تميز المغاربة منذ ارتضوا الإسلام دينا بعادات فريدة في استقبال شهر رمضان، واجتهدوا في إبداع ما يتناسب مع قدسيته عندهم، وتأقلموا مع أجوائه الخاصة من خلال عادات اختلفت من منطقة إلى أخرى ومن قبيلة إلى أخرى، لكنها احتفظت بقواسم مشتركة. وسنحاول في "هسبريس" رصد بعض هذه العادات من خلال ما تضمنته كتب ومنشورات في الموضوع، وكذا من خلال الرواية الشفهية لعدد من شيوخ القبائل أوعدد من الفاعلين الجمعويين الذين التقينا بهم. الحلقة الرابعة: عادات سكان العاصمة العلمية إلى العاصمة العلمية للملكة ننقلكم في هذه الحلقة، لنرصد أهم عادات سكانها الذين كان لهم شرف احتضان مؤسس أول دولة إسلامية في المغرب الأقصى. نحن في فاس العاصمة العلمية للمغرب، كان سكانها وما يزال بعضهم إلى يومنا هذا يستقبلون رمضان بطرقهم الخاصة والحصرية، قبل أيام بل قبل أسابيع يبدأ الفاسيون استعدادهم لشهر الصيام بتحضير أطباق تكاد تكون المرأة الفاسية اختصاصية فيها، وبإعداد الملابس التقليدية المناسبة للزينة عند كل مسجد. كانت نساء فاس خاصة بالمدينة العتيقة يتجمعن في سطوح منازلهن في انتظار رؤية هلال الأول من رمضان ليطلقن الزغاريد فرحا بقدوم ضيف عزيز على أهل فاس، والزغرودة إعلان بانطلاق موسم ديني واجتماعي متميز بفاس، يليها "النفار" الذي يتجول في أزقة المدينة معلنا قدوم موسم الطاعات والصيام والصلاة. وبعد أن تكون الأسر قد أعدت أطباق "سلو" و"الشباكية" و"البريوات" و"الفقاص" و"كعب غزال"، تحرص على أن يكون أول إفطار في "الدار الكبيرة"، حيث يتجمع أفراد العائلة الذين فضلوا الاستقلال بعد الزواج، في منزل الأب أو الجد أو منزل أكبر أفراد العائلة. كما يكون رمضان فرصة سانحة لإصلاح ذات بين المتخاصمين من أبناء العائلة الواحدة في فاس. بعد الإفطار تكون الوجهة هي المسجد، الفاسيون كبارا وصغارا وبملابس تقليدية يشدون الرحال إلى بيوت الله، لأداء لصاة التراويح التي تكاد تكون مقدسة في فاس، ومنهم من لا يرضى الصلاة إلى في جامع القرويين، الذي يمتزج فيه عبق الدين بعبق التاريخ. أما عن وجبة السحور والتي لا يتم التفكير فيها إلا بعد أن تعود جميع الأسر إلى "قواعدها" بعد فترة "احتلال" للساحات والأماكن العمومية، فهي غالبا ما تكون عبارة عن أكلات خفيفة لا تتعدى قطع "الحرشة" أو "الملاوي" وغيرها من الفطائر، وتأتي بعد وجبة عشاء تتنوع عند أهل فاس بين أكلة الدجاج و"البسطيلة".