يشكل قصر "أيت الحاج علي" بمدينة تنغير معلمة تاريخية حية تعكس بجلاء الدور السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي كان يضطلع به هذا الموروث الثقافي، منذ قرون من اجل استقرار وازدهار المنطقة. كما يعتبر هذا القصر، الذي يرجع تاريخ بنائه حسب بعض الروايات الى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر ميلادي، نموذجا للتعايش الكبير الذي ساد المنطقة، على غرار باقي مناطق المملكة، بين عناصر إثنية ودينية متعددة من عرب وأمازيغ ويهود بالإضافة الى الأفارقة الذين جاءوا مع القوافل التجارية واستقروا بهذه الجهة. وقد تركت هذه المكونات المتعددة بصماتها بهذه المعلمة، التي توجد حاليا وسط مدينة تنغير، وذلك من خلال الإرث العمراني المتجسد أساسا في المساجد القديمة والكنيس والحمام اليهودي والسوق. وفي هذا الصدد، أكد مدير "مركز صيانة وتوظيف التراث المعماري بمناطق الأطلس والجنوب" محمد بوصالح ، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن قليلا من السكان الحاليين من يعرف أنه كان هناك حمام يهودي، تعرض للاندثار، مشيرا الى أن هذا القصر، الذي يبرز عمق العلاقات ومستوى التعايش بين المكونات العرقية التي عاشت به، تكمن قوته في الجانب المتعلق باستعمال تقنيات البناء المعتمدة على التراب (التابوت والطوب). وأوضح أن قوة هذه المعلمة التاريخية تتجلى أيضا في أن جزء مهما منها لا زال مسكونا ويقاوم العوارض المناخية، لكن الجزء الخاص بالمدخل الرئيسي ( الذي يسمى منطقة الزاوية) يعاني من الاندثار، علما أنه يضم عددا من الأضرحة (سيدي اسماعيل وسيدي يوسف وسيدي مسكور). ويعتمد بناء القصر، كما هو الحال بالنسبة للقصور والقصبات الأخرى بالجنوب الشرقي للمملكة، على تقنيات تجعل من التراب متينا ومتماسكا بالإضافة الى رونق وجمالية النوافذ الحديدية المربعة أو المستطيلة الشكل والمتقنة الصنع، والتي لازالت منطقة تنغير تحتفظ بها، وتشهد على إبداع وحنكة الصانع المغربي. ويتكون قصر أيت الحاج علي من الفضاء العام ويضم المدخل الذي يعتبر بناية تحتوي على " تدكانت" ومقر " تجماعت" حيث كانت تسير الحياة اليومية والاقتصادية والاجتماعية داخل القصر، والتي كانت ممثلة من جميع العائلات المستقرة بالقصر، بالاضافة الى تواجد بعض الأماكن لورشات العمل خاصة في مجال الحدادة الذي كان يقوم بها " أمزيل " وهو أحد أبناء العبيد لكون ممارسة الحرف كانت توزع بالتخصص حسب الإثنيات. وتؤدي بناية المدخل الى الساحة العمومية التي كانت لها أدوار مختلفة تجارية واجتماعية، من ضمنها إقامة الاحتفالات، ومنها يتم الولوج الى الأزقة المصممة وفق نظام محكم يجعل التواصل فيما بينها ممكنا، حيث تستقر كل طائفة في مكان معين داخل القصر، إضافة الى المؤسسات الدينية (الزوايا من بينها الزاوية الناصرية)، الشيء الذي أفرز تعايشا داخل هذا الفضاء المغلق والمحاط بالسور. ومن جهة أخرى، أشار محمد بوصالح الى أن النقوش بهذه المعلمة تتميز ببساطتها وقوتها في آن واحد، وتبرز مدى عبقرية وتفنن الصانع التقليدي في هذه المنطقة، الذي حاول إيجاد توازن بين شكل ومكونات البناية والزخارف التي تزين جدران القصر، مما أضفى على هذه المعلمة التاريخية جمالية ورونقا مميزين. وذكر، في هذا السياق، بأن مركز صيانة وتوظيف التراث المعماري بمناطق الأطلس والجنوب، بدأ منذ سنوات بالعمل من اجل اعادة الاعتبار لهذا الموروث الثقافي الذي تزخر به هذه المنطقة، من قصور وقصبات، وذلك باستعمال وسائل وتكنولوجيا حديثة. تجدر الإشارة الى أن المركز يساهم في مشروع ترميم جزء من قصر ايت الحاج علي، بالدراسة والتتبع، في حين تساهم ماديا في إنجازه، على الخصوص، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث يهم المشروع تبليط الأزقة بالحجارة وترميم ضريحي (سيدي مسكور) و(سيدي إسماعيل) ومسجد القصر ومحيطه. ويعد هذا القصر من بين القصور العريقة بالمنطقة، الذي شمل ثلاث قبائل كبرى (أيت الحاج علي، أيت برى، إحرضان)، ويمتاز ببنايات ومآثر شامخة بصمت تاريخ وحضارة هذه المنطقة، من بينها مسجد مقورن والأضرحة (سيدي اسماعيل وسيدي يوسف وسيدي مسكور) التي تعتبر معالم سوسيو- ثقافية لا تزال تحظى بقيمة رمزية وتاريخية كبيرة. *و.م.ع