بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين و خير الخلق كلهم أجمعين. في هذه الكلمة الموجزة عن خير الشهور و خير الأيام عند الله , التي هي شهر رمضان. سنتحدث عن موضوعات ثلاث و هي : التعريف برمضان, و قيمة شهر رمضان, و كيفية استقبال شهر رمضان. * ما رمضان ؟ رمضان اسم من أسماء الشهور الإسلامية معروف و مشهور و معظم , قيل عنه كما نقل ابن دريد : " لما نقلوا - أي العرب و المسلمون- أسماء الشهور من اللغة القديمة, سموها بالأزمنة , التي هي فيها, فوافق رمضان أيام رمض الحر و شدته فسمي به" و قيل مما بلغ على لسان أهل العلم و اللغة , إن رمضان اسم من أسماء الله عز وجل بمعنى " الشدة" . فهذه مجرد معلومات إضافية, للإخبار فقط, أما معناه, فمشتق في اللغة من الرمض, و هو شدة الحر و منه أخذ شهر رمضان من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش, و قد يكون من الترميض, و هو الانتظار شيئا, ثم المضي.(1) أما في الشرع أو الاصطلاح, فيطلق على الإمساك عن الشهوات نهارا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية ...قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " (2) و قال عز وجل " و كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" (3) * قيمة شهر رمضان و فضله : شهر رمضان بالإضافة إلى كونه ركنا من أركان الإسلام, بحيث لا يسمى المسلم مسلما إذا لم يصم رمضان, فان فضله و قيمته يتجليان في كونه: * شهر القرآن : ففيه نزل و فيه يسمع في صلاة التراويح, تلك العبادة أو العادة الحسنة التي نظمها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه, قال سبحانه تعالى : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن, هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان" (4) (1) ابن منظور : لسان العرب : 7/160-162 (2) البقرة / 183 (3) البقرة / 187 (4) البقرة / 185 فكيف نتصور هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن, هذا القرآن الذي قال عنه تعالى " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " (1) * رمضان هو الشهر الذي جعل الله فيه ليلة القدر, تلك الليلة التي تعادل عمرا من العبادة, قد لا يعيشه الإنسان . قال تعالى " إنا أنزلناه - أي القرآن - في ليلة القدر " (2) * شهر العبادة و التقوى . قال تعالى " لعلكم تتقون " * شهر التوبة و الرحمة و المغفرة. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " قد جاءكم شهر مبارك, افترض عليكم صيامه, تفتح فيه أبواب الجنة, و تغلق فيه أبواب الجحيم, و تغل فيه الشياطين, فيه ليلة خير من ألف شهر, من حرم خيرها فقد حرم " (3) و قال صلى الله عليه و سلم " شهر رمضان شهر ....و ينادي فيه ملك : يا باغي الخير أبشر, و يا باغي الشر أقصر حتى ينقضي رمضان " (4) و قال صلى الله عليه و سلم " الصلوات الخمس, والجمعة إلى الجمعة و رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " (5) وقال صلى الله عليه و سلم "من صام رمضان و عرف حدوده, و تحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله" (6) و قال صلى الله عليه و سلم " من صام رمضان إيمانا واحتسابا, غفر له ما تقدم من ذنبه " (7) و قال : رمضان أوله بركة, ووسطه رحمة, و أخره مغفرة من الذنوب " * شهر الشفاعة : قال صلى الله عليه و سلم : " الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة, يقول الصيام : أي رب منعته الطعام و الشهوات بالنهار, فشفعني فيه, و يقول القرآن : منعته النوم بالليل, فشفعني فيه, فيشفعان" (8) * شهر الوقاية : قال صلى الله عليه و سلم " الصيام جنة ..." (9) أي وقاية و مانع من الوقوع في المعاصي. * شهر الصحة و العافية : إن الله يحب المسلم و المومن القوي, جسدا و روحا, و ليس خاف عند أهل الصحة- الأطباء –ما لشهر رمضان من منافع صحية و لهذا قال صلى الله عليه و سلم " صوموا تصحوا" (10) * شهر التجربة و الإحساس : ففي رمضان, و بالصوم يحس المسلم بأثر الجوع إحساسا ذاتيا, فإذا شاهد أو سمع بالجائع و الفقير الذي لا يجد ما ينفق على نفسه و عياله, أدرك جيدا هذا الأثر, فيبادر إلى إغاثة الفقراء, و الإقبال على التكافل... (1) الحشر /21 (2) القدر/1 (3) رواه الإمام أحمد في المسند و النسائي و البيهقي (4) رواه الإمام احمد و النسائي (5) رواه مسلم (6) رواه الإمام احمد و البيهقي (7) رواه الإمام احمد (8) رواه الإمام احمد بسند صحيح (9) رواه مسلم و الإمام احمد و النسائي (10) رواه الإمام احمد * شهر النصر و البركة : ان المسلمين بقيامهم بهذا الركن, و امتثالهم لهذا الأمر الرباني الذي فيه منفعتهم كما كانت الإشارة إلى ذلك, يكونون أقوياء بالله و بأنفسهم, و لذلك عرفنا أن هذا الشهر كان شهر نصر للمسلمين, ففيه انتصر المسلمون على المشركين في غزوة بدر. و فيه انتصر المسلمون على التتار في معركتين : حطين و عين جالوت.. و غير هذا كثيرا مما لا نعلم. فشهر رمضان مما سبق, شهر العبادة المتميزة, لكون كل العبادات للإنسان إلا الصيام.. أي شهر رمضان خاصة. فانه لله و هو الذي يثيب عليه. قال صلى الله عليه و سلم في الحديث القدسي, قال الله تعالى : " كل عمل ابن آدم له. إلا الصيام, فانه لي, و أنا أجزي به"(1) . فشهر رمضان في الإسلام و للإنسان, فرصة سنوية, ينبغي للإنسان أن يستغلها, ذلك أن رمضان يمر على الغافل و يذكره فيقول له هاأنذا قد عدت, فأفعل ما أنت فاعل في, و انتهز هذه الفرصة, التي قد تكون فرصتك الأخيرة التي قد لا تراني بعدها إذا ذهبت أنت, أما أنا فعائد إلى ما شاء الله. و قد جعل الله سبحانه و تعالى رمضان شهرا كاملا, روعيت فيه من قبل العزيز الحكيم طاقة الإنسان و صبره الذي قد لا يزيد عن هذه المدة, كما أنه- اشتقاقا من اسمه –شهر , و هي مدة للانتظار كافية لمن يريد التوبة والرحمة و المغفرة... كيف نستقبل رمضان ؟ من كل ما سبق, من معرفة أهمية و قيمة هذا الشهر المبارك المعظم, لم يبق لنا إلا أن نعتبر رمضان شهر الفرحة و الامتنان, فمن أقبل عليه رمضان و أدركه على قوته. فما عليه إلا أن يعتبره فرصة و يستغلها أحسن استغلال على أن ينال رضى الله عز وجل. بتنفيذ مطالبه وهي باختصار: * فرصة لمضاعفة العبادة بالإكثار من صلاة النوافل حتى تستغل فوائد مطالب الله عز وجل بقوله في الحديث القدسي : " ولا يزال عبدي يتقرب مني من بالنوافل حتى أصير يده التي يبطش بها وعينه التي يري بها و رجله التي يمشي بها " * فرصة للإكثار من قراءة القرآن و هو الذي يهدي العقل و يصفي الروح و النفس من كل الشوائب و يحمي المومن من كل أذى قال تعالى : " و اذا قرأت القرآن جعلنا بينك و بين الذين لا يومنون بالآخرة حجابا مستورا (2) " و قال عز و جل : " و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمومنين" (3) * فرصة لاستغلال قيام الليل, و ملازمة التراويح مع الجماعة على الأقل بغاية التقرب من الله. * فرصة للإكثار من الصدقة و فعل الخير و الإحسان إلى المستضعفين. و الإحساس بمشاعرهم. * فرصة للتوبة يجب على الإنسان أن يستغلها حتى إذا مضى رمضان بعد انتظاره يكون الإنسان قد حاز على الرضى و الأجر و المغفرة. (1) رواه الإمام أحمد و النسائي (2) الإسراء /45 (3) الإسراء /82 فهذه مجرد كلمة اختصرت في نصيحة أنصح بها نفسي أولا و لمن أراد أن يتخذ إلى ربه سبيلا, و الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, و الصلاة و السلام على المرسل بالهدى محمد الأمين عليه أفضل الصلوات و أزكى السلام, و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم... موحد