بعد مرور كل التصريحات الحكومية مند فجر الإستقلال .يموت ناس كثيرون بسبب ديماغوجية مقيتة التي يرتجل بها كلما حان وقت التصريح الحكومي أو ما يختصر اليوم "بالإنجازات"، وهي في الحقيقة سلوك إستفزازي لا يقل خطورة عن قتل النفس أوالموت البطئ . وفي كل مراحل هذه السنوات العجاف ، تستمر حكايات ، وقصص الحكومات المغربية المتعاقبة على إيقاع إغداق عائلاتها وأصدقائها وأحزابها بالأموال والمناصب السامية ...، وترفض في نفس الوقت إيصال ولو خيط كهرباء صغير إلى المناطق المهمشة ، وهي تتبجح بالشفافية والنزاهة و"تنزيل" الدستور ، وغيره من الكلام الفضفاض الذي لاتجد له اثر على الواقع . هي واحدة من استراتيجيات القمع النفسي التي يعاني منها المغاربة اليوم وجعله ضمن مصاف البلدان الأكثر تعاسة في العالم ، إلى درجة أن وصول حكومة بن كيران الإسلاموية أعاد بنا إلى عصر "الإستبداد" التدريجي ، فكل الإجراءات المتخذة في الحكومة الحالية كان لها وقع خطير على الطبقة المتوسطة والمسحوقة، ونظرا لكون هذا الإختيار إنما هو إجراء عقابي ، يعيد بنا إلى أيام وصاية وزارة الداخلية المقدسة ، والى تراجعات الماضي الأليم ، وحيث آن التصريح الحكومي بمناسبة مناقشة حصيلة نصف الولاية الحكومية الإسلاموية ، يطرح جملة من الملاحظات على خطاب رئيس الحكومة ومعارضته من جهة أخرى شكلا ومضمونا ومنها: أولا: رئيس الأغلبية ورؤساء المعارضة تصرفوا في البرلمان بمنطق الزعماء السياسيين الدين تسلطوا على المغرب منذ فجر الإستقلال ، فاحتكروا العمل السياسي والنقابي في تنسيقيات بمسميات مختلفة ، من الكثلة إلى ج8 . فالخطاب المتداول من كلا الطرفين لا يعاكس رغبات و تطلعات الشعب المغرب ، فكل واحد من هؤلاء الأطراف يريد أن يثبت على انه قادر على الدفاع عن مصالح حزبه ، وأتباعه من ذوي المصالح ، ولا تهمه نوعية الخطاب ولا طريقته لتحقيق ذلك ولو بشكل لبق ، وهو حال حزب الاستقلال الذي مارس معارضة مباشرة ، لاتحتاج إلى تملق ، وهي بعبارة أوضح ، على علم وممارسة بدواليب القرار ، لدلك لايجد متسعا من الوقت إلا لكي يقول بالحرف إلى رئيس الحكومة" إرحل .." ، ولا يهمه أن يطرح بدائل ولا مقترحات ، لأنه فهم طوال السنين مضت طريقة تدبير المشاكل الداخلية والخارجية المحيطة بالمقاولة أو الإدارة ... همه أن يسجل النقط على الطرف الآخر، وأن يخرج إلى أنصاره وقد يرفع سقف المطالب إلى أعلى، وهو لايريد التفاوض مع الحكومة، هؤلاء غير قادرين على نسيان خلافاتهم ولا تهمهم الديمقراطية في هذه البلاد، ولا مستقبل أجياله. أما أعين المغاربة المهمشون ، والمقصيون سياسيا ، يرون في هذه الأسطوانة المشروخة التلاعب بمصالح الشعب ، وعندما تقوم الدولة بإبطال الأحزاب وتحل أخرى ، معناه أن ثمة مشكل سياسي كبير ، مفاده أن الأغلبية الحكومية والمعارضة لا تعنيان شيئا بالنسبة للشعب ، فالحكومة المندمجة بنسختيها الأولى والثانية ليس لها برنامج واضح ، رغم أن الحزب الحاكم وعد أنصاره على تنفيذ برنامج الحزب لكن سرعان ماتغيرت الأمور بسبحانه، ويفند بعد ذلك وزير الدولة بدون حقيبة عبد الله بها هذا الكلام ، بقوله أن مرجعية الحزب هي مرجعية الملك ، فإنه يفعل ذلك بشكل برغماتي وبتعليمات من جراء التطورات الحاصلة على المستوى الإقليمي بعد إعتقال مرسي رئيس جماعة الإخوان بمصر، وهو بذلك يتوقف عند "ويل للمصلين" لم يعد يطرح بدائل للسياسة القائمة مند فجر الإستقلال ، وحينما يتكلم رئيس الحكومة السيد عبد الإله بن كيران ، ويقول "الله إنصر سيدنا "، إشارة إلى الملك محمد السادس ، وهو بذالك لايقترح مخارج للأزمة غير تلك التي تدافع عنها الحكومات السابقة كلما عجزت عن الرد عن المعارضة تقول أن برنامجها هو برنامج الملك كما فعل عباس الفاسي حين كان رئيسا للحكومة ، و هؤلاء بذلك يخاطبون جمهور الناخبين بطريقة غير عقلانية إنطلاقا من سوء فهم لأدوارهم الدستورية ، وتقديم إشارات إلى منافسيهم ، على أنهم يدركون قواعد اللعبة وان الأساسي في اللعبة الإقتراب من القصر ، وهو حل أفضل وأقل تكلفة وأكثر إستفادة... ، وهذا ما يصنع الفرق بين حكومة ومعارضة، و كل الصراخ ينصب في هذا التوجه ، وكل ديماغوجية ستصير أغلبية و معارضة، وكل واحد يتجرأ على السب واللعن سيصير زعيما للحكومة فيما بعد. نقد الحكومة نصف قطع الطريق إلى ولوج القرار، النصف الآخر هو التوافقات السرية والظرفية الملائمة ، وفي الأخير سيقول الناخب إن كلام المعارضة ولا الحكومة لايفيد دون أخد وعطاء . ثانيا: المعارضة رغم كل آليات فن الخطابة التي تتحدث بها إنما تريد إتباث أحقيتها في الحكومة القادمة بوصفة على مقاسها، فهي لاتهمها الإستراتيجية فقط ، ولاتعنيها المعوقات المادية التي تكبل يد الحكومة، وتجعلها حكومة يوميا تنقص من شعبيتها من جراء الإنتقام من الشعب ، بكل إجراءاتها المتخذة ، ناهيك عن الملايير من الدولارات المتراكمة من القروض الناتج عن عجز الميزان التجاري ، والتي لايستفيد منها الشعب ، فهناك مناطق وعلى كثرتها في المغرب لم تتغير معالمها إطلاقا منذ فجر الإستقلال سواء من مستوى معيشة سكانها أو بنايتها -إن كانت أصلا موجودة- .. ، وحينما جاء بنكيران إلى البرلمان ليقدم الحصيلة ؛ فهو يتحدث بالدارجة ، ويتأسف عن تأخير إنشاء معهد دعم اللغة العربية ، وهو لايدرك ، أن غالبية الشعب المغربي لاتفهم ما يقوله رئيس الحكومة ولا معارضته ، ببساطة لايفهمون لا الدارجة ولا اللغة العربية ، وربما قد يتجاهل هؤلاء عن قصد هذه المفارقة ، لكنهم متأكدون حتما أن خطابهم يصل فقط للصم والبكم كما تبيّنه إشارات المعلق أثناء البث المباشر على الشاشة لنقل وقائع "الثمتيل" المفوض داخل البرلمان ، أما غالبية الشعب لايتقن لغة بن كيران و يتكلم الأمازيغية في الجبال والسهول والصحراء ، وفي المدن والقرى..، أما المعارضة فجاءت إلى البرلمان لتقوم بمعارضة الحكومة وموالاة الحكم، وهي الأخرى لايهمها الأمازيغ ،إنما تريد فقط أن تقول هي الأخرى أنها مستعدة لتقدم الأفضل للدولة العميقة ، وان تنال نصيبها من كعكة المطبخ السياسي وصناعة الخرائط السياسية لتقول لبن كيران وأتباعه " إننا نفتخر بوضع يدنا في يد الدولة لأن المغرب بلاد ثورة الملك والشعب». ثالثا: تمويه الشعب ، يتم وفق خطة أساسها الشعبوية ، فخطاب "الحلايقية" هو السائد ، وهي استراتيجيه يراد منها الإستئناس و"التنفيس" على الشعب ، فالمعارضة وظفت هي الأخرى أساليب رئيس الحكومة لاستعماله قدرا كبيرا من الشعبوية في خطابه، و معنى ذلك أن الشعب " بليد" ، ويده مبسوطة أمام التسلط ، ولا يستطيع مواجهة "العفاريت" ، ويكفيه ، أن يلتزم الصمت ، بل يندهش ، لمستويات النقاش داخل البرلمان التي تمس في العمق مفهوم الدولة المؤسساتية ، حينما يأتي السيد حميد شباط تحت قبة البرلمان ليقول لرئيس الحكومة: «عليك أن توضح للمغاربة علاقتك بداعش وجبهة النصرة والموساد الإسرائيلي!». إنها رسالة تحتاج إلى توضيح على الأقل ، فحين يؤكد وزير الداخلية في حكومة بن كيران ، على أن هناك تهديدات "دعيشية" محتملة للمغرب وان الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تتلقى دعما من الخارج.. ، فهذا الكلام ليس هو الضحك ، وحينما يتحدث شباط عن جبهة النصرة ، و هي بالمناسبة منظمة تنتمي للفكر السلفي الجهادي والكل يعلم من كان يمول هذه الحركة على غرار السلفية والتوجه المشرقي بالمغرب عموما .، أما قصته مع الموساد ربما يكون السيد شباط يقصد علاقته مع يهود مغاربة حيث حضر جنازتهم واستقبلهم كأعضاء شرفين في مؤتمر حزبه . بل يمكن استحضار أيضا ارتفاع نسبة علاقات التطبيع وفي مجالاتها المتعددة مع إسرائيل في حكومة الاسلامويين ، ويبقى هذا التساؤل على قبة البرلمان وعلى طبيعة أسئلته خطير جدا يهم أمن البلاد والعباد بعيدا عن المزايدات ، ويثير الشكوك و توضيح مغزاه للشعب طبعا ليس للنخبة فقط ولا المكفوفين ذوي الإشارات "الصم البكم" كما هو مألوف عن خطابات الحكومة في قبة البرلمان الموجه إلى هذه الفئة ، وإنما ايضا لعامة الناس الذين لايفهمون مايقوله رئيس الحكومة ومعارضته ، و هو أفضل تعليق على هذا الكلام ، ويدفع العقلاء ، إلى استنباط الحكمة من فم بن كيران عندما قال " أنا خادم جئت إلى الحكومة لكي أحافظ على الإستقرار" .