في الصورة المخرج زياد الفاضلي رفقة بطلي فيلم "خليك معايا" بعد مشاهدة الفيلم القصير الذي تم إدراجه في هسبريس للمخرج والسيناريست زياد الفاضلي بعنوان خليك معايا ، ساءتني جدا معظم التعليقات التي كانت من القراء على مثل هذه المحاولة الهادفة والجادة وساءني جدا أننا شعب يتفنن في أن يحطم بعضه البعض . لقد كانت فكرة هذا العمل رائعة جدا ومستحقة لكل تنويه . ولقد تعرضت بطريقة مدروسة لمرحلة عمرية هي فعلا من أهم مراحل العمر ، وأقل ما يقال عنها أنها تحدد مصير الإنسان ككل إيجابا أو سلبا . مرحلة رغم أننا بتنا جميعنا ندرك مدى خطورتها إلا أننا مازلنا لا نعطيها قدرها من العناية و الاهتمام ، لأن تركيزنا في هذه المرحلة كآباء غالبا ما يكون على النجاح الدراسي وتوفير الضروريات المادية للأبناء وننسى أو نتناسى ما يشغل هذا الابن المراهق من هموم ربما قد تأثر على دراسته وعلى كل مسار حياته فيما بعد . وكأننا لم نكن يوما مراهقين ولا عشنا قط التجربة ، ولا كأننا نحمل في مخزون ذاكرتنا أي ذكرى عن هذه المرحلة من العمر ظلت تصاحبنا في حياتا ووضعت بصماتها عليها !!! يبدأ الفيلم بمخاطبة هاجس كل الآباء المتمثل في الدراسة . فنرى في أول مشهد فتاة بلباسها المدرسي جالسة وحيدة على الأرض تنزف. ذاك النزيف الذي حمله الكاتب الكثير من الدلالات . وتنزع هذه الفتاة لباسها المدرسي لترمي به على الأرض إشارة من الكاتب إلى المستقبل الدراسي المهدد بالضياع . تدخل الفتاة بعد هذا الحادث إلى البيت فلا تجد سوى أبا في حالة يرثى لها من السكر و ربما هو أيضا ينزف من الداخل بسبب مشكلة ما يعاني منها لم تكن موضوع الكاتب . قد تكون هذه المشكلة هي فقدان الزوجة التي توفيت منذ سنة . أو إدمان الشرب ، أوالإحساس بالفشل في دوره كأب . وربما هذا الإحساس نفسه هو الذي يجعله لا يكف عن تذكيرالابنة بكونه والدها وبكونها مدينة له بالاحترام . وتتعرض هذه الفتاة للعنف الجسدي والنفسي . ويخاطبها هذا الأب بأسلوب يفتقد الثقة والاحترام ولايخلو من نبرة اتهام . وينعت صديقتها التي أخبرته أنه كانت عندها بعد التحقيق الذي أجراه معها بمجرد دخولها إلى البيت بنعوت قبيحة غير معير أي اعتبار لما يمكن أن يمثله عالم الأصدقاء من قيمة كبيرة عند هذه المراهقة . ولا يكتفي بذلك بل ينعتها هي أيضا باستعمال أقبح الكلمات بالانحلال الخلقي . وهذا أفظع إيذاء نفسي من الممكن أن تتعرض له فتاة في مثل هذه المرحلة من العمر . وأمام قهر هذا الأب الذي استطاع أن يوجد له شرعية من الدين ( ماعارفاش بأنه لا تقل لهما أف ) ، كانت هذه الفتاة المسكينة مع كل ما تكتمه بداخلها من معاناة تتلقى الأذى من هذا الأب دون حتى أدنى محاولة منها للدفاع عن نفسها . وهنا يجدر بنا أن نقف وقفة أمام مشكلة عقوق الآباء التي غالبا مانهملها مركزين دائما على عقوق الأبناء . تؤثر هذه المشكلة على الفتاة فتذهب في اليوم التالي إلى المدرسة متأخرة لتجد باب المدرسة موصدا في وجهها فتغيب عن المدرسة دون أن يكون ذلك باختيارها . وهنا نتساءل عن دور المؤسسة التعليمية التربوي في متابعة الحالة النفسية والإجتماعية للتلاميذ الذي يعد منعدما في المؤسسة التعليمية المغربية . وأمام مشاكل هذه الفتاة الخاصة، ومشاكل الأهل، ومشاكل المدرسة ،تلقي الفتاة بنفسها في أحضان بطل القصة الشاب . ولحسن حظ هذه الفتاة أن هذا البطل لم يكن إنسانا سيئا وإنما كان متعاطفا معها يسعى جاهدا لأن يخرجها مما هي فيه . وكان من الممكن تحت وطأة الضغط النفسي الذي كانت تعيشه هذه الفتاة أن تلقي بنفسها في أحضان أي شخص رجلا كان أو امرأة يستغل ظروفها أسوأ استغلال . وينتقل بنا الكاتب من تم إلى موضوع العنصر المذكر في قصة هذه الفتاة والذي صوره في الصديق الأخ وفي الحبيب الذي كانت تبحث عنه البطلة لتعويض ذلك الحرمان الكبير في المشاعر الذي كانت تعاني منه . دون أن ينسى الإشارة إلى ما يشكله هذا العنصر المذكر من خطر يهدد الفتاة في هذه المرحلة من العمر التي تنقصها الخبرة وتحركها العواطف الصادقة الجياشة ، ويضاف إليها في حالة هذه البطلة غياب الأهل والشعور بالوحدة والحاجة إلى الصديق . ويعرض الكاتب لقضية الحب في هذه السن الصغيرة من العمر ووقع الصدمة العاطفية بالنسبة لتلك الفتاة التي واجهتها بمفردها دونما العودة إلى الأم ، وفي تلك اللحظة يظهر طيف الأم الميتة يحوم حول هذه الفتاة تستحضره حاجتها الملحة إلى الأم الصديقة والناصحة التي تعالج المشكلة وتخفف من هول الصدمة ، والتي لو كانت موجودة لاستطاعت ربما أن توجه هذا الحب الجارف الذي وقعت فيه الفتاة أو أن تكبحه بالطريقة التي ليس من شأنها أن تؤذي الفتاة . وفي لحظة إحساس غامر بالضياع و الاحباط والوحدة والحزن الذي سببته هذه الصدمة العاطفية، تطرق هذه الفتاة باب البطل الشاب وتغامر بالدخول إلى بيته وهي تكاد لا تعرف عنه شيئا إلا ما تظن هي معرفته . ليحتضنها مرة أخرى هذا الصديق الشاب ووالدته محاولان إخراجها مماهي فيه. وطوال الفيلم كان هنالك إشارة من الكاتب إلى أن المشكل الأساسي لدى هذه الفتاة هو غياب الأب والأم معا وعنه تمخضت باقي المشاكل. والغياب في قصة البطلة قد كان بسبب موت الأم والأب الحي الميت، لكنه عند العديد من الأسر موجود بصور أخرى . ولم يهمل الكاتب وسط كل هذا الإشارة إلى براءة الطفولة التي كانت تطفو على شخصية هذه الفتاة المراهقة الطفلة وهي تتبادل الضحكات الطفولية مع ذلك الصديق..والتي كانت ربما تجد فيها متنفسا وفسحة أمل . وفي آخر الفيلم يحيلنا إلى قضية المجتمع المتفرج الذي ظلت هذه الفتاة البريئة تنزف أمامه دون أن يبدي حراكا أو يسرع إلى إسعافها إلى أن وافاها الأجل. و يحمل مسؤولية نزيف ووفاة هذه الفتاة لكل المجتمع . وفي آخر مقالنا لا نملك سوى أن نقول أن الكاتب قد أجاد فعلا إلقاء الضوء على أهم الأمور التي من الممكن أن تشغل بال فتاة في هذه الفترة من العمر . ولا يسعنا سوى أن نشكر المخرج وجميع الفنانين الذين أبدعوا في هذا العمل متمنين لهم المزيد من العطاء والتوفيق في مسيرتهم الفنية .