صادق المغرب مؤخرا على دستور جديد الذي يعتبر بمثابة تعاقد سياسي بما يحمله من ترسانة قانونية تقدمية وديمقراطية جعلت المغرب يدخل في مصاف الدول الديمقراطية. لكن السؤال المطروح هو كيف لنا أن ننقل هذه القوانين الى وقائع وكيف لها ان تترجم الى روح الدستور لبناء مشروعية الدولة القائمة على وحدة قانونية لها سلطة، هدفها ربط العلاقات بين الافراد وبين التنظيم السياسي والاجتماعي الذي يستهدف إحلال العدل والحق. لكن الدستور لابد له من قوانين تنظيمية تسهر على تفعيله، وأهم قانون في هذه المرحلة هو مشروع القانون التنظيمي للاحزاب السياسية. وسأتناول فيه النصوص الدستورية المتعلقة بالمشاركة السياسية للمرأة. من خلال القراءة الاولى يتضح المنظور الايجابي الواسع للمساواة الذي يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كلا الجنسين. واحتياجاتهما وحاجة المجتمع الى كفاءتهما واقامة مجتمع عادل يدمج جميع الافراد في مشاريع التنمية. وهذا يقتضي تجاوز المفهوم التقليدي للمساواة المجردة لأنه مفهوم سياسي يجعل منها مساواة وهمية لا تحدد أفقا لتفعيل المساواة الحقيقية لغياب شروط متكافئة لممارستها، وبالتالي فهي تساهم في استمرارية واقع التهميش الذي يطال النساء في المجال السياسي بسبب ديمومة العلاقات الترابية بين النساء والرجال داخل المجتمع، مما يعطي واقع لامساواة لأن آليات الاقصاء والتهميش والدونية المتحكمة في المجتمع تفرغ المساواة أو المناصفة من مضمونهما. إن الدستور الجديد يصنف المساواة في خانة الحقوق العامة التي تستدعي من المشرع تنظيمها قانونيا، وتصبح قابلة للتطبيق خصوصا بنود الفصل 19 الذي يقر بالمناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز. إن الميزة الاكثر بروزا في الدستور الجديد هي كونه جاء على شكل ميثاق للحقوق والحريات ويؤسس لمواطنة كاملة. من خلال تركيزه على تمتع المرأة والرجل على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. فمشروع الدستور يسعى الى تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء: - التنصيص على إجراءات التمييز الايجابي لصالح النساء في مجال الولوج الى الوظائف العمومية والانتخابية. -التركيز على أهمية الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. - إحداث هيئة للمناصفة ومحاربة كل أشكال التميز هذه التصنيفات القانونية تتطلب مستوى عاليا من التعبئة واليقظة والترافع من اجل تحقيق المساواة والكرامة والمناصفة. بهذهالمقتضيات توضح أن المغرب بدأ ينحى الى تأسيس دولة الحق والقانون من خلال مبدأ المساواة بين الجميع. لكن ما لمسناه أخيرا هو أن القانون التنظيمي للأحزاب الاخير لم يستجب لهذه المبادئ السالفة الذكر بسبب وجود مجموعة من الاختلالات المتنافية مع روح المساواة والمناصفة، وان المشروع لا يرقى الى انتظارات الفاعلات السياسيات. فمعظم مواد القانون تخاطب الرجال وتغيب النساء - نسبة التوقيعات في تأسيس الاحزاب -غياب تحديد نسبة خاصة بالنساء- غياب توضيح كيفية تحقيق المناصفة في القوانين الاساسية للأحزاب...إلخ. هذا يعني ان مشكلة المرأة هي مشكلة جنس، هي مشكلة الملايين من النساء اللواتي تحملن اسم أنثى وكأنها ارتبطت بسمة نحو الافضل. ويمكن أن نجد الحلول للاشكالية لكنها تتلاشى في ظروف معينة. ومن هنا تنتفي فكرة الحلول لكل المشاكل، وتتوطد في النضال من أجل التغيير ثم التغيير الذي ننشده، وهو ان يتحمل الجميع مسؤوليته التاريخية في احترام روح المساواة والمناصفة المنصوص عليها في دستور 2011. كل الفاعلات السياسيات اعتبرن أن التنصيص على الثلث في أفق التحقيق التدريجي للمناصفة، هو حد أدنى لا يمكن التراجع عنه احتراما لروح الدستور الجديد. فاللائحة الوطنية المطروحة في القانون التنظيمي الاخير لم تحترم لا الثلث ولا المناصفة التي أقرها الدستور، ولم تستجب لفلسفة التمييز الايجابي لأنها أصبحت مشتركة بين الذكور والنساء. فمبدأ اللائحة الوطنية موجه للجنس الاقل تمثيلية، بمعنى أنها كانت موجهة للنساء من أجل القضاء على التمثيلية المحتشمة للنساء في المؤسسات المنتخبة. ان كل الخطابات والقوانين تبدي إرادة واعية لدعم النساء وتقوية التمثيلية السياسية لهن، لكنها لم تتحول الى تدابير تشجع تحول الخطاب الى واقع وهذا يوضح فشل المقاربة الارادوية في تثبيت المساواة. مما يعني أن الترافع وخوض كل الاشكال النضالية في هذه المحطة مسألة حاسمة في تثبيت المساواة. من أجل تحصين المكاسب ومأسسة التمييز الايجابي لكي تنتقل من القول الى الفعل. وفي هذا السياق لابد من تشجيع الاندماج السياسي للنساء والمشاركة المتكافئة لهن في التمثيلية السياسية، والارتقاء بهن الى مراكز القرار من أجل إحداث تغير جذري وشامل لكل انواع الاقصاء الممنهج للنساء في المجال السياسي الذي يبقى القلعة الحصينة للهيمنة الذكورية،رغم تواجد النساء في مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية وإثباتهن لقدرات وكفاءات عالية. فمازالت النساء يعانين من التهميش السياسي، فالبرلمان المغربي جسد ذكوريته منذ 1963 مما يوضح النسبة المتدنية لهذه التمثيلية رغم بعض الحلول الترقيعية، فظلت النسبة ضئيلة: فبعد مرور دورتين برلمانيتين من تجربة اللائحة الوطنية، وبعد عقد العديد من الاحزاب السياسية مؤتمراتها والعمل علي تحسين تمثيلية النساءداخل أجهزتها، لم تتم الاستفادة من مكسب اللائحة الوطنية وتطويره، بل ظلت النسبة هي هي! فالاقتراحات التي تحترم روح الدستور الجديد هي احترام مبدأ اللائحة الوطنية للنساء وذلك برفع النسبة الى %30 وكحد Hدنى و %5 كوكيلات للوائح المحلية، مع تحديد معيار الكفاءة والتدرج الحزبي،وعدم الاستفادة من اللائحة الوطنية أكثر من مرة لكي يفتح المجال لباقي المناضلات الحزبيات. هذه الاقتراحات كانت موضوع نقاش العديد من الفاعلين في الميدان السياسي والجمعوي حين نظمت «الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة» الندوة الوطنية حول القانون التنظيمي للاحزاب السياسية وديمقراطية المناصفة بمشاركة العديد من مممثلي القطاعات الحزبية ومكونات الحركة، في اطار مسلسل الترافع الذي تخوضه الحركة من أجل تحقيق مبدأ ديمقراطية المناصفة، ودعوة الجميع لتحمل المسؤولية التاريخية في تنزيل روح المساواة والمناصفة من أجل بناء مشروعية الدولة الديمقراطية .