منذ إعلان ماو تسي تونغ عام 1949 في ميدان "تيان أنّ مِن" في بكين، عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية بقيادة الحزب الشيوعي، لازالت الصين وحتى اليوم تعتمد سياسة الحزب الواحد، والذي لا يحكم الصين بنظام الانتخابات، فهو يعتبر قيادةً تاريخيةً لدوره في تأسيس وتنمية الصين. في بلد المليار و300 مليون نسمة، لا يوجد انتخابٌ شعبيٌّ مباشر للرئيس، بل ينتخب الشعب ممثليه من أعضاء الحزب الشيوعي، وهم بدورهم ينتخبون أعضاء مؤتمر الشعب الوطني، الذي ينتخب الرئيس ونائبه كل 5 سنوات. ومن أشهر هؤلاء الرؤساء ماو تسي تونغ، مؤسس الحزب والجمهورية، و"دنغ شياو بينغ" الذي بدأ الانفتاح الاقتصادي للصين عام 1979. منذ ذلك الوقت والصين في تطور سريع ولافت قل نظيره في العالم، فلو طفت جميع بلدان العالم، فلابد أن تجد منتجات كتب عليها "صُنِعَ في الصين"، لكن هذا النجاح الاقتصادي ثوب أبيض لا يخلو من بقعةٍ سوداء، ليست ظاهرة للعيان، وهي بقعة الفساد. وكان لزاما على الدولة الصينية، وخصوصا مع بروز الرئيس السابق "هو جنتاو"، التصدي بحزم لجميع أنواع الفساد، ولعل من أشهر بنوده التي تسعى الدولة لمحاربته، استغلال السلطة لمنافع شخصية، والصفقات السرية، والرشوة. ومنذ تولي القيادة الحالية للصين زمام الحكم في عام 2012 بزعامة الرئيس "شي جين بينغ" تم إعلان حملة شاملة لمكافحة الفساد أوقعت بكبار الجنرالات والمسؤولين في الحزب، وضمت أسماء جنرالات ورؤساء أقاليم ومسؤولين بارزين أدينوا بالفساد. واستهدفت الحملة كذلك عدداً من الشركات الكبرى المملوكة للدولة في عمليات تفتيش عن الكسب غير المشروع، ومن بينها شبكة كهرباء جنوبالصين، وشركة الصين للاستثمار في الطاقة، وشركة تكنولوجيا الطاقة النووية. حملة الرئيس الصيني "شي" ضد الفساد لا تستثنى أحدا أياً كان موقعه في الحزب أو في الدولة، بل إن الحملة تستهدف كبار المسؤولين الفاسدين أولا،ً الذين وصفهم ب"النمور"، والتي طالت حتى رئيس الوزراء السابق، ومن قبله عضو بارز في المكتب السياسي للحزب الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة الفساد. وتخطط الصين لوضع تشريع وطني لمكافحة الفساد، وفقا لتقرير ألقاه كبير المشرعين الصينيين، فهي تدرس حالياً إجراءات تجبر جميع المسؤولين الكبار في الدولة والحزب على الكشف عن ثرواتهم، كما سيتم فرض عقوبات أشد على من يقومون بدفع رشى للمسؤولين. كما تَحظر القوانين الجديدة على المسؤولين قبول هدايا فخمة ودعوات ترفيه وتسهيلات سفر. وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 100 مسؤول كبير صدرت ضدهم أحكام بالسجن خلال عام 2013 بتهم تتعلق بالفساد، وفي أحيان كثيرة تصل العقوبة إلى حد الإعدام، والتي غالبا ما تكون رميا بالرصاص، كما يدفع أهل المُدان ثمن الرصاصة التي يقتل بها. وشنت الحكومة الصينية اثنتين من العمليات العابرة للحدود الوطنية، سعيا إلى إعادة المشتبه بهم من الخارج كجزء من الحرب الشاملة التي يشنها الرئيس الصيني شي جين بينغ على الفساد. ومن الطرائف ما ذكرت صحيفة "تشاينا ديلي" الصينية الرسمية، عن اللجنة المركزية للتفتيش التأديبي، أن 70 شخصا من قيادات وكبار مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني وأزواجهم في إقليم "هوبي"، شرق الصين، زاروا مسؤولين سابقين في سجن المدينة، وقضوا يوما في السجن مع زملائهم السابقين، وكانت تلك الجولات تذكيرا حادا من بكين ضد الفساد بوصفه "تحذيرا تثقيفياً". [email protected]