ما تزال بنايات الحي اليهودي في تينغير منتصبة، بالقرب من واحة وادي درعة، تحتفظ بكنهها الطبيعي والتاريخي والجمالي، دافئة شتاء وباردة صيفا. ويضم الحي اليهودي في تينغير أكثر من 300 مسكن، يقع داخل قصبة تم تشييدها قبل 7 قرون، وتضم بداخلها، إلى جانب المعبد اليهودي، مسجدا بني قبل 4 قرون بالطين وسعف النخيل. يقول أحمد الجزولي، رئيس جمعية "مقورن" للتنمية، إن "سقوف مباني قصبة الحي اليهودي استعملت فيها جذوع النخل وأغصان شجرة الصفصاف والقصب، وكلها مواد محلية متوفرة في المنطقة بكثرة من واحات درعة". وما تزال تلك المباني صامدة منذ قرون في وجه عوائد الزمن إلى اليوم، بينما يضيف الجزولي أن السر في كون أزقة هذه القصبة دافئة شتاء وباردة صيفا يكمن في بنائها بالتابوث، الذي هو مزيج من الطين والتبن. لا تزال سقوف مساكن الحي اليهودي بتينغير، إلى اليوم، تحتفظ بخصائص الفن المعماري الأمازيغي المغربي الأصيل، مصنوعة من خشب الأرز المجلوب من الأطلس المتوسط، وشجر الدفلة، وسعف وألياف النخيل والقصب. أما الألوان الأساسية المستعملة في تزيين السقوف، فتعتمد الأصفر المستخرج من صفار البيض، والأحمر من الحناء، والأخضر من النعناع. ويشرح الجزولي قائلا: "زقاق الحي اليهودي الضيق لا يتعدى في عرضه مترين، وبين كل مسكن والمسكن المقابل له سقوف تتم تهويتها عبر نوافذ صغيرة، وهو السر الذي يجعلها تقي المارة قيظ الصيف وحره، وبرودة الشتاء. أما طوابق البيوت فتتراوح ما بين اثنتين إلى خمسة، فيما لا تقل مساحاتها عن ال 70 مترا مربعا، ولا تتعدى ال 90، مما يمنحها قيمة تاريخية وهندسية وتراثية مميزة، بحسب الجزولي. ويوضح المتحدث أن قطر النوافذ يتراوح ما بين 20 و 40 سنتيميترا، وفي كل طابق شقوق عرضها لا يتجاوز 10 سنتيمترات تسمح بولوج ضوء الشمس إلى البيوت، ويجعل تهوية المسكن تلطف جوه بالدفء شتاء وبخفض الحرارة صيفا. ويشرح المعلم "محمد واعزيز"، ضمن تصريح له، أن طريقة البناء التقليدي بتينغير، والتي يتم من خلالها ترميم أحياء المدينة العتيقة، تعتمد على خلط التراب مع الماء، ويترك الخليط حتى ينتفخ. بعدها يتم تتبيث الألواح في الجانبين، ويوضع خليط التراب بداخله، ويدك بعصا غليظة تحمل إسم "المركز"، على طول ستة أمتار، إلى أن يصبح جدارا. ويضيف أنه بعد جفاف الخليط، يسكب الماء فوقه، وإذا تسرب إليه، يتم هدمه فورا، دلالة على أنه لا يصلح، فتعاد نفس العملية لمرة أخرى، وفي أحايين أخرى لمرات. ومن أجل الحفاظ على هذا الحي التاريخي، بادرت هيئات مدنية وحكومية إلى ترميم واجهة بناياتها وتأهيل أبوابها الرئيس. وشمل التأهيل والترميم السور التاريخي لقصبة المساكن، ومسجد مقورن، وضريحين يحملان اسمي "سيدي مسكور" و"إسماعيل"، إضافة إلى واجهات أزقة الأحياء، التي كانت ستشكل خطرا على مستعمليها والمارة. وحسب توضيحات الجزولي فقد حافظ الترميم على استعمال المواد المحلية وخضع لمعايير مضبوطة وفقا لطلب عروض، وعهد به إلى شركة مختصة في رعاية المباني التاريخية. * وكالة أنباء الأناضول