فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراجعة دستور سنة 1992

كيف يفكر الفقهاء الفرنسيون في البناء الدستوري المغربي؟
تجيب هذه الندوة التي جرت، تلفزيونيا، غداة الاستفتاء على دستور 1992 على هذا السؤال، بمساهمة أربعة من أساتذة القانون الدستوري الفرنسيين الذين خبروا السياسة المغربية، وبعضهم كان من مهندسي الدساتير السابقة لدستور، 1992 بإدارة الملك الراحل الحسن الثاني. ويهمنا من إعادة نشر هذه الندوة التي تضمنها كتاب »مراجعة الدستور المغربي «، 1992 وضع القارىء ضمن بعض زوايا النظر التي رافقت الاجتهادات الدستورية التي أطرت الدساتير السابقة، وذلك في السياق الراهن المعني، اليوم، بمراجعة الدستور الحالي بمنهجية غير مسبوقة، كما أعلنها عنها جلالة الملك في خطابه التاريخي لتاسع مارس الجاري:
في إطار البرامج الخاصة التي تهدف إلى شرح مقتضيات مشروع الدستور الجديد، بثت الإذاعة والتلفزة المغربية وقائع مائدة مستديرة دعت إليها شخصيات فرنسية بارزة حللت وناقشت هذا المشروع الذي طرح على الاستفتآء يوم 4 شتنبر 1992، ويتعلق الأمر بالسادة:
* جورج فيديل: أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بباريز، وعميد سابق لها، وعضو سابق في المجلس الاقتصادي والإجتماعي وعضو سابق كذلك في المجلس الدستوري.
* جاك روبير: أستاذ القانون بجامعة باريز ورئيس شرفي لجامعة باريز رقم 2، وعضو في المجلس الدستوري.
* روني جان دوبوي: أستاذ »بكوليج دوفرانس»، وكاتب عام سابق لأكاديمية القانون الدولي بلاهاي، و عضو سابق في اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان المنبثقة عن المجلس الأوربي،وعضو أكاديمية العلوم الأخلاقية و السياسية.
* ميشال روسي: أستاذ القانون العام ورئيس سابق بجامعة العلوم الاجتماعية بكرونوبل.
هؤلاء الضيوف يعرفون جيدا الواقع الاجتماعي للمغرب، فالسيد جورج فيديل، درس مرات عديدة بالمغرب وذلك لمدة تزيد عن ثلاثين سنة، كما أنه رافع في قضية الصحراء المغربية بالمحكمة الدولية بلاهاي، وهو أيضا عضو بأكاديمية المملكة المغربية.
السيد جاك روبير، درس مادة القانون الدستوري بكلية الحقوق بالرباط من سنة 1960 إلى 1962، وقد عاد أكثر من عشرين مرة إلى المغرب للدريس سواء بكلية الحقوق بالرباط، أو بالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية. وقد كتب عدة تعاليق في جريدة »لوموند» الفرنسية، حول الدساتير المغربية، كما ألف كتابا مهما حول »الملكية المغربية« نشر بباريس سنة 1964.
السيد روني جان دوبوي تردد علي المغرب لمدة تزيد عن ثلاثين سنة، وقد تمت دعوته مرات عديدة لإعطاء محاضرات بجامعتي الرباط والدار البضاء، وفي سنة 1975 رافع أمام المحكمة الدولة بلاهاي في قضية الصحرآء المغربية، وهو عضو بأكاديمية المملكة المغربية.
السيد ميشال روسي، أستاذ سابق بكلية الحقوق بالرباط ومدير سابق للدراسات بالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية بالرباط ما بين 1963 و1972. وقد مارس التدريس بالمغرب لمدة ثلاثين سنة بدون انقطاع، نشر عدة مقالات وكتب حول القانون العام بالمغرب.
وفي مايلي وقائع هذه المائة المستديرة:
السيد العميد، السادة الأساتذة
ما هي انطباعاتكم العامة حول مشروع الدستور الجديد؟
العميد فيديل:
إن هذا الموضوع يعتبر من الصعوبة بمكان، ولكن أظن أن السيد ميشيل روسي، الذي يتوفر على تجربة طويلة في القانون العام المغربي يمكنه أ يموضع مشروع الدستور الجديد، في إطار التطور الدستوري بالمغرب.
الأستاذ روسي:
لقد استجبت بشكل إداري لهذه الدعوة، فأنا من المتتبعين المهتمين بالتطور السياسي والدستوري بالمغرب، وكما قلتم ذلك، لمدة ثلاثين سنة لأسباب مهنية أولا، ولاهتمامات علمية، وكذا للود الذي أكنه للمغرب والذي نما خلال هذه الفترة من الزمن، وأظن بأن هذا الود، هو الذي أدى الى تواجدنا هنا جميعا حول هذه المائة المستديرة.
إن انطباعي الشامل، عند القراءة الأولى لمشروع هذا الدستور المراجع، هو انطباع ينصب حول الاستمرارية. وهي على مستويين:
استمرارية المملكة المغربية في التشبث بروح المؤسسات الدستورية، واستمرارية أيضا - لم يتعرض لها المحللون بما فيه الكفاية - وهي استمرارية في المنهج الذي وضع لتزويد المغرب بالهياكل الضرورية لبناء دولة حديثة.
إلا أنه من الضروي أن نتذكر أنه غداة استقلال المغرب وخروجه من معاناة معركة التحرير، أي خروجه من هذه الفترة العارضة في تاريخه - فترة الحماية - أن نتذكر أن المؤسسة الملكية هي دائما موجودة.
إلا أن هذه المؤسسة الملكية كانت تفتقر إلى هياكل تواكبها وتمكنها من جعل المجتمع المغربي يحتل المكانة التي يستحقها داخل دولة حديثة.
ولقد أدرك جلالة المغفور له محمد الخامس هذا المشكل إذ قال: و»سنعمل على تزويد المغرب بدستور يجعل منه دولة حديثة وسنعمل على التحديث وإرساء قواعد الديمقراطية«.
وللبرهنة على الصيغة الخاصة بدسترة الملكية سآخذ مثالين: فالملكية كانت ترمي الى تزويد المغرب، بهياكل تضمن عدم تمركز السلطة التي كانت إبان الاستعمار من الناحية القانونية تنحصر في المؤسسة الملكية. ويتجلى عدم التمركز في ضرورة خلق مؤسسة برلمانية ومن الأشياء النادرة فعلا، أن نرى لأول مرة في دستور 1962 ظهور جهاز سيكون على المستوى المركزي بمثابة منبر للشعب المغربي بكامله.
والمثال الثاني يتجلى في اللامركزية التي سبقت دستور 1962، إذ أن الميثاق الجماعي، تم وضعه سنة 1960، في حين أجريت الانتخابات البلدية والجماعية قبل ذلك. إن نتيجة هذه المجهودات جد واضحة، فالسلطة الملكية، وسلطة الدولة قد عرفتا تطورا مطردا، بالنسبة لكل المجتمع المغربي بفضل هذه الهياكل التي واكبت السلط القديمة للسلطان.
من هنا تكفي الإشارة إلى أن سنة 1962 أن سنتي 1959 و1960 بالنسبة للامركزية تعتبر تواريخ أساسية في مسلسل النمو الذي عرف تطورا سنة 1972 كما يعرفه اليوم أي سنة 1992، على مستويين مستوى اللامركزية ومستوى الجهات الاقتصادية، فعلى مستوى اللامركزية ظهر ميثاق الجماعات المحلية سنة 1976، وفي سنة 1971، أنشأت الجهات الاقتصادية، هذه التجربة التي ستتحول إلى جهات في شكل مؤسسات اللامركزية المحلية، بفضل مشروع الدستور.
هذا بإيجاز ما كنت أريد قوله فيما يخص المضمون، وفيما يخص الروح الليبرالية التي تغذي مشروع 1992 والتي تصب كلها في نفس الاتجاه الروحي الأول لدستور 1962.
وعلى مستوى المنهج, فإني أرى أيضا استمرارية فيما سأسميه »»براغماتية المؤسس««
فهذا الأخير لا يطرح نظريات تجريدية كما أنه ليس دوغماتيا، فهو يعتمد منهجا تجريبيا محضا. وأخيرا وأنا أقرأ هذا النص الدستوري، خطرت ببالي فكرة لفيلسوف إغريقي كان قد أشار إليها الجنرال دوغول في خطابه الذي ألقاه ببيو، ويتعلق الأمر بسولون الذي سئل عن أحسن دستور فأجاب سولون» »اخبروني قبل كل شيء لأي شعب وفي أية حقبة««؟
هذه الاستمرارية الدستورية - سنوات 62 و72 و92 ورغم الفشل الذي عرفته تجربة 1970 - تؤكد وجود محاولة ترمي الى تحسين الجهاز المكلف بتأطير مجموع الشعب المغربي للمشاركة في إدارة شؤون البلاد، وفي البحث عن حلول للمشاكل الصعبة الي تطرح عند كل عملية تهدف إلى تطوير مجتمع في عالمنا المعاصر.
الأستاذ جان دوبوي:
إن تدخلي هنا، باعتباري استاذا للقانون الدولي ينصب على الجوانب الدولية لهذا الدستور دون أن اغفل الجوانب الأخرى فيه، والتي تهمني بصفة شخصية. وأشير إلى أن الملاحظة الأولية التي أثارها صديقي روسي، نجدها مؤكدة أيضا على هذا المستوى، لأن الدستور في شكله الأول قبل المراجعة اعطى منذ البداية اهتماما خاصا للمنتظم الدولي.
فمنذ بداية الاستقلال، أولى كل من جلالة المغفور له محمد الخامس، وجلالة الملك الحسن الثاني اهتماما بالغا لوضعية المغرب على الساحة الدولية.
إن العاهلين كانا واعيين تمام الوعي غداة الحرب العالمية الثانية، بالظروف العالمية الجديدة، وبعدم إمكانية اعتماد المغرب سياسة خارجية تنحصر في التعامل مع هذا الطرف أو ذاك من الأطراف الأوربية أو الإفريقية المجاورة له. فقد كانت للعاهلين رؤيا عامة وشاملة للحياة الدولية بالنسبة لبلدهما. ويبدو هذا واضحا عند قراءة ديباجة الدستور في نصها الأول.
والجدير بالذكر، أن الفقرة الثالثة من ديباجة هذا الدستور تكتسي أهمية قصوى، إذ تؤكد على تشبث المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.
هذه المقتضيات تكتسي في نظري أّهمية خاصة، وسأوضح ذلك، عند معالجة هذا الموضوع:
الأستاذ جاك روبير:
لقد أكد السيد ميشال روسي بدقة متناهية على الاستمرارية الدستورية، وعلى كون مشروع المراجعة يسلك نفس الاتجاه الذي سلكته النصوص السابقة، وفيما يخصني سأولي الاهتمام لنقطة أخرى تكميلية وأساسية، وأعني بذلك التحديث الذي مس هذا النص والذي يعتبر بالنسبة للمغرب تقدما لا يستهان به على درب انشاء دولة القانون.
لقد سمعت يوما، شخصية مغربية تقول:
«»إن الديمقراطية تستدعي قواعد مقبولة من طرف الجميع، في ظل القانون وتحت مراقبة القاضي««
ولكن أظن بأن دولة القانون تعني توجيها ممنهجا لمجموع المؤسسات السياسية سوآء التنفيذية أو التشريعية.
إن قراءة لهذا النص تبين لنا بأن القانون يحتل لا محالة مكانة رفيعة، فمجلس النواب قد تم تزويده بسلط هامة، لكن القاون يبقى موجها بوجود المجلس الدستوري الجديد، وبنفس الطريقة وضعت مجموعة من الضوابط لنشاط السلطة التنفيذية.
إن دولة القانون تحتم خضوع كل مؤسسة سياسية لقواعد وضوابط أعلى منها.
العميد فيديل:
إن كل ما أورده زملائي كان وثيق الصلة بالموضوع، وكما يقال في المحافل والملتقيات - إضافة إلى ما قاله الزملاء - ما أثار انتباهي فعلا، هي هذه الاستمرارية التي اتسمت بالعقلانية، ولم يمسها الطابع الميكانيكي، بل خضعت لتطور عضوي، فهي تشبه آلة تركب أو معمل يبني، فهي عضو ينمو. وهذا أمر قابل للفهم، ولكن ما هو المشكل المطروح أساسا؟
إن المشكل المطروح في المغرب يتجسد على مستوى المؤسسات، فالمغرب يعتبر في الجوهر ملكية، والمؤسسة المكية هي بدون جدال حجر الزاوية في المغرب كله. لكنها ملكية ترغب في أن تكون ديمقراطية، وتود أن تسير دواليبها من خلال نظام برلماني، إلا أن النظام البرلماني ليس بالنظام الذي يمكن بناؤه دفعة واحدة.
لكن بناء هذا النظام يعتبره طلبتنا شيئا سهلا، فهلم لا يستشهدون أبدا، بتاريخ ولا دستور محددين، بل وكما علمهم أساتذتهم ذلك، يأتون بمجموعة من التطورات من نقط المرور الصغرى.
فكيف تطور النظام البرلماني
إن كل مكسب جديد تم تحقيقه خلال مسيرة تطور النظام البرلماني إلا ويعد مكسبا، يحمل في طياته بذور تطور لاحق، وهذا أمر طبيعي لأن بنآء هذا النظام شيء صعب وبمثابة أدوار يلعبها ثلاثة أطراف, الملك من جهة، الحكومة من جهة أخرى، ثم البرلمان.
فيما يميز النظام البرلماني، والذي سمي بحق نظام تعاون السلط، هو أن أي تقدم به أحد الأطراف دون المس باختصاصات الآخر، سيساعده على تطوير أساليب عمله، ككما سينجم عنه التحام بين هذه المؤسسات، لذلك سنلاحظ بأن كل نقطة حتى تلك التي تبدو أحيانا ثانوية، تعتبر نتيجة ووعدا بالنسبة للمستقبل.
فانطباعاتي حول الدستور المراجع، تتلخص في أن المغرب يتجه في حركية مستمرة نحو نظام قانوني عصري من حيث الجوهر والمتجسد في دولة القانون، ونحو نظام سياسي عصري أيضا يتطلع الى العالم المعاصر، وهو هذه الملكية القائمة على الدستور والنظام البرلماني.
إن النظام البرلماني، هو نظام سياسي تشارك فيه كل الأطراف السياسية بتقديم المساعدات لبعضها البعض، وبإغناء حياة كل منها وبالنسبة لمشروع الدستور الجديد، وكمثال سأتناول تعديلا يمكن أن يطرح عدة تساؤلات، وهو الفصل الرابع والعشرون كما تمت مرجعته.
الصيغة القديمة لهذا الفصل تنص على أن الملك هو الذي يعين الوزير الأول، وقد بقيت هذه الصيغة كما هي. إلا أن التغيير جاء في أنه باقتراح من الوزير الأول يعين الملك الأعضاء الآخرين للحكومة ويعفيهم من مهامهم. وهذا يعني أن للوزير الأول الحق في اقتراح اسماء الوزراء الذين يريد العمل معهم. هذا التعديل، قد يبدو في الوهلة الأولى غير ذي أهمية، ولكنه في الواقع تعديل ثوري. لماذا؟
ففي نظام آخر, يمكن أن نتصور الوزير الأول والوزراء جنبا الى جنب، وقد تم اختيار كل واحد منهم على حدة. فحين يحمل المشروع الجديد الوزير الأول مسؤولية اقتراح وزرائه، فإنه ستترتب عنه مجموعة من الآثار، كما ستكون له عدة انعكاسات ايجابية بالنسبة للجميع.
فالملك لم يعد أمام وزراء اختيروا بشكل متفرق, بل أمام وزير أول، وحكومته التي اقترحها بنفسه، فإذا تعثرت في سيرها، فإن ذلك يرجع لكون الوزير الأول لم يحسن اختياره.
والمكسب الايجابي الثاني يخص الوزير الأول الذي يختار قبل كل شيء رجالا يثق فيهم، ويعرف مشاعرهم، ويشكلون فريقا يعمل الى جانبه للصالح العام ولا يعتبرونه رئيسا فقط, بل موجههم ومسيرهم.
وهناك تعديل آخر يخص الفصل الستين من الدستور المراجع ويتعلق بالصيغة التي تمت إضافتها، فالقديمة تنص على أن الحكومة تعمل على تنفيذ القوانين، والإدارة موضوعة رهن تصرفها، فحين أضيفت عبارة «»تحت مسؤولية الوزير الأول»» أصبح يعني أن الوزير الأول لا يعتبر فقط رئيس الوزراء، ولكنه المشرف الفعلي على الفريق الحكومي الذي يشكله ويعمل تحت مسؤوليته.
ويستفيد البرلمان أيضا من هذا التعديل، إذ بإمكانه أن يساءل و يحاسب فريقا حكوميا متماسكا يحيط بالوزير الأول، وليس وزرآء تم تعيينهم كل على حدة، مشيرا الى أن هذا التغيير الطفيف في الفصل الرابع والعشرين يعد من الأهمية بمكان، و ذلك نظرا للنتائج التي تترتب عليه بشكل فوري، وكذا بالنسبة لتطوير الممارسة الكلاسيكية في الأنظمة النيابية، أي حكومة فريق متجانس وكيان متضامن ومسؤول أمام الملك والبرلمان. كما أن هذه الوضعية تمكن كل مؤسسة من الاحتفاظ بموقع قوتها.
وسأدرج مثالا آخر، ويتعلق بالفقرة الثالثة من الفصل التاسع والخمسين، والتي تنص على مسؤولية الحكومة، أمام مجلس النواب وعلى التزام الحكومة بعرض برنامجها أمام البرلمان بعد تعيينها. إلا أن التغيير الجديد ينص على أن عرض البرنامج الحكومي تليه مناقشة متبوعة بتصويت بالثقة.
فما هي النتيجة الناجمة عن هذا الإجراء؟
إن النتيجة الناجمة عن هذا، هي نتيجة إيجابية للجميع، فالملك الذي عين الوزير الأول يعرف من خلال مناقشة البرلمان لبرنامج الحكومة والتصويت عليه انهما سيكونان متفقين. أما الحكومة فستدرك أن عليها تطبيق ما التزمت به من برنامج انطلاقا من الثقة التي وضعها فيها البرلمان بالتصويت عليها، أما البرلمان فله حق منح الثقة أؤ عدمها للحكومة دون التيه في مجادلات سياسية غامضة. وهذا يضمن الوضوح والانسجام بين جميع المؤسسات.
أما بالنسبة للتغيير الذي مس الفصل الأربعين مثلا، والذي يتعرض للجان تقصي الحقائق، فهذا يكتسي أهمية بالغة. فالتجربة الحديثة أثبتت بأن دور السلطة التنفيذية والبرلمان لم يعد منحصرا في الاختصاصات التقليدية، وذلك نظرا لظروف الحياة الصعبة والسريعة التحول للأنظمة الحكومية المعاصرة. بالنسبة للسلطة التنفيذية، فلم يعد هناك سعي اعتباطي للحد من اختصاصاتها، بل هناك إرادة قوية لوجود سلطة تنفيذية قادرة على العمل والإنجاز الفعالين وخاضعة للمراقبة. وفي مجال الرقابة، فإن الفصل الأربعين الجديد الذي ينص على أنه بالإضافة الى اللجن البرلمانية الدائمة، يمكن تكوين لجان أخرى، إما بمبادرة من الملك أو من أعضاء مجلس النواب، وذلك قصد جمع كل المعلومات والاخبار المتعلقة بأحداث معينة، وتقديم نتائج حولها الى مجلس النواب، ويعتبر هذا الإجراء مكسبا قيما بالنسبة للديمقراطية المغربية، فلجان تقصي الحقائق ترغم الحكومة والموظفين وأحيانا المواطن العادي على تقديم توضيحات على بعض الأحداث. إن الدور الكبير الذي تقوم به هذه اللجان في مراقبة الحكومة في النظام الأمريكي يدعو الى التفكير في أّهميتها، وسندرك إذ ذاك بأن هذا الفصل يعتبر بمثابة تلقيح للديمقراطية، وفي المستقبل، فإن هذه الشفافية التي ستطبع اللعبة المتناسقة لسلطا البلاد لا يمكنها إلا أن تخدم الصالح العام، وتضمن السير السليم للمؤسسات.
إني لا أريد أن أعطي دروسا في القانون الدستوري، ولكن باعتباري أستاذا قديما له, أضيف بأن هذه المكاسب الثلاثة ليست فقط إيجابية، بل هي واعدة بشكل كبير.
الأستاذ جاك روبير:
أظن أن هناك مكسبين إضافيين: الأول يتعلق بالأسئلة التي يطرحها النواب على الوزراء الذين يتحتم عليهم أن يجيبوا عنها في ظرف عشرين يوما، فضلا عن إطلاع النواب على السير اليومي لأمور الدولة.
هذه التقنية قد تبدو لأول وهلة غامضة، ولكنها ليست كذلك في الواقع، فعندما تبث التلفزة الفرنسية يوم الأربعآء الحلقة الخاصة باستجواب الوزراء، فإن الإقبال عليها يكون كبيرا، لأنها تمكن المواطنين من الاطلاع على القضايا المطروحة، وعلى مدى استعداد الإدارة للإجابة عنها، وكيفية جوابها عليها، ومن من الوزراء جوابه سريع ومقنع... إلخ.
فطرح السؤال على الوزير هو نوع من التعارف وتفتح على الحياة الديمقراطية، وهو كذلك، بداية لعملية محاسبته، وإحدى التقنيات الأساسية للبرلمان لطرح مسؤولية الوزراء في إطار برلماني.
وسأضيف إلى ما قال العميد فيديل عنصرا آخر يتعلق بإصدار القوانين، لأن مشروع الدستور الجديد يحدد مدة زمنية لهذا الإصدار، إذ ما جدوى إعداد وصياغة القوانين إذا كانت لن تدخل حيز التطبيق لعدم نشرها؟ وهكذا فإن الدستور الجديد يلزم الجهاز التنفيذي بإصدار القانون في ظرف لا يتعدى 30 يوما، لماذا تحديد هذا الأجل؟ لأنه من جهة يمكن من المصادقة العلنية على القانون، ولأنه - من جهة أخرى - خلال هذه المدة يكون بالإمكان عرض هذا القانون على أنظار المجلس الدستوري الذي يعتبر بدوره تجديدا هاما في المشروع.
العميد فيديل:
إن الدستور المغربي أكثر برلمانية من الدستور الفرنسي على الأقل في نقطة واحدة، فمثول الحكومة أمام البرلمان بعد تعيينها والتصويت بالثقة عليها ليسا إجباريين في فرنسا، فهناك عدة حكومات لم تخضع لهذه القاعدة، إذ بمجرد تعيينها انصرفت لعملها دون ان تقدم أمام البرلمان، فيما
يخص هذه النقطة, أظن انه من الأحسن أن تأخذ فرنسا من الدستور المغربي.
- العميد فيديل، هل ترون ان مشروع الدستور الجديد يمنح للبرلمان سلطا أوسع، رغم أن المجلس الدستوري احدث من أجل الحد من هذه السلط؟
العميد فيديل
ان المتخصص في كيفية ممارسة دولة القانون، هو السيد جاك روبي، اما انا فلست سوى عضو سابق في المجلس الدستوري، فبإمكانه هو ان يأتي بآخر المعلومات التي تتعلق بدولة القانون. والتي يكرسها نوعا ما المجلس الدستوري.
الاستاذ روبير:
ان إنشاء المجلس الدستوري الذي أتى به مشروع المراجعة يعتبر تقدما اساسيا، لأن مراقبة دستورية القوانين امر مهم، لذلك فحتى الديمقراطيات الكبرى كديمقراطيتنا لم تتمكن من اقرار هذه المراقبة الا في وقت جد متأخر، فالتقاليد الدستورية الفرنسية كانت تعارض بشدة امكانية مراقبة القوانين، لأن هذه الأخيرة تتمتع بالسيادة، فلا يمكن إذن مراقبتها.
فالمجلس الدستوري الفرنسي لم ينشأ حتى سنة 1958 وانا سعيد لكون مشروع المراجعة نص كذلك على إنشاء مجلس دستوري، وحدد له اختصاصات واسعة، وهي تشبه لحد بعيد مثيلاتها في فرنسا.
فاختصاصات المجلس الدستوري المغربي لا تنحصر فقط في مجال الانتخابات والبت في نزاهة الانتخابات التشريعية والاستفتاءات، بل تحال عليه كذلك القوانين التنظيمية, النظم الداخلية للمجالس، وخاصة مراقبة دستورية القوانين، وهو من الأهمية بمكان، وهذا يفسر لماذا تم تحديد 30 يوما كأجل لنشر القانون.
ولكن لمن تعود صلاحية الإحالة على المجلس الدستوري؟
في هذه النقطة كذلك تجد تشابها وتطابقا بين النظامين المغربي والفرنسي. فمن جهة هناك الملك والوزير الأول ورئيس مجلس النواب وربع اعضائه، وهذا مشابه لما هو معمول به في فرنسا حيث ان هناك رئيس الجمهورية والوزير الأول ورئيسي المجلس المكونين للجمعية العمومية و 60 نائبا عن كل مجلس. ومن جهة أخرى فإن مشروع الدستوري يأخذ بفكرة اساسية تقضي بأن جميع قرارات المجلس الدستوري تكون الزامية بالنسبة لجميع الهيئات القضائية والسياسية للدولة.
وماذا عن تشكيل المجلس الدستوري؟
عندما نتحدث عن هيئة، فان تشكيلها يطرح دائما مشاكل حادة، والمآخذ التي يمكن ان توجه في يوم ما للمغرب في هذا المجال معروفة في فرنسا.
فاعضاء المجلس الدستوري يتم تعيينهم من قبل شخصيات سياسية، مما يدفعنا الى التساؤل حول مدى استقلاليتهم في ممارسة مهامهم. بالنسبة لهذا السؤال اشرح دائما لطلبتي «ليست نوعية السلطة التي تعين هي التي لها تأثير على موضوعية ونزاهة الاشخاص المعينين، بل الوضعية المهنية التي يوجدون فيها عند تقلدهم لمهامهم، فاذا كانوا في نهاية حياتهم المهنية وكان تعيينهم لمدة طويلة، فمعنى ذلك ان طموحاتهم لن تكون كبيرة،واذا لم يتم التنصيص على تجديد تعيينهم ولا على امكانية عزلهم، فإن هذه الوضعية تضعهم في استقلالية تامة.
وهنا، كما سبق ان لاحظ العميد فيديل فإن مشروع الدستور لا يتحدث عن تجديد اعضاء المجلس الدستوري ولكنه يشير فقط الي أن قانونا تنظيميا سيحدد »قواعد تنظيم وسير المجلس الدستوري«، الا ان المشكل يدور حول ما اذاكان بامكان قانون تنظيمي التنصيص على عدم تجديد أعضاء المجلس. واذا احدث ذلك الا يعتبر تجاوزا لمقتضيات الدستور من خلال تحجيم بند من بنوده؟
العميد فيديل
لم يدخل بعد نص الدستور الجديد حيز التنفيذ، ونحن بدأنا في مناقشة بعض الاشكالات القانونية، التي يمكن ان يطرحها. وحول السؤال المطروح اختلفت بعض الشيء مع جاك روبير، فبما ان الدستور لم يحدد الامكانية بالنسبة لعضو من اعضاء المجلس في إعادة تعيينه، فان القانون التنظيمي الذي لا يدخل في اختصاصاته البت في هذه الحالة، لن يستطيع منع ذلك، فقوة النصوص الدستورية. اذا كانت صياغتها، جيدة، فانها تكون مرنة بشكل يجعلها تندمج في ممارسة تهدف الى تطبيق ذكي للنصوص.
فالمجلس الدستوري الفرنسي والمجلس الدستوري المغربي يأخذان بمبدأ سرية المداولات، لذا يصعب علينا الإدلاء برأي حول طريقة التصويت بالمجلس. الا اننا نحن الاثنين نتوفر علي تجربة اثنتي عشرة سنة، وبنزاهة يمكنني القول، بأن احد اعضاء المجلس الدستوري، لم يسبق له ان صوت لصالح الجهة، التي عينته، بل في بعض الحالات صوت بشكل يمكن ان يخلق لها بعض المتاعب. فهذه الوضعية راهنة ولايمكن مناقشتها، فالاستقلالية والنزاهة، تأتيان مع مر الزمان، والمهم هو اختيار عناصر في مستوى مهامها.
ومما يضفي على الوضعية نوعا من الحساسية، هو ان البرلمان محرج اكثر من الحكومة من طرف المجلس الدستوري، ففي فرنسا، حتى الاكثر ديمقراطية يبدون ملاحظات حول مشروعية اعمال الاعضاء التسعة - الذين يستمدون قوتهم من التعيين فقط - باعتبار ان تعيينهم لا يخول لهم الحق في املاء إرادتهم على نواب الأمة لوضع قانون معين او غيره. وهنا يجب ان يتدخل الحقوقيون ليشرحوا لهم ان القاضي لا يمكنه ابدا أن يمنع الشعب الذي يتمتع بالسيادة من ان يقوم بهذا العمل او ذاك، بل ان عملهم ينحصر في لفت انتباهه الى النص الدستوري. فهناك اشياء لا يمكن عملها بواسطة قانون عادي. هناك اشياء لا يمكن عملها بواسطة مراجعة دستورية. فالقاضي الدستوري، لا يتمتع بسلطة الاهية فوق كل السلطات يقول:» »هذا على حق وهذا على خطأ وأنا احرس المبادئ الابدية،» ولكنه مكلف فقط بالسهر على احترام النظام القانوني، فهو مجرد منظم للسير يتدخل عندما يزيغ القطار عن سكته فيأخذ طريق التشريع عوض طريق مراجعة الدستور، انذاك يقول له» »لا، قف. قم بمراجعة دستورية اذا شئت، لكن هذا لن يمر على الطريق التشريعي«« وسرعان ما سيدرك البرلمان ان هذا لا يشكل مسا بحقوقه بل يؤكدها ويغنيها، بحيث انه عندما ينطق المجلس الدستوري بدستورية قانون، فلا يمكن في المستقبل لاحد الطعن في اختصاص البرلمان فيما يتعلق بالتصويت على هذا القانون.
السيد جاك روبير:
ان المجلس الدستوري لم يحدث لعرقلة عمل المؤسسة البرلمانية أو ليعطي دروسا للبرلمانيين، بل ان مهمته تنحصر في اشعار البرلمان بأن القانون الذي تم التصويت عليه مخالف للدستور أو يمس باحدى الحريات او يحد من حق من الحقوق الاساسية، وعليه فلا يمكن نشره ولا تطبيقه ففي تقنين العمل التشريعي فان الاحكام القضائية تتسم بنوع من الحذر.
ومن جهة أخرى، ينبغي الحذر من المجلس الدستوري الذي يبدأ كمؤسسة متواضعة، كما قال العميد فيديل، تعمل على ضبط الاختصاصات، وبفضل اشخاص مثل السيد جورج فيديل يأخذ اهمية كبيرةفي الدولة ننا نجهل ما ستأتي به المؤسسات الجديدة ولكن انشاء مؤسسة كالمجلس الدستوري يعتبر خطوة هامة في خلق دولة القانون.
العميد فيديل:
ان النص الدستوري، بالرغم من عدم ظهور ذلك عند القراءة الأولية لفصوله، قد اغنى دولة القانون ليس فقط بمؤسسات جديدة ولكن ايضا بمضمون جديد، واظن بان هذا يرجع الى المفعول والاثار التي تخلفها النصوص والتي تحدث عنها السيد دبوي آنفا
السيد روني دوبوي:
إنه من الطبيعي ان نمر في تحليلاتنا لدولة القانون الحديث على ما تم تخصيصه في مشروع الدستور الجديد لحقوق الإنسان. فديباجته تشير الى أهمية العلاقات الدولية وتثبيت السلم والامن, مما يؤكد الدور النشيط للمغرب - الذي يحتل مكانة رفيعة على الصعيد الدولي تتمنى العديد من الدول، وخاصة تلك التي هي في طور النمور، ان تتبوأها - في مجال العلاقات الدولية، وذلك بفضل الاستقرار الذي يتمتع به.
وعلى مستوى أخر، فإن هذه الديباجة تذكر بأهمية الدور الذي يضطلع به صاحب الجلالة، باعتباره رئيسا للجنة القدس.
وفوق هذا كله، فان تواجدنا الآن امام دستور جديد يوجه المغرب نحو ملكية ديمقراطية وبرلمانية بتعديلاته الهيكلية، وبتوسيعه لاختصاص البرلمان، واحداثه للمجلس الدستوري الخ، هذا كله سيدفعنا الى القول بأن هذا الدستور قد كرس حقوق الانسان.
وفي هذا المضمار، يمكننا ان نلاحظ بأن الدستور القديم قد نص هو كذلك على عدد من حقوق الانسان، الا أن الجديد الذي جاء به الدستور المراجع لا يكمن فقط في استعماله لعبارة حقوق الانسان في ديباجته وانما وبصفة خاصة، في ربط حقوق الانسان بالقانون الدولي، وهذه الصيغة جد واضحة ولا يكتنفها اي غموض.
فالفقرة الثالثة من الديباجة تؤكد على تشبث المغرب بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا. ويمكن استنتاج مفعولين اثنين لهذا الاعتراف، وهما ادماج النصوص الدولية ذات الصبغة العالمية التي تنص على حقوق الانسان داخل القانون العام المغربي من جهة، واغناء مفهوم حقوق الانسان من جهة أخرى.
فمفهوم الادماج يكتسي أهمية بالغة لان حقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا هي التي يتضمنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 دجنبر 1948
وقد اكتسى هذا النص في البداية اهمية بالغة من الناحية السياسية، الان ان قيمته هي قبل كل شيء اخلاقية كما أكد ذلك - انفسهم - دعاة هذا الإعلان مثل السيدة روزفيلت اوروني كاستان، اذ ليست له أية قوة قانونية او فعلية محضة.
بعد ذلك، وبالضبط في سنة 1966 صادقت الأمم المتحدة على العهد الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد صادق المغرب على هاتيه الاتفاقيتين، معبرا بذلك عن تشبثه بهذه الحقوق واكد هذا التشبث بالتنصيص عليه في ديباجة دستوره.
فهذه الديباجة تكتسي أهمية قصوى لأنها ستعطي داخل النظام القانوني المغربي مفعولا قانونيا عمليا لكل حقوق الانسان الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وهذا يشكل حدثا تاريخيا بالغ الأهمية، لانه من الناحية القانونية، وبالتالي من الوجهة السياسية، فان ادماج مجموع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في النظام القانوني المغربي يكتسي دلالة خاصة من الناحية التطبيقية الفعلية. خاصة وانه بالاضافة الى إعلان الأمم المتحدة، هناك نصوص أخرى تكتسي كذلك في هذا المجال صبغة عالمية.
العميد فيديل
بالنسبة لدستورية القوانين، فان نص المشروع الدستوري المغربي لم يحذ حذو الدستور الفرنسي في ظل الجمهورية الرابعة، ولم يستبعد تطبيق مقتضيات الديباجة من طرف المجلس الدستوري، وبالتالي ممارسة مراقبة دستورية القوانين فيما يخص احترام حقوق الإنسان.
الاستاذ دوبوي
هذه المراجعة تغني ايضا مفهوم حقوق الانسان داخل النظام القانوني المغربي بموازاة مع التطورات التي عرفتها الساحة الدولية، فمنذ 1948، الي الآن، عرف مفهوم حقوق الانسان عدة تطورات، بحيث كانت هناك حقوق الجيل الاول - الحقوق المدنية والثقافية - وحقوق الجيل الثالث، - حقوق البيئة بصفة خاصة، وكذ الحق في التنمية.
ان مفهوم عالمية حقوق الانسان يكتسي اهمية قصوى، وقد رفض بعض اعضاء المجموعة الدولية الاقرار به، ورفضته بعض الحكومات. مبررة ذلك بخصوصياتها الوطنية، الا ان فلسفة حقوق الانسان كما اعلنتها منظمة الأمم المتحدة، التي ينتمي اليها المغرب - كرست مفهوم العالمية. و هذا يعني ان حقوق الانسان تعتبر كرصيد ايديولوجي مشترك لكل الشعوب، وهذا لا يمنع كل شعب من الاحتفاظ بهويته. لكن مع التأكيد - كما ورد في نظرية سولون التي اشار اليها الاستاذ روسي - على الروابط العائلية التي تربطه بالشعوب الاخرى، فهناك اذن، علاقة جدلية بين الهوية الوطنية والروابط العائلية القائمة بين الشعوب، ومن البديهي ان المغرب الدولة الاسلامية - كما يشير الى ذلك الدستور - قد ساهم بشكل كبير في إغناء النظرية العامة لحقوق الانسان، لأن الاسلام يؤكد على المساواة بين الناس باعتبارهم اخوة وعلى حفظ كرامتهم دون فرق بينهم.
كل هذه العناصر موجودة في الدستور، فالفصل الخامس من الدستور القديم والذي احتفظ به في النص الجديد، يذكر بمساواة جميع المغاربة امام القانون، والجديد هو أن كل الحقوق التي انبثقت عن التصريح العالمي لحقوق الانسان والتي نمت جيلا بعد جيل، قد تم دمجها في النظام القانوني المغربي، ويعود ذلك لكون التصريح العالمي نص متناسق وتنبئي من الناحية الائكية بحيث انه يتضمن حقوقا تطورت فيما بعد، كالحق في بيئة سلمية، الذي يعد في نفس الوقت حقا جماعيا وفرديا، والذي يحرص عليه المغرب كل الحرص عن طريق وضع مجموعة من المقتضيات في هذا الميدان.
وهكذا فإن إعلام ستوكهولم لسنة 1972، حول البيئة يعتبر ايضا تصريحا عالميا اشارت اليه مقتضيات التصدير التي ذكرتها آنفا، وكذا بعض ما تضمنه اعلان مؤتمر ريودي جانيرو حول البيئة والتنمية.
بالاضافة الى الحق في بيئة سلمية هناك كذلك الحق في التنمية وهو حق كلي يجمع بين جميع الحقوق حتى التقليدية، والكلاسيكية منها، كل هذه الحقوق يتضمنها الحق في التنمية، لان التنمية بالنسبة للانسان تقتضي بلوغ كل ما يصبو اليه، وتحقيق ذاته باستعمال كل قدراته وطاقاته. ان كل فلسفة حقوق الانسان تركز على فكرة مفادها ان الانسان بمفهومه الواسع كائن غير كامل فهو حقيقة في طور التكوين، ذلك التكوين الذي توفره له بيئته وواقعه الاجتماعي، وهذه الامكانية في التفتح يضمنها الحق في التنمية الذي يعتبر في آن واحد حقا جماعيا وحقا فرديا.
فالاعتراف بالحق في التنمية كحق من حقوق الانسان الفردية سيؤدي بالسياسات التنموية الى اعتبار الانسان كهدف لها.
وقد يطول الحديث حول ما يمكن فهمه من صيغة مثل تلك التي جاء بها مشروع الدستور الجديد، اذ يمكن القول بأن المراد بصيغة «كما هو متعارف عليها عالميا «هو ملامسة كل الجوانب الخاصة بحقوق الانسان مما يعطي المشروع طابعا نموذجيا. ويعتبر هذا بدون اي منازع تقدما هاما يجب ان تسعى جميع الدول الى الوصول اليه، فعسى ان تتحقق هذه الامنية، وبهذا يقدم المغرب للعالم نموذجا حقيقيا.
العميد فيديل
ان كلا من المجلس الدستوري والحقوق العالمية تحتلان مراتب عليا ومهمة ولكن هناك كذلك الممارسة اليومية. والسيد روسي الذي يعرف المجهود الذي بذل من أجل إعادة هيكلة الدولة والادارة المغربية يقول دائما بأنه يجب ان لا ننظر الي الاشياء فقط من أعلى المرتفعات، ولكن يجب الوقوف ايضا على مستوى الهضاب، بل وفي بعض الأحيان فوق السهول
الاستاذ روسي
اننا ندين للنصوص الدستورية باحترام كبير لأنها القانون الاسمى كما يقول المختصون في مستويات القوانين.
فعلى مستوى اقل من الدستور، وما بين مراجعتين دستوريتين، تحدث كثير من الاشياء، ولن نعود الى الماضي البعيد، ولكن لابد من تحديد مجموعة من النقاط التي توضح وتبين ان الدستور يعد حجر الزاوية في تطوير المؤسسات بصفة عامة فيما اسميه هيكلة الدولة المغربية.
ولكن قبل ذلك، سأشير الى ثغرة شابت التدخلات السابقة وتتعلق باحدى التعديلات التي اطلب من الله الا يتم اللجوء اليها، ولكن يمكن حدوثها لان الحقوقيين لا يهتمون فقط بالاشياء الآنية والحالية. ولكن ايضا بتلك التي تكتسي اهمية قصوى في المستقبل. و يتعلق الامر بالفصل 35 من الدستور والخاص بحالة الاستثناء، فهذا الفصل الذي اعيدت صياغته يأتي بتوضيحين:
الاول مطابق لمنطق انشاء المجلس الدستور: فقبل اعلان حالة الاستثناء، لابد من اخطار رئيس البرلمان اولا ثم رئيس المجلس الدستوري، والصيغة الجديدة تنص بصفة خاصة على أنه لا يترتب على حالة الاستثناء حل مجلس النواب كما وقع ذلك في سنة 1965 حيث اختفى المجلس.
فهذا مهم جدا، لأن كل المؤسسات تستفيد من هذا التغيير، فحالة الاستثناء تعتبر وضعية جد صعبة، ولكن سيشرك البرلمان بطريقة او اخرى في القرارات او على الاقل سيبقى له حق التعبير عن رأي ناخبيه.
فلنعد الى السؤال المطروح، لنلاحظ ان السنوات الماضية قد عرفت مجموعة من المبادرات التي افضت الى اعمال ايجابية فيما يخص حماية حقوق الاشخاص بمفهومها الواسع، وخاصة حقهم في التنمية.
فلحماية حقوق الاشخاص، انشىء المجلس الدستوري لحقوق الانسان، فهذه المبادرة من العاهل المغربي، جد معبرة. وهناك كذلك مصادقة مجلس النواب منذ سنة على قانون يقضي بانشاء المحاكم الادارية التي ستختص بالنظر ابتدائيا في قضايا الشطط في استعمال السلطة، وفي قضايا الشطط في استعمال السلطة، وفي قضايا المطالبة بالتعويض عن الاضرار التي يمكن أن تلحقها الادارة بالمواطنين.
هذا القانون لم يدخل حيز التطبيق، وهذا مشكل تقني لن نتطرق له الان، فنشر القانون يبقى دون جدوى اذا لم تجتمع كل الشروط الضرورية لتنفيذه وتطبيقه، لذلك فان تحديد اجل 30 يوما كأجل لنشر القانون لن يحل اشكالية عدم تطبيقه. فهذا المشكل لا يتعلق بالقاعدة الدستورية اكثر مما يتعلق بالممارسة الادارية وبالعمل الحكومي المتواصل. وكل ما يمكن القول، ان هناك فراغا يجب ملؤه بين القاعدة والتطبيق.
هناك كذلك عدة مبادرات اتخذت بهدف حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بل والى حد ما لاعطاء مضمون للحق في الشغل الذي تم التنصيص عليه والذي يصعب تعميمه، ويتعلق الامر بمجلس الشباب والمستقبل الذي احدث منذ اكثر من سنة، وتم تكليفه باجراء سلسلة تحقيقات على المستوى الوطني, سواء في القطاع العام او الخاص، في المدن و القرى لمحاولة البحث عن امكانيات تشغيل الشباب وخاصة الشباب الحامل للشهادات، والذي بدأ يتكاثر في سوق العمل.
ففي هذا الاطار العام يمكن ادراك الاسباب التي ادت من جهة الى اختفاء المجلس الاعلى للتخطيط, ذلك الاختفاء الذي اذهل العديد من المتعلقين بالمفاهيم القديمة للتخطيط وبنماذج عتيقة اصبحت اليوم متجاوزة، ومن جهة اخرى الى انشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
ان كلمتي تخطيط و مخطط قد اندثرت ومعها المجلس الاعلى للتخطيط، لننظر الى العالم اليوم ان اولئك الذين كانوا يدافعون بحرارة في فرنسا قبل إحدى عشرة سنة عن المخطط قد عدلوا نهائيا عن هذه الفكرة، ولكن هذا لا يعني التخلي بصفة نهائية عن إجراء دراسات مستقبلية: فتقنية التخطيط كانت تحاول السيطرة على الوقت حتى لا يسيطر الوقت على الحاكمين. وإذا كانت كلمات «تخطيط» و «مخطط» ومعها «المجلس الأعلى للتخطيط» قد اختفت من النص الجديد للدستور، فإن الفصل التاسع والأربعين قد عوضها بمفهوم «البرامج المتكاملة». وهي عبارة عن مجهودات متناسقة تبذل من طرف الحاكمين الذين يبحثون عن طريقة مثلى لاستعمال الموارد العمومية لضمان إنجاز عدد من العمليات على المدى المتوسط.
أما المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي تم إحداثه، فهو يتمتع باختصاصات واسعة، إذ يمكن استشارته من قبل الحكومة والبرلمان في جميع القضايا ذات الصبغة الاقتصادية أو الاجتماعية أي في البرامج المتكاملة للتنمية.
ويمكنه، وإن كان النص غير واضح في هذا الباب، بمبادرة منه أن يدلي برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني، وفي التكوين. إلا أن قيمة النص تبقى رهينة بالكيفية التي ستستغل بها استشاراته من طرف كل من البرلمان والحكومة.
العميد فيديل:
خاصة مجلس النواب الذي أخشى رد فعله بحكم تجربتي في المجلس الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي الذي يتمتع باختصاصات تشبه إلى حد كبير تلك التي خولت للمجلس المغربي، والذي لم يكن التخطيط يمثل إلا جانبا من عمله (من الممكن أيضا أن يتكون داخل المجلس المغربي قسم للبرامج المتكاملة يحيي بشكل آخر المؤسسة القديمة).
لقد أظهرت التجربة الفرنسية أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدلي دائماً باستشارات حكيمة ورزينة تطلع عليها الحكومة وتتشبث بها، ولكن الغريب في الأمر هو أن البرلمان لا يعيرها أي اهتمام ويمكن أن يفسر ذلك بالانشغالات الكثيرة للبرلمانيين، ولكن سيكون من الأفيد أن يهتم البرلمانيون أيضاً بهذه الاستشارات التي تتضمن أحياناً أفكاراً وجيهة.
الأستاذ روسي
قبل أن نختتم هذه المناقشة وهذا العرض الوجيز لنص الدستور الجديد، لابد من الإشارة الى مكسب آخر أتى به هذا النص، ويتعلق الأمر بتغيير طفيف مس كلمة واحدة من دستور 1972، لكنه تغيير جد واعد وهو يهم الفصل 94 الذي ينص على أن: «الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية»، وهذا ما يكرس العهد الدستوري للجهة التي أنشئت في شكل محدود سنة 1971 أي منذ 21 سنة، فهي الآن بلغت سن الرشد، ولكن بطريقة قاصرة نوعاً ما.
هذه المبادرة لم تفاجئنا، إذ أن الملك في خطابه الذي ألقاه بفاس سنة 1984 أعلن عن تصوره للوضعية القانونية للجهة مستقبلا بالمغرب. واليوم ليست الجهة سوى كلمة في الدستور، ولكن الميزة الرئيسية للنصوص الدستورية أنها تخلق حركية، هذه الحركية التي تتجه نحو التقدم، وكل ما هو إيجابي، فالقانونيون يعرفون جيداً أنه لا يكفي وضع نص حتى ولو كان دستورياً لحل المشاكل، ولكن لابد من تطبيقه، وأنه بمجرد وضع قواعد اللعبة لابد أن يعرف كل واحد أن احترام هذه القواعد في نصها وروحها هو الذي يضمن نجاحها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.