تميز المغاربة منذ ارتضوا الإسلام دينا بعادات فريدة في استقبال شهر رمضان، واجتهدوا في إبداع ما يتناسب مع قدسيته عندهم، وتأقلموا مع أجوائه الخاصة من خلال عادات اختلفت من منطقة إلى أخرى ومن قبيلة إلى أخرى، لكنها احتفظت بقواسم مشتركة. وسنحاول في "هسبريس" رصد بعض هذه العادات من خلال ما تضمنته كتب ومنشورات في الموضوع، وكذا من خلال الرواية الشفهية لعدد من شيوخ القبائل أوعدد من الفاعلين الجمعويين الذين التقينا بهم. الحلقة الثانية: قبيلة أولاد جلاّل نسافر بكم في هذه الحلقة إلى الجنوب الشرقي للمغرب، ونحل ضيوفا عند قبيلة أولاد جلال لنتعرف على العادات الرمضانية لهذه القبيلة العربية التي تؤكد وثائق تاريخية أن أصولها تعود لشبه الجزيرة العربية. عاشت القبيلة لسنوات طويلة على الرعي، واعتمد نمط الترحال نمطا لحياة أفرادها، ولم تعرف الاستقرار إلا في خمسينيات القرن الماضي، لم تختلف كثيرا عادات أولاد جلال الرحل عن عاداتهم بعد الاستقرار، يحرص أفراد القبيلة على الاستعداد للشهر الفضيل وقضاء ما يمكن قضاؤه من الأغراض للتفرغ للصيام وللعبادة في رمضان، أثناء فترة الترحال، كانت الأسر الجلالية تحاول ما أمكن أن تنصب خيامها في مناطق متقاربة ليشترك رعاتها في الرعي ويتشركون أيضا في اللإفطار أحاينا كثيرة، كانت موائد الإفطار تتضمن قليلا من التمر والماء وكثيرا من لبن الغنم وحليب الإبل، بالإضافة إلى حساء الدقيق، بعد تناول وجبة الإفطار تنتقل "الجماعة" إلى مكان يتم إعداده سلفا لأداء صلاة العشاء جماعة دون صلاة التراويح. بعد الصلاة يأتي دور الشاي الذي يجتمع على مائدته الرجال من أفراد القبيلة، في الوقت الذي تكون فيه النساء منهمكات في إعداد وجبتي العشاء والسحور. كان اليوم الخامس عشر واليوم السابع عشر من رمضان بمثابة عيدين عند أولاد جلال، يجتمع أكبر عدد من أفراد القبيلة على وجبة العشاء ولا يعد جلاليا من تخلف عن الحضور. اليوم وبعد تغيير نمط عيش أولاد جلال، لم يتغير من عاداتهم الرمضانية إلا القليل، حيث دخلت على موائد الإفطار مواد أخرى فرضتها المخالطة ومعاشرة القبائل الأخرى، إلا أن أولاد جلال ظلوا متمسكين برمزية اليوم الخامس عشر وليلة السابع والعشرين، حيث أضحى من العادة أن تضع نساء القبيلة الحناء في هذه الليلة، بعد أن تقمن بإعداد وجبة العشاء الخاصة جدا والتي تكون عبارة عن الكسكس المعد بدقيق الشعير. صغار قبيلة أولاد جلال لهم نصيب من عادات قبيلتهم، حيث يتم تمرينهم على الصيام وفق طريقة يطلق عليها الجلاليون "الجرح" وتعني صيام نصف نهار فقط، ويتم تحفيز الأطفال على إتمام صيام اليوم بإقناعهم أنهم بصيامهم يقدمون صدقة ستصل إلى أجدادهم وأسلافهم. لملاحظاتكم واقتراحاتكم: [email protected]