لقد صادق المغرب على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، هذه الاتفاقية التي تدعو الدول إلى اتخاذ التدابير على المستويين المحلي أو الدولي، الكفيلة بمكافحة ظاهرة الفساد المالي سواء تدابير قانونية أو مؤسساتية على رأسها تعزيز دائرة التجريم في مواجهة جرائم الفسادالتقليدية او المستحدثة، وهي تميز بين حالات التجريم الإلزامية وحالات التجريم الاختيارية. ويندرج فعل الإثراء غير المشروع ضمن خانة الحالات الاختيارية للتجريم، إذ جاء في المادة ال20 من اتفاقية مدريد لمكافحة الفساد أنه تنظر كل دولة طرف تماشيا مع دستورها والمبادئ الأساسية لنظامها القانوني في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم تعمد موظف عمومي إثراء غير مشروع، أي زيادة في موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا مع دخله المشروع، علما بأن هذا المقتضى يتناغم مع الفصل الأول من الدستور المغربي الذي ينص على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وكذا الفصل ال36 الذي ينص على الوقاية من كافة أشكال الانحراف المرتبط بنشاط الإدارات والهيئات العمومية وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها والزجر عن هذه الانحرافات. وللإشارة، فإن ظاهرة الفساد المالي تعتبر خطرا محدقا يهدد استقرار المجتمعات وأمنها.. لذلك فإن تجريمه يستكمل لا محالة مخطط مكافحة الفساد المالي وضمان عدم الإفلات من العقاب بوصفه آلية رقابة لاحقة على المساس بالمال العام تمكن السلطات المختصة من اكتشاف الجريمة في مرحلة بعدية وقطع الطريق عن المثري إثراء غير مشروع من الاستمتاع بما نهبه، كما تمكن الدولة من استرجاع ما انتزع بغير حق وبدون سند مشروع.. ومن ثمّ، يعتبر تجريم واقعة الإثراء غير المشروع مكملا للتشريع المتعلق بالتصريح بالممتلكات المنصوص عليه دستوريا والمفعل على أرض الواقع منذ 2008 الذي يبقى حبرا على ورق إذا لم تترتب عنه إمكانية المساءلة الزجرية بعد ثبوت الفعل المرتكب؟ لذلك جاء في توصيات المجلس الأعلى للحسابات في أحد تقاريره إدخال عقوبات ردعية لعدم التصريح أو لتقديم تصريح كاذب أو غير مكمل، كما أن تتبع ثروات القضاة وأعضاء عائلاتهم مقتصر على القضاة دون غيرهم من الموظفين ومسؤولي الدولة، وفي ذلك حيف. لذلك بات من المؤكد أن التجريم في حق من يحدث اختلالا ومسا بضوابط المجتمع عن طريق خلق التفاوت الطبقي والاغتناء بصفة غير مشروعة عن طريق سن قوانين في مواجهة الجريمة متمثلة في القانون الجنائي.. وللإشارة، وعلى سبيل المقارنة، عمدت الكثير من الدول في إطار خططها لمكافحة الفساد إلى تجريم فعل الإثراء غير المشروع؛ منها مصر والأردن ولبنان والجزائر والسنغال ومالي والأرجنتين، وهي غالبا دول تعاني من معضلة المساس بالمال العام، وإن دولا ذات تشريعات عريقة كذلك انتصرت لتجريم الإثراء غير المشروع، علما أن ما قد يثار بخصوص قرينة البراءة من خلال قلب عبء الإثبات الذي يقع على عاتق الادعاء فإن الزيادة الفاحشة والطارئة في الثروة وعدم ملاءمتها وتناسبها مع الدخل الشهري بناء على معطيات تتوفر عليها سلطة الادعاء، بإمكان المتهم أن يثبت مشروعية مصدر أمواله المتأتية من الإرث أو الزواج بميسور أو أي مصدر آخر يشرعن هذه الزيادة الطارئة.. وفي هذا الصدد، فقد عللت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ما ذهبت إليه من كون القرائن الموجودة في القوانين الزجرية لا تتعارض مع قرينة البراءة، ما دامت في حدود معقولة وتتناسب مع خطورة الفعل مع ضمان حقوق الدفاع.. لذلك، وما دام الفوران الشعبي ينحو منحى عدم الإفلات من العقاب ومحاربة التفاوت الطبقي المبني على نهب المال العام والاغتناء الفاحش دون مبرر مشروع مع استشراء حالات ملموسة للإثراء غير المشروع واستفحالها أليس من الأجدر أن يتم تجريم هذه الأفعال التي تجد سند تجريمها في ملاءمة المغرب لقوانينه مع المواثيق الدولية وكذا مطابقتها لدستور 2011 في فصوله المشار إليها أعلاه، ناهيك عن الهبّة الشعبية المطالبة بربط المسؤولية بالمحاسبة ونبذ الإفلات من العقاب؟ *محامية - نائبة برلمانية سابقة.