أضحى الزحف التنصيري واقعا غير قابل للإخفاء أو التجاوز في المغرب وتعددت الأخبار و الوقائع التي تعكس صورا متجددة و مسترسلة من النشاط التبشيري بالمجتمع المغربي الذي ظل طيلة قرون وحقب متمتعا بمناعة خاصة ضد الحملات التنصيرية المتعددة . لماذا تغير الوضع الآن؟ وهل تشكل البعثاث التنصيرية المعتمدة منها على وسائل التواصل و القرب المتوفرة و تكنولوجيا التواصل الرقمية خطرا يستهدف القيم الصلبة للمجتمع المغربي ؟. ما حقيقة المد التنصيري بالمغرب و ما هي الجهات المحركة لشبكاته و دواليبه ببلادنا و الى أي حد استطاعت جدار المناعة الحضارية للموروث الديني المغربي الصامد عبر الأجيال ؟ كم عدد المنصرين و المبشرين بالمغرب وماهي حدود نشاطهم و تحركهم ؟. أسئلة و ألغاز محيرة و حقائق تستضيف العلم الباحث الدكتور محمد السروتي مسؤول الأنشطة العلمية بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة لتفكيك خيوطها المتشعبة : حاوره بوجدة : رشيد زمهوط العلم : أستاذ السروتي , ناقشتم مؤخرا رسالة الدكتوراه في موضوع " ظاهرة التنصير في المغرب : حقائق ووثائق" هل لكم أن تقربوا القارىء من الحجم الحقيقي للظاهرة بالمغرب من حيث تطور أعداد المتنصرين و ظروف نشاط المنصرين و خلفياتهم؟. شكرا جزيلا لجريدة العلم على إتاحتها لي الفرصة للحديث عن الموضوع في هذا المنبر الإعلامي الذي كان سباقا لإثارة الموضوع من خلال مقالات ودراسات وقصاصات إخبارية عدة نشرت في هذا الصدد منذ سنوات... إن جانب المعطيات والإحصائيات الدقيقة لعدد المنتصرين في المغرب هو بلا شك أحد أهم وأعقد الجوانب في دراسة الظاهرة، وعليه يمكننا مقاربته من زاويتين: الأولى رسمية ، والثانية غير رسمية. - بالنسبة للجانب الأول فعلى الرغم من الاعتراف الرسمي بوجود حركات تنصيرية تنشط فوق التراب المغربي، إلا أنه ليست هناك إحصائيات في المجال أو على الأقل لم تقدم هذه المعطيات للرأي العام، على الرغم من مسائلة بعض الفرق النيابية لوزارة الأوقاف عن الظاهرة، في أكثر من مناسبة. وغياب المعطيات الرسمية يستند إليه البعض في التقليل من الظاهرة ووصفها بالفقاعة الإعلامية التي تحسن بعض الأطراف إطلاقها بين الفينة والأخرى، إمعانا في التقوقع على الذات، خوفا وتوجسا من الأخر. ويبقى الشيء الأبرز في هذا الصدد أن وزارة الأوقاف وجهت في إحدى السنوات جميع الخطباء والوعاظ لضرورة تخصيص خطب جمعة ودروس للتنبيه لظاهرة التنصير وخطورتها في المغرب، كما شهدنا في يناير من السنة الماضية صدور مذكرة توجيهية داخلية عن المجلس العلمي الأعلى. *-أما الجانب غير الرسمي: في ظل الغياب التام للمعطيات والإحصائيات الرسمية ترك المجال مشرعا أمام مختلف الهيئات الإعلامية والصحفية سواء الوطنية أو الأجنبية، لإيراد إحصائيات سمتها الأساس عدم الدقة، فمثلا تشير بعض الصحف المغربية إلى وجود حوالي 150 ألف مغربي يتلقون عبر البريد من مركز التنصير الخاص بالعالم العربي دروسا في النصرانية. كما تشير تقارير أخرى عربية وغربية إلى وجود حوالي 800 منصر بالمغرب، وحوالي 13 كنيسة بالمغرب... وأشارت أخرى إلى أن عدد المنصرين الأوربيين يقدر بحوالي 900 منصر، 500 منهم يوجدون بشكل دائم بالمغرب، و5 قساوسة من البروتستانت مسجلين رسميا في الكنيسة الإنجيلية... وقدرت بعضها عدد الذين استبدلوا الدين الإسلامي بالمسيحية بحوالي 7000 شخص غيروا دينهم في المغرب، 2000 شخص في الدارالبيضاء لوحدها، في حين تشير أخرى إلى أكثر من30 ألف مغربي، وتحدث البعض عن أن مصالح مديرية الاستعلامات العامة التابعة للإدارة العامة للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني رصدت حوالي 45 ألف مغربي تنصر. العلم : هناك تضارب وتناقض في الأرقام المقدمة ؟ لا شك أن بعض هذه الأرقام مبالغ فيها، ومتضاربة بشكل واضح،. لكنها في النهاية دالة ومؤشرة على وجود حقيقي واقعي للظاهرة، وليست مجرد فقاعات إعلامية... بيد أن الإحصائيات ليست وحدها الدالة على الظاهرة، بل إن الآليات والأساليب التنصيرية هي أيضا مؤشر مهم، ورصدها وتحليلها ودراستها أمر بالغ الأهمية. إذن، فالأمر يتجاوز بكثير كونها مجرد فقاعات إعلامية أو حالات فردية متفرقة وهامشية تظهر في مختلف المدن المغربية، الشيء الذي يدعو إلى عدم الاستهانة بما يحصل اليوم. كل هذه الأمور تقتضي المعالجة الموضوعية للظاهرة بدون مزايدات، بل معالجة تنطلق من تحصين أطفالنا على مستوى التربية الإسلامية، والتاريخ، وكذا تحسين دور الأسر في هذا المجال. وعلى المعنيين بالأمر القيام بدورهم الأساسي في حماية الهوية الدينية للمغاربة ويأتي في مقدمتها وزارة الأوقاف والتعليم والداخلية. العلم : طيب ما هي الخلاصات التي توجت عملكم البحثي في ما يتعلق بأصول و تمظهرات النشاط التنصيري بالمغرب خاصة في السنوات الأخيرة ؟ هل يطرح في نظركم تخوفات مشروعة تتهدد البنية الدينية في بلادنا المشهورة بتسامحها مع معتنقي الديانات التوحيدية الأخرى ؟ . إن الحديث عن الأساليب والوسائل التنصيرية المعتمدة في المغرب وتمظهراتها المتعددة، حديث يضيق المقام عن حصرها وعدها، ويمكن لتقريب الموضوع اعتماد التصنيف الذي سطره المنصرون أنفسهم في المؤتمر التنصيري الذي عقد في الولاياتالمتحدةالأمريكية بولاية كلورادو سنة 1978 تحت عنوان "التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي" الذي حدد الأساليب التنصيرية في ثلاثة: الأول هو الأسلوب المباشر، والثاني هو الأسلوب الشامل، والثالث هو الأسلوب غير المباشر... وجل الحركات التنصيرية في كافة البلدان ومن بينها المغرب، تندرج أساليبها ضمن هذا الإطار العام المرسوم، ويتم تنويع الوسائل وتجديدها، وتطويعها للبيئة التي تعمل بها المنظمات التنصيرية. وسأكتفي في المقام بالإشارة إلى استهداف الشباب وهو نابع أساسا من أهمية ودور هذه الفئة الاجتماعية في تحديد مجموعة من الخيارات الاستراتيجية وهنا تكمن خطورة الظاهرة، حيث تجعل منه مدخلا من مداخل التنصير، لذا يمكن ربط هذا الاهتمام بالهدف المنشود في أفق سنة 2020، للوصول إلى نسبة 10 % من المتنصرين. وإن اعتبر الرقم في ظل الواقع المعاش ونتائج المنصرين ضربا من الخيال، لكن رغم ذلك فالمتتبع لمنشوراتهم وأنشطتهم يدرك جيدا أنهم جادون في العمل وساعون لذلك بشتى السبل و بمختلف الإغراءات التي تتضمن الدعم المادي وتوفير فرص للسفر والزواج، وكذا تقديم مختلف الخدمات الاجتماعية والصحية والرياضية والترفيهية. العلم : الأمر يتخذ منحى سياسيا , ألا تعتقدون ذلك ؟ بالفعل هذا ما يمكن اعتباره سعيا لخلق أقلية دينية تعمل لاحقا على المطالبة بحقوقها السياسية، والدينية، وهو ما يمهد المنطقة أمام التدخل في شؤونها الداخلية من قبل القوى الغربية بشكل مباشر، أو غير مباشر. الشيء الذي يجعل من مطية التنصير أسلوبا أمثل لتحقيق جملة من الأهداف. فهل يكتفي المعنيون بالأمر بانتظار سنة 2020م، لتبيُّنِ الأمر، على الأقل نرى أن المطلوب تنوير الرأي العام حول الظاهرة، وأجوبة صريحة على حقيقة الأرقام التي تنشر بين الفينة والأخرى، وعن التدابير التي اتخذتها الدولة أو التي بصدد اتخاذها لتحصين الذات من هذه الظاهرة ومن على شاكلتها... وذلك من خلال دراسات جادة تساهم فيها مختلف المؤسسات والأطراف. فهل ما يراد للمغرب عبر بوابة التنصير، أن يكون على منوال بعض الدول؟ أم أن الهدف، هو "لبننة" وتجزئة المغرب حسب تعبير المؤرخ عبد الهادي بوطالب، حيث يقول في هذا الصدد: " إن الحملة الكنسية الأميركية ذات طابع سياسي تستهدف خلق أقليات دينية في المغرب...وذلك في نطاق سياسة تفتيت وتمزيق كيانات الشرق الأوسط الكبير". لا نستغرب مثل التساؤلات السابقة، مادام هناك من يتحدث في الصحافة عن حزب سياسي نصراني، مادام هناك حزب سياسي ديني إسلامي في البلاد ، ولا نستغرب إذا وجدنا من يدافع عن حق المنصرين في حرية التنصير، مادام الإسلاميون يمارسون الدعوة ويبنون المساجد. والفرق واسع وشاسع فالمسلم لا يقدم للمحتاج الخبز أو الدواء بيده اليسرى، ليقدم له باليمنى القرآن... وهو ما يقوم به المنصر. كل هذه الأمور إن هي إلا تمهيدات من أجل الوصول للحديث عن إسلاميي المغرب مقابل نصارى المغرب باعتباره ندا دينيا وسياسيا قائما. ولا تخفى خطورة الأمر خاصة حينما يتم الحديث عن "أقليات نصرانية مغربية تعاني من الاضطهاد الديني، ولا يسمح لها بممارسة حقها في حرية التدين والاعتقاد بشكل علني". وقد ورد ذلك عن تقارير بعض المنظمات الحقوقية، وكذا في ملفات صحفية وفي هذا الإطار نشر الصحفي الاسباني غناسيو سيمبريور مقالا بعنوان " اضطهاد ديني: التحولات الممنوعة بالمغرب" في جريدة »البابيس« نقلته عنه الأسبوعية الفرنسية »البريد الدولي«، ثم موقع الانجيليين الفرنسيين. ويأتي هذا المقال في سياق الأسبوع العالمي، الذي تخصصه الكنيسة الانجليزية لفائدة النصارى المضطهدين في العالم، خلال الأسبوع الثاني من شهر تشرين الثاني من كل عام، وهو أسبوع يجري فيه رصد وإحصاء حالات الاضطهاد، والتتبع، والمراقبة التي يتعرض لها المسيحيون والمنصرون، وتوظفها لجنة الحريات الدينية بمجلس الشيوخ الأمريكي ثم يبنى عليها تقرير الحريات الدينية المشهور. ذلك التقرير الذي يوزع النقاط الحسنة والسيئة على دول العالم، غير أنه يستهدف دائما الدول العربية والإسلامية. وسجل الصحفي الاسباني، أن المشكلة اليوم، تكمن في الأسرة والجيران والمجتمع. ومضى إلى القول إن الفتيان المغاربة يفضلون أن يلحد أحدهم على أن يعتنق النصرانية، فالإلحاد خطأ قد يقع فيه الشبان سرعان ما يتراجعون عنه، في حين أن اعتناق النصرانية يعتبر خيانة. العلم :. هناك من يعتبر أن بروز ظاهرة التنصير بالمغرب يتزامن و يتكامل مع ظاهرة اجتماعية و سلوكية شاذة أخرى أضحت تؤرق الأوساط المهتمة بتأطير الحقل الديني بالمغرب : بروز حركات شبابية طائشة ( بلاك ميتال / كيف كيف / وغيرها ) ما هو تعليقكم على هذا الطرح ؟ في الحقيقة لا يمكن الحديث عن التنصير باعتباره ظاهرة جديدة بالمغرب متزامنة مع الظواهر الآنفة الذكر، بل يمكن القول بتحفظ أن لها امتداد في تاريخ المغرب، وهذا مرتبط أساسا بالموقع الجغرافي الذي يحتله إذ يعد البوابة الغربية للعالم الإسلامي، وأقرب مدخل للأوربيين نحو إفريقيا، من هنا بدت أهمية الوجود النصراني به باعتباره خط دفاع متقدم عن النصرانية في أوربا، خاصة وأن والمغاربة كان لهم النصيب الأوفى في إيصال نور الإسلام وبناء حضارته في أوربا التي بقيت 8 قرون في الأندلس. وفي الوقت ذاته، فإن القول بأنها ظاهرة قديمة ذات جذور تاريخية، قول لا تدعمه الوثائق الكافية، بحيث لا نستطيع في الوقت الحالي تحديد متى بدأ التنصير وكم تنصر من المغاربة، ولا معرفة الطبقات والجماعات العرقية التي تنصرت في التاريخ القديم للمغرب، بيدَ أن غياب هذه المعطيات وشُحَّ الوثائق لا يدفعنا إلى القول بأنها مجرد عمليات سطحية أو فردية حديثة... خصوصا وأن بعض المصادر التاريخية المغربية والأجنبية أشارت إلى وجود الظاهرة ببعض مناطق المغرب خصوصا الساحلية منها، وكذا عن استعانة بعض الأمراء المغاربة بالنصارى في إطار ما يسمى ب" ظاهرة الارتزاق" التي كانت ظاهرة مستمرة الحضور أواخر العصر الوسيط ...إضافة إلى السعي التنصيري المتقدم في الفترات التالية وبكيفيات مباشرة وغير مباشرة، في تثبيت الدين النصراني بالمغرب، الذي لم يسلم منه لا عامة الناس ولا خاصتهم . كما هو الشأن بالنسبة للمنصرين الأوائل من إيطاليا الذين أرادوا تأسيس المذهب الفرنسيسكاني ومناهضة الدين الإسلامي، وإن كانت السمة الأبرز التي يمكن تسجيلها في هذا الصدد أن الكنيسة لم تستطع تحقيق مسعاها ولا مقاصدها في أغلب الأحيان نتيجة عدة عوامل دينية وسياسية واجتماعية مختلفة. واعترف المنصرون أنفسهم بذلك معتبرين ذلك تصلبا وتصد من الجانب المغربي، لكن فشل الكنيسة في تحقيق جل أهدافها لا يعني توقف المحاولات ولا انتهائها، بل ازدادت شراسة وحدة مع مرور الزمن، ويكفي الإشارة في هذا الصدد إلى محاولة الفاتيكان طرح مسألة حرية التدين في المغرب أثناء مؤتمر مدريد الذي عقد للنظر في مشكلة الحماية القنصلية سنة 1880، كما كان المنصرون في طليعة المستكشفين الذي حلوا بالمغرب ومهدوا للاستعمار قبل أن تطأها أقدام الجنود والجيوش وتكفي هنا الإشارة للدور الكبير الذي لعبه الجاسوس دومنيك باديا، و شارل دو فوكو... المغرب:. إذن ضبط الظاهرة ككل ما زال مستعصيا ؟ بالضبط في ظل الغياب التام للمعطيات الرسمية المتعلقة بالتنصير في المغرب، يصعب التحديد الدقيق لحركة التنصير ووصفها بالظاهرة بمفهومها العام، بيد أنني أرجح عدم ربطها بالظواهر والسلوكيات الشاذة الحديثة، وفي الوقت ذاته أرى أن الأمر يتجاوز بكثير كون التنصير مجرد حالات فردية متفرقة أو معزولة تظهر بين الفينة والأخرى في مختلف المدن المغربية ، كما يحلو للبعض تصويرها، بل إن القول بذلك (أي فردية الحالات وراهنيتها) أمر يجانب الصحة والواقع في الكثير من الحالات، ومرد ذلك أن الوثائق التاريخية تشير إلى الظاهرة... كما مختلف المنابر الإعلامية التي خصصت ملفات عن حركة التنصير بالمغرب لم تتحدث عن حالة فردية واحدة، ولم يكن منطلقها حالة هامشية معزولة ، بل أشارت جلها إلى مجموعة أفراد كانوا منضوين في عدة خلايا، كما أن المصالح الأمنية بمراكش في إحدى السنوات لم تستدع فردا واحدا بل مجموعة من الشباب، وللإشارة فإن هذه الالتفاتة الأمنية حسب بعض المتتبعين لم تكن تسعى لمعرفة حقيقة الجماعة وطبيعة أنشطتها ، بقدر ما كان الهدف خلق نوع من الارتباك وإيصال رسالة بأن تحركاتهم مراقبة من طرف أجهزة الأمن، لذا سرعان ما عادت المجموعة إلى ممارسة نشاطها بشكل عاد... كما اعترف المنصرون الأربعة الذين ألقي عليهم القبض بقرية "أقا يكرن" بطاطا أنهم جزء من شبكة تضم اثنا وعشرين فرداً دخلوا المغرب عبر مطار محمد الخامس وانقسموا إلى مجموعات في مدن: مراكش، تارودانت، أمزميز، طاطا... والأكثر من ذلك أن بعض المصادر تتحدث عن العشرات من الإرساليات التنصيرية التي حطت رحالها في السنوات الأخيرة بالمغرب تحت مسميات وأهداف متعددة. ثم إن شبه الإجماع من مختلف المنابر الإعلامية على تعدد أطيافها حول رصد الظاهرة:" التجديد، العلم، المساء، الأخبار المغربية، الاتحاد الاشتراكي، الصحيفة، النهار المغربية، المحجة، السبيل، المشعل..." تجعل من فرضية الحديث عن الموضوع بأنه مجرد تحركات معزولة فرضية واهية، وحديثا لا يستقيم مع واقع هذه الظاهرة. العلم :.في معرض الحديث عن سبل مواجهة التنصير أشرتم إلى أن المسؤولية تقع على الجميع حكاما ومحكومين، و أن المغرب في نظركم حجر الزواية في بناء الأمة العربية والإسلامية، ولابد ن يكون منيعا في وجه الغزو التنصيري. ألهذه الدرجة يشكل المد التنصيري ببلادنا تحديا ثقافيا و سياسيا الى درجة اعتباركم إياه لا يقل أهمية عن حسابات الأمن الاستراتيجي؟ . لا أحد اليوم ينكر أن واقع الأمة ينبئ عن مجموعة كبيرة من المشكلات، وعن صور متعددة من تكالب عدوها عليها، منها المعلن الجلي والخفي المستتر. وإذا جاز لنا أن نرتب هذه المشكلات والصور حسب الأولويات، فإن المتصل بدين الأمة وعقيدتها ينبغي أن ينزل منزل الصدارة من اهتمامنا ومعرفتنا ليحسن فهمه والتعامل معه... وعليه يأتي التنصير في مقدمة هذه المشكلات بما شكلته هجماتها المستمرة من سعي دائم إلى عزل الأمة عن أساسها الديني المتين. وعليه، فظاهرة التنصير لا تقل أهمية عن حسابات الأمن الاستراتيجي كما قلت ، على اعتبار أنها تهدد بشكل مباشر سياسة الأمن الروحي أو الأمن الديني، لأنها مرتبطة بالدين؛ والدين في حياة الأمة ليس قضية شخصية أو حرية فردية، بل هو قضية وجودية للأمة ككل. ومعلوم أن المغرب حظي باهتمام كنسي مبكر باعتباره أقرب مدخل للأوربيين وأكبر دليل على هذا الاهتمام هو أن المجلس العالمي للكنائس أعلن سنة 2002 سنة دولية للتنصير في المغرب، كما تبدي التقارير والدراسات الكنسية اهتماما متزايدا به، باعتبارها منطقة هامة لها الأولوية في برامجها ومخططاتها التنصيرية، إذن فهذه سمة مشتركة بين جل مناطق المغرب في تعرضها لخطر التنصير، ولعل اتسام بعض المناطق بمميزات تجعلها أكثر عرضة للظاهرة من غيرها أمر وراد، فيمكن مثلا الحديث عن الموقع الجغرافي لبعض المناطق خصوصا الحدودية منها؛ مدينة الناظور مثلا بحكم وجودها قرب مدينة مليلية المحتلة، وهناك مدينة وجدة بحكم محاذاتها للجزائر التي شهدت حركة تنصيرية سجلت نسب خطيرة غير مسبوقة، خصوصا في المناطق القبائلية. إلى جانب ضعف بعض الخدمات الصحية والاجتماعية، وهو ما يفسر الامتداد التنصيري في بعض المناطق البعيدة عن الحدود (الأطلس مثلا). خصوصا وأن مداخل التنصير تكاد تكون ثلاثة مداخل أساسية هي:"الفقر، الجهل، المرض"، فأنى وجد هذا الثالوث وفي أي منطقة فهناك فرصة مواتية وأرضا خصبة للتنصير كما يقول المنصرون. ويدخل ضمن البعد الاستراتيجي للجماعات التنصيرية بالمغرب تشكيل نسبة 10 % من المتنصرين في أفق سنة 2020، الشيء الذي يدعو إلى عدم الاستهانة بما يحصل اليوم، بل التيقظ والعمل الجاد خصوصا وأن موجة التنصير التي يعرفها المغرب في السنوات الأخيرة تزداد شراسة وحدة، وتتجاوز ما كان معروفا في الأمس القريب من البث الإذاعي واستعمال البريد من خارج التراب الوطني للوصول للفئات المراد تنصيرها، إلى الانطلاق في ذلك من الداخل بالاتصال المباشر بهذه الفئات... العلم:.نحن الآن أمام صعوبة للتشخيص الدقيق و تنوع و تجديد لأساليب التنصير جغرافيا و باستعمال تقنيات التواصل الحديثة ؟ المتتبع الراصد لمنشورات المنصرين وأنشطتهم يدرك جيدا أنهم جادون في العمل وساعون لتنصير آلاف الشباب المغربي بشتى السبل وبمختلف الإغراءات التي تتضمن الدعم المادي وتوفير فرص للسفر والزواج، وكذا تقديم مختلف الخدمات الاجتماعية والصحية والرياضية والترفيهية. وهناك أيضا وسائل أخرى من قبيل ما يروج في السنوات الأخيرة من أفلام وأشرطة غنائية؛ مثل الفيلم التنصيري الذي صور بالمغرب، مستمدا من الإنجيل قصة بعنوان "الابن الضال" أو "محبة الأب"، وهي في اعتقادي من أهم القصص التي يروجها وينشرها المنصرون، حيث تحولت إلى فيلم تنصيري صُور بلغات ولهجات عدة، كانت من بينها الريفية في مدينة الناظور شمال المغرب. و من نتائج الاهتمام التنصيري بالشباب أيضا ظهور كتابات تتعدي العلمية ومخاطبة العقول لا القلوب، مستغلة فراغ بعض الشباب وقلة معطياته الصحيحة عن الإسلام وضعف تكوينه الديني، ليشحن بأكاذيب موضوعة، غايتها تشويه الدين الإسلامي وتنفير الشباب منه، و هذا ليس بغريب على هذه المنظمات مادام شعار عملهم: "إذا لم تستطع تنصير مسلم فلا تمكنه من أن يكون مسلماً حقيقياً". شبح التنصير يزحف في المغرب رويدا رويدا وبخطى حثيثة، وفق خطط مدروسة ووسائل جديدة تظهر كل فترة ومناسبة، أبطالها منصرون يدركون ما يفعلون، وضحاياها شباب غافل أو جاهل أو فضولي، ووسائلهم الكتب والأقراص المدمجة والمطويات وتأليف الأغاني وشتى الطرق التي تيسر لهم هدفهم المتمثل في تنصير أكبر عدد ممكن من الشباب المغربي. ورغم تصدي كثير من العلماء لهذه الظاهرة، فإن التنصير لم يتوقف ويأخذ أشكالا وألوانا، بل صار المغرب من أولويات الاهتمام الكنسي من خلال برامجها التنصيرية التي تستهدف على العموم مناطق جغرافية محددة خصوصا الحدودية منها؛ فمدينة الناظور مثلا بحكم وجودها قرب مدينة مليلية المحتلة؛... وهناك مدينة وجدة بحكم محاذاتها للجزائر التي شهدت حركة تنصيرية سجلت نسب خطيرة غير مسبوقة، خصوصا في المناطق القبائلية، إلى جانب ضعف بعض الخدمات الصحية والاجتماعية، وهو ما يفسر الامتداد التنصيري في بعض المناطق البعيدة عن الحدود (الأطلس مثلا).