شهر رمضان أفضل شهور العام ، وهو يزهو وينفرد بفضائله على بقية الشهور. فهو شهر القرآن، وشهر المراقبة، وشهر التوبة والمغفرة، وشهر الصبر والمجاهدة وهو شهر الجهاد والانتصارات. شهر تفتح فيه أبواب الرحمة، و تغل فيه مردة الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. فلا بد إذن لمن أراد الحصول على هذه الأجور، ونيل هذا الثواب العظيم: أن نحسن استقباله، والاستعداد الجيد له، والتهيؤ الجاد، يكون ذلك: بفعل الأعمال الصالحة، والإقلاع عن الذنوب وهجر المعاصي، والإقبال على الله تعالى بفعل الطاعات، والتنافس في الخيرات،والتقرب إليه سبحانه الله تعالى بأحب الأعمال إليه، ولا أحب من الأعمال التي افترضها الله تعالى على عباده من الفرائض والنوافل. ولكي يصل المسلم للأغراض المأمولة، والأهداف الموضوعة في شهر رمضان أو لكي يصل للقبول، وتحقيق مغفرة الذنوب؛ فلا بد من تحديد أهم الأهداف التي نسعى لتحقيقها في شهر رمضان، والتي من أهمها: تقوية الإرادة، ومجاهدة النفس، وتقويتها للنجاح في التزكية و السير على طريق الاستقامة، والابتعاد عن طرق الغواية. ويتم ذلك بالتقرب إلى الله تعالى بسائر الطاعات المفروضة والمسنونة، والسير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك التقرب إلى الله تعالى بالصيام في رجب وشعبان، أي صيام التطوع قبل صوم الفريضة؛ بالصيام قبل رمضان بشهرين أو بشهر على الأقل، فكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب دعا الله أن يبلغه شهر رمضان فيقول: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبَلِّغنا رمضان. فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الصيام في شهر شعبان، لأن هذا الشهر يغفل الناس عن صيامه ، لأنه يأتي بين شهر الله الحرام رجب وشهر رمضان ، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ، فقال: ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم حديث صحيح رواه أبو داود النسائي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم: ، كان يصوم شعبان إلا قليلا ، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان ، وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: ما علمته - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - صام شهرا كله إلا رمضان وفي رواية له أيضا عنها قالت: ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان . ومن فاته الصيام في رجب، فليبادر بالصيام في شعبان، وليحرص على ذلك. ومن فوائد الصوم في شعبان: أنه كالتمرين أو كالتدريب والتعويد على صيام رمضان لئلا يصعب عليينا صوم رمضان ونشعر بالمشقة والتعب، بل يكون المسلم قد تمرن على الصيام واعتاده فيدخل رمضان بقوة ونشاط وحيوية، وإقبال على الطاعة، و ينجح في تقوية الإرادة. وكذلك ينبغي التهيؤ بالإكثار من العمل الصالح في شعبان: مثل: قراءة القرآن، والصدقة، وقيام الليل والمحافظة على أداء الصلوات في جماعة المسجد الأولى، وفي هذا تدريب وتعويد للنفس وتهيئة لها لكي تزداد اجتهادا في رمضان، بهذه الأعمال الصالحة، فلا يشق عليها التنافس في الخيرات، والحرص على الطاعات، وينال المسلم المتدرب على فعل الطاعات وهجر المنكرات بذلك: الأجور العظيمة المترتبة على الصيام والقيام. وهكذا الإنسان الحريص على النجاح في الدنيا: نجده يجتهد في تحصيل الشهادات، وحضور الدورات، وإنفاق الأموال في حسن الاستعداد للنجاح في أعماله الدنيوية، فمالنا نغفل عن هذه الدورات التدريبية اليسيرة قبل رمضان فننجح في تحقيق الأهداف التي نسعى إليها، وننجح في تغيير أنفسنا للأفضل وتحسين سلوكنا للأحسن. هل نصوم إذا انتصف شعبان؟ وبعض الناس يتحرج من الصيام بعض منتصف شعبان، والصحيح هو جواز الصيام، فقد ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : هل صمت من سـَرر هذا الشهر شيئا ؟ قال لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين وفي رواية البخاري: أظنه يعني رمضان وفي رواية لمسلم: هل صمت من سـَرر شعبان شيئا ؟ ومعنى السرار أي آخر الشهر، فإن استدل أحد بما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين ، إلا من كان يصوم صوما فليصمه أخرجه البخاري ومسلم . فكيف نجمع بين حديث عمران هذا و الذي فيه الحثّ على الصوم وبين حديث أبي هريرة الذي فيه المنع فالجواب: قال كثير من العلماء: إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن له عادة بصيامه، أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه. وقيل في المسألة أقوال أخرى، وخلاصة القول: إن حديث أبي هريرة - الذي فيه المنع - هو المعمول به عند كثير من العلماء، وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له عادة، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره. فإن قال قائل لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة (لغير من له عادة سابقة بالصيام )؟ فالجواب أنّ ذلك لمعانٍ منها: أحدها: لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه، كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى، حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم ، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم. ولهذا نهي عن صيام يوم الشك، كما قال عمار بن ياسر:من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. ويوم الشك: هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أم لا ؟ وهو الذي أخبر برؤية هلاله من لم يقبل قوله، وأما يوم الغيم: فمن العلماء من جعله يوم شك ونهى عن صيامه. المعنى الثاني: الفصل بين صيام الفرض والنفل، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل: مشروع ، ولهذا حرم صيام يوم العيد. والله تعالى أعلم. عن موقع ر ياض الدعاة