شباط يلف الحبل حول عنق حكومة ابن كيران. إصراره على أن يعطي لحزبه موقعه في الأغلبية الحكومية جعله يشن حربا لا هوادة فيها على حليف وقع معه غريمه السابق في الحزب عباس الفاسي ميثاق الأغلبية واختار الانضمام إلى حكومته خلافا لحليفه الإستراتيجي في الكتلة الديمقراطية حزب الاتحاد الاشتراكي. ولأنه ليس راضيا على أن يكون مجرد رقم عادي في المعادلة الحكومية، فإن حميد شباط القيادي النقابي الذي اعتلى منصب الأمين لحزبه بعد حرب ضرورس داخل البيت الاستقلالي ونال ثقة 478 عضوا في المجلس الوطني لحزبه مقابل 20 صوتا لمنافسه عبد الواحد الفاسي، فإنه وجه سهام النقد منذ البداية إلى العدالة والتنمية، يحثه على ضرورة التنسيق بين مكونات الأغلبية ومراجعة ميثاقها أولا وبعدها تغيير وزراء الاسقلال في الحكومة. ولأن ابن كيران اختار سياسة الآذان الصماء فإن شباط ومعه فريق حزبه الجديد هدد غير ما مرة بالانسحاب من الحكومة. لكن ابن كيران لم يأخذ تهديدات شباط محمل الجد، وتطورت الأمور، وكان أن حشد الاستقلاليون كل أجهزتهم التقريرية والتنفيذية وقام أمينهم العام بجولات ماراطونية في كل مناطق التراب الوطني لشرح دواعي قرار الانسحاب من الأغلبية والعودة لمعانقة كراسي المعارضة. مقابل صعود نجم حزب العدالة والتنمية وتنامي مؤشرات هيمنته على المشهد الحزبي، رأى شباط أن ذلك لن يكون سوى على حساب حزبه، ولأن عينيه على الاستحقاقات المقبلة وعلى مكانته في الخريطة السياسية، فقد رمى الكرة في مرمى حزب العدالة والتنمية وأعاب عليه «اختياره خطاب المعارضة رغم كونه في الأغلبية والمس بالقدرة الشرائية للمواطنين، وإمعانه في رفض تطبيق الحكامة في مجال المقاصة، ومحاربة الريع والفساد في هذا القطاع، وأيضا رفض تنفيذ الالتزامات الحكومية بخصوص محضر 20 يوليوز الخاص بحاملي الشهادات، واتفاق 26 أبريل مع النقابات العمالية». كل ذلك لضرب أي ورقة قد يلعبها حزب غريمه ابن كيران للتبخيس من قراره مغادرة مناصب الاستوزار. قبل ذلك اتهم شباط ومعه حزبه ابن كيران بتعطيل الدستور من خلال الامتناع عن إصدار القوانين التنظيمية، وافتعال المواجهة مع جميع مكونات جسد القضاء من قضاة ومحامين وكتاب الضبط. لم يعجب شباط ما سماه حزبه «إرادة الهيمنة على الإدارة من خلال تعيين الموالين لحزب رئيس الحكومة وجماعته الدعوية»، ولأنه حريص على توازن ميزان حزبه، فإنه رفع شعار توازن مكونات الأغلبية وهو ما لم يستجب له رئيس الحكومة ليختار العودة إلى المعارضة ليعيد التوازان لمشهد سياسي يصر حزب العدالة والتنمية أن يهيمن عليه في الحكومة والبرلمان ولا يضيئه سوى مصباحه. أوسي موح لحسن ابن كيران عنيد في تحدي التحدي ابن كيران في حيرة من أمره لا محالة. وقد يدرك أن عناده هو سبب تصدع حكومة لم يمض على ترؤسه لها سوى السنة والنصف. كان حريصا على التأكيد أن أغلبيته تشتغل في تماسك وتناسق تامين، لكنه لم يكن يتصور أن طموح حليفه الرئيسي حزب الاستقلال سيكون سببا في خلط أوراق تحالفه الحكومي. بالغ ابن كيران في البداية في الرد على الانتقادات التي تطال حكومته بما فيها تلك الصادرة عن حليفه في الائتلاف الحكومي حزب «الاستقلال» حين قال بالحرف إن «حزب العدالة والتنمية ليس ريشة تنفخ عليها فتطير»، وشاء أن يدخل في حرب كلامية مع حليفه، وإن اختار عدم الرد في الشوط الثاني من المواجهة. وبدل أن ينصت لحلفائه اختار لغة التحدي والعناد الذي لازمه حتى في خطابه مع المعارضة بالبرلمان ووصف كل منتقديه ب «التماسيح والعفاريت» وأن كل من ليس مع حكومته هو ضد الإصلاح. عناد ابن كيران جعله يرفض الانحناء لطموح قد يكون مشروعا لأمين عام حزب خرج منتصرا من معركة حامية الوطيس داخل تنظيمه، وبالتالي قبول شروط شباط ومنحه حقائب وزارية أكبر بل وحتى منحه مقعدا وزاريا يليق به وثانيا إعادة توزيع المقاعد وتقليص حجم وزراء حزبه. لكن كان لابن كيران رأي آخر وهو أن «قرار رحيله بيد الله والشعب والملك». لم يتحرك عبد الإله ابن كيران بعد الزوبعة التي خلقها تلويح الاستقلال بالانسحاب من الحكومة، وظل يردد أنه «لن يخضع للضغط أو الابتزاز، وليس خائفا»، بل تحدى شباط في لقاء لمستشاري حزبه بالقول «من يريد نسف الحكومة، فليتحمّل مسؤوليته، وليتفضل، سواء كان حزبًا أو زعيمًا أو أمينًا عامًا، من داخل التحالف الحكومي أو من خارجه». لم يكن ابن كيران يدرك أن الأمين العام الجديد لحزب الميزان الذي سماه جلالة الملك لحظة استقباله «بمناضل القرب» لن يقف طموحه عند حد طلب تعديل حكومي، وأنه قد يفكر في فك الارتباط بالأغلبية الحالية والرهان على تحالف يجعله يقوده «حكومة الإنقاذ الوطني» كما يسميها، عمودها الفقري الكتلة الديمقراطية. أية أوراق سيخرجها ابن كيران الآن؟.. هذا هو السؤال الذي سيطرح على رئيس الحكومة وهو الذي قطع حبل الود مع أحزاب المعارضة بمن فيهم التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي. كل ذلك رهين بمدى جدية هياكلها بالاستمرار في الاصطفاف في المعارضة أو اختيار النقيض بالتحول إلى قطعة غيار لاستمرار الحكومة إلى نهاية ولايتها. قد يرضي ذلك عناد ابن كيران لكن سيدفع ثمنه لا محالة سواء في البرلمان أو في أي استحقاق انتخابي مقبل. أوسي موح لحسن