الناظور من بين المدن الأكثر عرضة للخطر كابوس التنصير يحدق بالمغاربة تحقيق وحوار : خالد بنحمان مغاربة يسقطون في فخ التنصير وإغراءات المبشرين التعليم ذريعة لتبرير حضور المنصرين ووسيلة لخدمة أغراضهم وأطماعهم تقارير تتحدث عن امتداد كنائسي من سبتة السليبة إلى مدينة الحسيمة منذ الأزل دأبت حركات التنصير على توظيف كافة إمكانياتها داخل المجتمع المغربي في محاولات لتغيير عقيدة المغاربة معتمدة على وسائل متعددة علمية و تقليدية على أمل زعزعة الاستقرار الديني و البحث عن مكامن الضعف لدى فئات المجتمع ، وقد اتخذت دعوات التنصير أشكالا منظمة و مدعومة منذ 1878 ، ثم أخذت مستوياتها تتصاعد بداية من 1915 حينما سخرت فرنسا الكنيسة لتسهل لها مأمورية الاستيطان و استغلال الأرض و العباد متيقنة أن الإسلام كان و لا زال مركز الثقل في علاقة المغاربة و توحدهم ضد المستعمر، فكان عليها أن تبدي اهتماما خاصا و كبيرا بالطبقات الفقيرة و التكفل بالأيتام ، و توفير بعض الجوانب المرتبطة بالمأكل و المسكن تحت رعاية الكنيسة. محاولات لم تتمكن من أن تجد لها موقعا بارزا في البنية المجتمعية للمغاربة الذين ألفوا الإسلام و اعتقدوه بعد أن أداروا ظهورهم لكل الأديان التي كانت منتشرة في عصور سابقة ، حيث كل قرية و مدشر و حي لا يمكن أن يخلو من مسجد يذكر فيه إسم الله ويلقن فيه كتابه على مدار الصلوات الخمس. مهما اختلفت التقديرات و الاستطلاعات بغرض الكشف عن مستوى التنصير بالمغرب يبقى أسلوب عملها و برنامجها مستمرا دون توقف، فإذا كانت وزارة الأوقاف تنفي وجود عدد كبير من دعاة التنصير ، و تطرقت إلى رقم لا يتعدى 150 فرد ينشطون عبر أرجاء المغرب بموازاة حوالي 50 كنيسة ، فإن الرقم قابل للارتفاع أو يتجاوز ذلك إذا ما تمعنا في التقارير الواردة من مؤسسات و مراكز أجنبية حيث يبدو التضارب في المعطيات المتعلقة بالظاهرة مادة دسمة تؤثث صفحات وسائل الاعلام سعيا وراء الإثارة ليبقى الباب مشرعا على مصراعيه أمام أخبار سمتها عدم الدقة و الاختلاف، فالأرقام المتداولة تختلف كثيرا بحسب الجهة التي صدرت عنها فبينما تقارير أجنبية و أخرى عربية تشير إلى وجود 800 منصر بالمغرب بموازاة 13 كنيسة أطلت تقارير أخرى بأرقام تتجاوز 900 منصر و 50 كنيسة و مهما بلغت مستويات و أعداد المستهدفين بالتنصير يبقى الأمر مبالغا فيه ، لكن في نفس الوقت لا يمنع من الاعتراف بوجود ظاهرة تجتهد من أجل استقطاب أنصار جدد، وهو ما تؤكده تحركات مشبوهة و موجهة لعناصر تتجول في العديد من المناطق ، بشكل يدعو إلى القلق و إعادة النقاش في كيفية التعامل مع حركة تستمد قوتها من عواصم الكنيسة ، وفق برنامج يتوخى تنصير أكبر عدد في الدول الإسلامية حيث يعد المغرب منطلقا أساسيا و محطة مهمة بشمال إفريقيا و المغرب العربي.، وفي هذا الصدد سبق «للعلم» أن أثارت إشكالية التنصير التي أضحت تتزايد داخل المجتمع المغربي الذي أصبح مستهدفا أكثر من ذي قبل من طرف مسيحيين يتخذون في الغالب من السياحة أو العمل الجمعوي واجهة تمكنهم من استطلاع الوسط الاجتماعي بالقرى و المدن والإطلالة على واقع المغاربة خاصة الشباب و الأطفال مستغلين الحاجة و بعض المشاكل الاجتماعية للنفاذ إلى عقول ضعيفة و الترويج لخطاب معتدل يتمحور على محاسن المسيحية كديانة تدعو إلى المحبة و السلام ، و أن المسيحية ليست رديفة الاستعمارو الحروب الصليبية و استخدام عبارات “عيسى يحبكم” أو “يحبكم محبة أبدية” أو “كل هدية من الله تأتي من يدي عيسى”. كلمات وإن تبدو غريبة فإنها تصبح مع مرور الوقت و في لحظات ضعف إلى حلقة أساسية لتمرير رسائل مصبوغة هي طعم يجد له قبولا لدى الشباب و الأطفال و مرحلة في اتجاه إتمام مخطط محبوك و مدروس بدقة متناهية. لا يختلف اثنان في كون العقيدة الاسلامية تعد رابطا دينيا للمغاربة و ضامنا لاستقرار ووحدة الأمة كما تعتبر نقطة قوة في وجه كل خصوم الوطن، إذ لعبت دورا كبيرا في تحقيق المغاربة لاستقلالهم و كرامتهم، ولأجل ذلك لم يدخر المنصرون أي جهد لتفكيك هذا التلاحم الروحي والعمل من أجل تشتيت تآلف مكونات مجتمع مغربي يزخر بتنوع ثقافته و لسان أهله من الشمال إلى الجنوب، هذه العناصر مثلت موضوعا اشتغل عليه دعاة التنصير مسخرين لذلك أفواجا بشرية تتردد بشكل مكثف على القرى و البوادي بالدرجة الأولى في الريف و الأطلسين و سوس عبر وسائل تقليدية تعتمد على التواصل و التعايش مع أهل المنطقة و البحث عن سبل التعاون معهم أو بتسخير تقنيات علمية كوسائل الاتصال الحديثة داخل المجالات الحضرية عبر شبكة الانترنت و القنوات الفضائية و الإذاعية التي لم تعد لها حدود في عالم تحول إلى قرية صغيرة. بموازاة ذلك تظل المبادرات الإنسانية تشكل العمود الفقري لأي تحرك داخل الأحياء الفقيرة و بمحيط المدارس سعيا لخلخلة فكر فئات يمكن أن تستوعب خطابات و برامج في شكل انفتاح الثقافات فيما بينها أو دعم المناطق ذات النقص في الخدمات و البنيات. وسائل عمل المنصرين لم تقتصر على ما هو تطوعي و اجتهاد فردي بل انفتحت على مستجدات علمية أضحت تفرض نفسها في الحياة اليومية، فمن خلال إطلالة ولو بسيطة على ما تحفل به الشبكة العنكبوتية من مواقع وإذاعات ذات الارتباط بدعوات التنصير وقفنا على نماذج منها موجهة بالأساس للمغاربة و تتفنن في تأثيث موادها بما يتناسب و الخصوصية المحلية سواء بمنطقة سوس أو الريف على سبيل المثال. www.4maroc.com أو RADIOLOVE MARROCO أو WWW.TACHELHET.COM أو إذاعة المحبة نماذج لفضاءات ومنتديات عمد مؤسسوها على إثراءها بكافة المواضيع و المحاور لاستقطاب الكبار و الصغار من مسابقات و أغاني و أفلام و مكتبة تعرف بالمؤلفات و الكتب المسيحية و برامج حوارية و ركن تعارف وغرف الدردشة الصوتية و المكتوبة مع إمكانية التحميل المجاني و توفير خدمات الروابط الإلكترونية للقيام لمن يرغب في التعمق و معرفة المزيد مع توفير ترجمة للإنجيل، كلها مؤثرات غالبا ما تنجح في ضمان متتبعين يصبحون زبناء مشروع استقطابي يستأنس الشباب بمضامينه لدرجة الإدمان الذي يصبح مع مرور الوقت سهل المنال بالنسبة لشبكات التنصير التي تكون على قدر كبير من المعرفة بمشتركيها الدائمين هم في الأصل جسرا و فريقا وأرضية لترويج خطاب مسيحي على نطاق أوسع. انطلاقا من الوقائع التاريخية لمسار الإسلام و انتشاره فإن المغرب عرف ديانات مختلفة أهمها المسيحية و اليهودية وهو ما تؤكده الدراسات التاريخية و بصمات لا تزال موجودة تحكي تاريخ مناطق بالمغرب تعايش فيها اليهود و المسيحيين و المسلمين. من هنا كان منطلق المنصرين معتمد اعلى خريطة محددة تبتدئ من الأصول القديمة لتواجد المسيحية كالريف و سوس هي مناطق أمازيغية ترى فيها مخططات الكنيسة أرضا خصبة لإعادة تواجدها خاصة بالبوادي في إطار زيارات سياحية و جولات استطلاعية تفسح لهم المجال في تبادل أطراف الحديث بلغات مختلفة بما فيها الدارجة المغربية أو الأمازيغية التي أصبحت سلاحا يتزود به المنصرون بغية تواصل أكثر وانصهار في ثقافة الوسط الاجتماعي للفئة المستهدفة . فيما تتحول المدن الكبرى والحواضر الآهلة بالسكان إلى نقطة تمركز و استقرار ونقطة انطلاق أو التسوق درءا لكل الشبهات. عند إثارة النقاش في مسألة التنصير يبدو عند غالبية الناس أمرا مجهولا أو لا أهمية له لكون معالمه لا تتضح بشكل ملفت لدى العامة، فيما أنه في واقع الأمر قد قطع أشواطا تبينها الحالات المتتالية التي وقفت عليها السلطات الأمنية أو صادفها المواطنون في جهات مختلفة من المملكة آخرها المجموعة التي تم فضح مشروعها التنصيري بالسعيدية. بل إن الآذاعات التي تبث برامجها على شبكة الأنترنيت تستعين بمغاربة كشهادات لمواطنين ينتمون إلى مدن مغربية في الشمال و الجنوب نساء و رجالا و شبابا و شابات يقدمون كأبناء من المغرب يتحدثون عن تجربتهم في اعتناق المسيحية بالدارجة العامية بينهم وفق ما تقدمه نشرات إشهارية التاجر و الأستاذ و العاطل و الطالب و الخياطة و مستحضرين اللحظات الأولى لاعتناقهم دين عيسى. ويتم في هذه الشهادات التعريف بالمسيحية بأوصاف لا تبدو بعيدة عن ما جاء به الإسلام الحنيف كالمحبة و الأخوة و السلام وتصف المغرب بالبلد الآمن و الجميل عبارات يأمل منها دعاة التنصير أن تنفذ بسلاسة إلى عقول يائسة لترتمي بين أحضان مسيحية وضعت على مقاس خاص. أنشطة التنصير أصبحت تنتشر على نطاق واسع جدا يسخر لها ما أمكن من الوسائل المعنوية و المادية التي يصعب للمكلف بتنفيذ مشروع تنصيري أن يوفرها طيلة مدة إقامته بالمغرب ويضمن تكاليف التحرك داخل نطاق جغرافي شاسع مما يؤكد أن الأمر وراءه جهات تمتلك ما يكفي من الإمكانيات لبلوغ مستويات مشجعة كما هو حاصل في بلدان إسلامية أخرى استطاعت فيها الكنيسة أن تضمن لها موطئ قدم و مكانة بارزة في توجيه الجانب الروحي و الديني للساكنة والذي توج بانطلاق عمل فضائيات و إذاعات رسمية حالها كحال باقي القنوات التي تعم كل البيوت دون رقابة أو منع من قبيل sat7 و راديو المحبة و وحياة TV و راديو الطريق فيما أخرى قيد الإنجاز و تنتظر تراخيص البث حتى وإن منعت يبقى أمرا انطلاقها من بلدان أجنبية أمر واردا لتفرض نفسها على بيوت الأسر المسلمة دون استئذان وهنا تكمن الخطورة. أهمية الموضوع دفعت العلم إلى استفسار مختصين في علم الأديان من خلال الباحث في التنصير الدكتور محمد السروتي : في رأيكم ما هي الأساليب المعتمدة في مخططات التنصير بالمغرب؟ إن الحديث عن الأساليب والوسائل التنصيرية المستعملة في المغرب، حديث يضيق المقام عن حصرها وعدها، و لتقريب الموضوع يمكن اعتماد التصنيف الذي سطره المنصرون في المؤتمر التنصيري الذي عقد في الولاياتالمتحدةالأمريكية بولاية كلورادو سنة 1978 تحت عنوان “التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي”، الذي حدد الأساليب التنصيرية في ثلاثة. أولا الأسلوب المباشر يقصد به التنصير العلني ويسمى بالنهج الكلاسيكي، وهو متجاوز مقابل نهج آخر متطور قائم على الوعظ والتناظر ومعتمد على استعمال الرقة واللين عند المخاطبة، مثل التسامح والحب والأخوة والرقة والمساواة وقد برع في هذا المجال القس “صموئيل زويمر” المعروف بمقولته “لنجعل هؤلاء القوم المسلمين يقتنعون في الدرجة الأولى بأننا نحبهم، فنكون قد تعلمنا أن نصل إلى قلوبهم” وثانيا الأسلوب الشامل الذي ينشر الجو النصراني، ويجعله مألوفا في الأوساط الإسلامية، ويجذب هذا الأسلوب الضحايا إليه، لا من خلال الدعوة المباشرة، بل من خلال الأدبيات النصرانية، والمؤسسات التعليمية. وهو أسلوب مساعد حقق نتائج باهرة، ومكن من الاختراق الفعلي للمجتمعات الإسلامية. لقد كان التعليم يحظى باهتمام المنصرين، وأفضل طرق التنصير عندهم، كما اعتبروه أقوى المؤثرات الفكرية على الإطلاق، كما رأوا أن المدارس تجعل الناشئين تحت تأثير التعليم النصراني أكثر من أي قوة أخرى. ويقول هنري جيبس تأكيدا على أهمية هذا الجانب:”إن المدارس شرط أساسي لنجاح التبشير”، ويضيف المنصر الأمريكي “ماكدونالد”: “ليس هناك ثمة وسيلة للتأثير على المواطنين أفضل من جمع أبنائهم في حجرات الدراسة”. لذا شهد المغرب فتح مجموعة من المدارس البروتستانتية، “فكانت مدرسة الصويرة للبنات سنة:1878، ومدرسة طنجة للبنات سنة:1892، وأخرى للذكور سنة:1893، وفي نفس السنة بتطوان. لذا ليس غريبا أن يتخذ التعليم مطية لتبرير تواجدهم في البلاد، ووسيلة لخدمة أغراضهم وأطماعهم، وهذا الجانب لا زال يحتاج للمزيد من البحث والدراسة والتقصي. وإثباته حاليا أمر غاية في الصعوبة. ثم الأعمال الأدبية ونقصد بذلك الأدب التنصيري تحديدا، وهو ألوان أدبية وفنية مختلفة، تشمل القصة والمسرحية، والقصيدة التي تحمل في طياتها الدعوة إلى اعتناق النصرانية والتنفير من الإسلام وغيره من الديانات الأخرى. وانطلاقا من هذا التعريف يمكننا إدراج بعض الأعمال الأدبية التي توزعها بعض المؤسسات التنصيرية وتفد على المغرب، بمختلف الطرق وشتى الأساليب ومن هذه النماذج رواية”الباكورة الشهية” عبارة عن رواية تاريخية وطبعت بعنوان آخر هو “الباكورة الشهية في الراويات الدينية”، وقد أصدر بشأنها بيان سري من الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي سنة قبل سنوات حيث أحيلت هذه الرواية على كل من الشيخ محمد الغزالي، والدكتور عبد العظيم المطعني من أجل كتابة ردود على الشبهات التي أثارتها، ومنها أيضا رواية”حميد قصة من المغرب العربي”. وهي من الروايات الوافدة على المغرب ولا يستبعد أن تكون مؤلفتها قد عاشت بالمغرب، لإيراد قضايا لا يعرفها إلا من كان بين المغاربة. وثالثا الأسلوب غير المباشر الذي يعرفه المنصرون بالقوة الصامتة، وغير المرئية، التي لا تدخل في أي جدال، ولا تقبل أي اعتذار وعلى الرغم من ذلك تنتقل من العقل إلى القلب والضمير لتحدث معجزة التنصير أما عن وسائله فهي كثيرة جدا،. ويشمل الكراسات الدينية، الصحف، الرسوم الكرتونية المتحركة، الكتيبات والكتب، المجلات، دورات المراسلة، النصوص الإذاعية والتسجيلات، المسرحيات، ومواد القراءة والكتابة، ترجمات الكتاب المقدس، الصور والملصقات وتضاف إلى هذه الوسائل كلها، أنواع أخرى منها استغلال الخدمات الإنسانية، والتضليل والتلبيس، واستغلال المرأة. هل يمكن الحديث عن خريطة محددة يعتمد عليها المنصرون بالمغرب؟ إن فشل الكنيسة في تحقيق أهدافها لا يعني توقف محاولاتها ولا انتهائها، بل ازدادت شراسة وحدة مع مرور الزمن خصوصا في الفترات الأخيرة مستغلة مجموعة من العوامل إضافة إلى الموقع الاستراتيجي باعتباره أقرب مدخل للأوربيين إلى إفريقيا، ولما يمكن أن يشكله من خط دفاع متقدم عن النصرانية في أوروبا. كل هذه الأمور جعلت المغرب يحظى بالأولوية قديما وحديثا في الكثير من البرامج والمخططات التنصيرية، وأكبر دليل على هذا الاهتمام هو أن المجلس العالمي للكنائس أعلن سنة 2002 سنة دولية للتنصير في المغرب. ولعل اتسام بعض المناطق في العالم بمميزات خاصة يجعلها أكثر عرضة للظاهرة من غيرها، فيمكن مثلا الحديث عن الموقع الجغرافي لبعض المناطق خصوصا الحدودية منها كالشمال في الناظور و الحسيمة بحكم وجود مدينة الناظور قرب مدينة مليلية المحتلة التي تعد مركزا تنصيرا مهما لمختلف الطوائف البروتستانتية وغيرها خصوصا منظمة شهود يهوه الأمريكية، وبها يتم إعداد بعض البرامج التنصيرية الإذاعية قبل إعادة بثها لشمال المغرب كما تحتضن برامج لإعداد بعض الترجمات التنصيرية لنصوص الكتاب المقدس إلى الريفية تحديدا . ولعل بعض التقارير الأجنبية تتحدث عن امتداد كنسي من سبتة السليبة إلى مدينة الحسيمة، وفق إفادة الكاتب الاسباني “لويس منويل أثنار” الذي تحدث عن مشاريع تحت الغطاء الاجتماعي لإيواء الأطفال المعدمين وضمن مشروع يسمى “بيت الأسرة”، وتحدث التقرير عن تفكير جدي لاستثمار بناية الكنيسة ومرافقها في مثل هذه المشاريع، خصوصا بعد إخلاء إحدى البنايات المجاورة التي كانت مقر لسكن الراهبات الفرنسيسكانيات،كما شهدت الكنيسة الموجودة بالناظور إصلاحات و أشغال توسيع لمرافقها همت إحداث أقسام للدراسة و التأهيل المهني في الطبخ و الخياطة و المعلوميات لاستقطاب فئة الشباب ذكورا و إناثا من خلال مشاريع تمولها منظمات غير حكومية إسبانية. وتعتبر مدن الشرق كوجدة،السعيدية و بركان بحكم محاذاتها للجزائر التي شهدت حركة تنصيرية قد سجلت نسب خطيرة غير مسبوقة خصوصا في المناطق القبائلية من المناطق المفضلة لحركة التنصير وتكفي الإشارة إلى أن أغلب المؤسسات التنصيرية في الجزائر مهتمة بالمنطقة الشرقية من المغرب، ويمكن الإشارة إلى جمعية الكتاب المقدس التي يترأسها “كاميف بيار” وهو من مواليد وجدة، ومقرها في قلب العاصمة الجزائرية، ومن تجليات العمل التنصيري تأسيس مكتبة الحدود التي أشرف على تسييرها المنصر البروتستاني “ماكنتون” والذي عمل خصوصا على استقطاب طلبة جامعة محمد الأول بوجدة، وقبل ذلك كان مشرفا على مكتبة “لوازيس” بفاس. إن الاهتمام بالمنطقة الشرقية باعتبارها نقطة ارتكاز لمحور رابط بين منطقة القبائل الجزائرية ومناطق الأطلس المغربية التي تشهد ضعفا في الخدمات الاجتماعية و الصحية و بالريف بحكم وجود أكبر نسبة جالية مقيمة بالخارج متمكنة من مختلف اللغات، يبقى فرصة سانحة للامتداد التنصيري فيها. وفي هذا الصدد تحدث تقرير نصف السنوي صادر عن مؤسسة الفاتيكان في سنة 2001 عن المنطقة الشرقية باعتبارها إحدى المناطق المثيرة، ويقول التقرير:”ودلت تجارب حاملي البشارة المسيحية الذين عملوا في مناطق الشرق من المغرب أن هناك إمكانيات داعية لمواصلة العمل الميداني في مجالي إيصال البشارة اليسوعية، وإزالة سوء التقدير العام تجاه النصرانية، عبر ادماج أكبر في مشاريع للتنمية المشتركة وخدمات الصحة والإعانات لذوي الاحتياجات الخاصة، وتيسير طرق البحث والدراسة في مجال اللاهوت المسيحي، إن منطقة وسط شرق المغرب يمكن تسجيلها ضمن دوائر التواصل بين الأديان خاصة مع زيادة العمل لتحقيق هدف إزالة الحواجز النفسية ونبذ سوء الفهم المتبادل”. ولعل من بين والعوامل المشجعة لاستمرار حملات التنصير الوجود الأمازيغي بالمغرب فهناك تركيز على المناطق الأمازيغية، ويشهد لذلك الكم الهائل من المطبوعات الموجهة للمناطق الناطقة سواء بالأمازيغية السوسية أو الريفية بغية اللعب على هذا الوتر وكسب مؤيدين و مريدين. إن ما حدث في نهاية الأسبوع الماضي، من إيقاف لزهاء 17 شخصا من طرف الشرطة القضائية بوجدة، لحدث يستدعي وقفة للتأمل في هذه الواقعة، فالعدد الذي تم توفيقه ليس بالعدد الهين فالأمر لا يتعلق بخمس أو ست أفراد بل بمجموعة هذا أولا، أما الأمر الثاني فإن هذا اللقاء لم يكن خاصا بل أشارت إحدى القصاصات الإخبارية المتعلقة بالموضوع بأن الأمر يتعلق باجتماع عمومي غير مرخص به ويهدف لنشر النصرانية بالمغرب واستقطاب المغاربة إليها كما أن هذا اللقاء ضم جنسيات مختلفة بالإضافة إلى المغرب، مواطنين من جنوب إفريقيا، غواتيمالا، سويسرا وفي نفس الأسبوع الذي عرف توقيف هذه المجموعة شهدت إحدى أزقة مدينة وجدة “زنقة مراكش”، توزيع منشور تنصيري بشكل علني. وأفاد بلاغ عن وزارة الداخلية أن عمليات التفتيش في عين المكان مكنت من حجز العديد من الأدوات التبشيرية من ضمنها كتب وأقراص مدمجة باللغة العربية وبلغات أجنبية، ليتم تطبيق قرار الترحيل في حق الأجانب وهنا لابد من الإشارة إلى أن عوامل عدة تجعل من إمكانية الحد من نشاطات المنصرين في بعض المناطق أمرا بالغ الصعوبة، وتجعل المغرب تحت هجمة تنصيرية شرسة تزداد يوما بعد آخر، ورغم شراسة الهجمة وقوتها فإنها تصطدم في المنطقة الشرقية تحديدا بمميزات وعوامل تقوض العمل التنصيري رغم إمكانياته المادية الضخمة وتجعل مستوى الاستجابة في حدوده الدنيا إن لم نقل المنعدمة وهذا راجع إلى الطبيعة المحافظة للمنطقة هذا أولا وثانيا للحراك الاجتماعي بها، وأيضا لجدة بعض المؤسسات الرسمية والتي كانت سباقة على المستوى الوطني في التتبع وتخصيص فعاليات علمية للدراسة والتنبيه على خطورة الظاهرة، ولعل السبق في المجال يعود للمجلس العلمي بوجدة الذي نظم فعالية تحسيسية كبرى. في ظل التوجس من هذه الظاهرة كيف ترى تعامل الوزارة الوصية على الشأن الديني ببلادنا؟ طبيعة الظاهرة في مجمل أنشطتها وأعمالها تتسم بالسرية والخفاء، ولا شك أن ما حدث في الأيام القليلة الماضية يدعو حقيقة إلى عدم الاستهانة بما يحصل، بل لا بد من التيقظ والعمل الجاد خصوصا وأن موجة التنصير التي يعرفها المغرب في السنوات الأخيرة تزداد شراسة وحدة، وتتجاوز ما كان معروفا في الأمس القريب في الاعتماد على التقنيات التقليدية؛ من بث إذاعي واستعمال للبريد من خارج التراب الوطني للوصول إلى الفئات المراد تنصيرها ثم الانطلاق في ذلك من الداخل بالاتصال المباشر بهذه الفئات واعتماد تقنيات متطورة في تبليغ “البشارة” كما يدعون، وبذلك انبثقت مواقع ومدونات ومنتديات اليكترونية متعددة موجهة إلى الشباب المغربي خصوصا. من قبيل: “حب المغرب، أصدقاء، الكلمة، مركز أطلس للخدمات المسيحية” وغيرها كثير. وعلى الرغم من الاعتراف الرسمي بوجود حركات تنصيرية تنشط فوق التراب المغربي، إلا أنه ليست هناك إحصائيات في المجال أو على الأقل لم تقدم هذه المعطيات للرأي العام و غياب معطيات رسمية يستند إليه البعض في التقليل من الظاهرة ووصفها بالفقاعة الإعلامية التي تحسن بعض الأطراف إطلاقها بين الفينة والأخرى، إمعانا في التقوقع على الذات، خوفا وتوجسا من الأخر. و يبقى الشيء الأبرز في هذا الصدد أن وزارة الأوقاف وجهت في إحدى السنوات جميع الخطباء والوعاظ لضرورة تخصيص خطب جمعة ودروس للتنبيه لظاهرة التنصير وخطورتها في المغرب، كما شهدنا في سنة2001 صدور مراسلة من السيد وزير الأوقاف السابق بخصوص الظاهرة، وفي يناير2008 صدرت مذكرة توجيهية من المجلس العلمي الأعلى إلى المجالس العلمية المحلية، وكذا القيام بفعاليات علمية تحسيسية كبرى في كل من الناظور، وجدة، فاس و مدن أخرى. وتطالعنا الصحف أحيانا بمتابعات أمنية لبعض المنصرين تصل أحيانا إلى ترحيلهم، كما حدث في قضية الدارالبيضاء، وأخيرا بالسعيدية كل هذه المعطيات في نظري دالة على اهتمام وتتبع دقيق للظاهرة، حتى لو غاب المعطى والرقم ولابد أيضا من التعاطي مع الموضوع برؤية استراتيجية، لتجاوز منطق رد الفعل، ولكسر أغلال التناول “الموسمي” للظاهرة، وحدث السعيدية يقع قبل أسبوعين من انطلاق حفلات أعياد الميلاد. للأسف يمكن القول إن سمة المناسباتية والموسمية تطبع بشكل جلي وواضح سياسة تعاملنا مع الظاهرة .فما أن ظهرت منشورات تنصيرية متداولة، حتى أصدرت مذكرة للتتبع والتحذير من الظاهرة وأعقبتها ملفات إعلامية وما أن تعاملت السلطات مع قضية مراكش وطاطا وأخيرا البيضاء حتى انبرت وسائل الإعلام للحديث عن الظاهرة وهكذا دواليك. لكن السؤال المطروح هل فقط ننتظر وفودا من الهيئات التنصيرية للمجيء إلى المغرب كي ننبري للحديث عن الظاهرة؟؟ وما المانع في أن تكون لنا من استراتيجية حقيقية بعيدة المدى للتعامل مع الظاهرة أو مثيلاتها؟ وهل من مقاربات ورؤى اجتماعية وسياسية ودينية جادة للعلاج؟؟ وما المانع في تأسيس هيئات أو مركز وطني للتتبع والرصد لمثل هذه الظواهر؟؟؟ والأسئلة هذه في حاجة إلى جواب طبعا. ألا ترى أن المسؤولية مشتركة و لا تتحملها الوزارة لوحدها ؟ لست من الذين يعلقون مشكلة التنصير على مشجب واحد، ولا من الذين يحملون طرفا المسؤولية على آخر، إن المسؤولية مركبة ومشتركة على الجميع الإسهام في حلها كل من زواية اشتغاله الأباء في أسرهم، والباحثون في دراساتهم، والصحفيون من منابرهم الإعلامية، وهكذا وعلى الرغم من ذلك، نقول لا بد من تظافر الجهود بين جميع المؤسسات، ولابد من معالجة موضوعية للظاهرة بدون مزايدات، بل معالجة تنطلق من تحصين أطفالنا على مستوى التربية الإسلامية، والتاريخ، وكذا تحسين دور الأسر في هذا المجال، وعلى المعنيين بالأمر القيام بدورهم الأساسي في حماية الهوية الدينية للمغاربة والأهم من ذلك مأسسة متابعة الظاهرة. ثم إن الرهان الأكبر والأكثر جدية لمواجهة التنصير، تكمن في تمتين مناعة الذات المغربية إزاء هذه الظواهر سواء أكانت :”تنصيرا، أم تشيعا، ومنطلقه يبدأ أساسا من تحصين الفرد ضد كل أنواع التجييش التي تحوله إلى جزء من قطيع ينساق وينقاد من بعيد، وحمايته من كل الأنماط التي تعمل على تهييئه ليصبح موضوعا طيعا للتحكم الذهني والنفسي، وهنا يأتي دور كل الفعاليات المسهمة في إعداد ثقافة الإنسان بدءا من الأسرة مرورا عبر المسجد و المنظومة التربوية وصولا للمراكز العلمية، من خلال ترسيخ القيم والثوابت المغربية الأصيلة في وجدان الناشئة وبتعزيز وترسيخ المناعة الثقافية التي تحفظ كياننا وهويتنا من الانسلاخ والذوبان، والتي تجعلنا ذاتا فاعلة لا منفعلة، بتأصيل العقيدة الإسلامية، والتربية الدينية في مناهج التعليم والإعلام. وأرى أن مأسسة متابعة ورصد الظاهرة أو من على شاكلتها، أمرا بالغ الأهمية في الوقوف على طبيعتها وتجلياتها في مختلف مناطق المغرب، تبدأ بخطوة أولى عبر تشكيل خلايا لرصد وتتبع تجليات الظاهرة تابعة لوزارة الأوقاف خصوصا وأنها تتغلغل بشكل منظم، وليست مجرد جهود فردية. فكيف يعقل أن نتحدث عن علاج للمرض في غياب شبه تام للتشخيص؟ فالجهد التنصيري الضخم يتطلب لمواجهته عملا جماعيًّا منظمًا، لا يفي به بحث هنا أو مقال هناك، وعليه إن متابعة هذا النشاط الواسع لا تقوم به إلا المؤسسات والمراكز العلمية المدعومة رسميا، ونحن نفتقد إلى يومنا هذا وجود مؤسسة متخصصة ترصد هذا النشاط وترد على جدلياته.