هشام عابد* الإهداء: إلى عمالة وبلدية العرائش. كيف تحولت المدينة الفردوس إلى مسخ مشوه؟ من مدينة خارجة للتو من قصور الأندلس، إلى مدينة للبشاعة والتسيب. هي مقارنة بين زمنين مختلفين في كل شيء، بل متناقضين في أي شيء. وحتى لا تقتل التفاصيل الكثيرة والمملة الموضوع سنكتفي بالقول المجمل الذي يغني عن الإطالة واللغو... وحتى نضع الرأي العام الوطني في السياق العام دون ملل سنكتفي بالإجمال والخلاصات وسنبدأ من حيث يجب أن ننتهي وذلك لأن الموضوع عن العرائش ذو سجون! نقصد ذو شجون، من حيث التشعب ومن حيث العاطفة ومن حيث كم الإجرام الذي مورس عليها... مدينة درس بها صاحب الخبز الحافي، واختار العيش والموت فيها جون جونيه، ودرس فيها وزير الثقافة والخارجية السابق محمد بنعيسى، ومدينة سكنها محمد الصباغ الشاعر الكبير وسكنته، ومدينة عبد الصمد الكنفاوي أحد رواد الفن والمسرح بالمغرب، ومدينة قال عنها "فيليب الثاني" إمبراطور مملكة الهابسبورغ الإسباني قولته الشهيرة؛ "العرائش وحدها تساوي إفريقيا كلها"... عرائش الاستعمار يحكى فيما يحكى أنه كانت هناك مدينة رائعة اسمها العرائش، فائقة الجمال، بكر وعطرة من شدة الورود، مدينة الأغراس والحدائق و"الجنانات"، مجالات خضراء في كل ركن ومكان.. فعلى المستوى المعماري تجذبك بمساكنها المورسكو-إسلامية الطابع، أحجامها تتناسب ورونق المدينة وتحافظ على دخول الشمس للبيوت وللشوارع وأشكالها تنم عن ذوق رفيع وتحضر كبير. وعلى مستوى النظافة، كانت تنظف شوارعها مطلع كل فجر. وعلى مستوى الحماية والأمان؛ كان يضرب بها المثل لشدة الأمان والسلام... وعلى المستوى الثقافي فعرائش الحماية كانت على صغرها تحتضن ثلاث قاعات للعرض السينمائي الراقي شكلا وموضوعا، حيث كانت الأسر ترتاد هذه القاعات في شكل راق خلال قطع التذاكر وخلال الفرجة. أما المسرح التاريخي الذي يعد أحد أوائل المسارح بالمغرب بشكله البديع وبشرفاته الجانبية وشكله الأوبرالي المتفرد، فقد جعله أحد برلماني عهد الفساد في خبر كان وبنى مكانه عمارة إسمنتية... جرائد وصحف محلية بالجملة صادرة بالعرائش وتناقش الشأن المحي، وكتب كانت تطبع بمطابع العرائش محليا مما يدل على توفر العرائش على مطابع للكتب تنعش الحقل الثقافي، ومجلة "المعتمد" والتي كانت تقرأ في الشمال كله كانت تصدر من العرائش. كل هذا يدل على الحركة الثقافية التي كانت سائدة في ذلك الوقت في مدينة صغيرة جدا قابعة على ساحل الأطلسي. وعلى مستوى التحضر والاحترام والأخلاق؛ ففي شارع محمد الخامس، يحكي لنا كبار العرائشيين أن الناس كانوا يتجولون بالورود على صدورهم أو في أيديهم. والعائلات كانت ترتاد السينما في جو بديع وكامل من الاحترام، أما داخل السينما فممنوع أكل "الزريعة" وما إليه مما يمكن التشويش على متعة الفرجة والعرض. وبالشاطئ عائلات تصطاف في احترام كامل، شاطئ مجهز بالمنازل والمقاهي والمطاعم والمراحيض، هو اليوم وكأنك في صحراء..! وإنجازات الاستعمار في المدينة يتعب القلم ولا يتسع المجال لذكرها كلها ولنكتف ببعضها: - المون البحري أو ما يعرف عند العرائشيين ب"فارونة"، - المرسى رواج منقطع النظير، - تهيئة حصن الفتح وتحويله إلى مستشفى مدني سنة 1911م، - مطحنة لطحن القمح (فابريكة ديال الطحين)، - معامل بالجملة تمحورت حول الصناعة الغذائية، - معمل للجلود، - محطة للسكة الحديدية، - محطة طرقية من الروعة بمكان، - شرفة أطلسية ليس لها مثيل، - أكشاك كانت مبنية في نقط محورية من المدينة، هي تحف في حد ذاتها، - حديقة الهيسبريدس او المعروفة أيضا ب"خردين التشيتا" و"خردين السبوعا"، - تجهيز قصر مولاي إسماعيل (الكوماندانسيا) وتحويله إلى مركز للقيادة العليا، - تحويل البرج المريني (دار اليهودي) إلى مخزن للسلاح وإلى دار للقضاء، - كنيسة روعة في المعمار، - بناء ساحة التحرير متفردة الشكل، - مستشفى عصري، - "ألطو راديو" أو مركز اتصالات القيادة العليا، - سوق مركزي متفرد في شكله ومعماره في المغرب كله، - "القشلة" أو الثكنة العسكرية، - إصلاح وترميم السوق الصغير وباب المدينة، وباب القصبة... - إنشاء باب البحر أو ما كان يعرف ب(الديوانة)، - دار البريد والتلغراف، - مدرسة للمهندسين مكانه اليوم ساحة المسيرة الخضراء البشعة، - تعبيد وترصيف معظم أحياء المدينة، - حتى أن أهم الأبحاث الأثرية حول ليكسوس أجريت خلال فترة الحماية، واهتموا بلكسوس، وحموها من التلف... وبالجملة؛ إنشاءات وإصلاحات عظيمة بمقاييس ذلك العصر الذي كانت فيه الدولة الإسبانية فقيرة وتفتقر إلى الإمكانيات المادية والتقنية ورغم ذلك، إنجازات لا تقدر بثمن. حتى إنك أيها العرائشي إن تخيلت العرائش بدون "البصمة الإسبانية" في المدينة فلن تكون مدينة العرائش مختلفة كثيرا عن مدينة حد كورت أو زحيليقة إلا بوجود البحر الذي حاروا في كيفية حرمان العرائش منه هو الآخر..! وبلغة أصحاب الرياضيات نقول؛ إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن العرائش كانت وعاءا حضاريا وحضريا يضرب به المثل، وأكثر تقدما وتحضرا زمن الاستعمار الإسباني على كل الأصعدة، قبل أن تسقط في أيدي التتر الجدد. تعالوا.. تفضلوا..! إلى عرائش عهد الاستقلال وسدوا أنوفكم والبسوا النظارات الشمسية، حتى لا تزكم أنوفكم رائحة الأزبال، وحتى لا تصدمكم مظاهر ومشاهد البشاعة التي غزت البلاد والعباد... عرائش الاستقلال عرائش اليوم! تدمي القلب ولا تسر الناظرين، فعروس الأمس أصبحت شمطاء اليوم، ومدينة الحدائق أصبحت مزبلة المدن، ولم يعد يجني أهلها إلا الخيبات المتتالية وعلى جميع الأصعدة. فما هي منجزات الاستقلال الخارقة؟ وما هي إضافات الاستقلال العظيمة؟ هناك من يؤرخ لتدهور العرائش بدخول "العمالة" سنة 1986م! وإذا كانت العمالات في البلدان المتقدمة تدخل بالرقي والتقدم فإنها دخلت في هذه المدينة بجحافل من الأجناس والأقوام غرباء عن العمق الحضاري والثقافي لمدينة العرائش، أمر شبيه باستقدام بني هلال وبني سفيان إلى المغرب عهد المنصور الموحدي كعقاب لأهل البلد وليعيثوا في البلاد فسادا، ودخلت بمخططات للهدم والتشويه الحضاري بدعوى طمس معالم الاستعمار الإسباني! كما فسر أحد عمال العرائش الأمر، منطق عجيب غريب! يعني أنه قدم إلى العرائش بمهمة خطيرة ومهمة جدا وهي مسح ما تركه الإسبان في المدينة! وعلى هذا الأساس وإن انتشرت الفكرة أكثر وعممت على المغرب ومسحت آثار الاستعمار الإسباني والفرنسي من المدن فبعد 20 سنة أخرى أو أقل فإنك لن تفرق المغرب عن موريطانيا أو ليبيا..! الأمر الذي يجعلنا نقارن الأمر مع الجارة إسبانيا التي لم تحاول طمس حضارة الإسلام بسبب عقدة الآخر..! بل كانت رافدا من رواقد تطورها ونمائها وجليها لملايين السياح من مختلف أصقاع العالم... لا يخفى على كل عرائشي حر أن حقيقة الأمر هو محاولة الدولة ترك العرائش بحيرة ومزرعة للثروات التي تنهب من خلال المركز العاصمة الرباط، كما لا يخفى على كل عرائشي أصيل أنها تركت أيضا لتكون "الشارع الخلفي" المضلم و"الممر الحقيقي" لتجارة المخدرات بل والشيرا والكوكايين.. إن تعريف العمالة في العرائش هو أنها "آلة الفساد النظامية المخزنية من أجل امتصاص خيرات البلاد ودماء العباد"، بشكل مشروع وقانوني. منجزات الاستقلال لا حد ولا حصر لها، لقد أبهرت أبناء العرائش وعشاقها من الأجانب من كثرة الإنجازات التي حققت فيها! ومن بعض هذه الإنجازات الخارقة على سبيل المثال لا الحصر: - على المستوى المعماري؛ عمارات لا حصر لها استنبتت في دروب حجبت الشمس وزادت الرطوبة العاليةبالعرائش الطين بلة، مما يزيد من أمراض الروماتيزم والربو وأمراض الحساسية... من هذه العمارات: عمارة النخيل التي تشوش عليك الرؤيا من ساحة دار المخزن، فتحجب عنك الصورة البانورامية التي كانت قبل بناية العمارة والتي كانت تظهر فيها ممالح العرائش ومدينة لكسوس الأثرية. وعمارة مقهى العربية وعمارة أخرى بالكورنيش مكان ما كان يعرف بالمقاطعة الرابعة سابقا. عمارة سكنية بالكورنيش لسيدة تنتمي ل"حزب التفاحة" بنتها بعيد الانتخابات، وتهييئها لحديقة كورنيش العرائش لأسباب انتخابية وكحديقة أمامية لعمارتها الجديدة! - قيدوم المفسدين بالعرائش السيد السيئ الذكر "ح. ع" التي تنسب إليه الكثير من الإنجازات التاريخية للمدينة؛ من بينها تدمير التراث المعماري للمدينة، السطو على الأراضي، إيفاد موجات بشرية من قرى ومدن المغرب الأخرى لتوظيفها كأمواج بشرية نازحة وكأوراق انتخابية وكمشاكل مزمنة للمدينة من خلال مدن الصفيح والإجرام وعربنة المدينة... - مدرسة تاريخية مكانها اليوم عمارة ل"إ. غ" المعروف ب "كابوني". - تم هدم المسرح الراقي اليتيم والجوهرة الفريدة من نوعها وهو من أعرق مسارح المغرب، وبناء عمارة مكانه للمدعو "م.ر" النائب البرلماني السابق! - تجزئة سكنية مكان أوطيل "الدوقة دوكيسة" التاريخي، وهي ل"مضارب برلماني" لبورجوازي ينتمي للحزب اللبرالي أولا ثم الاستقلالي حاليا ويعلم الله أين سيكون مستقبلا، دخل العمل السياسي من خلال "شكارته" حتى درجة محاولة شراء الأصوات في مجلس المستشارين. وحوش حجرية بالجملة مكان تحف معمارية أصيلة رائعة المنظر... لكن لاحظوا معي يا سادة، أن القاسم المشترك لمجرمي العقار أنهم إما "بورجوازية متخلفة" وإما "مسؤولون" سياسيون من المفروض يعملون على تنمية وتطوير المدينة وليس أن يكونوا أول المفسدين فيها والناهبين لها عبر جرائم تاريخية والإطاحة بكنوز لن يعيدها التاريخ. ألم يقل المثل حاميها حراميها..! - على المستوى الثقافي؛ ثم إزالة ثلاث قاعات سينمائية. أما دار الشباب الوحيدة فهي باردة وموصدة الأبواب معظم الوقت. - على مستوى البنيات التحتية تم إزالة خط السكة الحديدية الرابط ما بين العرائش والقصر الكبير والواصل حتى سبتة. أما الطرقات التي تركها الإسبان لم يعد يلتفت إليها إلا مع اقتراب كل موسم انتخابي، كما يحصل مؤخرا في العرائش. - على مستوى التخريب والتدمير الحضاري المتواصل؛ ثم إزالة النافورة التاريخية لساحة التحرير وتدمير الكراسي التي كانت تخلد قصة "دون كيشوتي دي لامانشا" بكل من "ساحة التحرير" وساحة "رحبة الزرع" وأماكن أخرى. وحتى التي بقلب قصر بلدية العرائش مهددة اليوم رغم وجودها داخل حرم "البليدة" عفوا البلدية المسئولة عن تاريخ وتراث وشرف هذه المدينة هي مهددة بدورها اليوم بالهدم والتدمير. - الفسيفساء الأرضية المثبتة بساحة الموقع الأثري بليكسوس بأرضية المسرح الروماني التاريخي والتي هي عبارة عن فسيفساء لإله المحيط "أوقيانوس"، فالزائر اليوم لن يجدها لأنها دمرت أغلبها وهذا دليل عدم الاكتراث بالموقع وبالتحف الموجودة به من طرف القائمين عليه. هذه الفسيفساء التي عمد "ميكيل دي طاراديل" الأركيولوجي الإسباني إلى تغطيتها بكميات من رمل البحر كحماية لها من الأيادي العابثة إلى أن يتم الاهتمام بالموقع وتأمينه... بل موقع ليكسوس التاريخي هو نفسه اليوم دخله العقار والإسمنت باسم السياحة..! - شوارع لا تصلح إلا للعب الغولف، وأحياء الإسمنت، في تزايد وامتداد مستمر، والكل يبني وينهب في الأراضي وكأننا في زمن السيبة. - مستوصف وحيد أنشأه الاستعمار الإسباني، وهو في وضعية مزرية، من يدخله يزيد مرضا، وقد تدخل متعبا فتخرج منه منقولا على نقالة. - مدينة المدافع أصبحت اليوم تفتقر ولو لمدفع واحد يذكر بتاريخها الجهادي وأهميتها التاريخية، - شاحنة الأزبال المثالية التي تزيد المدينة عفونة وتزكم أنوف العرائشيين بألذ أنواع العطور المنتقاة من أجود أزبال المدينة. - على المستوى الاقتصادي؛ ثم الحكم بالإعدام تباعا على جملة من الشركات التي تركها المعمر، نذكر منها على سبيل المثال؛ إيماصا(شركة صناعية كانت تنتج وتصنع المنتوجات الخشبية وغيرها) أغلقت. ميديتيراني (مقاولة للبناء)أغلقت. ديلاسوس (شركة للتصبير) تم إغلاقها. لاراطيكس(شركة مختصة في إنتاج الملابس الجاهزة للتصدير للدول الأوربية) أغلقت. معمل إنتاج الأحذية (إنتاج موجه للخارج) في طريقه للإغلاق كما سمعنا مرارا. سوكرال (مؤسسة صناعية مختصة في تكرير السكر) أغلقت. مضربة المحيط (وحدة صناعية مختصة في تصبير السمك والمنتوجات الفلاحية، وتطوير المصبرات) أغلقت. المعمل الوحيد للشاي بالمغرب (الإنتاج المحلي) في خبر كان... وسير وسير..! مدينة البحر (المرسى مداخيل بالجملة وفساد بالتقسيط تتجرع سمه العرائش قطرة قطرة)، والغابة (متنفس حقيقي ينهبونه كل سنة في اتجاه القضاء عليه)، والوادي (الترامي عليه رويدا رويدا من خلال مشاريع معمارية مشبوهة)، ومقالع الرمال (لا نعرف طبيعة ولا طريقة تدبير واستفادة المنطقة من هذا الكنز المجاني الطبيعي)، وجودة الأراضي (حوض اللوكوس؛ منطقة فلاحية بامتياز، والعوامرة ثاني جماعة غنية في المغرب من حيث جودة التربة والمداخيل ... ولكن؟! لا نرى أي تطوير للصناعة الغذائية رغم أن المنطقة فلاحية وتتوفر على مما يمكن أن يكون رافدا حقيقيا للتنمية بالمنطقة من خلال الصناعة التحويلية وتقوية النسيج الصناعي للإقليم. إذ المسجل هو التراجع)، سياحيا (فنادق ومطاعم غير مصنفة في مجملها، بل العرائش نفسها غير مصنفة سياحيا على المستوى الوطني رغم ما تتوفر عليه من مؤهلات متنوعة).... وزيد وزيد..! من جهة أخرى لا يفوتني أن ألفت انتباه العرائشيين إلى أمر غاية في الأهمية؛ وهو أنك إذا أردت تخريب العرائش فما عليك إلا نقل البحر من مكانه إلى مكان آخر. تموت العرائش دون البحر. لكنهم بدل من نقله! لأنهم لا يستطيعون ذلك في الوقت الراهن..! حاولوا ويحاولون خنق العارئش من جهة البحر. ودليلنا على ذلك أنه وفي ظرف أزيد من نصف قرن! المدينة البحرية العريقة، لا تتجاوز مقاهيها المطلة على البحر الثلاثة أو الأربعة مقاهي! ونحن نعرف ان المدن الساحلية أهم مشاريعها التنموية والسياحية تكون على البحر والساحل؛ فأي المشاريع السياحية والفنادق و المطاعم و الكورنيشات و... وبدل أن يكون متنفسها الأساس هو البحر والغابة لم يزدد كورنيشها البحري شبرا منذ الاستقلال إلى اليوم، بل إن لم نقل أن العكس هو الذي وقع، فقد طالته يد العبث والتشويه، وأصاب سورها التاريخي اليوم الهدم والمسح من الوجود. أما الغابة فمن يزورها ومنذ زمن بعيد فقد أصبحت مرتها للأزبال أو الجرائم، وهو أمر طبيعي أليس أكبر حزب في العرائش الآن هو حزب الأزبال و الفساد..! بل الأدهى من ذلك كله أنهم وفي خطة مدروسة دون أدنى شك أنهم يتركون الأرض بما رحبت واتسعت، ويقصدون أقرب معالم المدينة التاريخية "ويبلزون فيها بلزة من بلزات العهد الجديد" وعلى سبيل المثال لا الحصر: جاؤا بالقرب من المتحف اليتيم الوحيد وبنوا أسفله "تيليبوتيكا" حديديا بشعا، وجاؤوا أسفل برج الفتح وبنوا بناءا بالآجور والإسمنت يشوه صورة برج تاريخي عمره أزيد من 5 قرون، وتركوا الدنيا بما اتتسعت وبنوا ملعبا لكرة القدم المصغرة تحت الصورة البانورامية التي للمدينة العتيقة من جهة باب البحر، وتركوا الدنيا بما رحبت وبنوا مشاريع داخل الحيز الترابي لكنز من كنوز التاريخ القديم بمدينة ليكسوس الأثرية، وتركوا الدنيا بما شسعت و جاؤا إلى جانب برج النصر ويبنون حاليا بنايتين من الإسمنت أشبه بالكعبة بالقرب من برج النصر وداخل حديقة الهيسبيريديس... لقد تعبت..! إعذروني لن أستطيع إكمال سرد المهازل..! عرائش الاستقلال يا سادة هي: - عرائش مدن الصفيح. - عرائش الوجود الخطير لماسحي الأحذية والمجانين، أصبحت العرائش بشعة، و كأنها "برشيد الشمال"، عرائش وقحة وجاهلة لا تحب الحضارة ولا الأماكن المتحضرة... - وبعدما كانت النظافة ميزة عهد الإسبان أصبحت الأزبال ميزة العرائش زمن المغاربة. - وبينما فتح الاستعمار معامل وخط طرقا وسككا وبنا وعمر جاء الاستقلال ليقفل المعامل ويزيل خطوط السكة، يهدم المعمار الراقي ويعوضه بالصناديق الحجرية... - عرائش استبدلت فيها المتنفسات بال"مختنقات"... - وأغلقت المراحيض العمومية فأصبح التبول في الشوارع وزوايا المدينة يزيد المدينة عفونة ودنسا، بعدما كان يضرب بها المثل في النظافة يوم كانت تغسل شوارعها عنوانا للتحضر والنقاء. يا للعار يا للجريمة... يا للعار... ولما تصدح بعقيرتك في السماء صائحا مرحى وشكرا لك أيها المعمر وسحقا لك أيها المحلي الفاسد ستقتاد إلى أقرب سجن محلي بتهمة الخيانة العظمى..! إذ عليك أن تتلذذ بالفساد وأنت صامت فتلك هي الوطنية في دساتير القوم الفاسدين... إن العرائش كما وضحنا للعالم محنة عمرها سنوات الاستقلال. فالإسبان المسيحيون بناو وموالين الدار المسلمون! هدموا؟ يا للمعادلة الغريبة..! مدينة تنزف تنزف تنزف... وكل شيء فيها تراجع: الثقافة، السينما، المسرح، التشكيل، المرسى، الفلاحة، المعامل، التجارة، الرياضة، الحدائق، النظافة، المعمار الراقي، المرافق الصحية والعمومية، الأداء الإداري، المطابع، الصحافة، المجلات... وإذا كانت الشركات تفتخر بتاريخ إنشاءها بكتابة تاريخ ظهورها للوجود دليلا على العراقة والاحتراف وخدمة الناس، فنحن في العرائش لنا أيضا تاريخنا الذي يعبر عن تاريخ من الفساد والرداءة والتخلف، الموسوم والمكتوب على كل منجزات الاستقلال الرديئة، فنقول "منذ 1986" والعرائش في تراجع مستمر، قاتل الله كل من له يد في المؤامرة... إن نصف ساكنة العرائش مريض بالقلب..! والنصف الآخر مرشح لذلك..! والسبب الحسرة والألم كلما تجولوا في ردهات هذه المدينة المنكوبة التي تحالف الزمن والبشر على إسقاطها من عرش الجمال والفردوس وإلقائها في مزابل العهد الجديد... وا شوف واسكت يا "قليل النفس"..! أنا وأنت وهو وهي وأنتم وأنتن والعرائشيون جميعا...