سؤال اليوم: هل لا زلنا في حاجة للمفتش التربوي، أم وجب الاستغناء عنه؟ من التفاصيل الصغيرة التي لاحظتها في المدارس الكندية عدم وجود مفتش تربوي يزور المُدرس بطريقة مفاجئة، ويَبني على ضوء زيارته الخاطفة تقريرا يتضمن ملاحظات حول كفاءة المدرس. لربما هي خطوة سَنها العاملون على الشأن التربوي إيمانا منهم بأن زيارة المفتش ليست العامل الذي يؤثر على المعلمين عندما يتعلق الأمر بتحسين أدائهم. بالمغرب، وللأسف، لا زالت مدارسنا تُركز على النموذج التقليدي لتقويم العملية التعليمية، ولا زال المفتش يزور الفصل بهدف ضبط القواعد، يهتم بمتطلبات المنهج ويُصدر الأحكام على المدرس أكثر من التدريس وما يلزم تحسين العملية التعليمية. لو سألنا كل المدرسين عن بورتريه المفتش لأجابوا أنه شخص يقوم بزيارات مباغتة هدفها كشف الهفوات لديهم، والتوثيق لأخطائهم. أنا كذلك كانت تزعجني زياراته ... أذكر أنه كان دائما يجلس وراء الصف ويراقبني أثناء إلقاء الدرس. وكنت أحاول أن أبدو تلقائية ولكن نظراته التي تتفحص قاعة الدرس وتسجيله لتعليقات شكلية كانت تُقلقني، وتُسبب لي اكتئابا. وبلغة العصر: إرهابا نفسيا صغيرا! وإليكم لقطة بالأبيض والأسود: الهدوء يعمّ القاعة، لا يسمع إلا طقطقة حذائي وأنفاس التلاميذ... غرباء بطريقة ما! إنه يُحدق في الجدران ... ويُدون بعض الملاحظات نبرته دائما كانت غير متفائلة ويتردد كثيرا أن يبتسم ... أسئلته متكررة ومملة، ولم أشعر يوما أن ملاحظاته رفعت من مستواي المهني إننا حين نُدرك أن المفتش لا ينتج شيئاً (بمعنى القيمة المضافة لمهنية المدرس)، يخطر السؤال على بالنا، هل نُبقي على دور المفتش؟ هل وجب اليوم الاستغناء عنه؟ أم وجب تعديل دوره؟ المفتش نفسه لا يستطيع الدفاع عن ضرورة وجوده. إذا قيمناه بلغة الإنتاج الإبداعي فهو غير منتج وغير مبدع! لأنه لا يعرف ولا يعترف بثقافة التشارك لتطوير مهنية المدرسين، كما لا يعترف بالحرية الفردية، وبالتالي بالإبداع، مما يعيد لمجتمعاتنا إنتاج شخصية مدرس خنوع، شخصية ترضخ رغم ما لديها من معرفة لتلك العلاقة العمودية الصامتة... محافظة في ذلك على كل تخلف مُمكن! أتمنى ألا يتسرع البعض ويحكم بأنني أدعو إلى إلغاء دور المفتش التربوي! أنا فقط أدعوه الى أن يكون مشاركا... وفي طرح السؤال إعلان المدرس أنه مشارك ... وإعلان التلميذ أنه هو الآخر مشارك .. إنه إعلان لهوية! إنها فقط فكرة تقترح صيغة جديدة لدوره بأدوات حديثة تخرجه من خانة... انتهاء الصلاحية! وهي تأتي في سياق التجديد باعتبار أنها فكرة جميلة تدعو العاملين بالمدرسة ألا يبقوا هم أنفسهم الأشخاص أنفسهم! وهي فكرة مهمة لأنها تضعهم على سكة الارتقاء الإيجابي وتدعوهم إلى التصالح المزدوج: تصالح مع الذات ثم تصالح مع الآخر: حتى لا يبقوا غرباء بطريقة ما! إن تغير المجتمعات مرهون بالارتقاء المعرفي الداعي إلى التطوير، وبالتالي تغيير السلوك البشري داخل المؤسسات، حتى لا يتم إنتاج علاقات العمل نفسها؛ فقد أثبتت التجارب في الدول المتقدمة أن سلوك العنصر البشري في بيئة العمل هو الأداة للتغيير والتطوير و...السعادة. بناء على ذلك، وجب على صناع السياسات والقادة التربويين أن يعملوا على توفير فرص تجربة أنماط سلوك جديد أثناء ممارسة المهنة، علما أن التطبيق الناجح لهذه المبادرة لا يقتصر على تجهيز وثائق تطالب بتغيير السلوكيات والمعتقدات المهنية السائدة. إنها عملية تغيير يعتمد نجاحها في النهاية على التغيير الحقيقي لنتائج تعلم المتعلمين. ثم أتمنى ألا يتسرع البعض ويحكم أنني أدعو إلى تبني النموذج الغربي، (مع أني لا أراه مستحيلاً). إنه سؤال أدعو فيه إلى الارتقاء بدور المفتش إلى مشرف تربوي... إلى خبير تربوي وظيفته تتجلى بالأساس في توجيه ومساعدة المدرسين على النمو المهني، بالإضافة إلى تقديم التقنيات والخدمات الفنية لتحسين أساليب التدريس... اليوم، نطالب المفتشين بأن يكونوا خبراء في موضوع أو أكثر، كما يتعين عليهم أن يعملوا بشكل متواصل على تحديث خبراتهم ويوفروا للمدرسين المعرفة والمهارات المتعلقة بطرق التدريس. وإليكم لقطة بالألوان: في حجرة القسم .. قنينات صغيرة للتجارب التلاميذ ينتشرون في كل أرجاء القسم .. إنهم يشتغلون في مجموعات صغيرة... وهناك ضوضاء .. ضوضاء جميلة والمعلمة لا تصرخ .. إنها تدون ملاحظات حول كيفية تنظيم العمل في مجموعات؛ لأن السيد المشرف هو من يُقدم الدرس...