لقد دخلت قضية الصحراء عقدها الرابع من دون أن نرى شعاع نور لها في آخر النفقين الوطني و الدولي.و تطورت القضية و أخذت أبعادا جديدة، في حين بقي المخزن يتعامل معها بمنهجية السبعينيات. حيث لا زال يعتبر حجر العثرة، في عملية إنهاء القضية، الجيران و الانفصاليين. مما يجعل ملف الصحراء مستعصي الحل و مؤجل إلى ما لا نهاية. و موقف المخزن هذا ليس نتيجة تفكير سياسي ضعيف، فهو سياسيا محنك بل و له عبقرية في المجال يحسد عليها. إنّ تمسكه بالتعامل مع القضية على أنّها مسألة انفصاليين خائنين للوطن مدعومين من الخارج نتاج وعيه، في قرارة نفسه، بأنّ الإشكالية هي قضية نهج سياسي داخلي مرفوض من جل فئات الشعب المغربي. و أنّ القضية ليست قضية صحراء بقدر ما هي إشكالية نموذج السلطة المتبعة بالمغرب. فالانفصاليون هم مواطنون مغاربة دفعهم يأسهم إلى التطرف الفكري و اعتماد سياسة تجزئة تراب وطنهم في محاولة للإفلات من قبضة النظام المخزني. فهم فالبداية حاولوا استقطاب التيارات اليسارية المغربية لزعزعت السلطة المخزنية و إزاحتها، لكن مسعاهم باء بالفشل. حينها توجهوا إلى الدعم الخارجي لمناصرة ما يعتبرونه قضيتهم العادلة. بالطبع نهجهم هذا لا يسعنا إلا تصنيفه كهروب من مواجهة الواقع، و وصفه بالجبن و الخذلان. لأن الوطني المناضل يتحلى بالصبر، لأنّ طريق التغيير و الإصلاح طويل و شائك، و بالشجاعة و نكران الذات لأن مصالحه ستتعرض للضرر، و بالحكمة و بعد النظر و التريث في اتخاذ القرار لأنّ الاستراتيجية هي الوطن و الشعب. فاللجوء إلى دعم خارجي حماقة سياسية تؤدي إلى فقدان السيادة و غياب استقلال القرار السياسي. لذلك نرى أنّ مشاكلنا الداخلية يجب أن تُحلّ داخليا، و إن كان هذا الخيار يستوجب تضحيات جسيمة من طرف الشعب و حقبة زمنية تتعدى حدودها الجيل الواحد، و رحم الله من قال أننا جيل القنطرة. طبعا كان بالإمكان تحقيق خطوات مهمة في عملية إصلاح التنظيم المجتمعي لو أن تلك التنظيمات السياسية، المعتمد عليها بالأمس، لم تتخاذل و تتحول إلى دمى متحركة أي أعوانا للسلطة المخزنية تُمرر عبرها مواقفا سياسية، على الجماهير، باسم العقلانية و المنطق الحكيم. فقيادات هذه الأحزاب تعلم علم اليقين أن قضية الصحراء حلها مرتبط بدمقرطة المجتمع بشكل فعال و حقيقي. و هي تحق أنّ المجتمع الدولي لا زال في انتظار، بصبر قد ينفذ غدا أو بعد غد، تنفيذ المغرب للوثائق الدولية الموقع عليها. و موقف هيأة الأممالمتحدة سيبقى على ما هو عليه أي خطاب رسمي رنان في ظاهره مع المغرب، حسب ما تدعيه الجهات الرسمية، و في باطنه.. لأن هذه المؤسسة الدولية تتعامل مع الصحراء كأرض متنازع عليها من قبل طرفين متساويين في الحقوق. فهل هذه النظرة لقضيتنا الأولى، من طرف المجتمع الدولي، يمكن اعتبارها تأييدا للمغرب؟؟؟ و الأحداث الأخيرة، و أقصد ملف أميناتو حيدر، أظهرت مدى "دعم" المجتمع الدولي للمغرب في قضيته، و كشفت حقيقة قوة السلطة المخزنية على الساحة الدولية، كما أزاحت الستار عن إمكانيات الانفصاليين و ذهائهم السياسي. فأميناتو حيدر، التي سمحت لها السلطات بالعودة إلى التراب الوطني، لم تقدم أية تنازلات و لم تعتذر بل تمسكت بموقفها. و مع هذا أرغمت المخزن على السماح لها بالرجوع. إنها الهزيمة النكراء التي ألحقتها امرأة بمخزن أدل شعبا كاملا. و كل كلام عن "أسباب إنسانية" يبقى محاولة فاشلة لحفظ ماء وجه قد تعكر منذ زمان. إن هذه الانفصالية فشل ذريع للديبلوماسية المغربية، و هزيمة السلطة المخزنية، و عار على جبين الدولة، يتحمل نتائجه شعب مُبعد و بريء من كل القرارات الرسمية.