واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    اعتقال موظفين ومسيري شركات للاشتباه في تورطهم بشبكة إجرامية لتزوير وثائق تسجيل سيارات مهربة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع الحكم الذاتي الحل الواقعي والعملي الوحيد لنزاع الصحراء
نشر في هسبريس يوم 05 - 10 - 2008

بعد مشاورات واسعة داخلية و خارجية، تقدم المغرب الى الأمم المتحدة يوم 11 ابريل 2007 بمشروع الحكم الذاتي للصحراء. مشروع أثار اهتماما واسعا في مجلس الأمن و قبولا متصاعدا لدى عدة دول، كانت تناصر وتؤيد في السابق أطروحة الانفصال،من خلال تطبيق مبدأ تقرير المصير لسكان الصحراء، مبدأ كان يسوق له من طرف البوليساريو مدعوما من الجزائر. ""
إن التغيير الذي حصل في الدبلوماسية الدولية و في الرأي العام العالمي من هذا النزاع ، الذي دام أكثر من ثلاثة عقود، يرجع الى التحولات العميقة التي عرفها مفهوم الدولة و نموذج الوطن في القانون الدولي العام، نمط دفع بالمجتمع الدولي إلى الاهتمام بمقترح المغرب و المطالبة بتطبيقه.
تحول يعود حسب المحللين إلى عوامل أساسية ثلاثة، هي :
- الانتقال الذي عرفه مبدأ تقرير المصير و تطبيقاته الجديدة الى نموذج جديد للديمقراطية التشاركية .
- ان المبدأ لم يعد له طابع مناسب لحل المنازعات و المشاكل التي أساسها و مصدرها الأساسي، نزاعات حول ترسيم الحدود بين الدول المستقلة حديثا.
- إن مبدأ تقرير المصير أصبح يعني في القانون الدولي العام لا الاستقلال كما يروج له الانفصاليون و لكن ديمقراطية محلية واسعة ، و بعبارة أخرى ان السكان يتدبرون شؤونهم بأنفسهم تحت سيادة دولة وطنية، تربطهم وإياها روابط تاريخية مؤكدة، و هذا النموذج يتطابق شكلا و مضمونا مع الاقتراح المغربي المقدم لمجلس الأمن.
اهتمام الأسرة الدولية بمقترح الحكم الذاتي لإقليم الصحراء جاء ليعبر عن انتهاء عهد تطبيق مبدأ تقرير المصير المؤدي إلى الاستقلال و بداية العمل بمبدأ تقرير المصير الديمقراطي كسبيل حديث للحكم، انه تغيير في قواعد و أسس الدولة الوطنية، كما كان هو متعارف عليها قديما. فالدول وبدرجات متفاوتة،- تعيش أزمة حكم سواء في الشمال أو الجنوب، فتطبيق مبدأ تقرير المصير في الماضي تمخض عنه الكثير من الدول المجهرية التي لا تتوفر على مقومات الحياة و الأمن والتنمية لمواطنيها، و الأخطر من ذلك، تحولت هذه الكيانات الصغيرة إلى بؤر لنشر العنف و الإرهاب وترحيله إلى الدول المجاورة لها و الى العالم.
بالنسبة لدول الشمال، أزمة الدولة الوطنية أنتجتها العولمة اللامسؤولة والمتوحشة، هذه الأخيرة غيرت قواعد المجتمع الحديث، الذي أصبح يعرف نوعا من الهشاشة و التمزق في علاقاته بالدولة وبالوطن متجاوزة آليات الطبقات الاجتماعية، الأمر الذي خلق تفككا مجتمعيا و سياسيا واقتصاديا وثقافيا بلجيكا مثلا، و نرى الآن الكثير من الدول العريقة في الديمقراطية، عاجزة عن تلبية رغبات و طموحات مواطنيها، بل أصبحت غير قادرة عن لعب دورها التقليدي في ضمان الأمن والعيش لسكانها (fin de l’Etat providence). واقع دفع بالعديد من هذه الدول الديمقراطية الى التفكير في طرق اقتسام السلطة و الثروة و حتى السيادة، على شكل حكم ذاتي لمناطق أساسية من ترابها الوطني، جهات تتميز بخصوصيات جهوية معينة، طبقا لضوابط و قواعد تنظم هذه العلاقات بين الدولة المركز و الديمقراطيات المحلية. إنها سياسة القرب كمنهج جديد في تدبير شؤون السكان شبيهة بصيغة الديمقراطية التشاركية المطبقة في الولايات المتحدة الأمريكية، و ألمانيا الفدرالية، واسبانيا وبلجيكا وروسيا والمكسيك وسويسرا الخ...
ان حل الحكم الذاتي كميكانيزم سياسي و إداري و اقتصادي وثقافي واجتماعي أصلح سياسة متبعة في القارة العتيقة -أوربا- منذ عقدين لمنع كل تفكك و إخماد للصراعات الداخلية، مانعة بفضل هذا المنهج كل انفجار أو بلقنة، كما حدث في جمهورية يوغوسلافيا الفدرالية.
أما على صعيد الأمم المتحدة، نلاحظ أن مجموعة العمل الخاصة بالأقليات و لجنة ترقية حقوق الإنسان التابعة لها و صلت سنة 1995 إلى نتيجة واحدة فكت ألغاز فشل الأمم المتحدة في تطبيق مبدأ تقرير المصير في عدة نزاعات إقليمية خاصة نزاع إقليم الصحراء، حل يكمن في ضرورة تعويض مبدأ تقرير المصير الذي يؤدي إلى الاستقلال بمبدأ تقرير المصير الذي يؤدي إلى الديمقراطية التشاركية أو المحلية كحل للمحافظة على خصوصيات الكيانات الصغيرة و ضمان استقرار الدول و الشعوب. انه الحكم الذاتي الذي أصبح أداة والية نافعة تدعم السلم و الأمن العالميين في كوكب تحول إلى قرية صغيرة.
إن الأمم المتحدة فشلت و لمدة ثلاثين سنة في إيجاد حل مقبول لنزاع الصحراء، هذا الانسداد الدبلوماسي و الاقتحان السياسي الذي عرفته كواليس المنظمة الدولية في هذا الموضوع، أدى بها إلى التفكير في اقتراح مقاربة قديمة في القانون الدولي، تدفع الأطراف المعنية و المهتمة بنزاع الصحراء إلى ضرورة إيجاد حل عملي، واقعي و مقبول من الجميع، و بمعنى آخر، فان الهيئة الدولية فعلت تطبيق عنصر آخر من ترسانة مبدأ تقرير المصير الذي طرحته في مخططاتها السابقة، أي حكم ذاتي موسع لإقليم الصحراء. بناء على ظهور تفسير جديد لمبدأ تقرير المصير، الذي أصبح يعني الديمقراطية المحلية الواسعة، و هذه العودة من طرف المجموعة الدولية إلى الاجتهادات الفقهية القديمة، هي رجوع إلى المعنى الحقيقي لمبدأ تقرير المصير، كما جاء في المبادئ المعلنة في الثورات الانجليزية و الفرنسية و الأمريكية، و الذي كان يعني عند منظريه مبادئ السيادة الوطنية و الحكومة الديمقراطية المنبثقة من التعبير الإرادي الحر للشعب. و هكذا نرى أن الأقليات في العالم اليوم لم تعد تناضل من اجل تحريرها و استقلالها، بل من اجل الديمقراطية و دولة الحق و القانون و المشاركة في الحكم و الثروة و السيادة خاصة تلك الكيانات الصغيرة،التي لا تتوفر فيها عناصر الدولة الوطنية.
وفي هذا السياق، نلاحظ أن مشكلة الصحراء هي مشكلة حدود و ليست مشكلة وجود، فلم تكن الصحراء دولة قبل الاستعمار و لم يكن هناك شعب يسمى بالشعب الصحراوي بل مجموعة من القبائل الصحراوية المتنقلة بين المغرب و موريتانيا و التي كانت تعترف لسلاطين المغرب بالوصاية الدينية والدنيوية. فالخطأ الذي وقعت فيه الأمم المتحدة هو إدراجها النزاع في خانة سياستها القاضية بتصفية الاستعمار التقليدي الذي كان يؤدي إلى تطبيق مبدأ تقرير مصير سكان المستعمرات التي كانت موجودة قبل الاستعمار كدول أو كمجاميع بشرية معروفة، مع ضرورة احترام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للحدود الموروثة عن الاستعمار. إن السبيل الذي سلكته الأمم المتحدة في هذا الشأن كان طريقا مسدودا، و لا يعكس جوهر القضية وطبيعتها و تاريخها، بل زاد في تعقيدها، فالمغرب لم يتوقف عن المطالبة بأراضيه منذ 1966، بناء على روابط قانونية أكدت على بعضها محكمة العدل الدولية التي ارتكبت هي الأخرى نفس الخطأ السياسي بالرغم من اعترافها بقوة العلاقات القانونية التي كانت بين قبائل الصحراء و سلاطين المغرب، لقد أصدرت المحكمة رأيا سياسيا تحت تأثير صدى الاستقلال في العالم الثالث و تفاعلات الحرب الباردة.
الخطأ الثالث الذي وقعت فيه الأمم المتحدة في نزاع الصحراء هو تقديمها سنة 1990 لمخطط لحل النزاع على أساس تقرير المصير المؤدي آليا إلى الاستقلال دون الرجوع إلى مسألة استحالة تطبيق هذا المبدأ على الأرض. فالهيئة الدولية لم تعط أي اهتمام للصعوبات و التعقيدات القبلية والتداخلات الاجتماعية في إقليم الصحراء، و لقد نبه المغرب في حينه، السادة ديكولار وكورت فالدهايم و بطرس غالي، الأمناء السابقين، إن مخططهم غير قابل للتطبيق في هذه الإشكالية طبقا للمعايير المعتمدة من طرف المنتظم الدولي، بسبب كون مبدأ تقرير المصير الذي تضمنه مخططهم في التسعينات هو أمر غير مناسب و غير مقبول في هذه الحالة، و لقد تأكد بعد ذلك فشل المخطط الأممي و ذلك في مراحله الأولى. فالمعايير التي حددت لإحصاء سكان الصحراء كانت مغلوطة وغير موضوعية و غير منطقية و لا تعكس واقع حال سكان الإقليم المتنازع عليه بين البوليساريو المدعوم من طرف الجزائر و المغرب، حواجز اجتماعية وقانونية و قبلية متداخلة، وهكذا تم إجهاض مخطط الأمم المتحدة الذي قبله المغرب في البداية، ورفضه بعد ذلك على أساس ان مشروع الأمم فقد مصداقيته و شفافيته، الأمر الذي دفع المنتظم الدولي إلى البحث و التفكير في آلية واقعيته و مشروعيته.
ان البوليساريو استفاد أمام الرأي العام العالمي، بسبب انهيار و جمود دبلوماسية الأمم المتحدة في حل الإشكالية الصحراوية، فالانفصاليون كانوا يخشون في الأول تطبيق الاستفتاء و يعارضون المخطط الأممي ثم عادوا بعد مرور عقدين للترويج و التسويق له لعدة اعتبارات تكتيكية. فمخطط مجلس الأمن لسنة 1990 كان يطرح مسالة استفتاء السكان حول الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب أو حل الحكم الذاتي و بما أن استفتاء السكان لم ينجح، نظرا لتلاعبات البوليساريو بمعايير إحصاء السكان، فالأمم المتحدة أصبحت مجبرة على التفكير جيدا في شكل اخر لحل الأزمة يتم بموجبها لا منح الاستقلال للصحراء ولا ضم الإقليم إلى المغرب و لكن تطبيق نموذج وسط ، يتمثل في الحكم الذاتي الواسع الذي يساوي الديمقراطية المحلية.
انه المخرج الوحيد للنزاع، و الذي وصلت إليه عدة دوائر دبلوماسية و سياسية عالمية ومستقلة، وهكذا نجد أن مجموعة التفكير في الأزمات "International Crisis Group" ، وهو منتدى تفكير مستقل عن الدول و الحكومات قد أوصى الأمم المتحدة بالبحث عن مقاربة جديدة لحل النزاع الذي وصل إلى حد الصدام المسلح بين الجزار والمغرب، و المعلوم ان هذا المنتدى كان قد ناصر في وقت سابق أطروحة الانفصال. فنتائج دراساته الجديدة هذه المرة لم تهتم بالطبيعة القانونية للنزاع بل بحثت في أسباب فشل المنتظم الدولي في تطبيق حق تقرير مصير سكان الصحراء، ومنها الأسباب السياسية، فالمنتدى السابق الذكر، ألقى بالمسؤولية على المغرب لعدم تعاونه وتجاوبه مع المخطط الأممي و هذا خطأ كبير من جهته، بحيث ادعى أن المغرب وضع عراقيل كثيرة في طريق تطبيق حق تقرير المصير، كما اتهم الجزائر الدولة المهتمة التي أصبح فيها مشكل الصحراء موضوع تجاذبات سياسية داخلية بين مختلف الرؤساء الجزائريين و قيادة الجيش المتهمة في غالب الأحيان بأنها مؤسسة منتفعة ماديا من هذا الوضع الجامد و المتأزم في المنطقة: فمنذ وفاة الرئيس هواري بومدين، أصبحت ملفات الصحراء و البترول في يد الجيش كميادين خصوصية و خطوط حمراء للدبلوماسية الجزائرية، لا يتجرأ أي رئيس من الرؤساء المساس بها، وضع بطبيعة الحال عقد نزاع الصحراء إلى الآن. فمنتدى التفكير في الأزمات "International Crisis Group" أكد في تقريره الخاص حول النزاع، إن الأمر الذي جعل مشروع الأمم المتحدة يعرف الفشل الذريع هو اعتبار الأمم المتحدة للنزاع في الصحراء مسالة تدخل في خانة تصفية استعمار. و لهذا السبب لم يسمح للرؤساء الجزائريين بأي هامش للمناورة و التفاوض مع جيرانهم المغاربة.
فإذا خرجت الأمم المتحدة من هذا الفخ القانوني و السياسي التي أوقعت فيه نفسها و بلورت مقاربات أخرى جديدة، فان حاكم قصر المرادية بالجزائر سوف يتمكن من التجاوب مع النموذج الجديد، المطروح على طاولة المفاوضات، متجاوزا بذلك المؤسسة العسكرية الجزائرية التي تعمل جاهدة على عدم فتح ملف حقوق الإنسان أثناء سنوات الجمر.
أما تحول مواقف الكثير من الدول من نزاع الصحراء و دعمهم لأطروحة الحكم الذاتي، فيرجع حسب المحللين إلى طبيعة نمط الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب. فمجلس الأمن الدولي أصبح يستعمل مفردات "مهمة" و "ذات مصداقية كبيرة و واقعية و عملية لاستتباب الاستقرار في شمال إفريقيا".
إن التحليل العميق و الموضوعي لمشروع الحكم الذاتي لإقليم الصحراء المقدم من طرف المغرب لمجلس الأمن. يبرز أمامنا نوعا متقدما و متطورا للحكم المحلي و صيغة أخرى للديمقراطية التشاركية. فلا يوجد نموذج مثالي لهذا الأسلوب في الحكم في العالم. فالتطبيقات كثيرة ومتنوعة وتختلف من دولة إلى أخرى حسب خصوصيات كل مجتمع وظروفه التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إن مشروع الحكم الذاتي لإقليم الصحراء أخد ايجابيات التجارب المطبقة في عدة ديمقراطيات غربية، و هذا ما أكدته جماعة لند "Lund " المختصة في وضع معايير موحدة لنموذج الحكم الذاتي في العالم. إن المغرب عندما تقدم إلى مجلس الأمم بمقترحه الخاص بالحكم الذاتي لإقليم الصحراء، فانه قدم تضحيات و تنازلات ضخمة و موجعة وأقصى ما يمكن أن يقدم في ميدان اقتسام السلطة والثروة مع جماعة البوليساريو و بمعنى أدق، اقتسام سيادته الوطنية على الإقليم مع آخرين اختاروا مسار التمرد والانفصال، سياسة تؤكد على ان المغرب قد انتقل من دولة مخزنية مركزية عتيقة إلى دولة حديثة ديمقراطية شكلا و مضمونا خطابا و ممارسة، وان هذا المقترح هو منهجية معتمدة ولا رجعة فيها بالرغم من استمرار بعض جيوب المقاومة لكل تغيير ولكل إصلاح في البلاد. فالحكم المحلي لا يتناسب مع الدكتاتورية بل يعكس إرادة سياسية قوية لملك المغرب الشاب في الديمقراطية القائمة على الحق والقانون.
و بهذا المشروع، يكون المغرب قد وضع حدا لمبدأ تقرير المصير المؤدي إلى الانفصال و تعويضه بمبدأ تقرير المصير الذي يعني الديمقراطية التشاركية أو الديمقراطية المحلية، مقترح تم تزكيته من طرف بعض الدول العظمى و لازال بعضها يتردد بفعل دبلوماسية البترودولار التي تجهض كل محاولة مهمة لحلحلة النزاع في الصحراء.
فالكثير من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة فهموا أن مصلحتهم تدفعهم إلى القبول بمشروع الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب كحل مقبول، وسطي، عملي واقعي ووحيد لحل النزاع، لان تفكك أوصال دولة مستقلة ذات سيادة كالمغرب تشكل خطرا و تهديدا ملموسا للعديد من الدول الافريقية و الاسيوية و اللاتينية و الاوروبية. أما بخصوص الدول المجاورة للمغرب، فاعتقد ان عليها التفكير العميق للنتائج المحتملة للتطبيق الحرفي لمفهوم تقرير المصير المؤدي الى الاستقلال وذلك على وحدتهم الترابية ومستقبل دولهم خاصة، انهم يواجهون عدة حركات انفصالية... ان شبح التمزق لا زالت مؤشراته قائمة في شمال افريقيا و اوروبا الجنوبية و ان العديد من الأقليات بدأت بمرحلة البحث عن الذات .
ان تشجيع تطبيق مبدأ تقرير المصير المؤدي للاستقلال هو كذلك المناداة على خطر نائم في منطقة المغرب العربي خاصة عندما نعلم ان العالم يعرف استيقاظ آلاف الأقليات قد تكون نتائجه وخيمة على الجميع ، و الأكثر من ذلك ان الحروب قد توقفت بين الامم لتحل محلها حروب داخلية تتواجه فيها الأقلية الاثنية مع دولتها المركزية .
ان قرار مجلس الأمن رقم 1754 عرف تحولا عميقا في موقف الأمم المتحدة اتجاه المبادرة المغربية، التي هي قرار واقعي يختلف اختلافا جوهريا عن مقررات المنتظم الدولي السابقة في هذا الموضوع المعقد و الشائك . انها ثورة حقيقية للامم المتحدة ضد قراراتها و مواقفها الخاطئة السالفة التي كانت افرازا حقيقيا للحرب الباردة . وان هذا الوقف الجريء لمجلس الامن الدولي يتماشى و يساير ضمنيا الخط الذي انتهجته محكمة العدل الدولية التي اعترفت في رايها بوجود روابط قانونية بين سكان الصحراء و المغرب من جهة و وجوب تطبيق مبدا تقرير المصير من جهة اخرى، و هذا يدل منطقيا ان تقرير المصير المتضمن لهذا الرأي السياسي لا بد ان ياخد شكلا داخليا. ان صدى قرار مجلس الامن 1754 كان وقعه ايجابيا على اللجنة الرابعة التي ساندت مقاصد القرار الاممي، و اعتبرت ان كل الحلول ممكنة و قابلة لتطبيق في هذا النزاع بما في ذلك حل الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية . و يمكن تفسير هذا التغيير في موقف اللجنة الرابعة الى ثلاثة عناصر اساسية :
– تحول مبدا تقرير المصير و رجوعه الى معناه الاصلي الذي يقوم لا على الانفصال او الاستقلال و لكن على الحكم الذاتي المحلي الديمقراطي في اطار الحكامة الراشدة و الديمقراطية الحقة .
– فشل تطبيق اليات مبدا تقرير المصير في الصحراء المغربية للاسباب المذكورة (تمييع آليات احصاء السكان).
– نوع و شكل مقترح الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب الذي اعتبر من طرف مختصين سياسيين و قانونيين انه اسلوب متقدم و ثوري بالمقارنة مع التجارب الإنسانية الأخرى .
– تحول بعض الشبان الصحراويين إلى الإسلام الجهادي وتجنيده من طرف القاعدة في المغرب الإسلامي.
ان الموافقة على تطبيق الحكم الذاتي هو إجراء سياسي مقبول لأنه شرعي ووحيد و يطابق ميثاق الامم المتحدة التي لم تتطرق في السابق الى الحلول المنطقية التي يوفرها القانون الدولي العام، فوقعت بسبب ذلك في كمين قانوني لم تتمكن من الخروج منه الا بفضل مقاربتها الجديدة المجسدة في الحكم المحلي . انها آلية مرنة تعطي الحقوق لكثير من الاقليات المقموعة و المستضعفة في العالم. فالامم المتحدة لم تعد تقبل بظهور دول مجهرية ضعيفة تحت وصاية دول مجاورة قوية.
لأنها كيانات لا يمكنها ضمان استمراريتها في الحياة، وقد تتحول الى مصدر تهديد للامن و السلم الدوليين بسبب الارهاب و الأكثر من ذلك (فشل استقلال تيمور الشرقية)، فان نوع الحكم الذاتي المتطور تحول الى تعبير عن المشاركة في القرار السياسي الاقتصادي للدول، و أهم مثال على ذلك، كيف تحولت بيافرا في نيجريا و مقاطعة كبيك في كندا إلى مقاطعات غنية و ديمقراطية، تشارك الدولة الفدرالية النيجرية و الكندية ازدهارها و تقدمها و ديمقراطيتها. فلا يمكن لأية دولة تنادى بتطبيق الحكم الذاتي لاحدى الاقليات دون ان تكون دولة ديمقراطية أصلا تضمن الحقوق الفردية و الجماعية لكل مكوناتها. إن هذا التحليل ليس بالأكاديمي أو فرقعات إعلامية او تسويق مجاني لآلية الحكم الذاتي بل تطور حصل في منظور الشعوب الى المقاربات الجديدة في الحكم و السيادة لدع استقرارها وامنها.
و في الختام أقول، ان العولمة في كل تجلياتها طرحت و لازالت تطرح عدة تساؤلات حول مستقبل دول المغرب العربي التي تشهد مرحلة انتقالية خطرة و حساسة و هشة و غليانا شعبيا متصاعدا، فشمال إفريقيا لم يعد معطى جيوستراتيجي فقط، بل بات مجموعة من الشعوب و الأقليات ( الامازيغ، التوارق، الخوارج، الصحراويون) نبتت و ترعرعت في نفس الوعاء و العدمية المتبادلة، فلهم نفس اللغة و لهم نفس الدين و المذهب و نفس الثقافة ونفس التاريخ ويتوفرون على نفس المؤهلات والإمكانات البشرية و الاقتصادية التي تحقق التكامل الاقتصادي ولكنها تتميز بخصوصياتها على الأغلبية. فهذه المنطقة هي حرة لا تقبل ضرة وليست قادرة على استيعاب كيان آخر، لذا نرى أن الشعوب المغاربية توجد في مفترق طرق خطير من تاريخها. انه منطق التكتل الجهوي المتفتح في ذات الوقت على إفريقيا و البحر الأبيض المتوسط الذي يفرض نفسه على الجميع و لو كره الكارهون بشرط تجاوز عقدة الحدود الوهمية الموروثة عن عهد الاستعمار، حدود لا زالت تخلف الأحقاد و الألغام المتراكمة و تهدد شمال إفريقيا بالانفجار.
ينبغي ان تكون المكونات الأساسية الجهوية لشعوب المغرب العربي هي الأرضية و المحرك الجيوسياسي لمستقبل أجيال هذه المنطقة العربية، موحد ة و متجاوزة لعراقيل البارحة، وهذا يحتم عليه اختفاء منطق الدولة الوطنية المركزية الدكتاتورية . لان شبح التفكك لا زال موجودا و إرادات الانفصال لا زالت قائمة في كل ركن من شمال إفريقيا، فشعار مغرب الشعوب الذي كان عنوان ايدولوجيا فارغ والذي تم تسويقه لأغراض معروفة، حل محله مغرب الجهات الذي سوف يقوم في القرن الحالي و لكن على دعائم صحيحة ومتينة .
انه الحل الوحيد الشرعي الواقعي والعملي والمقبول من طرف الرأي العام العالمي عامة والمغاربي خاصة المطروح على المنطقة، لتفادي التصادم و التشرذم، فلا غالب و لا مغلوب إذن ...
ذ.عبد الرحمن مكاوي
أستاذ العلاقات الدولية
وخبير في الشؤون العسكرية والأمنية
[email protected]
أستاذ العلاقات الدولية
وخبير في الشؤون العسكرية والأمنية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.