أيْنمَا ولّيتَ وجْهك وأنتَ تتجوَّل على رصيف كورنيش مدينة العرائش تُصادفُ أكواما مُكدَّسة مِن الأزبال. وعلى الرّغم منْ أنّ مساحة الكورنيش صغيرة، ولا يتطلّبُ تنظيفُها مجهودا كبيرا، إلّا أنّ مكانسَ عُمّال النظافة، حسب ما يظهر للزائر، لا تزورُ المكانَ إلا نادرا. زُوَارُ الكورنيش منْ أبناء مدينة العرائش، والوافدونَ عليْها، يجلسون على الكراسي الزرقاء المتواجدة على الرصيف الصغير، جنْباً إلى جنْبٍ مع أكوامِ الأزبال، في مدينة تاريخيّة يترك منظرُ الكورنيش وحْده، دونَ بقيّة الأماكن الأخرى، انطباعا سلبيّا لدى زائرها. أمّا أهْل المدينة الصغيرة فلَا يُخفون "سخطهم" وتذمّرهم من الحالِ الذي آلَ إليه الكورنيش، وحينَ تسألُ أحدهم يرفع سبّابته ويوجّهها صوْب الأزبال المتراكمة على مدى ساعات النهار في المكان، ويقول باقتضاب: "انظرْ، هذا هوَ حالُ الكورنيش"، ويَدَعُكَ تتأمّل. المثير للاستغراب والتعجّب هُوَ أنَّ الأزبال والنفايات المتراكمة في كلّ جنبات كورنيش مدينة العرائش لا تتزحزح من مكانها، فبعْد ثلاثة أيّام متتالية من زيارتنا للكورنيش كانت الأزبال التي وجدْنها منذ اليوم الأوّل ما تزالُ في مكانها، وكأنّ المجلس الجماعيَّ للعرائش لا يتوفّر على عُمّال النظافة. يقولُ أحدُ أبناء المدينة، وهُو جالسٌ على السور المُطلّ على البحر: "الأزبالُ التي تراها حاليا قليلة مقارنة مع كميّة الأزبال التي تُلقى على الكورنيش في العطلة الصيفية"، ويُضيف: "ليْتَ الأمرَ توقّف عند حدود الأزبال فقط.. هذا الصباح قمتُ بجولة، وهُناك أماكنُ على الكورنيش تنبعث منها روائح نتنة". جوارَ بناية متداعية على الكورنيش، لا يُمْكنُ أنْ تمرَّ إلا إذا أحْكمتَ إغلاقَ أنفكَ جيّدا، ففي هذا المكانِ المليء بالأزبال والأتربة، وجَريدِ النخل اليابس المرميّ على الأرض، تنبعثُ رائحةُ بوْلٍ كريهة، أمّا المنظر العامّ فأقلُّ ما يمكن أنْ يُقالَ عنْه إنه منظر "بشع". أرضيّة كورنيش مدينة العرائش فقدتْ لوْنها الأصليّ الذي كانَ مائلا إلى البياض يومَ تمّ تبليطه، وتحوّل إلى لْون أقربَ إلى الأسود، بفعْل تراكم الأوساخ وغياب النظافة، وعلى طُول الكورنيش يبْدو رصيفُ المُشاة "مَكسُوّاً" بقشور بذور عبَّاد الشمس (الزريعة)، فيزدادُ منظر المكانِ قتامة. أمَّا المساحاتُ الخضراءُ الموجودة على الرصيف فقدْ طالَ القحْط أغلبَها، وتيبّس عشبها، وأضحتْ مساحات مُتربة. أمّا المزهريات الموضوعة في بعْض الأركان، والتي كان من المفروض أنْ تنبتَ فيها الزهور، فقدْ تحوّلتْ –بفعل إهمال مسؤولي المدينة- إلى قُماماتٍ تفيضُ بالأزبال. وفي ظلّ غياب أيّ اهتمام من طرف المسؤولين عن تسيير شؤون المدينة حسب ما يُعاينُه المرء بالعين المجرّدة- فقدْ تحوّل كورنيش مدينة العرائش إلى "مزبلة" حقيقيّة تُلقى فيها جميع أنواع الأزبال والنفايات. أسفل السور المُطلّ على البحر ثمّة كمّيات كبيرة من قوقعات الحلزون، يرميها الباعة هناك، وفي هذا المكان تنبعثُ روائح كريهة تزكّم الأنوف، ويختلطُ جمال البحر والأمواج المنكسرة على الصخور مع البشاعة والٌقُبْح في منظرٍ متناقض. أحدُ تجلّيات غيابِ الاهتمام بالكورنيش من طرف المسؤولين تتبدّى جليّة في الليل، فالكثير من المصابيح مُطفأة دون أن يتمّ تعويضها بأخرى مضيئة. عندَ طرفِ الرصيف، في اتجاه السوق المركزيّ، ثمّة علامةٌ أخرى ذاتُ دلالة عميقة على "الإهمال"؛ بناية متداعية تعترفُ السلطات المحلّية، من خلال إعلان على لوحة كبيرة بجانبها، بأنّها على وشك السقوط. كُتب على اللوحة: "ننهي إلى علم عموم المارة أنّ البناية مهددة بالانهيار، صدر بشأنها قرار بالإفراغ بتاريخ...". ولئن كانت السلطات قدْ أفرغتِ البناية، إلّا أنَّ المثير للاستغراب هُو أنّ مسؤولي المدينة لمْ يُكلفوا أنفسهم عناء إحاطتها بسياج، كمَا تقتضي احتياطات السلامة في مثل هذه الحالات، تفاديا لمرور المشاة بجوارها، خاصّة وأنّها تقع على الرصيف، فقد لا يعرفُ الجميع قراءة التحذير المكتوب على اللوحة، بينما أحدُ مواطني المدينة قالَ لهسبريس: "سمعنا أنَّ السلطات ستعمد إلى هدْم البناية منذ شهور، لكنّ ذلك لمْ يتمّ، ولا نعرفُ لماذا". وإذا كانت هذه البناية تدلّ على حال كورنيش العرائش، ففي الطرف المقابل ثمّة بناية تاريخيّة عريقة، تدلّ على الوضع العام لمدينة العرائش بأكملها، هي قصر مولاي إسماعيل؛ هذه المعلمة التاريخية العريقة التي تشكّل جُزءًا عظيما من ذاكرة مدينة العرائش، كانتْ قصرا لمولاي إسماعيل، ثمّ تحوّلت إلى مستشفى في عهد الاستعمار الإسباني، واليومَ أصبحت تقف على شفا الاندثار، في غيابِ أيّ ترميم، وتحولت إلى مزبلة كبيرة، وسنعود إلى هذا الموضوع في وقت لاحق.