أثار الحكم الصادر، الأربعاء الماضي، عن محكمة الجنايات بمدينة نواذيبو الموريتانية ( 450 كلم شمال غرب نواكشوط ) والقاضي بإعدام كاتب المقال المسيء لخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد إدانته بتهمة "الزندقة والتطاول" على خير البرية، جدلا ورود فعل واسعة بين مؤيد ومعارض ، في الوقت الذي ينبغي التفكير في وسيلة إنقاذ روح بشرية خرجت عن السبيل القويم. فقد صدر الحكم ، مساء الأربعاء الماضي، بعد أكثر من سبع ساعات من المداولة بين أعضاء المحكمة، قبل أن تنطق بالحكم بإعدام المتهم حدا لا كفرا بعد أن أعلن توبته وأنكر وعيه ببعض ما جاء في مقاله، علما بأن النيابة العامة كانت قد طالبت بإعدامه رميا بالرصاص، وهذا الحكم هو أول درجة وقابل للطعن في ظرف خمسة عشر يوما. ورغم أن الحكم بالإعدام ما يزال مدرجا ضمن مسطرة الأحكام في موريتانيا إلا أنه لم يطبق منذ عقود. كثيرون هللوا للحكم بإعدام الشاب محمد الشيخ ولد مخيطير، كاتب المقال المسيء لرسول الله، فيما دعاه البعض إلى التوبة قبل تنفيذ الحكم، الذي أصبح موضوع مزايدة سياسوية أحيانا واتخذ ذريعة لتسوية نزاعات إيديولوجية قديمة بين المدافعين عن الصرامة الدينية وأولئك الذين ينادون بحرية التعبير. وكانت السلطات الموريتانية قد اعتقلت ولد مخيطير ( 29 سنة ) مطلع العام الجاري،على خلفية مقال كتبه بصفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" اتهم فيه بالإساءة لخاتم الأنبياء والمرسلين. وعلى هذا المستوى يمكن للعلماء أن يلعبوا دورهم ويتدخلوا لإنقاذ مسلم وإخراجه من الضلالة إلى الهداية، كما جاء في سورة المائدة " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ". فلم يكن علماء الإسلام الكبار يترددون في مفاضلة الحق في الحياة، وهي نعمة ربانية، وتقديم النصح للضالين مادامت هناك إمكانية إرجاعهم إلى الطريق السوي لكي يتوبوا توبة نصوحا كما جاء في الحديث النبوي الشريف " الدين النصيحة ". والآن ، وبعد أن قالت العدالة كلمتها، فإن الدور على العلماء لكي يأخذوا بزمام الأمور، ويسدوا النصح للشاب محمد ولد مخيطير ما دام الأخير اعترف بذنبه امتثالا لقوله تعالى " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين "( سورة النحل الآية 125 ). حقا إن طيش الشباب والجهل قد يشكلان ظروف تخفيف بالنسبة لهذا الشاب الذي سقط في المياه الآسنة والمستنقعات باستناده إلى تأويلات مغرضة للوقائع التاريخية ذات الصلة بالتنظيم الإجتماعي، الذي قيل زيفا، بأنه كان معمولا به في المدينةالمنورة على عهد الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. الأكيد أن أمام العلماء، الذين تحظى سلطتهم المعنوية بكل الاحترام والتقدير في موريتانيا، فرصة إظهار حجة قوية لإنقاذ حياة هذا الشاب على اعتبار أنه أعلن توبته عند بداية المحاكمة تبعا لقوله تعالى " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما " صدق الله العظيم. إن حالة محمد الشيخ ولد مخيطير مثال حي للتحديات التي يواجهها حاليا الشباب في البلدان الإسلامية وما يعانونه من مشاكل متعددة، يعمدون أحيانا إلى تفريغها وتحويل غيظهم إلى شكل من التنكر للقيم الدينية والاجتماعية. فمثل هؤلاء الشباب، الذين لا يلمون بمبادئ وقيم الدين الإسلامي الحنيف، هم بشكل عام، ضحية قراءات خاطئة ومغرضة للتاريخ، تساهم الشبكة العنكبوتية في هذا الزمن في نشرها على أوسع نطاق، ويتجاذبهم نوعان من التطرف، كلاهما أخطر من الآخر، فإما أنهم منجذبون بفعل فكر براق يسخر من كل القيم ، وإما يسقطون بين مخالب الفكر التكفيري المارد، الذي يسود الاعتقاد بأنه في طريق الاضمحلال. ففي موريتانيا كما في باقي البلدان الإسلامية، ربما آن الأوان للقامات من العلماء والفقهاء للقيام بدورهم في نصح وارشاد الأجيال الصاعدة في هذه الظرفية المضطربة من التاريخ التي يعتبر فيها الدين الإسلامي أول المستهدفين من قبل أعدائه. *و.م.ع