذ غشت 2013 وضمنها حصيلة تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000 - 2013.
- إشراك أكبر عدد ممكن من الفاعلين التربويين وشركاء المنظومة التربوية ومختلف مكونات المجتمع المغربي في التفكير الجماعي في سبل الارتقاء بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وبلورة خارطة طريق اصلاحها وتعبئتهم حول هذا المشروع وضمان انخراطهم المستمر في تطبيقه.
- إبراز القيمة المضافة للخبرة والمعرفة العملية الجماعية عبر تحدي دعامات التغيير الأساسية، وهوما سيشكل سندا أساسيا لهيئات المجلس من أجل إعداد التقرير الاستراتيجي حول الإصلاح الشامل والمنشود للمنظومة الوطنية
للتربية والتكوين والبحث العلمي
استثمار فرصة إطلاق هذا الحوار الموسع والمفتوح عبر مختلف جهات البلاد من أجل تكريس المقاربة التشاركية القائمة على القرب، المعتمدة من قبل المجلس كمنهجية للعمل في إطار اضطلاعه بمهامه.
وتجدر الإشارة، حسب بلاغ المجلس الأعلى، إلى أن هذا الحوار يندرج ضمن البرنامج المرحلي لعمل المجلس الذي سيتوج ببلورة تقرير استراتيجي سيقدم المجلس من خلاله رافعات التغيير اللازمة لتأهيل المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي. ويتمثل العمل الذي قام به المجلس لحد الآن في جمع المعطيات والأفكار والتحاليل المتعلقة بواقع المنظومة التربوية وآفاقها، وذلك من خلال العمليات التالية:
نتائج جلسات الاستماع مع مختلف الفاعلين والمتدخلين والمعنيين التي تم تنظيمها خلال شهري شتنبر وأكتوبر من سنة 2013.
المساهمات الكتابية للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وجمعيات المجتمع المدني وعدد من الخبراء والمتخصصين التي توصل بها المجلس.
النتائج التي انتهى إليها التقرير التحليلي حول تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين بين 2000 و 2013 الذي يقدم منطلقاً أساسياً لتقييم المنظومة التربوية، ويحدد بعض التحديات والرهانات المستقبلية المطروحة على هذه المنظومة.
نتائج تدارس المجلس لعروض السادة وزراء قطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي والتعليم العتيق حول رؤيتهم المستقبلية لمشاريع الاصلاحات المرتقبة.
المقترحات الاستشرافية التي ستفضي إليها لقاءات الحوار الجهوي لتأهيل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. فهل يا ترى تستطيع جميع المكونات المشاركة في اللقاءات الجهوية والشركاء الأساسيون للمنظومة ،وأساسا أساتذة التعليم الابتدائي والثانوي والتعليم العالي، مدرسو التعليم العتيق، منشطو برامج محاربة الأمية ومكونو التكوين المهني، مسؤولون عن الأكاديميات والنيابات الاقليمية للتربية الوطنية ، المديرون والأطر الادارية للمؤسسات الابتدائية والثانوية ومراكز التكوين المهني ومؤسسات التكوين في مهن التربية، رؤساء الجمعيات وعمداء الكليات ومديرو مؤسسات التعليم العالي، جمعيات الآباء والأمهات، ممثلو التلاميذ والطلبة والمتدربون بالتكوين المهني، ممثلو المجتمع المدني، النقابات والأحزاب السياسية، ممثلون عن الفاعلين الاقتصاديين، الجماعات الترابية، برلمانيو الجهة، المندوبون الاقليميون لقطاعات الثقافة والأوقاف والشؤون الاسلامية، ممثلون عن القطاعات الوزارية التالية: الشباب والرياضة، الصحة، الداخلية، السكن والتعمير وسياسة المدينة، مشاركون من عالم الثقافة والفن، الصحافة المحلية... (هل تستطيع ) أن تصل عبر توصياتها وقراراتها إلى وصفات شافية وعافية لإسعاف منظومتنا التربوية، بعد تحليل صادق لكل النقط السوداء التي تعرقل الدوران العادي لعجلات منظومتنا التعليمية، واضعة نصب أعينها الأسس والركائز الأساسية العميقة التي تطرقنا في بداية ملفنا هذا، إلى البعض منها، حتى يسجل التاريخ المغربي بمداد الفخر والعز بصماتهم التي ساهمت إلى حد ما في عودة قطار المنظومة التربوية إلى سكتها الطبيعية.
لنا أمل كبير في جميع هذه الفعاليات المشاركة، والمستقبل النيّر أمامنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.