في رواية الكاتب الفرنسي جول رومانJules Romain "الرجال ذوي النوايا الحسنة" التي تتكون من 27 مجلد و 779 فصل و التي كتبها بين سنتي 1932 و 1946 يتحدث احد فصول هذه الرواية عن ما يسميه ب"المليون رجل و امرأة" و يقول بهذا الصدد بان خصوصية "المليون رجل وامرأة" تشبه إلى حد كبير خصوصية الدول، بمعنى أن الجغرافية تحتاج هي الأخرى إلى حد أدنى من الديمغرافية لتتحقق على شكل "الدول" و الحكم الذاتي شكل من أشكال الدول المحلية. لنفترض أن الفرقاء السياسيين الثلاثة الذين هم: المملكة المغربية، جبهة البوليساريو و الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة حاولوا إيجاد صيغة متوافق حولها للتمثيلية البرلمانية المحلية لسكان الصحراء، كم سيكون عدد البرلمانيين المحليين و على قاعدة أي أساس سيتم تحديد هذا العدد؟ إذا كانت التمثيلية ستقوم على أساس القبيلة فهذا سيعود بالمنطقة إلى مرحلة ما قبل التوافق و مرحلة ما قبل ظهور تجربة الإعلام المحلي و تجربة تبلور خيار المجتمع "الحداثي الديمقراطي" في هذه الحالة التي سيتم فيها القبول بخيار القبيلة على أساس مجلس شيوخ القبائل و فروعها فقط أين ستذهب باقي الكفاءات المحلية الأخرى من اطر سياسية و فعاليات ناضلت و تناضل من اجل استحقاق تمثيليتها داخل البرلمان المحلي. على أي أساس إذن سيتم تحديد عدد و كيفية اختيار الممثلين البرلمانيين؟ المعايير الدولية التي يتمسك بها الجميع أ و على الأقل يدعي الجميع تمسكه بها تلغي معايير الجنس و الدين و اللون و الانتماء الطبقي و غيره من المعايير الغير منصفة للأفراد؛ ليبقى هنالك معيار واحد هو معيار الديموغرافية. جزر الكناري التي لا تبعد عن المناطق الصحراوية المغربية إلا بأميال بحرية قليلة تتجاوز ديموغرافيتها المليون و سبع مأة ألف رجل و امرأة ، في حين المناطق الصحراوية المغربية المسترجعة ففي أقصى الحالات ديموغرافيتها سوف لن تتجاوز أربع مأة ألف نسمة. ديمغرافية مدينة العيون أكبر الحاضرات الصحراوية كثافة من حيث السكان لا تتجاوز في أقصى الحالات ثلاث مأة ألف نسمة، بمعنى لا ترقى إلى مستوى "المليون رجل و امرأة" التي تحدث عنها صاحب رواية الرجال ذوي النوايا الحسنة. على أي أساس ديمغرافي سيتم اختيار البرلمانيين إذن إذا لم يتوفر الحد الأدنى من الديموغرافية؟ ديموغرافية كل المناطق المتوفرة على حكم ذاتي حجمها الديموغرافي يتجاوز المليون رجل و امرأة. في منطقة كردستان العراق التي تتمتع بحكم ذاتي و برلمان محلي و حكومة محلية ثلاثون ألف من السكان هو الحد الأدنى من الأصوات التي يجب التوفر عليها للحصول على التمثيلية البرلمانية. إذا افترضنا أنه في المناطق الصحراوية سيتم اختيار ممثل برلماني واحد على كل ثلاثون ألف من السكان، فسيكون عشرة برلمانيين ممثلين لمدينة العيون.لكننا نعلم أنه يوم الانتخابات سوف لن يذهب كل المواطنين إلى التصويت على صناديق الاقتراع. إذا افترضنا أن نسبة المشاركة ستبلغ 54% فالتمثيلية البرلمانية في مدينة العيون ستحتاج إلى حد ادني من الأصوات يتشكل من 16000 صوت. إذا أضفنا إلى هؤلاء البرلمانيين العشرة الممثلين لمدينة العيون ممثل برلماني واحد عن كل المحافظات الصحراوية الأخرى التي هي الداخلة، بوجدور و السمارة بالإضافة إلى ممثل برلماني واحد يمثل كل الرحل و المداشر في منطقة الصحراء...وفق هذا التقطيع و في أقصى الحالات سيكون عدد برلمانيي منطقة الصحراء أربعة عشرة برلمانيين. و هل هنالك برلمان واحد في العالم مشكل من عشرة برلمانيين؟ أستغرب صراحة كيف يستطيع المنتظم الأممي أن يعتقد في إمكانية خلق دولة في الصحراء؟ جزر الكناري التي سبقت الإشارة إليها تتمتع بحكم ذاتي و حكومة محلية بفضل الديموغرافية و مثلها مثل المنطقة الباسكية أو المناطق الأخرى من اسبانيا و حتى لو بحثنا بعيدا عن المنطقة التي ننتمي إليها بحكم الجوار فسوف نجد بان الديموغرافية شرط من شروط التحول التاريخي في اتجاه أشكال الحكم الذاتي المحلي. المنطقة الكردية بداخل دولة العراق حاليا تتمتع بحكم ذاتي، و أنا استحضر التجربة العراقية اعلم علم اليقين أن سكان مخيمات تيندوف لازال لهم زعيم صحراوي يدعى مصطفى البرزاني، تيمنا بأحد زعماء كردستان العراق الذي هو مسعود برزاني زعيم الحزب الكردستاني الديمقراطي هذه المنطقة الكردية استطاعت أن تمارس سلطة الحكم الذاتي القومي الإقليمي ليس فقط بفضل النضال التاريخي السياسي للمنطقة لكن بالخصوص بفضل الديموغرافية، لان تحقيق هذا النوع من الحكم الذاتي يتطلب حد ادني من الديموغرافية يتكون على الأقل من مليون من الرجال و النساء. خلال حكم البعثيين العراقيين الذين كانوا يستهزئون في المقاهي و في أماكن عملهم بكل من يثير قضايا الاختلاف العرقي و التنوع الثقافي ، الفكري و الديني، كان و لا كردي واحد يرغب في البقاء تحت حكم دولة العراق البعثية و لكن مع الحكم الديمقراطي الفدرالي الحالي انقلبت الآية و أصبح و لا كردي واحد يرغب في الانفصال على دولة العراق الفدرالية. آخر مقال قرأته لأحد الصحافيين الأكراد يتوجه فيه بالنقد إلى سكان منطقته الكردية يسائلهم فيها لماذا و هم الذين يطالبون بالديمقراطية و حقوق الإنسان لا يقبلون برئيس عربي على منطقتهم. بفضل الديمقراطية تغيرت أمور كثيرة و انتفت كل مطالب الانفصال.الديمقراطية هي السبيل الوحيد إلى الوحدة. برلمان كردستان العراق قائم هو الآخر على الديموغرافية و كما سبقت الإشارة إلى ذلك يتطلب كحد أدنى لولوج قبة برلمان العراق الحصول على ثلاثين ألف من الأصوات. يتشكل برلمان كردستان العراق من 111 مقعدا برلمانيا و نسبة تمثيلية الأكراد في البرلمان الوطني العراقي، أي البرلمان الفدرالي هي فقط 41 مقعدا من بين 325 مقعدا لكل المكونات العراقية. هذه التمثيلية البرلمانية ليست جزافية بل هي نتيجة لتمثيلية ديمغرافية واضحة حيث اعتمد العراقيون التمثيلية على أساس الديموغرافية و ليس على أساس الدين أو العرق أو اللغة حيث اختاروا مقعد برلماني واحد لكل مأة الف نسمة؛ و إذا ما طبقت مثل هذه التمثيلية الديموغرافية بداخل المنطقة الصحراوية المشمولة بنظام الحكم الذاتي بداخل المملكة المغربية، فبالكاد ستتوفر هذه المنطقة على مقعد أو مقعدين في البرلمان المغربي و هذا ضد مكتسبات منطقة الصحراء حاليا التي استطاع ممثلوها الحاليين الحصول على مقاعد عدة وعلى رئاسة مجلس المستشارين. الشروط التي لم تنضج بعد جعلت من خيار الجهوية الموسعة آلية جهوية لإنضاج شروط الحكم الذاتي و صقل مؤهلاته و كفاءاته لكن مع الأخذ بعين الاعتبار المعطى الديمغرافي، لهذا نتسائل إلى متى ستعيش منطقة الصحراء بديموغرافية اقل من مليون من البشر؟ [email protected]