غداةَ خروج حزب الاستقلال من الحكومة سنة 2013، قالَ عبد الواحد الفاسي، نجْلُ الزعيم الاستقلالي علال الفاسي في حوار صحفي: "لقد انحدرَ حزبنا إلى الأسفل وأضحى محطَّ سُخرية الجميع"، وكانَ على حقّ، إذْ ما فتئ توالي الأيّام يُبرْهنُ عنْ صدْقِ كلامه، فلا أحدَ يُجادلُ اليوم أنّ حزب "الميزان"، الذي كانَ مشتلا للنخبة السياسية المغربية، أضْحى مَسخرةً، بعْد وصول حميد شباط إلى زعامته، وهو الذي لا يُفرّق بيْن الخطاب السياسي وخطاب المقاهي! منذُ جلُوس السيد شباط على كرسيّ الأمانة العامّة لحزب الاستقلال خلفا لعباس الفاسي، وهُوَ يُردّدُ الخطابَ نفسه. خطابٌ قِوامه اتهاماتٌ لغريمه السياسي رئيسِ الحكومة عبد الإله بن كيران، تفتقرُ إلى سَندٍ يُضفي عليْها ولوْ جُزءً يسيرا من المصداقية، مثلَ ادّعائه، في جلسة عمومية بالبرلمان يا حسرة، وعلى الهواء مباشرة، بأنّ ابن كيران له ارتباط بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)! واتهامه له لاحقا بالارتباط بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)! وعلى هذا المنوال سارتْ خطاباتُ السيد شباط منذ أكثرَ من سنتيْن. يُلقي الكلامَ على عواهنه، ويُردّدُ نفس الاتهامات لغريمه ابن كيران، ولا يأتي أبَدا بشيء جديد، بلْ إنّه يتحدّثٌ ردْحا من الزمن دونَ أنْ يقولَ جُملة واحدةً مفيدة، من فرْط تكرار الكلام الذي ملّتْ منه أسماع السامعين، هذا إذا افترضنا أنّ هناك من يسمعُ كلامَ شباط، حتى إنَّ بعض الزملاء الصحافيين يقولون من باب التندّر إنَّ الصحافي يستطيعُ أنْ يكتبَ ما سيقوله شباط في لقاءٍ من لقاءاته دونَ أن يحضره، بعْدما "حفظ" الناسُ كلامه عن ظهر قلب. ولا أدلَّ على أنّ السيّد شباط حوّل حزب الاستقلال إلى مسخرة، كما قالَ عبد الواحد الفاسي، هوَ ما تفوَّه به في تجمّع مع أنصاره يوم الأحد الماضي بمدينة فاس، حينَ طالبَ بإخراجِ مَقرّ رئاسة الحكومة من أسوار القصر الملكي بالرباط، والداعي؟ وضعُ الحكومة وجْها لوجْه أمامَ الشعب كي يُحاسِبَ رئيسَ الحكومة. الله أكبر! ما الذي يمْنعُ السيد شباطَ من الاحتجاج على رئيس الحكومة وهوَ في مكتبه داخلَ أسوار القصر؟ لا شيء، اللهُمّ إذا كانَ يسعى إلى تقريبِ رأسِ رئيس الحكومة من أيْدي المُحتجّين بهدف مآربَ أخرى! إنّه مطلبٌ مثيرٌ للسخريّة والضحك، لكنّه ينطوي، أيْضا، على قدْرٍ كبيرٍ من الخطورة، فإذا كانَ شباط يَرى أنَّ الحكومة تمارس الظلم والحكرة والاستبداد على المغاربة، وهي تختبئ وراءَ المؤسّسة الملكيّة، فهو يتّهمُ، بشكل أو بآخر، القصرَ بمباركة "ظُلم واستبداد وحُكرة" الحكومة ضدّ الشعب المغربيّ، أمّا مكْمن الخطورة الثاني في مطلب السيد شباط هذا، فيتمثّل في دعْوته إلى احتجاج الشعب على الحُكومة، بعْدَ أنْ يخرجَ مقرّها من القصر، أيْ أنّه لا يرَى من سبيل لرفْع "ظُلْم" الحكومة سوى بلجوء الشعب إلى "شْرْعْ يْدّو"! مِنْ حقّ السيّد شباط أنْ يحتجَّ على سياسات الحكومة وعلى قراراتها، فهُوَ يرأسُ حزبا مُعارضا، ومنْ حقّه أنْ يندّدَ ويشجبَ ويستنكر ويحتجَّ في الشوارع، وقدْ جرّبَ ذلك وقادَ مسيرةً تزعّمتْها حَمير وسَط العاصمة جلبتْ عليْه سُخريّةَ الناس، لكنْ عليْه أنْ يعيَ أنّ الجيلَ الذي يُخاطبُ جيلٌ واعٍ سياسيّا، يُريد زعماء سياسيين معارضين يواجهون خصومهم في الحكومة بالأفكار والأرقام، ولديْهم بدائلُ لمشاريع الحكومة، أمَّا أن يعودَ في كلّ مرّة إلى اتهام رئيس الحكومة بالارتباط بداعش وجبهة النصرة والموساد، فلْيسمحْ لنا أنْ نقول له إنَّ هذه النكتة لم تعُد تُضحك أحدا، لكنّها، للأسف، حوّلتْ حزبَ الاستقلال إلى نُكتة مُضحكة!