تميز المغاربة منذ ارتضوا الإسلام دينا بعادات فريدة في استقبال شهر رمضان، واجتهدوا في إبداع ما يتناسب مع قدسيته عندهم، وتأقلموا مع أجوائه الخاصة من خلال عادات اختلفت من منطقة إلى أخرى ومن قبيلة إلى أخرى، لكنها احتفظت بقواسم مشتركة. وسنحاول في "هسبريس" رصد بعض هذه العادات من خلال ما تضمنته كتب ومنشورات في الموضوع، وكذا من خلال الرواية الشفهية لعدد من شيوخ القبائل أوعدد من الفاعلين الجمعويين الذين التقينا بهم. الحلقة السادسة: قبائل الصحراء إلى الصحراء ننقلكم في هذه الحلقة من "عاداتهم في رمضان" لنتعرف وإياكم على بعض من عادات وتقاليد أهل الصحراء في رمضان استقبالا وصياما وأكلا. من المعلوم أن أهل الصحراء اقتنعوا بالإسلام دينا وتفاعلوا معه بشكل تلقائي، ولا غرابة في ذلك لأنهم يعيشون في بيئة مشابهة بالبيئة التي ظهر فيها الإسلام، وفّروا للدين مكانة خاصة في حياتهم، وجعلوه عنوانا ورمزا لهويتهم، لذلك كان لرمضان وقعه عليهم، فحرصوا على عادات تبين أنهم في شهر استثنائي يتطلب برنامجا يجمع بين أداء الالتزام الديني وبين الترويح عن النفس. استعداد أهل الصحراء للشهر الفضيل لا يكون بإعداد ما لذ وطاب من المأكولات كما يفعل غيرهم في مناطق متفرقة من المغرب كما رأينا في حلقات سابقة، إذ لا يتم تحضير إلا كمية من دقيق الشعير أو ما يسميه الصحراويون "المكَلي"، والتمر وشيء مما لا تكتمل عاداتهم إلا به. في بداية رمضان تحرص بعض قبائل الصحراء على صلة الرحم، ومنها من يستدعي أفرادها أقاربهم لقضاء شهر الصيام في جو العائلة، فتخيم الألفة بين الأفراد وبين الأسر، ويشعر الصائم في الصحراء فعلا بمعاني أخوة الدين، رمضان عند أهل الصحراء فرصة ثمينة لرأب الصدع بين الأسر والقبائل، والتربية على الأخوة والمحبة. بعد تناول وجبة السحور التي غالبا ما يكون "المكَلي" مادة رئيسية فيها من خلال أكلة تسمى "البلغمان"، مرفوقا بطبيعة حال أهل الصحراء بكؤوس الشاي، وبعد صلاة الصبح يخلد الجميع للنوم لساعات تتجاوز الأربعة إلا من كان مضطرا، وبعد الاستيقاظ وأداء الفرائض يفتح المجال لألعاب تُلعب حصريا في الصحراء، ومن هذا الألعاب لعبة "السيكَ" وهي عبارة عن عدد من الأعواد يتم إعدادها أسابيع قبل حلول رمضان، وهذه اللعبة حكر على النساء الصحراويات ولا مجال للرجال فيها، والوقت المفضل للعب "السيكَ" هو ما بعد الظهر، ثم في الليل عقب صلاة التراويح ويمتد اللعب ليلا إلى وقت السحور، وتضع النساء برنامج للعبتهم وكأنهن يشاركن في بطولة أو دوري. وللرجال كذلك لعبتهم المفضلة خاصة الشيوخ منهم، فتراهم موزعين على مجموعات يزاولون لعبة "الدومينو" التي لا يمنعهم عنها إلا وقت الصلاة، وما يزال سكان العيون عاصمة الصحراء المغربية محافظين على هذه اللعبة وإلى اليوم يكون شارع السمارة بالمدينة مكتظا بهواة "الدومينو" بين لاعب ومتفرج. ساعة الإفطار تجتمع العائلة على المائدة، تمر وحليب وفطائر و حساء، ودعاء قبل الإفطار بعده إلى صلاة التراويح، ثم العودة مجددا إلى المنازل حيث تجتمع الأسر المتقاربة على "طبلة" الشاي و"الجماعة" لساعات طوال.