المتتبع للمشهد السياسي المغربي لابد أن يلاحظ حركية غير عادية فيما يخص التمثيلية السياسية للنساء التي غالبا ما يتم ربطها بالبرلمان، كما لو كان الأمر كله مختصرا في مقعد تحت قبته الموقرة. صحيح أن المغرب بعد مصادقته على مجموعة من المواثيق الدولية ومواكبتها بترسانة قانونية مهمة ، إستطاع أن يرقى بوضعية المرأة إجتماعيا وإقتصاديا وسياسيا ولكن يبقى كل هذا دون الطموح المأمول من طرف الهيئات النسائية التي تنشد رقيا افصل لمكانة المرأة داخل النسق السوسيوثقافي المغربي، خصوصا وأن المسألة غير مرتبطة بأزمة قوانين أو نصوص بقدر ما هي أزمة ممارسة و ذهنيات. المسؤول الأول في ذلك هو عقلية التردد و هيمنة الفكر الذكوري الأبوي الذي مايزال سائدا داخل التنظيمات السياسية و كذلك من خلال ممارسة الأحزاب للوظيفة التشريعية في البلاد ،الشيء الذي جعل النصوص القانونية في غالبيتها لم ترتكز على مبدأ الإلزامية و الإجبار فيما يخص تمثيلية النساء في المجالس الإنتدابية، لأنه ببساطة إذا لم تتوفر الإرادة السياسية لدى الأحزاب فإن الترسانة القانونية ستظل قاصرة و مقتصرة على الإنشاء و لغة الخشب بعيدة كل البعد عن التطبيق والممارسة. وأكثر من ذلك قد تكون مجرد ذر الرماد في العيون ، الشيء الذي جسدته جميع الطعون التي تم تقديمها ما بعد 4 شتنبر بخصوص تمثيلية النساء داخل المكاتب المسيرة للجماعات الترابية لدى مختلف المحاكم الإدارية و التي تم استئنافها بالرباط لتكون نتيجة البت النهاءي هي الصيغة المعهودة القبول شكلا و رفض طلب النساء موضوعا لنعود إلى نقطة البداية و كأنه لا وجود لأي مرجع تشريعي مع العلم أن هناك فصل صريح و هو المادة 17 من القانون التظيمي رقم 113.14 في فقرتها السادسة حيث جاء فيها:" .... يتعين العمل على أن تتضمن لائحة الترشيحات نواب الرئيس عددا من المترشحات لايقل عن ثلث نواب الرئيس"، و الملاحظ أن كلمة "يتعين" لا تفيد الوجوب و الإلزام و لا تدخل ضمن القواعد الآمرة التي يترتب عن مخالفتها جزاء معين. و بذلك يبدو أن هناك خروجا عن إرادة المجتمع و تحايلا من المشرع على إرادة فئة النساء و كذلك توجيهات أعلى سلطة في البلاد الممثلة في جلالة الملك. من هنا يصبح التساؤل مشروعا ماذا تريد المرأة أو ماذا نريد لها؟ إنصافا ، مناصفة أم مساواة ؟ا مفاهيم أسالت الكثير من المداد وشغلت العديد من الباحثين في العلوم الإنسانية وبحث فيها أيضا المهتمون بالمجال الحقوقي ، ليتناولها كل من زاوية إهتمامه ، حيث أن مفهوم المناصفة ارتبط دائما بالعدد اعتمادا على فكرة أن المرأة نصف المجتمع وهو نقاش مغلوط ومجحف لحق المرأة، فحتى البلدان المتقدمة كأمريكا مثلا لم تتجاوز التمثيلية النسائية فيها 27 في المائة . أما الإنصاف كمفهوم فقد تداولته الفلسفة السياسية من أهم رواده الأمريكي جون رولز. ومفهوم الدولة الليبرالية التي يحكمها مبدئا الحرية والإختلاف ويرتكز على قيم إنسانية كالعدل مثلا، في حين أن التمييز الإيجابي ينطلق من تحول مفهوم المساواة من المساواة في الفرص الى المساواة في النتيجة ، فهو في جوهره ماهو الإ وسيلة من وسائل المساواة الفعلية، هدفه التنمية وضمان مشاركة كافة مكونات المجتمع في ممارسة السلطة والإستفادة من خيرات الوطن . حبذا لو أن الأحزاب السياسية ارتقت بهاته المفاهيم الثلاثة و تداولتها من تلقاء نفسها بإرادتها الحقيقية و المستقلة، وسارت بها نحو التطبيق والممارسة بدل الخوض في نقاشات مغلوطة و ملتبسة حول المناصفة فقط. وحبدا لو أن الدولة اتجهت نحو مصاحبة هاته المفاهيم بقوانين موجبة لضمان التمييز الإيجابي الحقيقي من خلال إعطاء النساء فرصة التباري على مقعد داخل كل إقليم ، تكون بذلك الدولة والإحزاب ساهموا في إفراز نخبة نسائية لها امتداد في الشارع. و تبقى هذه التساؤلات الملحة، تبقى معلقة في غياب نقاشات حقيقية و جادة من قبل المثقفون داخل الأحزاب هذا إذا ما بقي بين صفوف أحزابنا مثقفون معترف لهم بمكانتهم داخل التنظيمات و قادرون على ممارسة المقارعة الفكرية و التوجيه السياسي و الثقافي. ذاك نقاش آخر نتركه إلى حراك آخر. * عضوة مجلس مدينة الرباط عن حزب الأصالة والمعاصرة.