إن الحديث عن إشكاليات الإبداع في الدراما التلفزيونية المغربية حديث سابق لأوانه، لأن الإشكاليات الحقيقية تمس بالأحرى جوانب أخرى لا علاقة لها بالإبداع بمفهومه الحقيقي النبيل. فما جدوى التحليل النقدي والعمق في الحديث عن الصورة، والمستوى التأويلي للصورة والرمز الفوتوغرافي، ودلالة الألوان ورموز الألوان، والحركة والخطاب اللغوي والتركيب والتوضيب واللقطة وسلم اللقطات وزوايا الرؤية وحركات الكاميرا وانسجام الحوار مع الصورة وإدارة الممثلين؟.. ما جدوى كل هذا اليوم وسط موجة من الإشكالات الأخرى التي تنخر الإنتاجات الدرامية بتلفزتنا؟ سنصل إلى هذا ذات يوم حين نحل المشاكل العالقة التي لا علاقة لها بالإبداع، ولكل مقام مقال. فمن يكتب السيناريو؟ أو من يتجرأ على اقتحام عالم كتابة السيناريو؟ أولا، ينبغي القراءة والقراءة، ثم الكتابة والكتابة وأخيرا الكتابة، وكتابة السيناريو تتطلب عملا شاقا، ونفسا طويلا، وبحثا معمقا ومعرفة عميقة لبنيات المجتمع وتطوره، وتفتحا واسعا لآفاق أكثر توسعا. الرسام هو الذي يرسم اللوحة وينهيها، والكاتب هو الذي ينهي كتابه إلى آخر سطر، وينتهي من مهمته، والشاعر ينهي ديوانه الشعري.. أما السيناريست فعمله لن يتم ولن تكون النهاية إلا بالصورة الفيلمية، أي بعد تدخل المخرج وأطراف أخرى تتحمل مسؤولية نقل الكلمة إلى الصورة. ولن ننسى بأن المخرج والأطراف الأخرى تنطلق من عمل السيناريست، فكم عندنا من سيناريست في هذا البلد؟ وهل يعرف الجمهور، وحتى المهتمين، أسماء كتاب السيناريو ببلادنا؟ هذا إذن تقصير ملحوظ في حق هاته النخبة. لمن يكتب السيناريست؟ الكاتب، كما نعلم، يكتب لقارئ محتمل، أما السيناريست فيتوجه على العموم وفق المنطق هذا: إلى القارئ، إلى المخرج، إلى الفريق التقني، إلى الممثلين، وأخيرا إلى المشاهدين المحتملين.. وكتابة السيناريو لا يتقنها كل من هب ودب، فجميع النوادر والقصص والحكايات ليست بالضرورة صالحة لأن تكون سيناريوهات: وجميع ما يكتب بجدية لا ينقل إلى الصورة بجودة إذا كان المخرج دون المستوى. فالمخرج يحتل المرتبة الثانية بعد السيناريست. إنه، منطقيا، هو أول من يقرأ السيناريو، إذا لم يكن كما هو الحال عندنا، هو أيضا من وقع السيناريو. الكل تقريبا يتفق على الصعوبة التي يتعرض لها المخرج حين يريد إخراج سيناريو كتبه بنفسه.. السيناريست سيناريست، والمخرج مخرج، فلكل مهمة مسؤولية وقواعد وميكانيزمات تخصها. ونادرا جدا ما يفلح أحدهم في المهمتين سيان... فالفكرة نقطة انطلاقة السيناريو، وليست هي السيناريو بحال. وما ينقص في علاقة تلفزتنا بأعمالها الدرامية، هي ربط علاقة وطيدة بين صاحب السيناريو والمخرج، إذ لا يعقل أن تمنح القناة عملا مكتوبا لمخرج محتمل دون أن يتم اللقاء بينه والسيناريست، ودون أن يعرف أي شيء عنه، بل أحيانا لا يعرف وجهه حتى. فالسيناريست يضع عمله لدى القناة، ويذهب إلى حال سبيله بعد حصوله على تعويضاته، إلى أن يكتشف العمل كباقي المشاهدين ساعة بثه على القناة. وهذا شيء مضحك أكثر من بعض تفاهات شهر رمضان. لا سيما وأن سخط بعض كتاب السيناريو تظهر في الأفق بقوة بعد البث: «السيناريو ديالي مشي هكذا»، أو «تكرفص لي على السيناريو»، أو «كون غير خدموشي واحد آخر».. وقس على عبارات عدم الرضى هاته. وعليه، فمن المفروض لقاء السيناريست بالمخرج منذ الوهلة الأولى، وحضور الإثنين وتواجدهما أمر ضروري إلى النهاية. إن الإخراج نظرة متميزة للوجود والكائنات والأشياء وطريقة إبداعية في التعامل مع الأثاث والأشخاص والفضاءات والأفكار التي يحتويها السيناريو، وليس دور المخرج هو إخفاء عيوب السيناريو كتطويل الحوارات، والزيادة بدون معنى في بعض المواقف والحشو في بعض المشاهد، الشيء الذي ينتج عنه ضعف في البناء السردي. مواضيع الفكاهة ومضامين الكوميديا غائبة عن الأشرطة التلفزيونية، فلنتعلم كتابة السيناريوهات الفكاهية التي ليست بالأمر اليسير، ولا ينبغي البتة طبعها بالسرعة والتسرع والتلقائية والارتجال. كما ينبغي فرض سيناريوهات تسلط بعض الأضواء على شخصيات عبرت التاريخ المغربي ووضعت بصماتها في أصالة الثقافة المغربية: شخصيات متميزة، تاريخية أو سياسية أو فنية أو رياضية أو.. والأسماء كثيرة في هذا الاتجاه لكي يتعرف عليها أبناؤنا وأبناء أبنائنا. والممثل المغربي في كل هذا؟