موخاريق يستمر على رأس المركزية النقابية الأولى بالمغرب لولاية رابعة    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    بوتين يستخدم الدين لتبرير الحرب في أوكرانيا: مهمتنا الدفاع عن روسيا بأمر من الله    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    مصرع أربعة أشخاص بأسفي طفلين وأمهما وعمهما احترق منزلهم    انطلاق انتخابات تشريعية في ألمانيا تحت ضغط اليمين المتطرف وترامب    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    خامنئي: المقاومة تستمر ضد إسرائيل    الملك محمد السادس يهنئ إمبراطور اليابان بمناسبة عيد ميلاده    الكلاسيكو المغربي: الرجاء والجيش في مواجهة نارية بالقنيطرة    نهضة بركان يجني ثمار 10 سنوات من الكفاح و العمل الجاد …    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    حادثة سير مروعة في نفق بني مكادة بطنجة تسفر عن مصرع فتاتين وإصابة شخصين بجروح خطيرة    هل الحداثة ملك لأحد؟    هذه توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد منعهم من حضور مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل.. نقابيون يعلنون تضامنهم مع عبد الحميد أمين ورفاقه    "غضب" نقابي بسبب "انفراد" رئيس جماعة الفقيه بن صالح بإجراء تنقيلات واسعة في صفوف الموظفين    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    أبرزها مواجهة "الكلاسيكو" بين الرجاء والجيش الملكي.. الجولة 22 من البطولة تختتم مساء اليوم بإجراء ثلاث مباريات    أنشيلوتي: "مواجهة أتلتيكو في دوري الأبطال ستكون صعبة"    توقيف ثلاثة أشخاص بشبهة نشر محتويات عنيفة    رونالدو: تشرفت بلقاء محمد بن سلمان    مؤتمر دولي مغربي لنموذج محاكاة الأمم المتحدة    متهم بالتهريب وغسيل الأموال.. توقيف فرنسي من أصول جزائرية بالدار البيضاء    لقاء تواصلي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووفد صحفي مصري    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    إسرائيل تهاجم موقعًا عسكريًا بلبنان    القاهرة... المغرب يؤكد على ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية    خبراء وباحثون يؤكدون على أهمية قانون المالية لسنة 2025 في النهوض بالاستثمارات العمومية وتمويل المشاريع المهيكلة    الميلودي موخاريق يقود الاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    أخنوش يدشن الجناح المغربي بالمعرض الدولي للفلاحة بباريس    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    انطلاق مبادرة "الحوت بثمن معقول" لتخفيض أسعار السمك في رمضان    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفاية: أمريكا بلد الهجرة من التاريخ إلى الحياة اليومية
نشر في هسبريس يوم 31 - 01 - 2017

مازالت تطغى على خطاباتنا توصيفات لهذا الذي يُنعت ب"الغرب" وكأنه وجود مطلق لا سبيل إلى إدخال النسبية عليه، أو إلى النظر إليه في وجوده التناقضي، أو في تمظهراته المختلفة، حتى وإن أصبح، منذ مدّة ليست قصيرة، حالّا في حياتنا العامة ومُكَونا من عوالمنا الاقتصادية والتقنية، والثقافية، كما سبق أن لاحظ ذلك عبد الكبير الخطيبي.
وإذا كانت "المركبات" الاقتصادية والعسكرية، والتجارب السياسية والاجتماعية جعلت من الغرب "نموذجًا" يتغاير مع الأنماط الأخرى من الوجود الإنساني، فإن القرن العشرين مثَّل في تاريخ البشرية قرنًا زاخرًا بكل أشكال الترحل والانتقال والتمازج والهجرة والتثاقف. وبسبب الانفجار الإعلامي، والاختراق الثقافي، والكوارث السياسية، حصل- ولازال يحصل- انتقال لا يوصف للأجساد والأفكار والأديان والصور عبر الحدود والأوطان. ومعلوم أن أمريكا تمثل الفضاء الأبرز لاستقبال هجرة الآخرين.
فكيف تتقدم أمريكا، في كل مرة، إلى مجال الإدراك؟ هل العنف المحايث لوجودها هو الذي يحدد إطار الرؤية أم أن سحرًا خاصًّا يتساوق معه ليخلخل الثوابت ويكسر المطلقات؟
الظاهر أن الموقع الذي ينطلق منه المرء للجواب على هذا السؤال عامل محدد، فضلا عن انتمائه وثقافته، فتتنوع النظرات وتختلف الأحكام؛ غير أن المثير في الأمر هو ما يمكن أن يفرزه الخطاب عن أمريكا من التقاء على صعيد الرؤية. ف"جان بودريار"، المفكر الفرنسي المعاصر، باعتباره أحد كبار المنظرين لظواهر الحداثة وما بعدها، يعتبر أن أمريكا تجسد "ميتافيزيقا ثقافية"؛ وهو إذ يطلق عليها هذه الصفة لا يحركه أي مسبق أخلاقي، لأن نظرته إلى أمريكا تنطلق من اعتباره أن الأمر يتعلق بمتخيل لا يعترف بحدود بقدر ما يمتلك قدرة على تحويل ما هو تراجيدي إلى فرجة. تُمثل أمريكا، عنده، نموذجًا مثاليًا من حيث تجسيدها لتخيل "فانتاستيكي" لما بعد حداثتها. وعلى هذا الصعيد لكل واحد الحرية في نسج تخيله الخاص، وخلق أسطورته المناسبة، سيما وأنه بالوسع التعامل مع أمريكا، في نظر بودريار، باعتبارها موضوعًا ثقافيًا غير قابل للتحديد. فهو يندرج خارج التاريخ وليس نهاية له، لأنه يحول الزمن إلى فضاء وإلى امتداد، وإلى موقف جذري من العالم.
لا تتمثل الجذرية، هنا، كما هو الشأن بالنسبة للثقافة الأوروبية، في الوعي النقدي وإنما في الأشياء، أي أن جذريتها محايثة للأشياء التي تنتج، والسبب أن أمريكا انتقلت من التاريخ إلى التخيل ثم إلى الحياة اليومية. ولم يعد من الممكن في هذه الحال التمييز بين الطبيعة والثقافة. وإذا كانت الحركة الاحتجاجية في مايو 68 في فرنسا، وغيرها، فشلت في تحقيق ذلك، أي تحقيق الطوبي، فإن أمريكا تمثل، حسب بودريار، طوبى مُحَققة، تمكن الفاعل فيها من تفجير التناقض بين المتخيّل والواقع، وتكسير الفرق بين الطبيعة والثقافة، وإعادة بناء علاقات، متحولة دومًا، بين المكان والزمان.
لقد غدا المكان فانتاستيكيًا، والزمن عنصر استثمار في كل شيء، إلى درجة أنه لم يعد هناك ما يساعد على التمييز بين الصدق والخطأ. ومن هذا المنظور تكثف تجربة "ديزني لاند" الواقع الأمريكي في كثير من تفاصيله؛ بحيث تنتقل المدن من الوجود المادي إلى الحضور المتخيل، أي إن ما يحيل على المجاز والرمز والمتخيل يتجسد في كل ما هو مادي؛ وما هو مادي يتخذ أبعادًا مجازية وتخييلية قابلة للاستهلاك والاستيعاب. ولا عجب، إذن، في أن تمثل مدن من هذا النمط نهاية الواقعي لتحتفل، دومًا، بما هو كفيل بتحويله إلى لا واقعي، أي إلى تخيل مُعمّم. هكذا يغدو الفضاء مُحررًا من إكراهات الواقع – محايدًا- حتى لو كان يكثف، في الآن نفسه، كل الثقافات؛ ولا جدال في أن للأحكام المسبقة حضور في أنماط المعالجة، وللصور النمطية دور في البناء السردي، لكن ذلك لا يمنع من حضور تجارب وأفكار متنوعة ومختلفة.
هل الاقتراب من فهم هذه الأمور يفترض الإذعان، بالنسبة لغير الأمريكيين، إلى تداعيات هذه الثقافة على الآخرين وامتداداتها في السياسة والواقع والفكر؟
لا مجال للربط بين الفهم والإذعان، لأن المشكلة عندنا، على ما يبدو، تتمثل في كون غياب إرادة القوة ولد حالات متنوعة من القبول، والاستسلام لقوة الواقع؛ كما أن غياب إرادة المعرفة شوَّش ويشوش على الفهم، بل ودفع العديد من السلطات إلى منع التفكير ومحاربته أحيانا؛ ولا مجال لاستدعاء المسألة الإشكالية بين الثقافة والسياسة هنا، أو البكاء على أطلال التاريخ العالمي الذي ظلم العرب منذ أكثر من قرن، لأن مشكلة المعرفة، والتربية على اكتسابها في الثقافة المغربية المعاصرة، من أعوص ما يواجهه الفكر في علاقاته بالسياسة، بشروط النهضة، بالمجتمع، وبالآخر، كيفما تقدم هذا الآخر إلى مجال الوعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.