رمضان أو» أرنضان» بأمازيغية الريف تعني كلمة واحدة لشهر فرض الله فيه الصيام على المسلمين كما فرض بقية أركان الإسلام الخمس إنه رمضان المبارك الذي يحظى باستقبال خاص و التزام روحي ملئ بالخشوع و الزهد عبر مختلف أرجاء العالم الإسلامي بما فيه المغرب و كما هو الحال في منطقة الريف التي تعتبره واجبا دينيا يزداد رسوخا في سلوك الجماعة ليشمل تأثيره كل أفراد المجتمع إذ يعود تاريخ علاقة أهلها مع شهر الصيام إلى فترة وصول الطلائع الأولى للفتح الإسلامي. حيث تجذرت الشعائر الدينية و سط مجتمع أمازيغي ساهم بدوره في رفع راية الإسلام حين قطع القائد طارق بن زياد مياه البوغاز و إتمام رسالة الفتوحات الإسلامية. رمضان بالنسبة إلى أهل الريف حلقة مهمة من حلقات ديننا الحنيف انصهروا في أداء شعائره و أبدوا اتجاهه قبولا تلقائيا و سلسا رغم ما ساد قبائل الريف من معتقدات جذورها ضاربة في التاريخ لم تكن لتقنعهم أو تملأ فراغا روحيا طبع حياتهم و معاملاتهم و هنا يكمن السر في مبايعتهم لأئمة من المشرق وجدوا في دعواتهم الخلاص من عادات و ممارسات قائمة على أنقاض أساطير لا تستند إلى منطق عقلاني. رمضان عند قبائل الريف يكتسي طابعا واحدا لدى قبائل الريف من متيوة و بني بوفراح و بقيوة و بني ورياغل و تمسمان و بني توزين و كزناية و إبضارصن و بني سعيد و بين بويحيي و كبدانة و قلعية و بني يزناسن.... عامل ساهم إلى حد بعيد في جعل هذه القبائل أكثر ارتباطا بدين محمد صلى الله عليه و سلم حيث يظل هذا الشهر من كل سنة هجرية محط ترقب و انتظار الصغار و الكبار لملا يوفره من مناخ و طابع مميز تتجلى مظاهره على أوجه الحياة اليومية التي تتغير تغذية و معاملات و تعدد الأنشطة المزاولة على مدار ساعات اليوم في المنزل» ثادارث» أو في الخارج. الأسواق المقامة أسبوعيا تلبس حلة جديدة ، تغزوها منتجات و مواد تغيب طيلة السنة لتظهر بوفرة نتيجة الإقبال المتزايد عليها لأهميتها في الإستعمال أو لقيمتها الغذائية على موائد الإفطار. تملأها حركة دؤوبة و أصوات تتعالى بين الخيام المنصوبة تعرض مختلف البضائع من مواد فلاحية و أطعمة و أثواب و أواني.... فقد كان لا يسمح للنساء بدخول اسواق عامة باستثناء مناطق محددة في قلعية و بني يزناسن بل كانت تنتشر العديد من الأسواق النسائية تمثل قبلة للمرأة و الفتاة من أجل التبضع أو بيع منتوجات أغلبها مرتبط بالمطبخ و الزينة و الملابس ك» أتشامي»ر و» أدفاين» أو «السواك» و الكحل «ثازوتش» و الصوف و عرص بعض الدواجن للبيع و عادة ما كانت تقوم بهذا الدور الأرامل و غير المتزوجات. قيمة الأواني الفخارية في رمضان عند قبائل الريف تزداد نظرا لإقبال العديد من الأسر على استعمالها خاصة القصعة» ثازوضا» لارتباطها بإعداد وجبات و أطعمة ك»ثافضارث» أقرب إلى الحرشة في مناطق أخرى و كانت تعتمد في السابق على طحين الشعير فيما أصبحت تعد بالقمح و تقدم رفقة كمية من السمن الحار» ثروسي « و أكواب الشاي المنعنع الذي يشرب بكميات كبيرة كما أن التين الشوكي أو التين الجاف» ثازارث» و الخبز» أنكول» يعد جزءا من مائدة الأكل لدى العائلات الريفية التي تتقن طهي أصناف من المأكولات التي تزين مائدتهم. صوم رمضان في الريف لا يقتصر على الكبار بل يتجاوزه كما الحال في مختلف المجتمعات الإسلامية إلى صغار السن حيث تولي الأسر الأمازيغية اهتماما بتلقين الأبناء تربية دينية يكون رمضان بمثابة امتحان لتعليم الطفل أو الطفلة» أحانجار» و» ثاحنجارث « أو «إيحارموشن» بلغة المنطقة كيفية التأقلم مع أجواء الإمساك عن الطعام، حيث يعتمد أريافة في التأكد من مدى و جوب الصوم على الإبن أو الإبنة بفضل طريقة دأب عليها الأجداد بوضع خيط مزدوج حول عنق المراهق ثم يفتح الخيط لتكوين عقدة يتم التأكد من إمكانية مرور رأسه من خلالها و مايعني بلوغه السن الموجبة للصيام . وجبات الطعام خلال رمضان لا تختلف عن باقي المناطق الأمازيغية و غير الأمازيغية بالمغرب إلا أن خصوصيات المطبخ و كيفية إعداد الأكل هي التي تعرف اختلافا إذ يصبح الإقبال على تناول أغذية بعينها أو الإكثار منها لما توفره طاقة و فوائد صحية فمثلا يقبل أمازيغ الريف على البيص البلدي «ثيمدجرين ثبلديينحيث» التي يحصل عليها عن طريق تربية أصناف من الدواجن كما يعد التين فاكهة تجد مكانها فوق مائدة الأكل إلى جانب تناول اللحوم بوفرة . أما المناطق المحاذية للبحر الأبيض المتوسط فلا يمكن أن يمر موعد الإفطار دون تناول أنواع السمك كغذاء متكامل ضروري بعد يوم كامل من الإمساك عن الطعام. رمضان في الريف بقدر ما يرتبط بانفتاح شهية الإنسان على الأكل فهو أيضا لحظة للتأمل الروحي و التعبد فرغم ما قيل و يقال على الأضرحة و الزوايا من أنها بدع و شرك فإنها في مخيال القبائل الأمازيغية جزء لا يتجزأ من ثقافة دينية ما دامت الزوايا ساهمت في تقريب الإسلام إليهم و في نشره و تجذره . و هنا نجد على امتداد الريف من الغرب إلى الشرق و حتى مرتفعات تازة عددا كبيرا من الأضرحة وقبور أولياء لازالت عادة زيارتهم و التبرك بهم مستمرة إلى يومنا كضريح سيدس شعيب بومفتاح و سيدي ادريس و سيدس مسعود و سيدس علي أوشعيب و سيدس يوسف و سيدس بوخيار و سيدس علي و سيدي أحمد الحاج و سيدس سليمان و سيدي عبد القادر و سيدس الحاج سعيد. ليل رمضان أو «ثامديث» عند أمازيغ الريف تنقسم إلى قسمين أولها التعبد و أداء شعائر الصلاة ثم العودة إلى البيت لتناول ما طاب و الخروج للسهرالذي يهدف بالأساس إلى عدم الإستسلام للنوم حتى فترة السحور و هو نمط يأتي ليغير ما قبل رمضان الذي يعتمد على النوم المبكر، فتتحول المداشر إلى تجمعات ليلية للشباب و كبار السن في تسامر و حديث فضفاض أغلبه يدور حول خلاصة يوم كامل من الصوم كل هذا بهدف الإستمتاع بأكبر قدر ممكن من فترات الأكل و الشرب و الترفيه عن النفس و إن على حساب ساعات النوم . وتبلغ الأجواء الروحانية أوجها مساء اليوم السادس و العشرون حيث تستمر الصلاة و تمتلأ المساجد بشكل يفوق الليالي الرمضانية الأخرى حيث تعلق أعلام بيضاء فوق صوامع المساجد و أسطح المنازل . قصة رمضان مع أهل الريف ازدادت ارتباطا نظرا لما يمثله هذا الشهر الكريم في فترة الجهاد و مكافحة المستعمر و يكفي أن معركة « أدهارأوباران» كانت ملحمة جرت و قائعها في خلال شهر الصيام حيث قاوم مجاهدو الريف ببسالة و اعتصام بحبل الله حتى النصر إيمانا منهم أن الله كما نصر المسلمين في غزوة بدر خلال رمضان سيلقي عليهم برحمته و عونه لهزم الكفار الغزاة . رمضان اليوم في ربوع الريف طالته تغييرات كثيرة و إن لم تلمس الجانب الديني الذي يعرف انخراطا و إقبالا مكثفا من أجل التعبد و استحضار مغازي فريضة الصوم .فسلوك المجتمع و عاداته عاشت و تعيش تحولا و تطورا في مناحي الحياة مع تزايد إكراهات الظروف الإجتماعية و الإقتصادية و انفتاح العالم على بعضه البعض في دائرة أوسع خارج فضاء المدشر أو القبيلة و مع ذلك يبقى رمضان شهرا يجمع شمل أسر و أفراد حول مائدة واحدة و نواة تلتقي فيها مكونات الشعب المغربي ليشكل رباطا يوحد الجميع و فرصة يتقاسمون فيه طقوس مشتركة انصهرت فيها ثقافات مختلفة بعادات وأنماط رغم اختلافها بين الغرب و الشرق و الجنوب و الشمال فإنها تدل على غنى موروث اندمج في فضاء يمثل رمضان من كل سنة فرصة لاستحضار جوانب دينية و روحية جاء بها الإسلام الذي لا يفرق بين بني البشر إلا بالتقوى.