يبْدو أنَّ المواطنين المغاربة البعيدون عن التدبير ليسوا وحدهم من يرون أنَّ القوانين التي سنّها المُشرّع، لحماية المال العامِّ، لا تُفضي إلى معاقبة المتورّطين في جرائم الفساد المالي، بلْ إنَّ مؤسسات رسميّة تؤيّدُ هذا الطرح، وترى أنَّ القانون الجنائيَّ المغربيَّ لا يُساعد على ردع المفسدين. علي الرام، مدير قطب الشؤون القانونية بالهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، قالَ إنَّ قانون التصريح بالممتلكات، الذي شُرعَ في تفعيله سنة 2007، لمْ يؤدّ إلى إغلاق قناة الإثراء غير المشروع، نظرا لوجود ثغرة في القانون الجنائي المغربيّ الذي لا يُعاقبُ على جرائم الإثراء غير المشروع. وقال المتحدث، في ندوة نظمتها جمعية "عدالة من أجل محاكمة عادلة"، حول عمل المحاكم المالية بالمغرب، إنّ التصريح بالممتلكات ليس غاية في حدّ ذاته، وإنما الغاية المنشودة هي مُخرجات التصريح، وأهمّها ما إذا كانت الثروة المُصرّح بها تعتريها شبهات، يُمكن توصيفها بالأفعال الجُرمية، مضيفا: "لكنّ المشكل هو أنَّ مُخرجات قانون التصريح بالممتلكات، وفق المنظومة الجنائية بالمغرب، يبدأ ب: مِن أين لك هذا، وينتهي ب: خُذْها ولا تَخَفْ". ولئنْ كانَ القانون الجنائي المغربي، في صيغته الحالية، لا يعاقب على الإثراء غير المشروع، فإنّ المسؤول بالهيئة المركزية للوقاية من الرشوة يرى أنَّ تجريم الإثراء غير المشروع يجب التأسيس له من حيث مرجعيته الدولية، وهي الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، والتي لا تنصّ على إلزامية التجريم، بل جعلته اختياريا بالنسبة للدول الموقعة على الاتفاقية. وشدّدَ الرام على أن يكون التأسيس لتجريم الاثراء غير المشروع منسجما مع أهمّ المبادئ التي جاء بها الدستور، وهي قرينة البراءة، مشيرا إلى أنَّ النقاش الدائر على مستوى مسوّدة مشروع القانون الجنائي يتعلق بالضمانات التي ينبغي توفيرها عند اعتماد وتبنّي تجريم الإثراء غير المشروع، وبالنسبة لموقف الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، قال الرام: "نحن مع التجريم، لكن ليس على حساب قرينة البراءة". ويتّجه المغربُ إلى إقرارِ تجريم الإثراء غير المشروع لأوّل مرة، حيث تضمّنت مسوّدة مشروع القانون الجنائي التي أعدّتها وزارة العدل والحريات، فصلا ينصّ على تجريم الإثراء غير المشروع بالنسبة إلى الموظف العمومي، الذي ثبت بعد توليه الوظيفة أن ذمته المالية عرفت زيادة ملحوظة وغير مبررة، مقارنة مع مصادر دخله المشروع، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة. غيرَ أنّ علي الرام يعتبرُ أنَّ عدد التصاريح المتعلقة بالممتلكات، المسجّلة حاليا، والتي بلغت 100 تصريح، "رقم مكلّف مادّيا وبشريا، وحتى إجرائيا، من حيث النجاعة والفعالية المتوخّاة من آلية التصريح"، لافتا إلى أنه على مستوى التجارب الفُضلى ليس بالضرورة أنْ تتولى المجالس الأعلى للحسابات مهمّة تلقي التصريح بالممتلكات، بل يُمكن أن تتولاها هيئات محاربة الفساد. على صعيد آخر توقف مدير قطب الشؤون القانونية بالهيئة المركزية للوقاية من الرشوة عند إشكال آخر، يتعلّق بعدم خضوع الوزراء والبرلمانيين لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات، وقال في هذا الصدد إنّ مراقبة المجلس شملت مختلف المسؤوليات التراتبية، "ولكن هناك قصورا قانونيا، يتمثل في عدم خضوع أعضاء مجلس الحكومة وأعضاء مجلسي البرلمان لمجال تدخل المجلس الأعلى، لأنّ القانون يستثني هذه الشريحة السياسية بامتياز من رقابة المجلس"، يقول المتحدث.