في كل شهر رمضان، أسمع عدداً من الناس ينتقدون تزاحم المغاربة في المساجد ويَصِفون هذه الصلاة بأنها ليست عبادة خالصة لله وإنما ظاهرة نفاق اجتماعي وأن الكثير من "المصلين الجدد" سيعودون إلى ما كانوا عليه بعد انتهاء الشهر. شخصياً، أفضّل أن تكون المساجد مملوءة عوض الشوارع التي لا تسلم من مظاهر التحرش والتعدي على حرمة المواطنات. وأتساءل كيف يستطيع المغاربة قراءة ما تخفيه صدور المواطنين؟ "وأتعجب من قدرتهم الذكية على الاطلاع على ما يخفيه الغيب والمستقبل؟ وتسوقني سلسلة هذه التساؤلات إلى رغبتي في استكشاف كيفية تطوير قدراتهم العجيبة في تحديد المواطن المنافق من غيره وعن الآلية التي اخترعوها لهذا الغرض، بحيث تُمكنهم من أن يزنوا درجة النفاق لدى كل من يقصد المساجد؟ كما أتساءل أيضاً حول النص القانوني الذي يسمح للمغربي بأن يتدخل في مسألة دينية شخصية محضة تَهمُّ المواطن المعني بها والذي هو حر في أن يصلي أو لا يصلي كما هو حر أن يصوم أو لا يصوم؟ وربما سيضع يوما المغاربة هذه الآلية التي اخترعوها عند كل باب مسجد والتي تفضح المنافق بحيث يُمنع من الدخول إلى المساجد؟ لكن الانشغال بالحكم على الآخرين بالفعل هي ظاهرة مقلقة وألاحظها في مجتمعنا على مدار السنة، ولا ينجو أحد منها وتسمع هذه العبارات تتردد يومياً، مثل: "هَداكْ صْلاتو مافَيْتاشْ" أو "هَداكْ غَدي يْمْشي للنَّار" أو "هاديكْ مَتْسْواشْ سْحَّارَة" الخ... والأخطر في الأمر هو أنه حينما يحكم شخص على الآخر وسط مجموعة من الناس تراهم يستقبلون الحكم بدون أي تحري لحقيقة ما يروج له المتحدث ويُنقل أوتوماتكياً إلى آذان أخرى. فما هي أسباب هذه الظاهرة؟ أسبابها عديدة وهي نتيجة للتربية السائدة والتي تجعل الفرد منذ طفولته يسلك هذا السبيل الخطير على سلامة المجتمع. ولهذا، أقترح عليكم، بكل تواضع، بعض الأسباب التربوية التي تنسج لنا ما نراه في مجتمعنا: 1- التربية المدنية - غياب احترام الطفل في كيان جسده وشخصيته وأفكاره؛ وهو ما يجعله يتعلم أسوء مناهج النقد والتحطيم والسخرية من الآخر وتشويهه وعدم احترامه. وبهذا الشكل، يُنتج الطفل النموذج الذي رآه في والديه ورسخته لديه المدرسة وشاشة التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن الثقافة السائدة في المجتمع المغربي هي ثقافة الانتقاد والحط من قيمة الآخر والاجتهاد في البحث عن العيوب والسلبيات وتضخيمها وتجاهل كل الإيجابيات. - غياب تربية الطفل على قيم احترام الآخر بصفة عامة، وبالخصوص فيما يتعلق بالمسائل الشخصية واختياراته وقراراته؛ فالطفل، منذ صغره، يرى ويسمع والديه وهما يستهزئان مثلاً بالجار أو الجارة في كل صغيرة وكبيرة، فينشأ على هذا المنهج ويعيد إنتاجه. - حرمان الطفل من ثقافة الاعتراف بحقوق الإنسان وحرية الفرد وثقافة التنوع والاختلاف، التي تعطي كل مواطن الحق أن يختار ما شاء في حياته مع احترام النظام العام للمجتمع. - عدم تدريب الطفل على طرائق وكيفية مراجعة الذات بينما يتم تعليمه بسهولة انتقاد الآخرين دون تعويده على النقد الذاتي ومراجعة سلوكياته وأخلاقه وأفكاره ودوره فيما يقع حوله. - غياب تكوين الطفل على ثقافة الحس بانتمائه إلى المجتمع، وأنه جزء لا يتجزأ من الهيكل المجتمعي، وأن كل انتقاد سلبي لعضو من أعضائه فيه مضرة لغيره ولنفسه كذلك. - غياب تعليم الطفل احترام قيم القانون والتزام القواعد السليمة في التعاملات؛ فمثلاً نرى طفلا في فضاء غير منزله يلمس أشياء ليست من ملكه ونتركه يفعل ذلك؛ لأنه صغير السن بدون أن نعلمه أن هناك قانونا يمنعنا أن نضع أيدينا على ما ليس لنا ولا يخصنا. وبهذا الشكل، لا يُرسخ في ذهن الطفل مفهوم القانون والاحترام والقواعد. - غياب زرع عناصر الثقة والصدق عند الطفل يجعله يفقد الثقة في كل إنسان بحيث يعتبره غير صادق لأنه يسمع والديه يكررون هذه العبارات "احْلفْ" أو"قولْ والله" وهكذا بدوره يتعود الطفل أن لا يصدق أحداً . 2- التربية الدينية: - غياب مفهوم الدين كأمر شخصي وقناعة إيمانية لا تكتسب بالوراثة، وهو مفهوم مهم يتعلق بقيم الحرية الفردية، وله صلة وثيقة بالمعتقد الفردي بحيث لا يحق لأحد أن يتدخل في ضمائر العباد. - غياب ثقافة احترام خصوصيات ممارسة شعائر وطقوس دين المواطن. بمعنى آخر أن الفرد الذي يقوم بممارسة شعائر دينه هذا أمر خاص به فقط؛ ولكن على العكس من هذا نعلم للطفل "إوا صْليِّ باشْ يْقولو الناس عْليكْ اْنْتَ زْوينْ". ولهذا، يرى المغربي أن كل من قام بصلاته مثلا في هذا الشهر ما هو إلا ممثل يتظاهر بالعبادة وغرضه الحقيقي هو "شوفوني أنا مومن وزْوينْ" ! وأتساءل عن ما يحدث، الآن، بأذهانكم؟ وما هي تساؤلاتكم؟ *طبيب ومحلل نفساني