30 يناير, 2016 - 01:39:00 على وادي ورزازات، وفي قلب المدينة تقع قصبة تاوريرت المعلمة التاريخية والمتحف السياحي، وأحد أهم قصبات الجنوب الشرقي بالمغرب، التي يعود بناؤها إلى عام 1754، لما لها من دور تاريخي وعسكري واقتصادي في نهاية ثمانينيات القرن ال19 إلى الاستقلال بعدما سيطرت عليها الأسرة الكلاوية. بحسب الرواية الشعبية، تأسست قصبة تاوريرت من لدن أمغار حماد، أهم أثرياء المنطقة آنذاك، وبعد وفاته ترك زوجته التي ظلت مقيمة بها إلى أن التحقت به. في فترة حكم الابنين التهامي والمدني الكلاوي، كانت قصبة تاوريرت عبارة عن ملتقى للقوافل القادمة من الشمال نحو الجنوب، أمر التهامي الكلاوي محمد بن الجيلالي بإعادة ترميم بعض أجزائها التي أصابها التلف سنة عام 1928. غير أنه إثر تعيين المدني الكلاوي خليفة للسلطان الحسن الأول على المناطق الجنوبية، حتى توفي السلطان أواخر سنة 1894م، انتفضت القبائل وثارت ضد قوادها، وعمت “السيبة” جل المناطق المحسوبة على آل الكَلاوي، وقامت قبائل آيت ووازكيت بحصار حمادي المزواري بقصبة تاوريرت لمدة سبعة أشهر، فتوجه الكلاوي بقوته جنوبا لفك الحصار عن أخيه. لقصبة تاوريرت، التي تقع على مساحة هكتارين، وظائف عدة، منها ما هو علمي وسياحي وثقافي وتراتي، حيث بها تقام حفلات وعروض وندوات، فضلا عن أن موقعها الاستراتيجي في قلب المدينة على الوادي، جعلها قبلة للطلاب ومزارا للسياح، بها اليوم مكاتب وقاعة للعروض وأخرى للدراسة وخزانة وسائطية وفضاءات أخرى سياحية، بعد كانت وظيفتها التاريخية عسكرية وأمنية وتجارية. في عام 1954 صنفت “قصبة تاوريرت” تراثا وطنيا، وتحولت اليوم إلى متحف لذاكرة عسكرية وتجارية وثقافية، فالقصبة مبنية بمادة التراب، شرع في استغلالها بالمجال السياحي، بعد أن تم شراؤها من قبل بلدية ورزازات عام 1972، ورممت سنوات 1989 و1995 و2002 و2004 بدعم من وزارة الثقافة. تاوريرت القصبة تحولت اليوم إلى متحف، برعاية المجلس البلدي لورزازات، حيث جمالية الفضاءات، وجمالية مواد التزيين والزخرفة من الخشب المنقوش على سقف بعض الغرف: كغرفة الأكل وقبة "للاسيدي" حيث غرفة زوجة الكلاوي الأولى. زيارة قصبة تاويررت تكلف الزائر مبلغ 25 درهما يحصلها المجلس البلدي الخاضعة لإشرافه وتدبيره الترابي والمجالي. قصبة تاوريرت، عبارة عن قصر (بمعنى دوار) “تغليت” أو “إغرم نتسيارت”، في موقع استراتيجي وموضع بضفة وادي ورزازات الذي كان من روافد وادي درعة.. للقصبة بابان رئيسيان، أحدهما شمالي يدعى بالأمازيغية “إمي ننرارن” (باب البيادر) وهو اليوم المدخل الرئيسي من جهة المدرجات، ويؤدي إلى “أرحبي نكلد” (ساحة الملك) التي تقام فيها حفلات أحواش، وما تزال تستعمل لإحياء حفلات الأعراس والأنشطة الثقافية والفنية وما شابهها. يوجد في أحد أركان هذه الساحة مدفع من صنع ألماني يعود تاريخه إلى 1884م، وهو هدية من الحسن الأول للمدني الكلاوي، كما يوجد بالداخل “ارحبي نكنسو” (ساحة الداخل) خاص بالحريم والخدم. ثانيهما جنوب شرقي، يكنى ب “إمي ننضاف” (باب الحراس)، وبعد الترميم يعلوه برج مرتفع نسبيا، وهو خاص بالعامة (المدخل من جهة دوار سيدي داود). فضاءاتها السياحية والتراتية تغري السياح المغاربة والأجانب، معارض للوحات تشكيلية، وأخرى لمنتجات سياحية ورزازية أصيلة بأثمان مميزة، وفضاءات تاريخية تراتية ما تزال أبوابها وشرفاتها ونوافذها صامدة في وجه عوادي الزمن. ورغم أن جزءا كبيرا منها قد تم ترميمه، خاصة مكان إقامة التهامي الكلاوي وزوجاته والحمام وقاعة الضيوف وقاعة الاستراحة التي كان يطل منها على الساحة الكبيرة ويراقب القادم والمغادر، فإن الجزء الغربي والذي كان يضم المطبخ ومرافق أخرى لا يزال غير مستغل لكونه غير مرمم. ويشتغل مركز صيانة وتوظيف الترات المعماري بمناطق الأطلس والجنوب على مشروع إعادة الاعتبار للقصبة، إلى جانب قصور أيت الحاج علي إحرضان (تينغير) وزاوية البركة وتانسيطة نخشاع ونشاشدة وأمزرو وأسرير نيماش (زاكورة) ، وكلها قصور أدمجت بالمجال الحضري وتغيرت معالمها. وقال محمد بوصلح مدير مركز صيانة وتوظيف الترات المعماري بمناطق الأطلس والجنوب في حديث لموقع "لكم": إن قصبة تاويررت صورة حية نابضة، نتوخى إعطاءها قيمة تاريخية وهندسية وتراثية، بغاية تحويلها إلى مؤسسات تدب فيها الحياة، وتجلب قيمة مضافة للسياحة والصناعة التقليدية”. وأضاف” أن المركز سيعيد ترميم الدور السكنية بها باستعمال المواد المحلية، بعد أن تم تحويل بعض الأماكن بالموقع وفضاءات الايواء إلى أماكن تسوق مواد ذات قيمة تاريخية وسياحية تحتفظ على كنه القصبة الطبيعي والتاريخي والجمالي”. وصادف زيارة مراسل موقع "لكم" للقصبة، ترميم فضاء الصناعة التقليدية بها بدعم من شركاء حكوميين وأجانب مؤسساتيين محافظا على هندسته المعمارية الطينية باستعمال تقنيات البناء المعتمدة على التراب (التابوت والطوب). ويندرج هذا العمل، حسب بوصلح، في إطار “تعاون مركز صيانة وتوظيف الترات المعماري بمناطق الأطلس والجنوب مع مؤسسة كيتي الأمريكية والمركز الدولي للبنايات الطينية بكرونوبل وتبادل الخبرات مع مؤسسة “جيكا” بناء على دراسات معمقة وبرامج تقنية وتكوين وتبادل وتقاسم للخبرات في مجال صيانة ذاكرة المواقع التاريخية بالجنوب الشرقي من المغرب”. كما يشتغل المركز، الذي يشغل رئيسه (بوصلح) عضوا بكرسي اليونسكو للهندسة المعمارية الطينية، على برنامج عالمي لإعادة الاعتبار للهندسة المعمارية الطينية للقصبة انطلق من سنة 2007 ويمتد إلى غاية سنة 2017. ولا زالت بعض سقوف القصبة تحتفظ بخصائص الفن المعماري المغربي والنقش العربي الأندلسي والذي كانت سقوفه تصنع من خشب الأرز القادمة من الأطلس المتوسط وشجر الدفلة وسعف وألياف النخيل والقصب، كما تزال الألوان الأساسية المستعملة في تزيين السقوف حاضرة، حيث لا يزال الأصفر المستخرج من أصفر البيض والأحمر من الحناء والأخضر من النعناع حاضرا. تم تغيير موقع القصر، تخوفا من الفيضانات المفاجئة، فعندما حل أولياء سيدي يحيى (الناجم وادمحمد ويحيى) ضيوفا عند سكان القصر، كانت معرفتهم بأحوال الوادي كبيرة لقدومهم من درعة ، نصحوا أعيان “تغليت” بمغادرة ضفة الوادي إلى قمة التل (تاوريرت بالأمازيغية) الذي يشرف على القصر. وأخذ كل من “آيت بوخروش” و “آيت باحدو” و “الصنهاجي” و “آيت باصالح” و “آيت لشكر” (أسرة يهودية)، تلك الصيحة محمل الجد، حيث كان إيمان واعتقاد أهل المنطقة بكرامات الأولياء وخوارقهم كبيرا جدا.