غاب علماء الدين المغاربة عن قائمة مؤسسي "مجلس حكماء المسلمين"، والذي تم الإعلان عنه قبل أيام قليلة في الإمارات العربية المتحدة، ويضم عددا من كبار علماء الدين المسلمين، ويترأسه شيخ الأزهر أحمد الطيب، والعالم الموريتاني بن بيه، حيث يسعى إلى "تعزيز السلم في العالم الإسلامي" وفق ما ورد في بيانه التأسيسي. وتوزعت آراء مراقبين حول أسباب غياب علماء الدين المغاربة عن التواجد ضمن مجلس حكماء المسلمين، والذي تشتمل لائحة أعضائه المؤسسين علماء من مصر وموريتانيا والجزائر وتونس والأردن وليبيا، بين من اعتبر أن الأمر يعود إلى محاولة المغرب النأي بنفسه عن الخلط بين الدين والسياسة، وبين من عزا ذلك إلى عدم استقلالية مثل هذه الهيئات وخلفيات إنشائها. منافسة الإماراتلقطر الشيخ أبو حفص رفيقي نفى، في تصريحات لهسبريس، أن يكون غياب علماء مغاربة يعود إلى محاولة الابتعاد عن مواطن استغلال الدين في السياسة، خاصة بعد التوجه العلني للدولة في عدم توريط السياسية في الدين، مبرزا أن للمغرب عضوية في منتديات عالمية كثيرة، من أهمها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين". وأرجع أبو حفص غياب المغاربة عن الانضمام للمجلس الجديد إلى ما راج حوله، وعن حيثيات تأسيسه خاصة رغبة النظام الإماراتي في تأسيس مؤسسة منافسة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومواجهة له، بحكم مواقف الاتحاد المؤيدة للثورات العربية والمساندة للإسلاميين، والانتقادات اللاذعة التي يوجهها الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد، للنظام الإماراتي. وخلص الناشط الإسلامي ذاته إلى أن هذه الحيثيات جعلت الأسماء المعروفة من علماء الدين بالمغرب تمتنع عن التواجد في قائمة مؤسسي مجلس حكماء المسلمين"، غير أنه لم يستبعد انضمام علماء مغاربة مستقبلا خاصة من المؤسسة الدينية الرسمية في البلاد إلى هذا المجلس". هيئات غير مستقلة ومن جهته يرى منتصر حمادة، الباحث في الشأن الديني، أن المغرب يتميز في تمظهراته الدينية بوجود مؤسسة إمارة المؤمنين، التي تضبط التوازنات الدينية بين مختلف أطياف التدين في المجال التداولي المغربي، وبالتالي حضور عالم مغربي في المجلس قد يثير حساسيات دينية وسياسية، ما يفسر أسباب غياب علماء مغاربة من المؤسسات الدينية على الخصوص. ويشرح حمادة، في تصريحات لهسبريس، فكرته بالتأكيد على أنه سواء تعلق الأمر ب"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، أو "مجلس حكماء المسلمين"، فهي إزاء هيئات غير مستقلة، ولا يمكن أن تكون كذلك، لكونها تابعة بشكل أو بآخر لأنظمة سياسية وتيارات دينية". واسترسل موضحا "الأول تابع بشكل مباشر لقطر، وللتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ويكفي تأمل طبيعة التعامل الإعلامي مع أعماله، حيث نعاين فقط المنابر الإخوانية التي تروج لهذه الأعمال؛ ففي المغرب مثلا، وحدها يومية "التجديد" التي تنشر أخباره، ومعها بعض المنابر الإعلامية المقربة أو المحسوبة على بعض إسلاميي الساحة". أما المجلس الثاني، يكمل حمادة، فإنه تابع للسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، ولذلك يتعرض للشيطنة في المنابر الإخوانية، وهناك حملة إعلامية للتيار الإسلامي الحركي ضد تأسيس المجلس خلال الآونة الأخيرة، مبرزا أن هناك "صراعات سياسية مغلفة في غطاء ديني، ومنخرطة في صراعات مركبة يمكن أن نصطلح عليها ب"الصراع على الإسلام" بتعبير المفكر اللبناني رضوان السيد. المغرب يأخذ مسافة وعاد الباحث إلى أحداث "الحراك العربي" التي كشفت عن حقيقة العديد من المشاريع، ونوايا بعض الفاعلين، من قبيل "الحوار القومي الإسلامي" الذي انتهى تقريبا إلى زوال، وتنظيم "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي اتضح أنه تابع "للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين"، بثقليه التنظيمين المصري والأردني. ولفت إلى أن رئيس هذا الاتحاد، الشيخ يوسف القرضاوي، يقيم في قطر المتحالفة منذ عقد ونيف مع التيار الإخواني في المنطقة، وله مواقف واضحة من أحداث "الربيع العربي"، ولذلك قدم العلامة الموريتاني عبد الله بن بيه، استقالته من الاتحاد، وأطلق إلى جانب فعاليات علمية أخرى مشروع "مجلس حكماء المسلمين". وقال حمادة إن المغرب أخذ مسافة من جميع هذه التنظيمات، ولكنه يحتفظ بعلاقات دبلوماسية جيدة مع الجميع، سواء كانوا مع الإخوان أو ضدهم، ولديه علاقات طيبة مع جميع دول الخليج العربي، دون استثناء"، مضيفا أنه "ليس صدفة أن نجد أمراء من السعودية والإماراتوقطر والكويت والبحرين يحطون الرحال في المغرب إما في زيارات رسمية أو زيارات خاصة. وتابع المحلل بأن "وحده تيار إخواني، وبالتحديد جزء من التيار الإخواني وجزء من التيار السلفي من يعلن الولاء للتنظيم "للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، وفي كلتا الحالتين، لا يُجسد هذا الولاء إلا أقلية هامشية مقارنة مع مواقف المغرب الرسمية والشعبية، لاعتبارات عدة". وزاد حمادة بأنه يوجد في مقدمة هذه الاعتبارات طبيعة التدين الإخواني والسلفي، والذي ينهل من مرجعيات عقدية ومذهبية مشرقية المصدر، تصطدم بحواجز بنيوية وأخلاقية وسلوكية في التأقلم مع تراث ديني مغربي عريق وأصيل ومتجذر" وفق تعبير الباحث.