بعيدا عن ثورة "الجزيرة" و"القرضاوي" و"ويكليكس" و"أوباما" والناطق العجيب باسم الخارجية البريطانية لم يكن بدافع الخوف أو الجبن أن المغاربة لم يخرجوا يوم الأحد -20 فبراير 2011- بالملايين للتظاهر والاحتجاج، بل كان ذلك من باب نبلهم. لم يكن من باب الخوف أو الجبن أن المغاربة الذين تظاهروا في مختلف المدن لم يرفعوا شعارات من قبيل "الشعب يريد إسقاط النظام"، أو شعارا أكبر رنة من هذا، بل كان من باب حكمتهم. لم يكن من باب الخوف أن السلطات الأمنية المغربية اختارت أن تختفي فرق "مكافحة الشغب" أو التظاهر، كليا من الساحات والشوارع التي شهدت خروج المئات من المغاربة يوم 20 فبراير للتظاهر، بل كان من باب تبصُّرها. المتظاهرون والسلطات الأمنية التفوا هذه المرة حول قيمة "الحكمة"، فالحكاية في المغرب ليست، ويجب أن لا تكون، لعبة لي الذراع بين أفراد الشعب و أفراد الأمن. وليست لعبة تبادل الاستفزاز ثم العنف وسقوط الضحايا. الواضح أن المغاربة خيبوا، بحكمتهم ووطنيتهم، آمال المنظرين الذين يريدون إسقاط ثورتي تونس ومصر على المغرب، بالشكل الذي أسقط به "الفقيه" يوسف القرضاوي"، في خطبة الجمعة (18 فبراير 2011) قول الله تعالى: "قال آمنتم له قبل أن آذن لكم "، وهي آية تخص فرعون وسحرته، على المصريين ورئيسهم السابق حسني مبارك، إذ أصر القرضاوي (غفر الله له) أن تنزل هذه الآية على ميدان التحرير بالقاهرة مبدلا كلماتها بقوله (أي القرضاوي): قال مبارك للمصريين أقمتم بالثورة قبل أن آذن لكم"..حفظ الله المغرب من تخريجات القرضاوي في الدوحة. فرح عامة المغاربة ليلة 20 فبراير لأن التظاهرات والاحتجاجات مرت بسلام، ولم تقسط الأرواح، ولم يُسئ أحد إلى بلده، ولا شك أن طينة أخرى من المسؤولين ناهبي المال العام والجشعين من "رجال الأعمال" و" العائلات القليلة التي اغتنت بفضل نسبها وبفضل علاقات المحسوبية والزبونية"، والبرلمانيين الراشين والمرتشين، فرحت لأنه لم يقع في المغرب ما حدث في تونس ومصر، ويحدث في ليبيا واليمن والبحرين، ليستمروا في مواقعهم وفي وضعهم المادي والاعتباري، ويورثوه لأبنائهم وأحفادهم. لهذا النوع من الفرحين نقول إن مطالب المغاربة، سواء كانوا من شباب "الفيسبوك"، أو من شباب وشيوخ العدل والإحسان، أو من اليسار أو من اليمين أو "مغاربة وبس"، واضحة ويمكن تلخيصها في الأسئلة الآتية: لماذا يوجد في المغرب عائلات محسوبة على رؤوس الأصابع جعلت من هذا البلد شركة لجمع الأموال بالطرق المشروعة وغير المشروعة، وفي المقابل لا تعترف بقوانينه ولا بمواطنيه؟ ولماذا استمرار سياسة إغناء الغني وتفقير الفقير، وعدم إعمال سياسة إغناء الفقير دون تفقير الغني؟ هل توجد في المغرب نخب سياسية نزيهة تخرج من ثناياها حكومة أفعال لا أقوال، فالمغاربة هجروا منذ زمان الثقة في الحكومات التي توالت عليهم، وفي النخب السياسية التي أُصيب أغلبها بالعقم؟ إلى متى ستستمر نداءات إصلاح القضاء؟ هل حُددت مكامن الفساد في هذا القضاء؟ وهل هناك جدول زمني يُبشر المغاربة بأن القضاء أُصلح تماما؟ السؤال نفسه مطروح بخصوص التعليم والصحة وبرامج التشغيل... والقضاء على الحفر في الطرقات. (يبدو أن مطلب القضاء على الحفر أصبح يوازي مطلب تغيير الدستور). رفض المغاربة يوم 20 فبراير استيراد ثورتي تونس ومصر، وأصروا على أن لا يحدث في بلدهم ما يحدث حاليا في ليبيا واليمن والبحرين، فهل ستستفيق ضمائر رجال الحكومة ونساؤها ورجال ونساء باقي مؤسسات الدولة ويخدموا هذا البلد، ويكف أغلبهم عن ترسيخ الزبونية والمحسوبية والاغتناء غير المشروع والنهب وعدم الاكتراث بمستقبل المغرب ومواطنيه. "الملك ملكنا" و"الصحراء مغربية"...شعارات لم يعد المغاربة في حاجة إلى رفعها أثناء التظاهر والاحتجاج، أو يصر المسؤولون الحكوميون على ترديدها بمناسبة وبدون مناسبة، لأنها من المسلمات بالنسبة إلى المغاربة. أما مطلب "تغيير الدستور" وما شابهه من شعارات فتبقى من اختصاص النخب السياسية، وحين تستطيع هذه النخب الوصول إلى قواعد الشعب وجميع فئاته فلتُقنعهم حينها حتّى بمطلب "الملكية البرلمانية"، أما أن تنتظر حدوث الفوضى واستيراد "الثورة" لتركب عليها فهذا أمر غير وارد لأن المغاربة بكل بساطة، ليسوا مصريين ولا تونسيين ولا ليبيين ولا يمنيين و... المغرب مطالب بثورته في سياق خصوصياته، بعيدا عن ثورة "الجزيرة" و"الدوحة" و"القرضاوي" و"ويكليكس" و"أوباما" و"غيبس"، وذلك الناطق العجيب باسم الخارجية البريطانية. *صحافي مغربي